|
عن الأمن والشرطة والصراع الطبقى
مجدى عبد الهادى
باحث اقتصادي
(Magdy Abdel-hadi)
الحوار المتمدن-العدد: 3306 - 2011 / 3 / 15 - 06:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الأمن والشرطة والصراع الطبقى
صدعوا رؤوسنا بضرورة عودة الشرطة، وبأن الأمن هو أولى الأولويات، كما لو أنه كان هناك أمناً فى السابق، وكما لو كانت الشرطة المصرية تمثل أمناً للمواطن المصرى، لا كابوساً، وتهديداًُ أمنياً آخر!! ذلك المواطن الذى ليس بلطجياً أو خارجاً على القانون بالضرورة، كما يدعون أنى يؤفكون!! وفى المقابل، لم يقدموا لنا حتى الآن سوى الوعود، ولم يرددوا سوى ترهاتهم المعتادة، ووزير الداخلية الجديد قدم اعتذاراً نشكره عليه، ولكنا نراه غير كافى، فالاعتذار الحقيقى يكون بالمحاكمة العاجلة، التى نرى نتائجها، لمجرمى الشرطة، وليس بقبول تهريبهم، أو الرضوخ لحفنة الضباط المعتصمين اعتراضاً على العدالة المُوجبة لمعاقبة زملائهم المجرمين قاتلى المتظاهرين السلميين، كما لو كان الأولين حمائم سلام، وسادة فوق القانون، والآخيرين مجرد ذباب لا بأس بسحقه!! يقولون بأن التجاوزات الشرطية هى مجرد تجاوزات تقوم بها فئة قليلة، وهو قول عجب العجب!! لا يرضى حتى هيفاء رجب!! إذ يعطى تأثيراً هائلاً لتلك القلة القليلة التى يعايشها الشعب فى كل شارع، ولا نعلم حقاً أين ذهبت تلك الأغلبية المحترمة، إذا كنا وغيرنا لا نرى سوى القلة غير المحترمة؟!! نحن لا نجادل على المستوى النظرى في ضرورة تواجد الشرطة، فهذا أمر مفروغ منه، ولكننا نرفض عودتها بذات منطقها وأساليبها القديمة، رغم قناعتنا بأن أزمتها ازمة هيكلية، بشكل يجعله فى عداد المستحيلات رجوعها سريعاً بشكل جديد!! وبلطجة الشرطة المصرية، وعبوديتها التامة لأى منظومة حكم فى مصر أمر ليس بالجديد، والتاريخ يشهد على هذا، فقد شاركت القوات الإنجليزية معركتها القذرة فى قمع الثورة المصرية عام 1919، ويسجل التاريخ اشتراكها فى قتل أربعمائة (نعم 400) مصرى بدوى فى الفيوم فى يوم واحد أثناء ثورة 19، كما سبق وقامت – وحدها هذه المرة بمذبحة العباسية إبان إضرابات عمال الترام عام 1911م، فتكتب جريدة اللواء "أحدث البوليس مجزرة في العمال، وداس الشعب فى ساحات المدينة بسنابك خيله، وأوسعه ضرباً وإغراقاً بالدماء وعامل الجمهور معاملة السيد لعبيده، وداس على القوانين، فلا نعلم لما نسكت نحن ونقف عند الحدود التى لا تقف عندها الحكومة والبوليس والشركة،...، هم يدوسون النظام وينتهكون حرمة القوانين ويعاملون الشعب معاملة العبيد، فلا نعلم نحن لماذا لا ندوس – ولو مرة وعلى الورق – على ذلك الظلم الفاضح والهمجية، ولذلك نقول للعمال إنهم يخيفونكم ويرهبونكم ويريدون التهويل عليكم لظنهم أنكم من طينة غير طينة العمال في أوربا، وأنهم إذا عاملوكم بالشدة جبنتم وخضعتم، وتستمر الشركة في حلب البقرة الحلوب، والبوليس يمسك رأسها تسهيلاً لحلبها"، ويرسل أهالى دمنهور برقية تقول "العدل يندب حظه وملاك الرحمة ينتحر على ربوة الهرم من إجراءات البوليس إزاء عمال الترام"، ومثلها من طنطا تقول "نطلب من ناظر الداخلية أن يعين بوليساً جديداً لمراقبة البوليس في أعماله، فقد أصبح الناس فى مصر بحاجة إلى لحماية.. وإلا اضطروا للدفاع عن أنفسهم"، وثالثة بتوقيع فلاح تقول "إن الشعب أصبح يكره البوليس لهذه الأفاعيل بعد أن كان يظن أن البوليس حماية له" (تاريخ الحركة الشيوعية فى مصر – د.