|
وهم البنى التقليدية ... وهم المثقف النخبوي
رشيد قويدر
الحوار المتمدن-العدد: 3305 - 2011 / 3 / 14 - 16:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
فتحت الاندفاعات السريعة التغييرية الاجتماعية السياسية للثورتين المصرية والتونسية؛ على المعضلات الإشكالية للنخب والبنى الثقافية الاجتماعية السياسية الثقافية التقليدية، وكشفت أزمتها وأزمة المثقف النخبوي، وفي الوقت ذاته فتح نموذج الثورات الشعبية الباب على الإرهاصات التغييرية في المجتمعات العربية ... إن زخم التغيير الشعبي كشف صورة المثقف الموهوم، باعتباره فقد قدرته على تقديم الأفكار المؤثرة بالجماهير، التي يفترض بها أن تساهم في حمل هموم الرأي العام، نحو نقل هذه المجتمعات من الديكتاتورية والفساد إلى حقبة التحولات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. لعل الأسباب عديدة ومن المبكر حسم استنتاجاتها، حيث سَيُكْتب عنها كثيراً، بيد أنه من الممكن طرق عناوينها، بدءاً مما أُشيع من قبل النُظم الاستبدادية بأن المجتمعات العربية "غير قابلة للقراءة"، أو بسبب الاستبداد المديد وميراثه الطويل فضلاً عما روّجته السلطات ذاتها بأن "البديل سيكون للأحزاب السياسية الدينية المتطرفة"؛ لنيل بركات مراكز الهيمنة القطبية وتبرير قمعها ... اليوم تعيش المجتمعات العربية زخم مخاضاتها الجديدة، وبوتيرة غير مسبوقة على يد الأجيال الجديدة التي أَضْحت هي محركات التغيير، أما المثقف النخبوي والبنى الثقافية التقليدية أمست متأخرة وملحقة بشكلٍ تدريجي بجماهير المجتمع، وعلى ضوء إنجازات التغيير وتقديرات حسمه على يد الشعب. يمكن رصد استنتاجات سريعة منها علاقة هذه البنى التقليدية بوسطها الاجتماعي، فهي لذاتها ومثقفها لذاته، بعد أن اختزلت ثورة المعلومات التكنولوجية هذا الدور التقليدي، وأوجدت فضاءات ثقافية مغايرة للسابق، حيث تكون المعلومة متوفرة للجميع، وبات التحاور متوفراً للجميع من شكله "الافتراضي" إلى الوضعية المادية؛ في دورة التحول الهائل مع "الفيس بوك وتويتر" وتفاعل الأجيال التي تجيد التعامل مع شبكة الإنترنت، وقد أضافت مهارات جماعية جديدة؛ في تواصل الدور الجماعي بشكل مفتوح، نحو سرعة التحشيد عبر الحوار الجامع وخلق قضية رأي عام عبر القراءات الناضجة ... يتصف المثقف بقدرته على إنتاج الأفكار، وقدرة على الاستشعار، لكنه يفتقد القدرة على التحشيد بتحويلها إلى واقع عملي ومادي، حيث أن محركات التغيير تقوم على التحشيد أولاً وقبل كل شيء، كما أن عديد المثقفين في عمقهم التراثي لا يؤمنون بقدرات الأجيال الشابة، لأن هذه الثقافة "تحبذ رأي الكهل على رأي الشباب"، كما لا يهتم المثقف التقليدي والنخبوي إلى علاقته مع الوسط الاجتماعي، ولا تعنيه ظواهر البطالة وأرقامها، ونمط حياة شرائح كبيرة في المجتمع، فضلاً عن تعاليه عن "النقد" لعقدة "نرسيست"، الأمر الذي جعل الحراك الشعبي بوتيرته المتسارعة مفاجئ بنتائجه للمثقف ذاته ... نحن أمام تحول جديد سيتسع بنموذجه في بلاد العرب، وطالما شكلت الانتفاضات والثورات الشعبية والحركات الجماهيرية قيّمها في بناء ثقافتها الجديدة، فالتغييرات الجديدة أوجدت متطلبات جديدة مختلفة عن التقليدي، عبر جدلية الحرية والديمقراطية ونشدان العيش الكريم والعدالة الاجتماعية ومكافحة البطالة، وضمان آليات التغيير الاجتماعي، وفي حرية الرأي والنقد ومكافحة الفساد ... إن التطلعات الشابة الجديدة منشغلة بضرورة الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية كونها المسلمات الأرقى لبناء المجتمع المدني، ودون حاجة المثقف إلى البرهنة على أهميتها أو العمل الدؤوب للوصول إليها، وعبرت إلى مرحلة (الحداثة وما بعدها) أي عصر الحقبة الثالثة من الثورة المعلوماتية دون الحاجة إلى التقليدي، وانتقل الشباب المصري والتونسي وعلى الإيقاع الخالد: "أنا الشعب ... أنا الشعب ... لا أعرف المستحيلا" ومعه الشعب حقاً، من مرحلة إلى أخرى دون الحاجة إلى قراءة عِلْم الثورة والكلاسيكيات الاجتماعية على تلاوينها والفلسفات العقلية ومدارسها، والمراحل التي اجتازتها البشرية المعاصرة، لأن عصر المعلوماتية يقوم على الإدراك السريع للواقع الملموس، وبما يلخص له كامل التراكمات الفكرية الهامة، ويختصر له المسافات بحواسه العادية للوصول إلى النتائج، وبأبعاد ثورية سريعة وبخطوات عملية نحو المستقبل، بينما الواقع المعاش بكامل انتكاساته المديدة وضعت المثقف في وضع متأخر عن اللحاق بما يجري في الساحة الاجتماعية، خاصةً وأنها مُكلفة في وضعية المواجهة وبموقع طليعتها في إنتاجها أشكال للحياة تختلف عن السابق ... إن المثقف مأزوم بذاته وبحضوره المركزي في كل احتشاد اجتماعي ثقافي، وهو الباحث الدائم عن حضوره وليس عن مشاركته في التغيير وقد ابتلعت الأنظمة السياسية المكرّسة باستبدادها حالات واسعة من المثقفين، كذلك الأحزاب وإيديولوجياتها التي حولتهم إلى جهاز للدعاية والتنظير بغية الإمساك بالسلطة أو المشاركة الذيلية بها باسم المعارضة ومن باب "الديكور"، لا بهدف تغيير المجتمع ذاته. الأمر الذي وضعه خارج الكتل الاجتماعية التي تصدت للتغيير، لا ينفي هذا أن العديد من المثقفين هم في وضعية المثقف العضوي في قلب الحركة الشعبية والاحتشاد الجماهيري، ورفع الخطاب الذي أنتجه المجموع، ورددته الجموع رفضاً للديكتاتورية، ومن خلال استشعاره لدوره النوعي وأهميته الاجتماعية ولأمانة الحقيقة الثقافية ... اليوم تندفع فواعل اجتماعية جديدة تقوم بدور المثقف، وخلق مناخات مطلبية وعاطفية وطنية وسياسية تستطيع التحشيد والتغيير محمولة على الميديا المعاصرة، تستند قوَّتها على أرقى أشكال الديمقراطية الصاعدة من أسفل المجتمع إلى الأعلى؛ من الحشود الكبيرة للمهمشين وعشوائيات المدن والأزقة المتربة، من النجوع، ومعهم جيوش البطالة والعمال؛ في مُقدمهم جيل الشباب لإنزال السلطان من عليائه وجبروته، فلا أحد يستطيع احتكار صوتهم ...
#رشيد_قويدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة السلام ... وميديا - السلام مهنتنا -
-
الثقافة وجرعاتها الوقائية العالية
-
قيمة الزمن .. قيمة الشعور بالمسؤولية ..
-
يا إلهي ... ما -أقدس- الحاكميات العربية ... !
-
في الثقافة الوطنية والعالمية ...
-
الثقافة .. والوعي التاريخي
-
إشعاعات ثورة أكتوبر البلشفية
-
-لليسار دُرْ...- في نقد العقل العربي
-
سيدة النجاة..
-
-الديمقراطية- ... تحديات الخيار الوطني التحرري والديمقراطي
-
الفرا والدوران في المتاهة ... !
-
خلف الارهاب الأعمى ... فكرة جبانة سوداء
-
القاسم الذي كتب في حلكة الزنازين أجمل قصص الكفاح والحب
-
عمر القاسم مؤسس وعميد الحركة الأسيرة
-
البنية السياسية الراهنة للنظام العالمي ... نحو التعدد القطبي
-
-الطائفية في مواجهة الدولة الوطنية-
-
تطورات السياسة التركية.. والصلف الاسرائيلي
-
شجاعة النقد والإصلاح ... بؤس الأكاذيب
-
قراءة في الورقة المصرية ...
-
كيف يرسم المثقف الجذري المفكر رؤيته للمستقبل
المزيد.....
-
مصر تحظر الهواتف غير المطابقة للمواصفات.. ومسؤول: -مُقلدة وت
...
-
غارات أمريكية في الصومال.. ترامب يعلن استهداف أحد كبار تنظيم
...
-
كيف تجيب عن أسئلة طفلك -المحرجة- عن الجنس؟
-
الشرع: الرياض ستدعم سوريا لبناء مستقبلها
-
الاتحاد الأوروبي والرد على واشنطن
-
واشنطن تجمد ملياري دولار من أموال روسيا المخصصة لمحطة -أكويو
...
-
- الجدعان الرجالة-.. مشهد بطولي لشباب ينقذون أطفالا بشجاعة م
...
-
مفاجأة غير سارة تنتظر أوكرانيا من أحد حلفائها
-
زيلينسكي لا يعرف أين ذهبت الـ200 مليار دولار التي خصصتها أمر
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في ثماني مقاطعات أوكرانية
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|