|
أنا , وقناة الجزيره , والقذافي
ميسون البياتي
الحوار المتمدن-العدد: 3306 - 2011 / 3 / 15 - 13:35
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أبشع ما يمكن أن تتعرض له الشعوب هو أن تكون مستعملة بالنيابه .. وهي لا تدري .
من المؤكد أن من يعمل في الإعلام فهو يرى الحياة بطريقة يصعب على غيره أن يراها بها . سأقوم اليوم بكشف صفحة جديدة من مذكراتي للحديث عن ليبيا ومعمر القذافي بالذات , تلك العلاقه التي بدأت في بغداد عبر الإعلام منذ سبعينات القرن الماضي .. وصولاً الى مقابلة القذافي شخصياً في طرابلس نهاية عام 1999 . بدأت عملي في تلفزيون العراق من بغداد عام 1973 . بعد حوالي ثلاث سنوات تم تنسيبي إضافة الى عملي في التلفزيون للعمل في إذاعة صوت الجماهير / قسم البرامج الموجهه ضد ليبيا , وبقيت منسبه الى هذا العمل مدة أربع سنوات . كانت الإذاعه الموجهه ضد ليبيا مخصصه لفضح القذافي وسياسته وتوجهاته .. كانت تردنا تقارير لا نعرف من هو كاتبها .. أقوم بتسجيلها بصوتي ثم تبث بعد ذلك في أوقات تناسب المستمع الليبي , كنا نسمي فيها القذافي بمجنون ليبيا . ومعتوه ليبيا . ومخبول ليبيا .. وغيرها .. وغيرها ... الى أن تكمل المسبحه . في البدايه كنت أقرأ التقارير الوارده لي دون أي تفكير بمواضيعها , لكني وبعد فترة قصيرة جداً أصبحت أربط المواضيع ببعضها فتتضح لي جملة من المعاني أغلبها ليست في صالح النظام الحاكم في بغداد . قتل الرفاق الذي كنا نعاير به القذافي .. يحصل مثله تماماً في العراق , والطموحات المجنونه عند القذافي كان هناك مثلها عند ربعنا , أما حرمان الشعب الليبي من الحريه ههههههههه فقد كنا ما شاء الله غارقين في بحور من الحريه الى آذاننا في بغداد ... يشهد على ذلك المغفور لهما .. ناظم كزار , وفاضل البراك . ثالثة الأثافي .. كانت يوم أعلن القذافي عن الندوة العالميه لمناقشة فكره النير الذي وضعه في كتابه الأخضر حيث تسلمناه شتائم ( غسل ولبس ) أغلبها غير صالح للإستهلاك .. كنت اسجل كل هذا في النهار ... وحين أذهب مساءا الى التلفزيون كنا قد أعلننا في نفس الأسبوع وبعد يومين من إعلان القذافي عن ندوته ... عن الندوه العالميه لمناقشة فكر الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله ورعاه , لهذا كان علي أن أبقى في أقصى حالات الحذر من أي زلة لسان تنقل كلام اذاعة الصباح الى تلفزيون المساء .. وكان هذا عام 1980 . الحمد لله على سلامتي فقد تم بعد عدة أشهر إعتاق رقبتي بإنهاء تنسيبي الى الإذاعه الموجهه وتكليفي بدلاً عن ذلك بالعمل في قسم برامج التنميه لتقديم برنامج المجلة الزراعيه .. إضافة الى عملي في التلفزيون . مرت الأيام سريعاً وجاء عام 1993 حيث سحب عدي صدام حسين رئيس التجمع الثقافي في العراق الجنسية العراقية من عمي الشاعر عبد الوهاب البياتي , وقد كتبت عن هذا الموضوع سابقاً في مواضيع منشورة على هذا الموقع لمن يريد الإطلاع عليها . المهم أني غادرت العراق الى الأردن عام 1997 لكن الأردن أصبحت مكاناً غير آمن للجوء عراقي له مشاكل مع حكومته , عرفنا ذلك من تأكيدات حكوميه أردنيه توجها مرسوم ملكي حث العراقيين المقيمين في الأردن والذين لهم مشاكل مع الحكومة العراقيه على مغادرة الأردن موضحاً أن الحكومة الأردنية لها مصالح في العراق لا تستطيع التضحية بها من أجل حماية هارب . وصل الجحيم الى ذروته في الأردن يوم هروب عباس الجنابي سكرتير عدي .. لأن الأمن والمخابرات العراقيه كانوا يدورون شوارع عمان علانية للبحث عنه , يومها قررت الهرب من الأردن .. ولكن الى أين ؟ جاءك الموت يا تارك الصلاة . الدوله الوحيده التي تقبل دخول العراقيين دون فيزه هي ليبيا . قلت كيف أدخل ليبيا وأنا كنت أسب رئيسها يومياً وعلى مدى أربع سنوات ؟ اذا لم أذكر أنني كنت أعمل في التلفزيون العراقي فكل العراقيين الموجودين في ليبيا سيتطوعون للتبليغ عن ذلك ... واذا لم أكن أذكر إسمي بعد إنهاء قراءة تلك التقارير الملعونه فهذا ليس مشكلة اليوم .. بإمكان أي خبير صوت اكتشاف أن التقارير بصوتي بعد اختبار بسيط . ما العمل .. وليس لدي حل آخر ؟؟ ومع كل هذا فالمقارنة مع حجم مصيبة البقاء في الأردن جعلتني أختار مغادرتها براً عبر مصر والذهاب الى ليبيا على أمل أن أجد عملاً في إحدى جامعاتها البعيدة عن العاصمه . قبل الدخول الى ليبيا يجب أن نتساءل عمن هو معمر القذافي ؟ لكن السؤال الأهم الذي سيأخذنا الى إجابة هذا السؤال هو : كيف يثبت الأمريكان نفوذهم في شمال أفريقيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانيه ؟ بالنسبه الى العلاقه الأمريكيه المغربيه فقد كتبت عن ذلك في الموضوع المنشور على الموقع تحت عنوان ( حدائق الملك ) , ولن يحسم التواجد الدولي المنفرد للأمريكان في المغرب إلا بواحد من حالين : أما أن تحسم الولايات المتحده الأمريكيه حرب البوليساريو ضد بقية الشركاء في المغرب أو أن تقع الحرب العالمية الثالثه بتحالف كل العالم ضد الولايات المتحده الأمريكيه . بالنسبه الى الجزائر فقد أمد الأمريكان مقاتليها بالدعم من كل نوع وإستعملوهم لطرد الفرنسيين خصوصا بعد أن صار الدعم يصلهم من جمهورية مصر الأمريكيه في أيام عبد الناصر , والمعاهده التي تم بموجبها حسب ما يقال ( منح الفرنسيين استقلال الجزائر ) هي في حقيقة الأمر معاهدة تسليم مستعمر لمستعمر ما بعهدته من أرض وبشر , ومنذ الستينات الى اليوم فالجزائر دوله غير موجوده لأنها لاهية دوماً بمشاكلها الداخليه . مشاركة الجيش الأمريكي في تحرير باريس من الإحتلال الألماني ليس هدية مجانيه بل دين محمل بالفائده . تم ( تقشيطها ) بموجبه على الفور من سوريا ولبنان لتتحولان الى جمهوريتين أمريكيتين منذ أربعينات القرن الماضي . وعلى هامش معركة العلمين وبقية معارك شمال أفريقيا التي خاضها الحلفاء لفرض نفوذهم في المنطقه تحت ذريعه طرد الألمان والإيطاليين أدرك الأمريكيون أن عليهم أن يحصلوا على موضع قدم في تونس فشجعوا باي تونس ( منصف بن ناصر ) على التعاون معهم فخلعه الفرنسيون لهذا السبب وعينوا بدلاً عنه الباي ( الأمين باي محمد الحبيب ) عام 1943 فقام الأمريكان بتكثيف تواجدهم العسكري والسياسي لطرد الفرنسيين لكنهم لم يفلحوا منذ البدايه بل إحتاجوا الى العمل المضني عسكرياً وسياسيا حتى عام 1957 ليتمكنوا من خلع الأمين باي محمد الحبيب وعينوا عوضاً عنه ( الحبيب بو رقيبه ) رئيس جمهوريه ( أمريكي بإمتياز ) على تونس حتى عام 1987 ومن بعده عينوا مدير أمنه ( زين العابدين بن علي ) وعام 2011 سمحوا لثورة يقال أنها شعبيه لأن تطيح به . بالنسبة الى ليبيا كانت مجزأه تحت السيطرتين البريطانيه والفرنسيه منذ عام 1943 بعد أن هزمت قواتهما الألمان والإيطاليين . عام 1944 عاد الملك إدريس السنوسي من القاهره الى ليبيا لكن الحكومتين العسكريتين رفضتا منحه الإقامة الدائمة على أرض بلده ... وحين اشتد صراع البريطانيين والفرنسيين مع الأمريكان على المغرب وتونس .. أحبت الدولتان تهدئة اللعب مع الأمريكان خصوصا وكليهما تجثمان في مصر بمعاهدة بريطانية عسكريه مع الملك , ووجود فرنسي في قناة السويس .. فماذا فعلتا في العام 1951 ؟ قامتا بكتابة دستور ليبي .. وسمحتا للملك إدريس السنوسي بالعودة الى بلده .. تلك العودة المرفوضة منذ سبع سنوات , حيث تم تنصيبه ملكاً على ليبيا من جديد , ومنحتا ليبيا إستقلالاً شكلياً مربوطاً بمختلف أشكال المعاهدات السرية والمعلنه . ماذا كان رد فعل الأمريكان على ذلك ؟ بعد عدة أشهر أطاح الأمريكان بالعائلة الحاكمه في مصر بواسطة مجموعه من الضباط المصريين تعرف عليهم ضابط المخابرات الأمريكي ( كيرمت روزفلت ) عندما كان يرأس ( جمعية أصدقاء الشرق الأوسط الأمريكيه ) أثناء مباحثان الهدنه بين العرب واسرائيل في الحرب العربيه الإسرائيليه 1948 . لكن الإطاحه بالعائله المالكه المصريه , لم يكن شيئاً ذا جدوى إن لم تتمكن الحكومه الجمهوريه ( الأمريكيه ) الجديده من رفع القواعد البريطانية عن أرض مصر وطرد الفرنسيين من قناة السويس .. لهذا كان على عبد الناصر ان يدخل مصر في حرب السويس من اجل تحقيق هذا الهدف الذي ظاهره لمصر ... لكن منفعته الحقيقيه للولايات المتحدة الأمريكيه . تم بعدها استخدام مصر من قبل أمريكا أسوأ انواع الإستخدام حيث ارسل شباب مصر للقتال من أجل مصلحة الأمريكان لطرد البريطانيين من حامية عدن ... وبعد أيام من مغادرة البريطانيين حامية عدن بعد قتال دام سنوات .. كان على الأمريكان تأمين أمن اسرائيل ركيزتهم الفعلية في المنطقه .. لهذا هبت حرب الأيام السته 5 حزيران 1967 التي خسرها العرب في نكسة وهزيمة حزيران . ما أن تم تسقيط شعارات العروبه في هزيمة 1967 , وطرد بريطانيا عن حامية عدن , كذلك كان ينبغي طردها من جزء آخر من الأرض يقع في شمال أفريقيا , لذلك وقع إنقلاب عسكري أمريكي في ليبيا عام 1969 طرد بموجبه النفوذ البريطاني والفرنسي منها , وتم تسليم الرايه الأمريكيه الى معمر القذافي .... وراجعين لك يا قذافي يا إبن فتيحه . أول صوره حقيقيه أراها بعيني وألمسها على الأرض عن ليبيا .. كانت بناية مخفرها الحدودي مع مصر في مدينة ( مساعيد ) الليبيه الحدوديه ... فقد كانت البناية عباره عن ( صريفه ) لا تليق بالمدينة إلا اذا كان اسمها ( متاعيس ) . دخلنا ليبيا عن الثانية صباحاً .. بعد عدة كيلو مترات من انطلاق السيارة في شوارعها بدأت أميز رائحة العادم الذي يضاف الى البنزين الليبي فقد كانت رائحة خانقة قاتله , وانا التي درت الكرة الأرضية شرق وغرب , لم أشم تلك الرائحة المنبعثه من السيارات ومحطات تزويد الوقود ... إلا في ليبيا . ونحن نتجه من مدينة مساعيد الحدوديه الى طبرق كانت القرى تمتد على طول الطريق , وما أن دخلنا طبرق ثم توجهنا منها الى درنه وكنت طول الوقت أنظر الى الإشارات الداله وعلامات الطريق حتى بدأت تتكرر أمام عيني تلك العبارة المرعبة التي تقول : اللجان في كل مكان . لا أدري لماذا كانت تثير في داخلي إحساس أنها ليست غير ( محاكم التفتيش ) . أما عدا هذه العباره فلم يكن على الطريق غير جداريات ولوحات تحمل صور القذافي في أزياء ووضعيات مختلفه ذكرتني