رفعت السعيد) هذا البوليس نشأ على استعباد الشعب، وعلى وضع نفسه فى مرتبة أعلى كثيراً مما يستحق، خاصةًً وأن أغلب منتسبيه لم يلتحقوا به لاعتبارات كفاءة من أى نوع، بل هى الرشوة والواسطة والمحسوبية فى الغالب، ومجموع فى الثانوية العامة لا يتجاوز الـ (70 %)، يحققه أى طالب فاشل، أو بالأحرى لا يحققه إلا الطالب الفاشل!! فى ظل منطومة تعليمية كان يحصل فيها الطالب الأقل من المتوسط على مجموع (80 %) فأكثر. هذه الرشاوى والواسطات والمحسوبيات لا يملكها إلا ذوى الأيدى الطويلة، سواءاً بسلطاتهم أو أموالهم، ما يعزز من شعور الاستعلاء لدى طالب كلية الشرطة، وانفصاله عن الشعب الذى يفترض به حمايته، فوق قناعته الراسخة بأن الفساد حق لطبقته وطريقة حياة، ولا غرابة فهو فى الغالب سليل تلك الطبقات المنحطة التى امتلكت السلطة والثروة فى عهد الانحطاط الساداتى المباركى!! هذا الطالب الفاشل الذى دخل الشرطة لأسباب غير مهنية أو موضوعية، هو غير مؤهل – لا عقلياً ولا أخلاقياً - مقدماً لتلقى تعليماً أو تدريباً محترماً، ينمى فيه الملكات العقلية التى تمكنه من البحث والتحرى والتحقيق، والملكات النفسية التى تمكنه من التعامل مع المواقف بشتى أشكالها، وطبعاً قيم التعامل مع المواطنين كمواطنين لا عبيد، نقول هو غير مؤهل لتلقى تعليماً يضمن هذا كله، وهذا طبعاً إذا كان مثل هذا التعليم موجوداً من أساسه!! فأزمة شرطتنا إذن ازمة هيكلية وتاريخية، عمقها النظام السابق عمداً، ليكون طبقته الجديدة من المماليك المرتبطين بالكليبتوقراسية الحاكمة التى يستند إليها، فلا يكون لديهم أى ارتباط من أى نوع بالمجتمع الذى نشأوا فيه، بل بما يجعلهم أعداءاً لهذا المجتمع، بحيث يصبح النظام الحاكم هو أباهم وأمهم التى إليها يُرجعون!! وتزداد الأزمة بكون المنظومة ذاتها فاشلة مهنياً، فالشرطة المصرية الفاشلة لا تستطيع بأى حال البحث والتحرى والتحقيق على ذات المستوى الذى نراه لدى الأجهزة الشرطية فى العالم كله، ليس فقط لتفاهة وغباء كثير من العناصر التى تعطينا مخرجات تلك المنظومة، بل ولنقص الإمكانات التكنولوجية التى تساعدهم في عملهم، ولغياب التنظيم الكفء في كافة مكونات العمل التى يؤدون من خلالها مهامهم. وهكذا تكون النتيجة أنه لا حل تقريباً لدى الشرطة لإنجاز مهماتها سوى بسلوك الطريق الأسهل، بالضرب والتعذيب والإهانة، فلا غرابة أن تصبح تلك الممارسات منهجاً اعتيادياً لسلوك ضباط الشرطة، ولأكثرهم غباءاً واستكباراً بالخصوص. ولأنها الطريق الأسهل، الذى لا تملك الداخلية سواه فى الوقت الراهن، فإنها تستقل للاحتفاظ به، وإلا فإنها ستنكشف كمؤسسة ضعيفة مفتقرة للكفاءة، وبحاجة لإعادة هيكلة كاملة بدءاً من طريقة تكوين موظفيها في الكليات، إلى برامج التدريب وتطوير الأداء لأعلى الرتب فيها. وطبعاً هذه الممارسات لا تُمارس – أساساً - سوى بحق الفقراء - جزء هام من دوافع الانتفاضة الأخيرة فى مصر نابع من توسع مستحدث فى نطاق التجبر الشرطى ليطال شرائح جديدة أعلى من الطبقة الوسطى، وهى