|
الولايات المتحدة وثورة ليبيا: عين على المصالح وأخرى على الإصلاح
ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية
(Yasser Qtaishat)
الحوار المتمدن-العدد: 3306 - 2011 / 3 / 15 - 15:05
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تشوب الموقف الأمريكي ازاء الحراك الشعبي العربي والثورات التي بدأت تجتاح المنطقة العربية، الكثير من الغموض والضبابية، بدءً من تونس ومصر ، ومرورا باليمن وليبيا، وصولا الى البحرين وسلطنة عُمان والجزائر والمغرب والأردن، وربما تزداد الأمور تعقيدا حينما يلمس المواطن العادي، تباينا في صورة وخلفيات الموقف والحراك الأمريكيين إزاء المشهد العربي بتفاصيله الدقيقة . فبينما يراها البعض منغمسة في تفاصيل المشهد المصري ولعبت دروا في الضغط على الرئيس المخلوع حسني مبارك لتخليه عن السلطة والتداخل في العديد من القضايا المصرية والتفاوض مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتحديد بعض السياسات الداخلية والخارجية، نرى عدم تحمسها الشديد للتدخل بصورة مباشرة في ثورتي ليبيا واليمن، ففي حالة ليبيا تراقب عن كثب ما يجري وتصدر تصريحات خجولة وإدانة لا تعكس الموقف الحقيقي للسياسة الأمريكية تجاه ليبيا والعقيد لقذافي والتي طالما اتسمت بالتهديد والوعيد حتى إجراء مصالحة أو تصفية حسابات بينهما عام 2003م حولت مجريات العلاقات من حالة العداء المستحكم إلى "وصفة" المصالح الممكنة، وفي حالة اليمن نجد موقفا مشابها لليبيا، مع فروقات فرضتها طبيعة الواقع الاستراتيجي لدور كل بلد في منظومة المصالح الأمريكية في المنطقة، وتحديدا اليمن القريبة من منطقة الخليج ولذلك تحظى باهتمام أمريكي أكثر نسبيا من ليبيا في شمال إفريقيا والهامة استراتيجيا لأوروبا . من هنا، سال البعض عن سر الارتياح الأمريكي لثورة شباب مصر، ثم سر الارتباك الأمريكي إزاء ثورات تونس وليبيا واليمن ومنطقة الخليج العربي؟ خاصة وان الولايات المتحدة الأمريكية لم تبدي نفس الاهتمام بثورة تونس التي فجّرت الثورات الشعبية في المنطقة العربية، واعتقد البعض أن تحركها إزاء مصر جاء كرد فعل على ارتباكها في ثورة تونس، لكنها عادت للغموض والإبهام في ثورات ليبيا واليمن والبحرين وسلطنة عُمان! الأمر الذي يدعو للبحث عن إجابات منطقة وتفسيرات عقلانية تسبر غور حقيقة الموقف الأمريكي وتجلياته وتفاصيله الغامضة . بداية لا تشكل تونس نفس الأهمية السياسية والإستراتيجية للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وان كانت تونس –بلا شك- محور هام في شمال إفريقيا للحرب على الإرهاب وتنفيذ أجندة المصالح الأمريكية في تلك الهامة في أفريقيا خلال العقدين الأخيرين، سواء على صعيد القضية الفلسطينية واستضافة حركة فتح لسنوات، او على صعيد القضايا العربية واستضافة تونس لمقر الجامعة لسنوات أيضا، ناهيك عن دورها في ضرب معاقل الحركة الإسلامية في تونس والمنطقة بالتعاون مع المخابرات الأمريكية . رغم كل تلك الخدمات الجليلة التي قدمها نظام بن علي التونسي للغرب والولايات المتحدة الأمريكية تحديدا، تبقى دور تونس أقل أهمية مقارنة بنظام حسني مبارك المصري الذي يعتبر حجر الرحى