بعبارتنا الشهيرة في العراق التي كنا نتهامس بها عن جداريات عمو صدام والتي تقول : القائد الضروره .. بكل فلكه عنده صوره . قدمت للعمل في طبرق .. ثم قدمت للعمل في درنه وغادرتهما متجهة الى مدينة البيضاء حيث تقع جامعة عمر المختار . الليبيون ناس طيبون ومن أبسط الناس وأقلهم تعقيداً , ورغم الجمال العجيب لمدينة البيضاء إلا أنني لاحظت شبه منع تجول فيها وحين سألت عن السبب عرفت أن هذه المدينة دائمة المشاكل مع الإدارة المحليه لأن سكانها دائما ما يعترضون على سياسات وأوامر القذافي واللجان الشعبيه ولهذا فجميع أيامهم ... إستثنائيه . غادرت البيضاء الى مدينة المرج وهناك قدمت للعمل في كلية آدابها ثم ركبنا الباص .. وضعت إبني في حضني ونمت طول الطريق من المرج حتى بنغازي . في بنغازي سمعت صوت يناديني : ياحاجه .. يا حاجه .. يا مدام .. إصحي نحن في الجنسيه .. وصلنا بنغازي . درت حول نفسي وأنا أنظر الى الجنسيه ( تعني كراج النقل ) وكدت أبكي .. من المستحيل أن أجد مقارنة مع أي كراج نقل في العراق لكي أشبه الجنسية به , مكان هارب من مخيلة العصور المظلمه .. مع فارق أنه اليوم به سيارات لم تكن موجوده في العصور المظلمه . شيء كارثي بإمتياز . كان علينا النزول في فندق لمدة يوم أو يومين الى أن نجد بيتاً للإيجار .. فلم نجد غير الفندق الكبير هههههههههه كنت أسميه ( غراند هوتيل ) من شدة بشاعته وتجده مليئاً بالعراقيين من كل صنف ولون . وفي هذا الفندق وجدت جاراً من بغداد , كنت أعرف أنه متخرج من إعدادية الصناعة فقط . خيرك أبو فلان ماذا تفعل في ليبيا ؟ هههههه قال : والله حصلت دكتوراه في علم النفس وجئت أبحث عن عمل هنا .. وانتِ هل وجدت عمل ؟ قلت : آخر تقديم لي كان في كلية الآداب في المرج , فسألني : ما هي الإختصاصات المطلوبه عندهم ؟ قلت : أدب عربي , رد قائلا ً : عندي شهادة أدب عربي , نظرت في وجهه نظره ذات معنى وسألت : أدب قديم أم حديث ؟ قال : إثنينهم . ههههههه حسبي الله ونعم الوكيل في اليوم التالي أجرت داراً وخرجت من الفندق ولست أدري الى حد اليوم هل عثر (( الدكتور )) جاري على عمل كعالم نفس أم كلغوي .. أو ربما تجده اليوم أستاذاً في كلية القانون . بنغازي كانت مدينة صامده صابره تحت حكم القذافي وكانت غالباً ما تثور ... عبارة اللجان في كل مكان مكتوبة تقريباً على كل حائط من حيطانها .. والشرطة المحليه تعمد الى مهاجمة الباعة والناس .. سواء في سوق الحوت وهو السوق الرئيس في بنغازي أو سوق الخضار واللحمه في منطقة الدهماني التي كنت أسكنها , وتعامل الشرطة من يقع تحت أيديها بمنتهى القسوه . بعد أسبوع من نزولنا في بنغازي ثارت قضية الطبيب الفلسطيني والممرضات البلغاريات اللواتي حقنَّ أطفال ليبيا بدماء ملوثة بفايروس الإيدز , فأصبحت أشعر أننا نزلنا في مدينة للأشباح . يتعرض القذافي في بنغازي الى السخريه والتنكيت بشكل علني , هناك نكته كنا نسمعها في العراق عن صدام .. تم تحويرها في بنغازي لتقال عن القذافي , يحكي الليبيون أنهم زعلوا مع معمر فراحوا يشتكونه للسيده ( فتيحه ) والدته ( فتيحه وليس فتحيه ) لما خبروها بشكواهم ردت عليهم مستغربه : معمر ؟ كل هذا يطلع من معمر ؟ إيش لو كنتو شفتو عمل أخوه الأصغر وإلا الثاني الأعور . في هذه الأيام من وجودي في بنغازي .. وبنفس الطريقه التي يتعامل بها الإعلام الغربي مع صدام ... كانوا قد بعثوا للقذافي صحفيه لست أذكر من أية جنسيه أجرت مقابلة معه وسألته عن المليارات الليبيه التي يودعها في البنوك الأجنبية بماذا يريد لها أن تفيده ؟ فقال إنه يريد بهذه المليارات حماية ثورة الفاتح فيما لو تعرضت للخطر , وقد صدق الرجل فيما قال فها هو اليوم يدفعها الى آلاف المرتزقة الأفارقة الذين يهاجم بهم شعبه الأعزل . قدمت للعمل في جامعة قار يونس في بنغازي لكني لم أحصل عليه حسب ما قيل لي أنه لم يكن لديهم شاغر . وبقيت في حيرة من أمري .. اذا كنت أريد البقاء في ليبيا فيجب علي العثور على عمل وأنا لا أريد الذهاب الى العاصمة .. كيف أتصرف الآن ؟ واجهت نفسي بالسؤال : في بلد ( هيته ) مثل هذا الذي ترين .. هل تعتقدين أن هناك من يحتفظ بتسجيلات عمرها حوالى عشرين سنه أذيعت ضد القذافي ؟ وماذا ستفعلين وليس لديك خيار آخر ؟ وكل الإحتمالات مجازفه ؟ عندها قررت إختيار المجازفة الأقرب بالسفر الى طرابلس التي ما أن وصلتها حتى عثرت في نفس الساعة على عمل في جامعة الفاتح . حكاية جاري حامل شهادة إعدادية الصناعه ليست غريبه في ليبيا .. معظم العراقيين في الخارج ( يطيرون أفيال ) من النوعين أما العسكري وإما المدني ... فكلهم كانوا خبراء في العراق وكلهم تركوا وراءهم القصور . حين وصلت الى جامعة الفاتح , وجدت فيها شخصاً كان قد وصلها قبلي لم يدخل الإذاعة والتلفزيون في بغداد مره واحده في كل حياته , وصل الى ليبيا وتقمص شخصية المغفور له أخي وزميلي رشدي عبد الصاحب وإدعى انه كان رئيس مذيعين في تلفزيون العراق وعلى هذا تم تعيينه في كلية الإعلام . ما أن سمع بوصولي حتى ذهب الى عميد الكليه الليبي وكان ضابط مخابرات ويعمل مستشاراً إعلامياً للقذافي , وبلغه أني أعمل في المخابرات العراقيه وأن مهمتي هي التنكيل ( بالمذيعين ) الهاربين من العراق وأنه يخاف على نفسه مني .. كما يؤكد له أن شهادتي مشكوك فيها لأنه طيلة فترة عمله معي في ( التلفزيون ) لم يسمع أني إنتسبت الى دراسة عليا . القافله تسير والكلاب تنبح .. مناسبة إقناعي للعميد بزيف وبطلان كل حكاية هذا الشخص جعلتني أنسى خوفي من إنكشاف تلك الحكاية القديمة التي لا يعرف بها أحد فالحمد لله والشكر . ونعود الان للحديث عن ليبيا الجريحة كما هو جرح العراق . عن الرفاهية التي يعيشها الليبيون أغلب الأحياء لا يصلها الماء إلا في ساعات محدده من النهار . ينقطع التيار الكهربائي عدة مرات في الأسبوع تطول الى ساعه ونصف بعض الأحيان . مستوى التغذيه جيد , والرواتب جيده لكنها ليست كريمه بالنسبه الى شعب يعوم على بحار من النفط وكل تعداده السكاني 4 مليون نسمه . الخدمات في الحضيض , تعال بكره كلمه شائعه في كل الدوائر , الدينار الليبي له سعرين في التصريف سعر رسمي يعادل حوالي واحد على ثمانيه من سعره خارج البنك . الصحف التي تصدر في ليبيا مضحكه حتى الحكومية منها , والتلفزيون الرسمي كارثي بكل معنى الكلمه , وكل ليله راس سنه القذافي يجمع كم افريقي يدفع لهم فلوس ويجعلهم يعلنون إسلامهم في هذه الليله من أجل أن يصلي بهم صلاة تراويح من نهاية صلاة المغرب وحتى صلاة الفجر وكل ذلك منقول تلفزيونياً ههههههههه لكن المصيبه أن القذافي ( إمام ) هذا الجمع المسلم يصلي ويده اليسرى فوق يده اليمنى . أما اللجان الشعبيه ونشاطاتها وخطابات القذافي الى الشعب فقد كانت تعممم على الليبيين تماماً مثلما كان صدام والبعث يفعلون في العراق . ولست أدري اذا كان الشبه بين العاهلين الى هذا الحد .. لماذ هاجمته حكومة بغداد !!؟ طالبه كانت تدرس عندي في كليه الإعلام حاول خميس ابن القذافي أن يقيم معها علاقة بالقوه فرفضته الفتاة بحزم .. بعد أيام عثرنا عليها مقتولة خنقاً في سيارتها .. وكانت هذه الحادثة صادمة لي , أعادت الى ذهني ما كان يقوم به عندنا أنجال القائد في بغداد . تعلم لغه أجنبيه كان ممنوعاً على الليبيين .. ذات يوم وبأمر من القائد جمعوا كل الكتب بلغة غير العربيه ووضعوها في الساحات العامة وأحرقوها .. هل تتخيلون كيف يدرس طالب الطب او الهندسة علومهما باللغة العربيه ؟ بسبب كل هذه ( الهيته ) فالشعب الليبي غالباً ما يعصى الأمر اذا كان بمقدوره ذلك , وقس على إمتحانات نصف السنه وآخر السنه في الكليات , بالنسبه الى كلية الإعلام التي أنا واحدة من تدريسياتها .. كنا نمتحن الطلبه في كلية الشرطه .. وما على المدرس إلا أن يقف في آخر القاعه .. بينما تنزل مفارز الشرطه لتقف على رأس الطلاب أثناء الإمتحان ... ومع هذا هناك عشرات حالات الغش . يوم حفلة تسليم محمد المقراحي وزميله الهادي فحيمه المتهمان بتفجير الطائرة فوق لوكيربي .. حلقت طائرات تنفث دخان ملون في سماء طرابلس , ودعي لتوديعهما عند تسليمهما الى المحكمة الدوليه جميع السلك الدبلوماسي العامل في ليبيا , ونحر على شرف المناسبة مائة بعير وألف شاة . وعلى الرغم من أن ليبيا حكومة وشعباً هم من أهل السنة على المذهب المالكي , إلا أن التقارب بين القذافي والخميني شيء أكثر من محسوس في ليبيا تشهد على ذلك جدارية تحمل صورة الخميني تغطي كامل واجهة السفارة الإيرانية في طرابلس . وكانت العلاقة بينهما أكثر من محسوسة في العراق .. تجرعنا ويلاتها كمواطنين عزل .. حين زوّد القذافي حكومة ايران بستة وعشرين صاروخا لدك المدن .. أسقطها الإيرانيون جميعها فوق بغداد عام 1986 . الحرية الدينية غير متاحة في ليبيا .. وقد كنت أشعر بالإشمئزاز حين أمر قرب كنائس أثريه تم تحويلها بالإكراه الى جوامع . الساحه الخضراء المطلة على كورنيش طرابلس .. والتي تستخدم أغلب الوقت كموقف للسيارات عدا أيام الإحتفالات .. هذا المكان كانت مشيده عليه دار أوبرا طرابلس , وهي دار أوبرا إيطاليه من الطراز الفاخر والنادر .. حال تسلم القذافي للحكم أمر بهدمها بإعتبارها تراثاً إستعمارياً وتحويلها الى ساحه فارغه . لست أدري لماذا كان علينا نحن المتعاقدين للعمل في ليبيا أن نتسلم راتبنا سنوياً .. ويجب علينا أن نفتح حسابات خارج ليبيا يتم تحويل رواتبنا اليها , ويكون علينا أما أن نسافر أو نبعث من ينوب عنا لتسلم رواتبنا من تونس أو الأردن وإعادتها إلينا داخل ليبيا . خلال السنه وفيما لو إحتجت الى مبلغ ما , عليك تقديم طلب سلفه تسلم لك من البنك المركزي الليبي وهو بنك فخم ذو طراز قديم في البناء , الفتحه الصغيره التي تخرج منها يد الصراف لإعطائك مبلغ السلفه , مخطوط فوق تلك الفتحه على لوح صغير بالزنكوغراف (( الأجراء ومهما إرتفعت أجورهم فهم نوع من العبيد )) . حين سألت عن هذه العبارة المهينه عرفت أنها مستله من كتاب القذافي الأخضر . ذات يوم نهاية عام 1999 كنت في بيتي .. فتحت التلفزيون على قناة الجزيره وكانت فيه مقابله مع رئيس منظمة العمل العربيه , وكعادة مثل هذه الشخصيات في الحديث فقد صال الرجل وجال في تعداد محاسن عمل منظمته وأسهب وأطنب , وبعد أن إنتهت مدائحه , قام المذيع بفتح الهاتف لتلقي تعليقات المشاهدين . كلمهم عراقي متصل من السويد وقال لرئيس منظمة العمل العربيه : يا دكتور على كيفك .. شلنه وحطينه وبنينه وعلينه .. مادام انت عامل كل هذا ؟ أينك من أربعة آلاف صاحب شهاده عليا ما بين ماجستير ودكتوراه يعملون في ليبيا ؟ هل يجوز تركهم تحت معاناة الحاجه ورواتبهم محجوزه عند الحكومه لا تدفع لهم إلا عند نهاية السنه ؟ اربعة آلاف صاحب اختصاص عراقي جائع مع عائلته في ليبيا وتسمي نفسك مدير منظمة عمل عربي وتعتبر نفسك صاحب انجازات ؟ بعد يومين من هذا الكلام تم تبليغ كل العراقيين العاملين في جامعتنا بالتجمع في القاعة الكبرى وما هي إلا دقائق ونرى القذافي بشخصه يدخل علينا مع حمايته .. كلّمنا عن أفضال ليبيا التي فتحت الأبواب على مصراعيها لكل العرب ... ثم أعاد علينا تلك الحكايه التي يكررها دائما بأن ليبيا صاحبة فضل على الذين يعملون فيها أنها تحميهم من أن يضطروا الى الذهاب الى بلاد الأجانب وتقبيل جزمهم من أجل لقمة العيش ... بعد ذلك نظر إلينا بطريقة مستخفه وقال : حد منكم عنده سؤال أو توضيح او استفسار , ولما لم يتلق أي رد , غادر القاعه . اذا فكرت أي شركه سينمائيه بإنتاج فلم عن القذافي .. فأني أرشح الفنان حمودي الحارثي للقيام بهذا الدور الذي لن يجيده أحد غيره .. يشهد الله ما من مرة رايت القذافي يتكلم أو يرتدي واحداً من أزياءه المضحكه .. إلا وتذكرت شخصية عبوسي . خاتمة الكلام : حكمت امريكا الشعب العربي بواسطة جوكرات سمتهم ( حكومات وطنيه ) جثموا على صدر شعبهم عقوداً من الزمن , واليوم أمريكا وبإسم الديمقراطيه تطالب الجماهير بإسقاط حكامها الذين يستحقون التسقيط فعلاً ومنذ زمن طويل . ما هي الخطوة التاليه ؟ هل سيُمَلَّك الشعب العربي إرادته وهذا مستحيل ؟ أم بإسم الديموقراطيه وخدمة ل ( مصالح الأمريكان ) سيتم تفتيت أوطاننا من جديد الى دويلات طائفية وعنصريه ستبقى تقاتل بعضها حتى نهاية القرن على مسائل عالقه .. لإدامة عمل معامل السلاح الأمريكيه لقرن آخر مقبل ؟
#ميسون_البياتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كاسك ياوطن
-
نزول حواء العراقية الى العالم السِفلي
-
شفط حقل خورمالا
-
الفتنة التي قتلت عثمان بن عفان
-
أمهات الفتاوي
-
الصلاة ببدلة الرقص
-
عزرا ﭙاوند
-
بوريس پاسترناك
-
سولزنچن
-
تحت موس الحلاق
-
فرانسواز ساگان
-
سيمون دي بوﭭوار
-
جورج صاند
-
تكريس الهيمنة الأمريكية
-
حرب ظفار
-
سعدي
-
مستنقع حرب اليمن / مجريات الحرب
-
مستنقع حرب اليمن / المقدمة
-
السبط الثالث عشر
-
موسى والتوحيد
المزيد.....
-
أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق-
...
-
لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا
...
-
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب
...
-
شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
-
لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم
...
-
السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما
...
-
الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي
...
-
ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
-
لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|