جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3304 - 2011 / 3 / 13 - 09:41
المحور:
سيرة ذاتية
في كل عام يزداد انحرافي عن العام الذي قبله ولم يكن انحرافي في العمود الفقري كباقي الناس أو في القلب كغالبية مرضى القلب المتواجدين في بيئتنا , علما أن كل الأطباء قالوا: بأن الانحراف سيميل إلى الاعتدال كلما تقدم السن بالفتى,لذلك كان أهلي ينظرون إلى الأمام إلى مستقبلي المشرق الذي لن أكون فيه منحرفا وأنا لا أحتاج إلى (اعتماد خورشيد) أو إلى امرأة مثلها تكشف للناس عن سر انحرافي كما كشفت عن سر انحراف صلاح نصر ذلك أنني معترف شخصيا بأنني منذ الطفولة وإلى اليوم وأنا ما زلت أعيش حالة من الانحراف وأعتقد بأن أهم سبب من أسباب انحرافي هو هروبي من الواقع السيئ والمُر الذي أعيشه وتعيشه غالبية مجتمعاتنا , هذا على الأقل تشخيصي أنا حيث أصاب مثلا بالإنحراف من كثرة ما أشاهده فأشعر بأن عيوني (تَحولُ) كلما نظرت في ارتفاع الأسعار أو كلما نظرتُ في وسائل الإعلام أو كلما شاهدت برنامجا تلفزيونيا أردنيا تافها جدا يقدمه أستاذ دكتور بروفيسور لا أقبل به أنا شخصيا بأن يحمل شهادة إعدادية أو ابتدائية وهذا على ما أعتقد ما يصيب نظري بالحول أو الانحراف ربع درجة أو نصف درجة أو درجة ونصف الدرجة, أما تشخيصات غيري فكثيرة جدا والكل يقول بأن السبب أشياء كثيرة وليست شيئا واحدا , ولكن أريد التنويه بأن هنالك أهم نسبة انحراف أعاني منها وقررها الأطباء علنا أمام أمي وأنا طفل صغير حيث قالوا لها (بأن الولد لديه انحراف وراثي من أبيه أو جده) فأنا أيضا كان جدي منحرفا في نظره بعض الشيء فلم يكن رجلا عاديا في نظره لقد كان صاحب رؤيا جديدة, أما أبي فلم يكن الانحراف في عينه اليمين أو الشمال وإنما كان في مكان آخر من جسمه لا تدركه لا القلوب ولا الأبصار, وأنا هنا لا أتحدث عن قصة رمزية وإنما عن أحداث واقعية حصلت معي دون زيادة عليها أو نقصان ولم أكن أنا شخصيا أعرف بأنني مصاب بمرض انحراف في النظر إلا عندما قال الناس والجيران ومدير المدرسة لأمي بأن ولدك لديه انحراف في النظر والبصر وبالذات في عينه اليمين والآن كل من يدقق في عيني اليمين يجد فيها انحرافا بعض الشيء وضعف في الرؤيا كبير جدا , فأنا منحرف في اليمين إلى اليمين تقريبا, وحتى نتفادى هذا الانحراف ونوقفه ذهبت أمي إلى طبيب العيون في مستشفى الأميرة بسمه التعليمي سنة 1982م وكانت هذه أول مرة في تاريخ حياتي أُعرضُ فيها على طبيب أخصائي وعلى طلاب طب للكشف على الانحراف وعن علاجه ومسبباته وهنالك أجرى لي الطبيب وطلابه عملية جراحية لكي أتوقف عن (الانحراف) ولكن النتيجة كانت من بدايتها انحرافية أي عكسية حيث أخطأ الطبيب في شد العصب المنحرف للوراء مما أدى إلى زيادة الانحراف عندي إلى ربع درجة زائدة عن النسبة الأولى, وهنا بدأ أول تساءل فلسفي يلح على شخصيتي وهو لماذا يزداد الانحراف كلما حاولنا تعديله؟, وحين كبرت ووعيت على الدنيا كان عندي تساءل آخر وهو: لماذا لا يتحمل الطبيب مسئولية زيادة الانحراف بسبب علاجه؟ الذي أخطأ في تشخيص موقع المرض؟.