في الشرق الأوسط، بوصف مصر أكبر دولة عربية ولها وزنها وثقلها القومي السياسي الاقتصادي والدبلوماسي في التاريخ العربي المعاصر، ولا ادل على ذلك من ضعف الموقف العربي حيال إسرائيل بعد خروج مصر من الصف العربي بعد اتفاقية كامب ديفيد عام 1979م . فضلا عن ذلك، تنبع أهمية ثورة مصر بالنسبة للولايات المتحدة مقارنة بغيرها منا لثورات الشعبية العربية، من واقع قيادة مصر لمحور الاعتدال في وجه ما تسميه واشنطن محور الممانعة بقياد إيران وسوريا وحزب الله وحماس، كما أن مصر الحليف المعلن رسميا لإسرائيل أحد أهم أطراف التواجد الأمريكي في الشرق الأوسط عموما . ورغم الأهمية القصوى التي يمثلها نظام مبارك للولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أن سقوطه المدوي بسبب الثورة الشعبية المصرية، دفع الولايات المتحدة لاختيار الوقوف إلى جانب مطالب الثورة منعا من دخول مصر في متاهة خراب ودمار وحرب أهلية تنشر الفتنة وعدم الاستقرار في المنطقة بما يهدد أمن إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لضمان قيام نظام مصري جديد –حتى ولو بشكل ديمقراطي حر- ينسجم مع مصالح الولايات المتحدة بعيدا عن نظام مبارك الذي أصبح مثيرا للانقسام والخلاف في الداخل المصري منذ سنوات مضت، وبات وجوده عبء على السياسات الأمريكية الجديدة لجهة التغيير والإصلاح الذي يلبي حدود معينة من مطالب الشعوب المضطهدة في الشرق الأوسط، لغياب الحرية والحكم الصالح والمشاركة السياسية في الغالبية العظمى من الدول العربية. على الجبهة الليبية، اختلفت الصورة بشكل كبير لدى البيت الأبيض الأمريكي، فتسارع تحول الثورة الشعبية الليبية من سلمية إلى ثورة مسلحة، وسرعة تطور الأحداث العسكرية هناك، وارتفاع حصيلة القتلي والجرحى، زاد من حجم الارتباك الأمريكي والأوروبي إزاء ذلك الوضع الخاص الذي اختلف كلية عن ثورتي تونس ومصر، السلميتين، فبدأت الولايات المتحدة تتعامل مع الأزمة منذ يومها الأول بتردد محسوب وتريث معقول، بدا للبعض انه إرباك او تخبط غير مقصود! لكنه في حقيقته تردد يقوم على حسابات معقدة لا تدخل في الحسبان العواطف الإنسانية البحتة، فواشنطن ليست مستعجلة في أمرها لحسم خيار التدخل العسكري، كما يحاول البعض دفعها إلى ذلك، مدفوعة بمخاطر القيام بذلك في ظل تورطها في العراق وأفغانستان، كما أنها لا تعلم حقيقة الطرف البديل في حال رحيل نظام القذافي-اللانظام-!! لاسيما وان حسابات تحول ليبيا الى دولة إسلامية في ظل قيادات إسلامية ليبية بارزة تصدرت المشهد السياسي منذ أكثر من أسبوعين، يثير مزيدا من القلق في نفوس الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية. الخوف الأمريكي من دعم الثورة الليبية نابع أيضا من تجربة الولايات المتحدة مع تنظيم القاعدة وأفغانستان سابقا، فهي تخشى من تكرار خطأ تسليح ثورة شعبية هلامية –غير محددة المعالم والقيادات- تتحول بعد الاستيلاء على السلطة في ليبيا إلى جماعات إسلامية تعادي الولايات المتحدة كما فعل تنظيم القاعدة وحركة طالبان من قبل، وربما اخطأ ثوار ليبيا حينما أعلنوا استيلائهم على مخازن أسلحة نظام القذافي، ما افقدهم ميزة ان تبقى ثورة سلمية