الشرائح التى ظلت لفترة طويلة بعيدة عن هذا التجبر ظانةً أنه سيظل بعيداً عنها للأبد، بما جعلها لا تبالى كثيراً بكل ما كانت تراه عيانياً وبشكل يومى يمارس بحق فقراء الوطن - ، حتى لو كانوا غير مذنبين، فوحدهم الفقراء يعانون من بلطجة الشرطة، وتنخفض سطوة الشرطة وجلافتها مع المواطنين كلما ارتفعت بهم درجات السلم الطبقى، لامتلاكم أدوات أكثر للدفاع عن أنفسهم من العلاقات والمال والسلطة. اليوم هم يتصارخون بضرورة عودة الشرطة – التى توجد الكثير من الشواهد على أنهم هم من يمنعونها مع إطلاقهم البلطجية لاستخدام الأمن كورقة ضغط على الشعب ليمل الثورة ويتوب عنها!! – لضمان الأمن المفقود، فى الوقت الذى يسخر فيه الشعب الفقير الواعى منهم ومن أكاذيبهم!! فالشعب باعتباره طبقات وشرائح، لا يمكن أخذه هكذا ككتلة واحدة، وهكذا تختلف مواقفهم وتتنوع بحسب ظروفهم ومواقعهم بالضرورة، فطبقات لا تعانى من الشرطة كالطبقات العليا والشرائح العليا من الطبقة الوسطى، هى ممن لا يعانى من الشرطة بحكم ظروفهم وإمكاناتهم ووضعياتهم فى المجتمع، كما أنهم هم – وخصوصاً تلك الشرائح العليا من الطبقة الوسطى- المنبع الاجتماعى لضباط الشرطة فى مصر، ما يجعل الطرفين مرتبطين بعلاقات اجتماعية عديدة، بما يجعل الشرطة أماناً لهم ممن يظنون أنهم يستهدفونهم من البلطجية الفقراء، الذين – للسخرية – لا يستهدفون الأغنياء فى الغالب، بل يستهدفون فقراء مثلهم، ولا يطمعون سوى فى فتات تافه، يغطى احتياجاتهم من الحشيش المضروب!! ومن الجهة الأخرى، نجد بقية شرائح المجتمع، والتى تمثل أغلبيته تعانى بدرجات مختلفة من الشرطة وبلطجتها، بأكثر مما تعانى من البلطجية؛ بما يجعلها أكثر إصراراً على ضرورة إلتزام الشرطة بالقانون قبل عودتها، فعدوها الحقيقى ليس جحافل البلطجية المهمشون الذين صنعهم – قصداً وعمداً وليس فقط كنتاج جانبى لسياساته - النظام الإجرامى، بل الشرطة المتجبرة المتعجرفة التى تمارس البلطجة بالقانون!! وهكذا وبحكم انتماءناً فكراً وإيماناً ووجوداً للأغلبية، فإننا ننبه شعبنا الواعى لضرورة الصمود في مواجهة مخطط الداخلية، وعدم الرضوخ لورقة الضغط المتمثلة بالأمن، فالمتصارخون بالأمن ليس نحن، بل شرائح آخرى من الطبقة الوسطى ساندت الثورة؛ فتم معاقبتها وإرهابها للعودة لصفوف النظام الحاكم خوفاً على أمنها، فلنتفهم رعبهم، ولكن ليس علينا المبالاة بهم!! فالثورة أولى من الجميع، وهى ليست من الأعمال اليومية التى يمكننا تأجيلها لأجل الأمن الذى يمكن استعادته بسهولة فى بحر شهور معدودة، فلنجبر الداخلية على تطوير نفسها وتحديث أدواتها وإعادة هيكلة منظومتها عموماً لتتمكن – بعد أن تخلص النية طبعاً ! – من القيام بمهامها، بعد أن نضمن تحولها لمؤسسة في خدمة الشعب، وليس في ظلمه والاستبداد به. وعندها فقط يمكن للشعب المصرى أن يعود لاحتضان أبناءه من ضباط الشرطة؛ لأنهم عندها يصبحون أبناؤه حقاً، لا مماليك الوالى، ولا أبناء السلطة.
#مجدى_عبد_الهادى (هاشتاغ)
Magdy_Abdel-hadi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجمهورية المصرية الثانية..ماهيتها وكيف نريدها
-
الأهداف الأولية للثورة المصرية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|