وفي سنة 1984م بعد وفاة والدي ازداد عندي الانحراف بنسبة أكبر من ربع درجة طبعا وكافة الأطفال في حارتنا كانوا منحرفين في عدة جوانب مهمة جنسية وعقلية وبصرية والغريب أنه لم يقل أحد عنهم بأنهم مصابون بالانحراف إلاّ أنا فالكل يدعي بأنني منحرف وبأنهم أصحاء فأصبحت معروفا في حارتنا باسم المنحرف قليلا , والمشكلة أن الانحراف الذي أعاني منه في كل مرة يزداد ويتفاقم بدل أن يتراجع عقب كل عملية تصحيحية له, ففي كل محاولة لتصحيح مسار نظري يزداد نظري انحرافا وأنا تصبح وجهات نظري كلها منحرفة عن الحق أو عن الرؤيا الحقيقية التي يراها الناس, فأنا من ناحية النظر لا أرى كما يرى الناس ففي كل عام تزداد حالة الانحراف بيني وبين الناس والجماهير والحكام والوزراء والمفكرين وبين كل أهل حارتنا حتى في المعتقدات أنا منحرف عن الناس وعن باقي البشر, وفي سنة 1985م قررت أمي الذهاب إلى الطبيب مرة ثانية وهذه المرة قرر الطبيب بأن الانحراف يزداد يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وسنة بعد سنة وقال بالحرف الواحد (الولد لازمه نظاره حتى يتوقف عن الانحراف) وفعلا لبست النظارة ولكن تلك النظارة لم توقف عملية الانحراف عندي بل على العكس ازدادت نسبة الانحراف تقريبا إلى ربع درجة وعُشر الدرجة وفي هذه المرة قرر الطبيب بأن عندي بعض المشاكل التي تزيد انحراف النظر عندي وأهم تلك المشاكل القراءة وقال : يجب أن يتخلص الولد من القراءة, وحين تخلصت من القراءة لم تتوقف عندي عملية الانحراف ولم أرجع على الأقل لحالتي الطبيعية فقلت: طالما الشفاء ميئوس منه فلماذا لا أعود إلى القراءة ؟وفي سنة 1987م قرر نفس الطبيب بأن هنالك مشكلة أخرى تزيد من سرعة استجابتي للانحراف وهذه المرة كان التفكير هو أهم سبب من أسباب الانحراف التي تزداد عندي نسبته يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وسنة بعد سنة, وفي سنة 1989م قرر طبيب عيون آخر في عمان بأن سبب الانحراف أو انحراف عيوني هو التلفزيون الأردني وأمر الطبيب أمي بأن تحدد مسافة قانونية بيني وبين التلفزيون الأردني وأن تضع حدودا وحواجز بيني وبينه لكي لا أتعدى تلك الحواجز والحدود, وحين سألها الطبيب : كم متر يبتعد عن التلفزيون وهو يشاهده؟ فضحكت أمي وقالت: ابني قريب جدا من التلفزيون الأردني أي تقريبا متر واحد وأحيانا نصف متر يكون بعيدا عنه, فضرب الطبيب بيده على الطاولة غاضباً ونهض من على كرسيه وقال بصوت مرتفع وكأنه في مهرجان خطابي: غلط..التلفزيون الأردني هو سبب انحراف الناس والولد والمجتمع بأكمله وأنا شخصيا أولادي والحمد لله لا يشاهدون شاشة التلفزيون لكي يبقوا أصحاء بصريا وعقليا فكافة المجتمعات العربية غير سليمة عقليا ومنحرفة بصريا وعقليا بسبب التلفزيونات ويجب أن يبتعد التلفزيون الأردني عن وجه هذا الطفل مسافة لا تقل عن 3 أمتار تقريبا حتى لا يزداد انحرافا, فقالت أمي: كيف بدي أساوي مش بس هو هيك! كل إخوانه وأخواته وأقرباءه هيك, فقال الطبيب غاضبا: معناتهم كلهم منحرفين من بكره الصبح بتجيبيهم على عيادتي ,....