ولو لفترة وجيزة لحين نظر الغرب بصورة جدية في تقديم السلاح والمال للثورة، وربما ساهم هذا العامل في تمهل الولايات المتحدة أكثر في تحديد شكل التدخل العسكري المطلوب، وهذه وجهة نظر لها ما يبررها على ارض الواقع، رغما ما تبدو عليه من تناقض خفي! إذ ان الولايات المتحدة ورغم تخوفها من تقديم السلاح للثوار، إلا أنها كانت ستفعل ذلك في حال كان هو السبيل الوحيد لإنقاذ الشعب الليبي من حكم القذافي الجنوني الذي يستخدم كل أشكال العنف والقوة المفرطة ضد شعبه الأعزل. قصة القاعدة والتسليح، تنبه لها القذافي بسرعة بعد ان نشرتها بعض وسائل الاعلام، فكانت هي حجته في خطابه للغرب والولايات المتحدة بعد ان استفاق من صدمة ورعب الثورة الشعبية المفاجئة، إذ أعلن أكثر من مرة وفي أكثر من خطاب عن وقوف القاعدة وتنظيمات إسلامية إرهابية خلف هذه الهلوسات الشعبية التي تهدف إلى نشر الفوضى والخراب في ليبيا والمنطقة، وأعلن ان نظامه هو صمام أمان لشمال إفريقيا والمنطقة وإسرائيل، ما دفع الأخيرة لمحاولة مساندته عبر بوابة واشنطن، فأخذت الصحف العبرية تشدد على أهمية الحفاظ على نظام القذافي، ودعت واشنطن الى عدم دعم الثوار بالسلاح خوفا من استخدامه في عمليات إرهابية ضد إسرائيل ومصالح الغرب في المنطقة العربية. تسارع عمليات تقدم الثوار بشكل عسكري صوب مدن الشرق والوسط وصولا الى تخوم سرت وطرابلس حيث معقل القذافي وكتائبه، ساهم أكثر في تباطؤ وربما –فرملة- الحماس الأوروبي والأمريكي تجاه دعم الثورة، وساعد في تقليل أهمية دعم الثورة بالسلاح مادام انها قادرة على الاستمرار في طريقها صوب طرابلس وسرت، واعتقد ان القذافي أراد ان يعطي الثوار هذه الميزة لتلك الغاية، وهي منع وصول أي دعم عسكري للثوار وإرهاقهم في الصحراء الليبية ومن ثم الانقضاض عليهم بكل يسر وسهولة من خلال الجو والبر والبحر، وهو ما لمسه الجميع خلال اليومين الماضيين، بعد ان استخدمت كتائب القذافي قوتها العسكرية البرية والبحرية والجوية ودفعت حركة الثوار المسلحين للخروج من البريقة وأجزاء كبيرة من مصراته . تزامن ذلك مع قرار جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي بدعم دولي لفرض حظر طيران فوق الأجواء الليبية، بحيث بدا الأمر وكأنه رسالة بعث بها القذافي الى المجتمع الدولي والدول العربية، بأن نظامه ما زال مسيطرا على الأمور وانه حرر الأراضي التي استولى عليها الثوار قبل أيام معدودة. ويبدو ان كل من الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والحلف الأطلسي والأمم المتحدة في حيرة من أمرهم بسبب تباين المصالح بين تلك الأطراف وعلاقات دولها الخاصة بالعقيد القذافي ومدى فائدتها أو تضررها من دعم الثوّار او النظام الليبي! لذا رمت الولايات المتحدة بشرعية أي تحرك عسكري تجاه ليبيا في حضن جامعة الدول العربية، التي سرعان ما أعادت الكرة الى ملعب أوروبا والولايات المتحدة بعد منح تفويض عربي رسمي بفرض حظر طيران فوق الأجواء الليبية، لكن المسالة لم تنتهي بعد، فرغم محاولة كل طرف إلقاء المسؤولية على طرف آخر، يبدو الارباك هو سيد الموقف الدولي عموما، فالقارة الأوروبية الأكثر تضررا –من ناحية عملية- من