|
علم الألسنيات ودوره في إنتاج النص محاضرة للمفكر السيد أحمد القبانجي
آريين آمد
الحوار المتمدن-العدد: 3304 - 2011 / 3 / 13 - 18:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أمام تعدد التفاسير وتعدد المناهج والمذاهب وتعدد الملل والأطياف يزداد حجم المتاهة الفكرية اليوم أمام المثقف لهذا يصبح البحث في النص ومشاكله غاية ملحة وضرورة قصوى، والخطوة الأولى يجب أن تبدأ في البحث في الجذور وتسخير كل ما بات يتوفر لدينا من أدوات لتحقيق ذلك، وربما يكون الحل كامناً في العلوم الحديثة التي أنارت الطريق أمام الفكر لينطلق دون الخشية من المحظورات والممنوعات، نذكر منها على سبيل المثال (علم الهيرمنوطيقيا، علم الألسنيات، وعلم الدلالات، وغيرها)، هذه العلوم لم تجد لها طريقا سهلا للتغلغل إلى المنظومة الفكرية السائدة لدينا بل ربما واجهت تعنيفاً لأنها لا تتوافق مع الثوابت ولا مع النص في اغلب الأحيان. من جهة ثانية عندما كان السيد أحمد القبانجي يصرح في مناسبات عديدة بأنه في الحداثة يختفي النزاع بين الإيمان والإلحاد كان اغلب مستمعيه لا يفهمون كلامه، لكنه في هذه المحاضرة توسع في شرح ما كان يعنيه في تعليقاته تلك. في المحاضرة السابقة ذكرنا بأن الهيرمنوطيقيا هو علم يختص في فهم النص، فهو لا يعني التفسير أو التأويل، هو يهتم بفهم الأسس التي بموجبها يتم فهم النص وبحثنا ذلك بالتفصيل، اليوم نبحث في علم الالسنيات ودوره في إنتاج النص. علم الألسنيات هو علم يختص في البحث عن المعنى، والمعايير المستخدمة في المعنى، وهو يهتم بكيفية إنتاج النص، فما هو المعنى؟ وما هو معنى المعنى؟؟؟!!!! في السابق كان كل الكلام يفهم من خلال ركنين هما: 1. اللفظ. 2. المعنى الخارجي. فكان أغلب الكلام يفسر ضمن هذين الركنين فحينما نقول (ماء) فإننا نقصد الماء، وقصدنا هنا يتطابق مع لفظ مفردة الماء، ولان الماء له وجود واقعي في الخارج لذا يمكننا معرفته، لكن المشكلة تظهر في الألفاظ التي تخص الأمور الأخلاقية، أو الأمور الحسية، أو كل ما هو ليس له وجود خارجي محسوس مثل (الجمال، العدالة، الرحمة، النبوة، أو جبرائيل، وغيرها ....)، إذن ليس كل الأشياء لها مدلولات مادية، لهذا يصبح إدراك المعنى في هذه الحالة يعتمد على الذهن البشري، أي يبدأ الاعتماد أو استخدام المفهوم الذهني للتعامل مع هذا النوع من الألفاظ. فهناك إذن شيء آخر خلف الألفاظ كان يقصدها المتكلم. هذه القضية نلمسها بشدة وبوضوح في نصوص القرآن، لان المتكلم هو في الأساس غير مفهوم بالنسبة إلينا، فالنبي كان يقول (إن الله اختفى عن بني آدم بألف حجاب من النور وألف حجاب من الظلمة). وهو يقول عن الله أيضا (ما عرفتك حق معرفتك)، فكيف يمكن لنا أن نعرف الله لنفهم كلامه؟؟؟؟!!!!. ففي العادة يتم إسقاط المحمولات البشرية على المواضيع الغيبية، ولهذا تظهر لنا مشكلة فهم النص. هذه المشكلة دفعت علماء اللاهوت إلى البحث عن حل. (الاشاعرة) مثلا اخذوا بالجانب السلبي في فهم صفات الله، بمعنى أنهم لجئوا إلى تفسير عبارة (الله عالم) من خلال غير جاهل فقط، أي إن كلمة عالم تعني في هذه الحالة (غير جاهل)، لان معرفة علم الله هو مستحيل بالنسبة إلينا وهو بالتأكيد لا يشبه علم الإنسان ، فالله ليس له ذهن مثلنا، وكذلك الحال مع (الله الحي) فقد اكتفوا بتفسيره بأنه غير ميت، لان كلمة (الحي) إذا قسناها على أنفسنا فإننا نعني بها شيء معين، أما (الله الحي) فالمقصود به شيء آخر، هو غير معلوم ولا يمكن معرفته، وهكذا كانوا يفسرون كل صفات الله من خلال العدم أو الجانب السلبي للمعنى. الغربيون ابتكروا طريقة أخرى لحل هذه المشكلة من خلال إسقاط ونسف المعنى عن كل الألفاظ التي ليس لها وجود خارجي واكتفوا ببيان المشاعر، فقضية نزول (جبرائيل) على النبي أمر لا يمكن إثباته لان (جبرائيل) أساسا نزل على شخص واحد هو النبي، وهذه العملية لا تشبه تجربة الجوع أو العطش الذي نعيشه بشكل جماعي ودائمي، لهذا فنحن نفهم ماذا يقصد بالجوع رغم أن الجوع ليس له وجود مادي في الخارج، أما قضية النبوة بهذه الطريقة فلا يمكن لنا فهمه، وهكذا نلاحظ بأن كل الكلام الذي يخص الأخلاق ليس له معنى في الخارج، بل إن هناك إحساسات معينة تخص تلك الألفاظ ، كلمة (آه) مثلا تدل على الوجع عادة، لهذا حينما نقول بان الله عادل لا نقصد بالعدل شيء في الخارج بل نقصد إحساسا معيناً يكمن في دواخلنا، لهذا حينما يقول شخص ما إن الله موجود فهو يقصد إحساسه بوجود الله داخليا، وهو يريد أن يعيش بفكرة أن الله موجود، بعكس الشخص الآخر الذي يقول إن الله غير موجود فهو يقصد إحساساً داخلياً أيضا، وهو يريد أن يعيش بفكرة عدم وجود الله، هذا الفهم وبهذه الصيغة يعني لا فرق ولا تنازع بين الإيمان والإلحاد، ويعني قبول التعددية في ظل عدم التنازع، وهو السبب الذي كان يجعل القبانجي يقول (الحداثة تلغي التنازع بين الإيمان والإلحاد). لأنه بهذا المعنى لا يصبح الإلحاد يعني شيئا خارجيا يستوجب العقاب أو الاتهام بالتآمر على الدين، بل يكون فقط منهجا للحياة، تماما مثل الإيمان الذي هو الآخر منهج للحياة أيضا، وكلاهما صحيح. هناك نظرية أخرى لا تقول بانعدام المعنى في القضايا الإلهية ولا تعتبر تلك الألفاظ تعبيرات عن إحساسات داخلية، بل تقول إن الألفاظ عبارة عن رموز وإشارات، وإننا عندما ننطق بتلك الألفاظ فإننا حتما نقصد معنىً معيناً، لهذا تصبح الألفاظ والعقائد مثل (الجنة، النار، النبوة، وجميع صفات الله، ...) رموزاً وإشارات ونحتاج لفهم المعنى.. فهم الرمز وفهم الإشارة، نحن نقول (الله رحيم)، لكن هذه الرحمة نراها تتوسع وتتقلص، رحمة الله تسع كل شيء والله يرسل الزلازل والأوبئة والفيضانات من قلب هذه الرحمة لدرجة الالتباس!!!!!، إذن الرحمة هنا هي رمز، كذلك العقائد، وكلها إشارات ورموز وما علينا إلا تفكيكها، المتدينون في العادة يحولون تلك الإشارات إلى أصول للدين أي يحولون الإشارة إلى أصل، كلمة التوحيد هي إشارة إلى الإنسان بأن يكون موحدا داخل ذاته ولا يكون انتهازيا، كذلك الصلاة، فالسجود أثناء الصلاة يعني الخضوع لله ومعرفة الحق دوما، السجود هو الخضوع للحق. في النهاية يمكن القول بأننا في معالجتنا للقضايا الدينية باستخدام علم الالسنيات نصبح أمام حقيقتين: 1. القضايا الدينية الصادرة من الإنسان تكون عبارة عن إحساسات. 2. القضايا الدينية الصادرة عن الله تكون عبارة عن إشارات ورموز. ووفقا لهذا الفهم نستطيع تفسير جميع قصص الأنبياء من خلال معرفة الإشارات العميقة الواردة فيها دون الاكتفاء بالسرد التاريخي، ففي سورة الفيل مثلا "ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل* وأرسل عليهم طيرا أبابيل* ترميهم بحجارة من سجيل *فجعلهم كعصف مأكول" يخبرنا الله من خلال هذه السورة بأنه (هو) من حفظ الكعبة وليس (الأصنام) أما القول بان أبرهة الحبشي جاء بالفيلة من اليمن إلى مكة فهو شيء غير واقعي لأنه لا يمكن للفيل أن يجتاز الصحراء. وهكذا مع بقية القصص علينا دوما البحث عن الإشارات والرموز العظيمة التي يقصدها الله، ومنه التوفيق.
انتهت [email protected]
#آريين_آمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مناهج التفسير والتفسير الوجداني محاضرة للمفكر السيد احمد الق
...
-
هيرمنوطيقيا النص وجمالية المعنى محاضرة للمفكر السيد احمد الق
...
-
سر الخاتمية محاضرة للمفكر السيد احمد القبانجي
-
نظرية التطور في الأديان محاضرة للمفكر السيد أحمد القبانجي
-
العمل السياسي بين الإسلاميين والعلمانيين محاضرة للمفكر السيد
...
-
الإسلام الأصولي والإسلام الحداثي محاضرة للمفكر السيد احمد ال
...
-
الإعجاز الوجداني في القرآن محاضرة للمفكر السيد أحمد القبانجي
-
العصمة في النظرية وفي التطبيق محاضرة للسيد المفكر أحمد القبا
...
-
الخلافة والإمامة... جذر الخلاف الشيعي السني... محاضرة المفكر
...
-
الحسين ثورة الوجدان محاضرة للمفكر السيد أحمد القبانجي
-
الاجتهاد في مقابل النص محاضرة المفكر الاسلامي السيد احمد الق
...
-
الساسة العراقيون بين المعادلة الصفرية والتوافق
-
الديمقراطية التوافقية في العراق
-
العملية السياسية والسلم الاهلي في العراق
-
ملخص كتاب صدام الحضارات
-
نادين البدير المراة التي تقود ثورة لوحدها
-
نظرة موضوعية لخطاب اوباما في جامعة القاهرة يوم 4 يونيو 2009
-
سلاما ياكردستان العراق والقادمات احلى
المزيد.....
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|