|
إرادة الشعوب جمرة نارتحت رماد الاستبداد
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3306 - 2011 / 3 / 15 - 14:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أثبتتْ ثورة شعبنا فى شهرطوبة / يناير2011أنه لا التضليل الإعلامى والتعليمى ولا القمع الأمنى ولا المقالات والكتب التى تُروّج لتدعيم أركان الحكم المعادى للشعب ، أنْ تهزم براكين الغضب داخل صدورالشرفاء. فاجأتْ الثورة الذين أسهبوا فى كتاباتهم عن أنّ شعبنا لايثور، كان الصبرالطويل يُغطية طبقة من الصدأ ، جاءتْ الثورة وكشطتها ، لتُبرزالجوهرالكامن الذى ميّزثورة شعبنا عن ثورات شعوب كثيرة ، وإنْ كانت القِبلة واحدة : الحرية. فالثورة الفرنسية (1789) يراها كثيرون أنها بدأتْ عقلية بتأثيرحركة الاستنارة فى القرن 18 ويراها آخرون أنها ضد الاقطاع ، فهى ثورة البوجوازية. تحدى الثوارالملك وأنشأوا الجمعية الوطنية فى 17يونيو، وأقسموا ألاّينفضوا حتى يضعوا دستورًا للبلاد. وفى 4أغسطس ألغتْ الجمعية الوطنية جميع الامتيازات الاقطاعية. ورأى خطيب الثورة (هونوريه دى ميرابو) أنّ ضعف الملك لابد أنْ يُشعل الثورة ، فحاول الملك تقوية السلطة التنفيذية، ولكن الجمعية التأسيسية كتبتْ دستورًا قيّد السلطة التنفيذية إلى حد العجزفكان مقدمة حقوق الإنسان الشهير. وأقسم رجال الدين اليمين للسلطة المدنية. وأصبح الشعارالجديد هو (الحرية والمساواة والإخاء) ورغم بحور الدماء فإنّ الثورة قوّضتْ بناء أوروبا القديمة ، ومهّدتْ الطريق للمذاهب الحرة فى القرن 19 وعجّلتْ بظهورالقوميات المستقلة. وفى يوليو 1830جاءتْ الحلقة الثانية التى خلعتْ الملك شارل العاشر. وفى فبراير1848جاءتْ الحلقة الثالثة التى استجابتْ لمطالب العمال ، ولكن التخريب المتعمّد من الرجعية أدى إلى ثورة أخرى فى يونيومن نفس العام وتم إخمادها بإراقة الدماء ، ورغم ذلك شهدتْ أوروبا عدة ثورات ، تم إخمادها فى البداية. وكان تصاعد حركة التنويرفى القرن 19الجناح الآخر(بجانب الثورات الشعبية) لانتزاع شعلة الحرية. أما الثورة الروسية (1917) فيُرجعها البعض إلى هزائم الجيش الروسى المتلاحقة عام 1905أمام اليابانيين ، فقامت سلسلة من الاضطرابات عُرفتْ بثورة 1905وكان من نتائجها منح الحقوق المدنية وإنشاء البرلمان (الدوما) فى مارس 1917وفق التقويم الروسى القديم . ومن 1905- 1917تصاعدتْ إضرابات وإعتصامات العمال ، فقامتْ حكومة مؤقته برئاسة الأمير (لفوف) وتنازل الامبراطورعن العرش فى 15مارس1917واستمرنضال العمال بتأثيرالفكر الماركسى والصحف التى أنشأها لنين والتى كانتْ النواة للحزب الشيوعى الروسى. جمع بين ثورتىْ 1919، 2011قائد واحد هو(عبقرية العفوية) فثورة 19بدأتْ عقب نهاية الحرب العالمية الأولى فى نوفمبر1918إذْ تقدّم سعد زغلول وعبدالعزيزفهمى وعلى شعراوى بطلب لمقابلة المندوب السامى البريطانى للسفرإلى