ويومها سألت أمي أثناء طريق العودة : هل بين الطبيب والتلفزيون الأردني أي عداوة؟ فقالت ضاحكة: لالا ..يقطعك ما أخف دمك... وفعلا من يومها وأنا أبتعد عن التلفزيون الأردني ولا أشاهده إلا عن بعد ومنذ عشرة أعوام أو 15 عاما وأنا لا أشاهده إطلاقا ولا أطيقه ولا يطيقني ومع ذلك ما زال الانحراف مستمرا في عيوني حتى جاءت سنة 1990 حين قرر طبيب آخر بأن صحيفة الرأي الأردنية سبب انحراف النظر في عيني اليمين ونصح أمي بأن تبعد عني قراءة صحيفة الرأي والدستور وكل صحيفة أردنية ومنذ تلك الفترة عرفت بأن كل وسائل الإعلام الأردني سببا مهما لانحراف الناس فابتعدت عن كل وسائل الإعلام الأردني وازددت انحرافا بدل أن أتوقف عن الانحراف حيث كانت وما زالت النتيجة عكسية في كل عملية تعديل أو تجميل للانحراف, وصدقوني في سنة 1992م قرر أحد أكبر أطباء العيون في الأردن إجراء عملية تجميل لي في عيني اليمين لكي يكون الانحراف أمام الناس مقبولا وأعطاني مهلة 6 أشهر للاستعداد وبقيت أستعد للعملية ولكنني في يوم العملية تراجعت وخرجت من المستشفى لوحدي وقررتُ شخصيا بأن انحرافي شيء طبيعي يجب أن أومن به وأنا اعتدت عليه جدا وهو اعتاد عليّ وأصبحتُ أعيش مع المرض حالة من التوحد بيني وبينه بحيث لا أُطيق فراقه ولا يطيق فراقي.
وفي سنة 1994م كانت حالة الانحراف عندي قد ازدادت سوءا وكان السبب في الانحرافات الجديدة (العقاد وطه حسين وسلامه موسى ونزار قباني) وفي هذه المرة كانت صحيفة الرأي الأردنية وكل وسائل الإعلام الأردني بريئة من انحرافاتي وحين ذهبت إلى أخصائي عيون محترف كان قد قرر هذا الأخصائي بأن انحرافي قد أصبح درجة كاملة والموضوع خطير ويجب أن ألبس نظارة طبية لتتوقف عندي حالة الانحراف وحين سألني الطبيب كم ساعة تقرأ في اليوم الواحد؟ قلت له: 10 ساعات وأحيانا 8 ساعات وغالبا 4 ساعات قراءة وأيام أقرأ يوما كاملا وأحيانا يومين كاملين في الفلسفة والأساطير والتاريخ الكلاسيكي ونقد الديانات .
وبعد ظهور عصر الإنترنت قرر كل الأطباء بضرورة أن يبتعد المواطن العربي والأردني على وجه الخصوص عن شاشات الكمبيوترات لأنها هي المسئول عن الانحراف البصري والانحراف الذهني والفكري في المجتمعات العربية ,وأنا اليوم مبسوط جدا لأن المنحرفين أمثالي قد كثروا في مجتمعاتنا العربية حتى أن أهل حارتنا يزدادون يوما بعد يوم انحرافا وكلما حاولنا تعديل الانحراف كلما ازداد أكثر واليوم أشعرُ بأنني إنسان طبيعي لأن غالبية الناس انحرفوا مثلي.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