تصاعد الأوضاع في ليبيا، لم تحسم أمرها بتدخل عسكري من عدمه، رغم التفويض العربي بذلك، وأيضا لتداخل وتباين المواقف والمصالح مع النظام الليبي، ويبدو ان القضية اكبر من مجرد فرض حظر جوي، كما فعل المجتمع الدولي في كردستان العراق وصربيا والبوسنة والهرسك!! فمعادلة الأزمة في ليبيا وتداعياتها الإقليمية والدولية، تختلف كلية عن تلك الأمثلة الماضية، فالولايات المتحدة غير متحمسة لهذا الخيار حتى الان، يدعمها في ذلك دول أوروبية وأسيوية وعربية مثل روسيا والصين وايطاليا وألمانيا واسبانيا وسوريا واليمن والجزائر، كما ان العمل العسكري يتوجب استعدادات لوجستية وإمدادات من مناطق حيوية، لا تساعد الظروف الإقليمية في المنطقة العربية، وتحديدا في مصر وتونس ، على توفرها حاليا، وربما يؤدي التدخل العسكري –في حال صدور قرار دولي بذلك- إلى تأزيم القضية وخروجها من ثوب الثورة الشعبية المسلحة التي تسعى لإطاحة بالنظام، إلى عباءة التدخل العسكري، الذي سيتحول مع الأيام الى حرب مفتوحة في منطقة لا ينقصها نزاعات وصراعات مسلحة، في الوقت الذي حذرت دول عربية وأوروبية من ان التدخل سيكون استعمار جديد يستغله العقيد القذافي لشرعنة حربه ضد الثوار الذين اتهمهم منذ البداية بتنفيذ أجندات واملاءات خارجية !! من جهة أخرى، تبرز قيمة المصالح الخاصة بين دول المجتمع الدولي ونظام القذافي، فالمواقف الأمريكية والأوروبية محكومة بالتزامات تجارية واقتصادية ومالية وصفقات ضخمة متبادلة تمت بين نظام القذافي وحكومات أوروبا والولايات المتحدة بعد احتلال العراق عام 2003م، فليبيا دخلت في تحالف غير معلن مع دول أوروبا والولايات المتحدة منذ ان سلمت كل ما تملكه من مشروع البرنامج النووي للغرب، مقابل الخروج من قفص الاتهام بالدول "الإرهابية" او الراعية للإرهاب، وكذلك ضمان الحفاظ على نظام القذافي من أي تدخل عسكري او مؤامرات ما للإطاحة به، أسوة بما جرى لنظام صدام حسين، إضافة الى توقيع عشرات الصفقات التجارية والنفطية التي منحت الأفضلية لتلك الدول على حساب دول أفريقية كانت تحظى بعلاقات متميزة مع ليبيا. وهي الصفقة التي يقول عنها مدير المخابرات الأمريكية السابق جورج تينت في كتابه "في قلب العاصفة" أنها أشبه بإعادة تأهيل ليبيا للانضمام للمجتمع الدولي بثوب جديد، حيث تم تبيض ملف القذافي كاملة مقابل تسليم كل برامجه لأسلحة الدمار الشامل، ويذكر تينت ان إسرائيل كانت تسير على نفس الخط وتراقب تلك التطورات بعيون أمريكية-يهودية، وكانت راضية عن تحول ليبيا من خانة العداء الى الصداقة المبطنة، وهذا ما يفسر اليوم ما كان يشير اليه القذافي في خطاباته الأخيرة بضرورة التزام الغرب والولايات المتحدة تحديدا بالتعهدات المتبادلة بينهما، والتي يبدو انها منحصر في حماية نظام القذافي ودعمه سياسيا واقتصاديا وتأهيله لممارسة أدوار إقليمية، تحارب الإرهاب والجماعات الإسلامية وتضمن حماية مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة . من هنا نفهم سر الاهتمام والحماس الإسرائيلي في الدفاع عن نظام القذافي، خاصة بعد ان صرح وزير خارجية إسرائيل مؤخرا ان حكومة بلاده تحترم التزامات القذافي بامنها، وان القذافي –كما ترى إسرائيل- رجل يحترم وعوده، في ظل حملة الإعلامية إسرائيل لدعم القذافي، بشكل غير معتاد في الثورات الشعبية العربية، فنس الصحافة لم تدافع عن نظام مبارك كما تدافع اليوم عن نظام القذافي !! ومن هنا يمكن تفسير خبابا المواقف الأوروبية والأمريكية من الثورة الليبية، بعد أن أمطنا اللثام عن بعض التفاصيل المعقدة في الأزمة اللبيبة وتجلياتها العربية والدولية، حيث ظلت الإدارة الأمريكية تتردد طيلة الأسابيع القليلة الماضية، بحجة أنها تفكر بالخيارات وتدرس الأزمة مع الأطراف العربية والإقليمية، لكنها في حقيقة الأمر تحاول استهلاك الوقت وامتصاص الغضب الشعبي العربي والدولي لحين ان تتضح الصورة وتفسح المجال أمام القذافي لحسم الثورة والرد على الصدمة التي تلقاها في الأيام الأولى للثورة، ويعيد السيطرة على المدن التي فقدها تدريجيا، ومن هنا نفسر أيضا الصمت الأمريكي اليوم على قرار فرض الحظر الجوي رغم دعم العديد من الدول له، بحيث أنها تحاول تأجيل البحث في هكذا خيار، حتى ولو لوحت به ظاهريا، من خلال الحديث عن معوقات تحول دون ذلك مثل رفض الصين وروسيا لقرار دولي بهذا الخصوص، والحديث عن تعقيدات عسكرية صعبة، وعن ضرورة احترام الشرعية الدولية!! لدرجة –توضح مدى الاستهزاء بالأمر- ان وزير الدفاع الألماني المتحالفة بلاده مع الولايات المتحدة الأمريكية، اشترط استفتاء الشعب الليبي على أي إجراء عسكري ضد ليبيا، حتى توافق ألمانيا على المشاركة في حظر جوي !! بحيث يبدو حديث البيت الأبيض خارج سياق الدور العالمي الأمريكي الذي يتدخل في كل بقعة دون الحاجة لاي قرار أممي أو أوروبي، فالولايات المتحدة تدخلت بالعراق واحتلته رغم رفض غالبية دول العالم، وتدخلت عبر الحلف الأطلسي في أفغانستان وصربيا ويوغسلافيا وبنما وفيتنام!! فمتى كانت الولايات الأمريكية تبحث عن شرعية دولية لتدخلها في بلد ما! ولماذا هاجمت طائرتها قصر العقيد القذافي عام 1986م دون أدنى شرعية، واليوم تتحدث عن خيار الشرعية الدولية وموافقة مجلس الأمن !! أسئلة كثيرة وعديدة توضح للعيان بلا شك ان الموقف الأمريكي حيال ليبيا تحديدا، يخضع لحسابات مصالح معقدة، تفضل واشنطن ان تتأنى في اختيارها هذه المرة، ليس حفاظا على القذافي، وإنما رغبة في ان تبقى ليبيا المعاد تأهيلها في أخر سنوات القذافي، هي الحليف غير المعلن في شمال إفريقيا، بعد تطويع نظام القذافي برمته، خاصة وان هوية النظام البديل غير واضحة للغرب، في ظل خوف واشنطن من هويات فرعية قبلية وإسلامية متطرفة، يمكن ان تجعل من ليبيا مرتعا خصبا للجماعات الإرهابية التي تطاردها في كل مكان . إذا، فمماطلة الولايات المتحدة ومواقفها التي تبدو للعيان مرتبكة، هي مواقف متأنية تحكمها المصالح والسياسات الغربية والعربية في المنطقة، خاصة وان تبيض ملف القذافي لدى واشنطن وتل أبيب مقابل التزامات ليبية "تجارية واقتصادية ونفطية" ، يحول دون الانقضاض على نظام القذافي بهذه السهولة، فتحبذ واشنطن أن يأتي التغيير والإصلاح من الداخل، فان نجحت ثورة ليبيا في خلع النظام، ترحب به وتبدأ رسم علاقة جديدة مع نظام جديد، وان استمر القذافي في نظامه، تبقى على تعهداتها وصفقتها معه قبل