لندن لعرض مطلب استقلال مصر، وإنهاء الأحكام العرفية وإلغاء الرقابة على الصحف ، وتحدّد للمقابلة يوم 13نوفمبر. تشكل الوفد (بجانب سعد وفهمى وشعراوى) من محمد محمود ولطفى السيد وعبداللطيف المكباتى ومحمد على علوبه. لم تكتف سلطة الاحتلال برفض سفرالوفد فقط ، وإنما ألقتْ القبض على سعد ومحمد محمود وإسماعيل صدقى وحمد الباسل يوم 8مارس ونفيهم إلى مالطا. وهنا (وهنا فقط) انطلقتْ (عبقرية العفوية) لتُشعل شرارة الثورة التى أنارتْ مصركلها فى اليوم التالى 9مارس. ولولا إجماع شعبنا ضد قرارالنفى لما كانتْ الثورة التى تصاعد سقف مطالبها ، ليس بطلب عودة الزعماء المنفيين فقط ، وإنما برحيل الاستعمارمن مصركمطلب أول وأساسى. وكان اختيارشباب ثورة 2011ليوم عيد الشرطة مغزى مُحدد ، هوأنّ الشرطة التى سطتْ على مجد جدودنا شهداء 25يناير1952الذين قاومواالإنجليز، تحوّلتْ إلى شرطة ضد شعبنا بعد يوليو52حيث القتل والتعذيب فى أقسام الشرطة وفى المعتقلات وفى الشوارع كما حدث مع اغتيال خالد سعيد. كان مطلب الشباب يوم 25يناير2011إعادة النظرفى سياسة الشرطة القمعية الممنهجة وإلغاء قانون الطوارىء والافراج عن المعتقلين السياسيين وتشكيل حكومة غيرحكومة نظيف. ولكن الغباء السياسى الذى حصل بمقتضاه الرئيس مبارك على أول دكتوراه (فى العند) فى التاريخ ، هوالذى أحدث التصاعد الدراماتيكى ، فحوّل المظاهرات الأولى التى رفعتْ شعار(سلميه.. سلميه) إلى ثورة. إذْ لوأنّ الرئيس استجاب لمطلب محاكمة وزيرالداخلية وكل الضباط الذين مارسوا التعذيب ضد شعبنا ، لعاد المتظاهرون إلى بيوتهم . وإذا كان عنف الإنجليزضد زعماء الوفد هوالمُفجّرلثورة19، فإنّ عنف مبارك وأركان نظامه ضد المطالب المشروعة (والتى يملكها بما له من سلطة مطلقة) حوّل الاحتجاج الشعبى إلى ثورة شعبية ، شملت كل أبناء شعبنا الشرفاء من الاسكندرية إلى أسوان ، خصوصا بعد معركة الجمل التى خطط لها وموّلها أركان النظام من قيادات الحزب الحاكم ، إذْ اعترف كثيرون من المرتزقة المأجورين ، عقب إلقاء القبض عليهم بمعرفة اللجان الشعبية فى ميدان التحريروميدان عبدالمنعم رياض أنهم حصلوا على ثمن الخيول والجمال والسيوف والقنابل من قيادات معروفة فى الحزب الحاكم + (أجرهم) مقابل قتل مصريين مثلهم . كان هذا اليوم هوالذى سطربدماء الشهداء والجرحى وبمشاهد الرعب فى كل بيت تاريخ أول ثورة فى العالم ، لم تكن لها قيادة مباشرة ، ولم يكن لها أهداف استراتيجية مثل التغييرالجذرى لهيكل النظام الحاكم ، ولم تُفكرفى خلع رئيس النظام وأركان فساده ، ولكن الغباء السياسى من جانب ، والتحام كل فئات شعبنا مع الشباب ، هوالذى صنع هذه السيمفونية الرائعة التى كان لحنها الأول (عبقرية العفوية) تلك العبقرية التى هزمتْ الحاصل على دكتوراه فى العــند ، فتخلى (مُرغمًا) عن سلطاته. ومن بعده بدأتْ أحجارالدمنو فى التساقط . العلاقة بين الإرادة وعبقرية العفوية : ولكن هل (عبقرية العفوية) تصنع ثورة ؟ أعتقد أنّ الاجابة بالنفى. ودليلى انتفاضة شعبنا فى يناير77إذْ لم يكن وراءها أى تنظيم سياسى ، ولم يكن لها أية أهداف استراتيجية ، وإنما احتجاج شعبى عارم ضد الزيادة فى أسعاربعض السلع ، بعد أكاذيب السادات وأركان نظامه عن الرخاء بعد حرب73فإذا بالواقع عكس الخطب ، ورغم أنها ضمتْ كل فئات شعبنا من الاسكندرية إلى أسوان ، فإنّ الذكاء السياسى / الشيطانى للسادات أجهضها سريعًا بعد يومين بالتراجع عن قرار ارتفاع الأسعار، والتخطيط – بعد عدة شهور- لتنفيذ نفس الجريمة تحت مسمى (تحريك الأسعار) ومن هنا ظلتْ فى الأدبيات السياسية على أنها (انتفاضة شعبية) وإذا كان السادات تميّزبالذكاء السياسى/ الشيطانى ، فإنّ الغباء السياسى لمبارك وأركان نظامه هوالمفجّرلتصاعد لحن (العفوية) الذى انتقل فى الحركة التالية من تلك السيمفونية إلى لحن (الإرادة) التى أخذتْ عدة أشكال : 1- التترس داخل ميدان التحريرلمدة 18يومًا 2- عبقرية وبساطة شعارمن كلمة واحدة (إرحل) الذى أخذ عدة نغمات مثل ((موش ح نمشى.. هوّيمشى)) ولكن (التترس) مع برد طوبة وأمشيرليلا ونهارًا يستلزم (عبقرية) مُكملة ، فكان توفيركل سبل الاعاشة ، ليس الطعام والشراب فقط ، وإنما (قتل) الوقت الذى تغلب عليه شعبنا بخاصيته الفريدة ، أى (الإبداع) المتمثل ، ليس فى الغناء والرقص وكتابة الشعارات فقط ، وإنما كان الأهم هو(الدفء الإنسانى) الذى أظهرمعدن شعبنا الحقيقى ، فالقادرماديًا احتضن غيرالقادر، فلم تكن ثمة مشكلة فى الطعام أوفى المبيت 3- التنظيم الرائع للجان الشعبية سواء داخل الميدان أوفى شوارع مصركلها 4- دورالأثرياء الشرفاء الذين أقاموا (منصات المسارح) داخل الميدان 5- دورالطبقة الوسطى التى نعتتها الثقافة السائدة بأنها فى حالة (موت سريرى) فإذا بها تُقدّم أروع مثال على احتضان الثورة ، وفى لقاءاتى مع الكثيرمن الشباب ، عرفتُ أنهم يشغلون وظائف راقية بمرتبات مرتفعة ، وكانتْ اجاباتهم لى عن سبب مشاركتهم فى الثورة كلمة واحدة (الحرية) وهكذا انتقل لحن (عبقرية العفوية) إلى لحن (تنظيم الإرادة) فتحقق درس التاريخ : إذا الشعوب أرادتْ الحياة، فلابد أنْ ينكسرجبروت الطغاة. *****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل الرئيس المخلوع وأسرته فوق القانون ؟
-
المستشارطارق البشرى بين المؤرخ والداعية الإسلامى
-
حمام - قصة قصيرة
-
شتاء الحرية وسقوط أوراق التوت
-
مبارة عصرية فى شد الحبل بين الحرية والاستبداد
-
إقصاء المختلف يبدأ بالكلمة وينتهى بالقنبلة
-
الدكتورجمال حمدان والبكباشى عبدالناصر
-
الاعتدال والتطرف فى ميزان المرجعية الدينية
-
جامعة الدول العربية بين أوهام القدرة ووقائع التاريخ
-
تعليم ضد المواطنة أم أمية تحمى الوطن؟
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|