|
دين فوبيا
أميرة عبد الرازق
الحوار المتمدن-العدد: 3301 - 2011 / 3 / 10 - 20:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
دين فوبيا *********** ما أكثر ما اختلف مع أصدقائي المتدينين حول نقطة هامة جدا ومحل الجدل هذه الأيام وهي فكرة الدولة الإسلامية، هم يقولون أن تطبيق الشريعة الإسلامية من خلال الدستور سوف ينهض بنا أخلاقيا، وأن السلطة الدينية ستواجه بحزم الفساد الأخلاقي وستطهر البلد من الفجور..
لقد قالها لي أحد المؤمنين بالدولة اللإسلامية: اللي مش عايز الإخوان يحكموا ده شخص موش كويس .. لأن الإخوان هينضفوا البلد من قلة الأدب! وعندما أهم بمعارضة هذه الفكرة تنهال على الاتهامات بأني من دعاة الانحلال وغير راغبة في رضا الله .. ويتبع هذه الاتهامات سؤال استنكاري .. هو مش انتي مسلمة .. يبقى ايه اللي مدايقك في تطبيق الشريعة. ثم يعقب هذا الاسؤال عرض استفزازي .. اللي مش عاجبه الحكم الإسلامي يبقى يسب الإسلام ويدورله على حاجة تانية.
أتلقى هذه الاتهامات محاولة بقدر الإمكان أن أحافظ على هدوئي، متظاهرة ببرود الأعصاب، فيكفي جدا أن هناك طرف واحد فقد السيطرة على أعصابه ولسانه ولولا الملامة لفقدوا السيطرة على أيديهم وتحولت المناقشة لماتش مصارعة، ومباراة للتحديف بالطوب! خاصة بعد أن أعلن لهم أن السلطة الدينية ليست الحل، ولن تحافظ على المجتمع، وستؤدي إلى النفاق الأخلاقي ...
كيف ولماذا؟
السبب بسيط للغاية هو أن الأخلاق لا تطبق عن طريق القانون، يمكنك بالقانون أن تحرم شرب الخمور وأن تغلق جميع البارات، لكن لن تمنع أن يتم تهريبها في الخفاء مثل المخدرات.
يمكنك بالقانون أن تغلق جميع الكاباريهات، وبيوت الدعارة، وتهوى بمقص الرقابة على جميع الأعمال الفنية، تفرض حظرا على المواقع الإباحية، وتحرم الخلط بين الجنسين في العمل والدراسة والمواصلات وبالمرة في الشارع أيضا ... يمكنك أن تمنع كل ذلك كما تشاء، وتفرض على مخالفيه أقصى العقوبات، ولكن قانونك المبجل لن يستطيع أن يفتش داخل الشقق المفروشة ليعلم ماذا يدور هناك، ولن يستطيع أن يفتش كل من ترتدي نقابا وهي ذاهبة لشقة صديقتها ليعلم إذا ما كانت هذه المنقبة رجلا أم امرأة .. عشيقا أم صديقة.
ستفرض عقوبة على ترك الصلاة وتجعل مصلى في كل عمل ومدرسة وكلية وحديقة ومستشفى، وتنزع الناس من مشاغلهم وتجرجرهم إلى المسجد وقت الصلاة، يمكنك أيضا أن تطرق على بيوتهم فجرا وتسحبهم إلى الجامع ... لكنك قانونك لن يستطيع أن يتسلل إلى النفوس ليعلم المفطرين في نهار رمضان ، فالقانون ما هو إلا رقيب على الظاهر فقط!
وبالقانون تحرم الغناء والرقص وتفرض الحجاب والملابس الفضفاضة على جميع النساء،وإن شئت تفقأ عين كل من لا يغض بصره، و ترجم كل امرأة خانت زوجها، وتقتل المثليين جنسيا بدم بارد، لكنك ستجعل الناس يبتعدون عن هذه الأفعال خوفا من العقاب وليس عن اقتناع، ومع أول فرصة سوف يفعلون ما يريدونه متخفين.
يمكنك أن تزحم عقول الناس بالمواد الدينية في الكتب والفضائيات والتعليم، وستسفك دم كل من يعلن رفضه لدينك وتقيم عليه ما تسميه بحد الردة، ظنا منك أن هذا سيجعل الناس متمسكين بالدين ويمنع أي محاولة للتمرد على كلمة الله، لكنك لا تستطيع أن تمنع النفوس من أن تلعن دينك في على غير علمك، وترفض إلهك الذين لم يروا باسمه إلا كل قمع واضطهاد وسفك للدماء ... تأمل جيدا هل هكذا ترضى الله وتجعل الناس متمسكين به بأن ينتهي الحال بالناس أن تراه باطلا نتيجة سياستك الفاسدة .. انتبه أنت تسئ بذلك إلى الدين أكثر مما تدعمه.