سبع سنوات. ويجب ربط ذلك كله، بالمعلومات التي سربتها وثائق ويكيليكس بخصوص انتقادات غربية وعربية وجهتها جهات عليا للولايات المتحدة بسبب دعمها لثورة شباب مصر، ودعتها إلى الحفاظ على الأنظمة التقليدية الحليفة لها، لأنه بخلاف ذلك، ستجد واشنطن وحليفتها إسرائيل نفسيهما، أمام أنظمة ديمقراطية وإسلامية معادية كلية للوجود الأمريكي في المنطقة، وربما تشكل تحالفات قومية برسم الشعوب العربية المقهورة لتصفية الحسابات مع واشنطن وإسرائيل وقوى غربية أخرى!! ونصحت تلك الجهات الولايات المتحدة بان تدعم الأنظمة المستبدة الحليفة على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، لان ذلك يصب في مصلحة الغرب وإسرائيل إجمالا! ومن هنا، وبغض النظر عن صحة هذه التسريبات، يمكن من خلال تلك التوليفة أن نفهم سر التباطؤ والإبهام والغموض الأمريكي من الثورات الشعبية العربية في كل من ليبيا واليمن والبحرين والجزائر والمغرب وسلطنة عُمان، فمعسكر المحافظين والمستبدين، في الغرب والشرق، نجح في فرض مواقفه وخياراته على عواصم القرار الدولي.
#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)
Yasser_Qtaishat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التجربة الديمقراطية في البحرين (6)
-
ليبيا: مفترق طرق خطر .. ومرحلة خيارات ضيقة
-
التجربة الديمقراطية في البحرين (5)
-
-الحرية- المظلومة !!
-
ديغول فرنسا يرحل وزعماء العرب باقون حتى القيامة !!
-
التحديات التي تواجه بناء دبلوماسية عربية موحدة
-
المشهد الأخير للقومية: أزمة الدولة العربية
-
التجربة الديمقراطية في البحرين (4)
-
سمات الدولة العربية وعلاقات التعاون والنزاع
-
التجربة الديمقراطية في البحرين (3)
-
حقيقة معمر القذافي: سيرته وشخصيته وأكاذيبه !!
-
التجربة الديمقراطية في البحرين (2)
-
التجربة الديمقراطية في البحرين (1)
-
جماهيرية -الهلوسة- والزحف المقدس
-
معمّر القذافي: جنون العظمة وكاريزما معقدة
-
أسطورة القذافي -الآلهة- تدفع ليبيا نحو الهاوية !!
-
-الضربة الاستباقية- كاستراتيجية جديدة في العلاقات الدولية
-
المشهد السياسي الاردني: الاصلاح بين أزمات مركبة وملفات شائكة
-
تسونامي الثورات الشعبية ودولة -الثقب الأسود- العربية
-
المصلحة العربية بين القطرية والقومية
المزيد.....
-
المافيا الإيطالية تثير رعبا برسالة رأس حصان مقطوع وبقرة حامل
...
-
مفاوضات -كوب 29- للمناخ في باكو تتواصل وسط احتجاجات لزيادة ت
...
-
إيران ـ -عيادة تجميل اجتماعية- لترهيب الرافضات لقواعد اللباس
...
-
-فص ملح وذاب-.. ازدياد ضحايا الاختفاء المفاجئ في العلاقات
-
موسكو تستنكر تجاهل -اليونيسكو- مقتل الصحفيين الروس والتضييق
...
-
وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في كييف ومقاطعة سومي
-
مباشر: قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في
...
-
كوب 29: اتفاق على تقديم 300 مليار دولار سنويا لتمويل العمل ا
...
-
مئات آلاف الإسرائيليين بالملاجئ والاحتلال ينذر بلدات لبنانية
...
-
انفجارات في كييف وفرنسا تتخذ قرارا يستفز روسيا
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|