ستحجب النساء في البيوت وتمنعهن من التعليم والعمل لتوفر الفرص للرجال، واستجابة لتفسيرك للآية ( وقرن في بيوتكن) ولتنشأ جيلا طاهرا في نظرك يسري وفقا للطبيعة والفطرة، فللمرأة البيت وللرجل الفكر والعمل، وستتناسى أن نساء بلدك سيصبحن بلا خبرات علمية أو فكرية أو حياتية وسينتج عنهن جيلا فاسدا لم يتربى تربية سليمة لأن جميع الأمهات سيشتركن في صفة واحدة وهي السذاجة والرأس الفارغ، ولأن جميع الآباء لا يشتغلون سوى بنوكا قومية لبيوتهم وليس لديهم أي مشاركة في تربية أبنائهم.
ستفرض عقوبة على السرقة لكنك لن تمنع الكذب، ستحرم الغش لكنك لن تحرم الغدر، ستطهر الناس من الخارج، وسيمتلئون بالعفن من داخلهم.
إذا الخلاصة هي ...
الأخلاق لا تفرض على الناس بالقوانين وإنما بالوعي والاقتناع، ففرض الأخلاق بالقوة سيؤدي إلى مجتمع منافق يمتنع عن الفعل الشيء خوفا من العقاب وسيمارسه حين يكون آمنا لا يراه أحد .. فالإنسان حينما يرغب في الخطأ وعندما يقرر أن يخطئ سوف يفعل ما يريد بأي وسيلة، وسيتحايل على القانون بالتخفي أو أن يضرب به عرض الحائط، ولن تمنعه عقوبة، وإلا لما كانت السجون الآن ملئى بالعديد من القتلة والسارقين والمغتصبين وتجار المخدرات. قال لي أحد الأصدقاء: أن فرض الأخلاق بالقانون سيجعل الناس تقتنع بها وتنفذها تدريجيا برغبتها، والسؤال هو إلى أي حد كلامه صحيح .. كم سنة مرت على مصر وهي تحرم القتل مثلا .. آلاف السنين، وإلى الآن نرى من يقتلون .. فلماذا لم يجعلهم هذا القانون المعتق يقتنعون بأن القتل جريمة ضد الإنسانية؟ هم يعلمون أنه جريمة .. وهم يفعلونه رغما عن ذلك!
والحل في إيقاظ الضمير بالتربية، والتثقيف والتوجيه السليم، حتى يمتنع الناس عن ممارسة الرذائل من أنفسهم، وأن يكون ضميرهم هو الرقيب عليهم حين لا تحيط بهم عين القانون.
رجاء أخير لا تجعلوا الدين فزاعة يخاف منها الناس أمامكم وينتهكون كل مقدساته في غفلة منكم، فليس هناك رقيب على الإنسان سوى ضمير الإنسان، فاهتموا بهذا الضمير ولا تتشددوا لمظاهر جوفاء.
#أميرة_عبد_الرازق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا مش آسف يا مصر .. قصة قصيرة من وحي أيام الغضب
المزيد.....
-
قراءة الإعلام المصري لصورة السيسي في -جيروزاليم بوست- الإسرا
...
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 119 مقذوفا في غضون 24 ساعة
...
-
وزير الخارجية الأمريكي ونظيره السعودي يناقشان مستقبل غزة وال
...
-
فوتشيتش يصف الاحتجاجات في صربيا بأنها محاولة لتدمير البلاد م
...
-
أنباء أولية عن سقوط قتلى في تحطم طائرة في فيلادلفيا الأمريكي
...
-
إعلام أوكراني: سماع دوي انفجارات في كييف ومقاطعتها
-
المبعوث الأمريكي الخاص: إنهاء الصراع في أوكرانيا يصب في مصلح
...
-
تاكر كارلسون: زيلينسكي باع أوكرانيا وتحول إلى خادم للغرب
-
-إم 23- تواصل زحفها شرق الكونغو الديمقراطية
-
6 قتلى بسقوط طائرة صغيرة في فيلادليفيا
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|