أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - لغز اختفاء موسى الصدر ومنصور الكيخيا!















المزيد.....

لغز اختفاء موسى الصدر ومنصور الكيخيا!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3300 - 2011 / 3 / 9 - 16:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في أول حديث صحفي وظهور علني للجنرال عبد المنعم الهوني الذي كان من أقطاب النظام الليبي، وبعد انهيار جدار الصمت، تجرّأ على القول أن موسى الصدر ومنصور الكيخيا أعدما بعد اختفائهما قسرياً (حسب لغة القانون واستخدامات الأمم المتحدة)، فما هو لغز الاختفاء القسري للصدر والكيخيا؟ (الاختطاف بلغة السياسة).
كما اختفى الصدر صاحب القامة الباسقة والوجه المضيء، كذلك اختفى الكيخيا ذو الوجه النحيل، الهادئ الملامح. اختفيا دون أن يترك الفاعلون أي أثر للجريمة التي لا تسقط بالتقادم، وليس هناك، سوى الشكوك والأسئلة الحارّة القديمة - الجديدة: ترى من اختطفهما؟ ومن المستفيد؟ وعلى من تقع الظنون؟ هل ما زالا أحياءً!؟ وأي سرّ وراء عمليات الاختطاف "البارعة" تلك؟ وهل يمكن أن تستبدل الدولة مهمتها في حفظ الأمن وحماية أرواح الناس وممتلكاتهم، إلى مهمة العصابات من خطف وقتل وإخفاء معالم الجريمة؟ ثم لماذا تخاف وممَّ تخشى إنْ كانت دولة؟
وكنت قد نشرت كتاباً عن "الاختفاء القسري في القانون الدولي" في العام 1998، وبقيت منذ اختفاء الكيخيا وعلى مدى الأعوام الثمانية عشر المنصرمة أكتب، وأذكّر به وبالمختفين قسرياً وفي المقدمة منهم السيد موسى الصدر وعدد من المختفين قسرياً في العراق، كان آخرها في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2010 في إذاعة الـBBC، فهل ستكشف الانتفاضة الليبية اليوم المزيد من الأسرار وتخبرنا أبعد مما قاله الهوني؟
لم يدر بخلد رجل الدين موسى الصدر أو الدبلوماسي منصور الكيخيا أي قدر غاشم سيحلّ بهما أو أي مكروه سينتظرهما؟ لم يعرفا أنهما تعرّضا للخديعة إلى هذه الدرجة، على الرغم من أن مضيّفهما "خصم مدجج بالغرور والاستهتار" إلى حد الشتيمة! كانا منسجمين مع نفسيهما، لذلك لم يتوانيا عن قبول الحوار، وهو حوار فيه المسافة الواضحة بين المُعارض والأنظمة، والمُعارض والأجهزة، والمثقف والسلطة. قد يكونا ضحية حسن النيّة وقد يكون رهانهما على آخر قطرة إنسانية في نهر الشرّ الفائض.
إختفى الإمام موسى الصدر بعد زيارة رسمية له إلى طرابلس أراد منها أن يدير حواراً فكرياً واعداً وبعقل منفتح مع العقيد معمّر القذافي، لكن الأخير لم يحتمل ذلك، فقرر تحويله إلى جثة نقلها عديل الهوني، المقدّم نجم الدين اليازجي الذي لقي المصير نفسه بعد فترة قصيرة. واختفى الكيخيا الذي اختار الحوار والمعارضة بديلاً عن التعاون مع القوى الخارجية، على الرغم من حذره وارتياباته، معتقداً وهذا ما تحدثنا به قبل أيام من اختفائه أن غطاء حقوق الإنسان يمكن أن يحمينا من أنظمة عاتية أو قد يخفف بعض شراستها ودمويتها، ولعله كان مقتنعاً بأن النظام الليبي قد لا يغامر بارتكاب حماقة تصفيته طالما هو رجل سلام وداعية لحقوق الإنسان، لاسيما وقد التقى أحمد بن بيلا في جنيف الذي نقل له وآخرين رسالة من القذافي نفسه، ولربما صاحب هذا الاعتقاد السيد موسى الصدر الذي ظن أنه سيكون ضيفاً رفيع المستوى على الحكومة الليبية.
ومنذ العام 1979 بقي اختفاء الصدر لغزاً محيّراً، مثلما هو مصير الكيخيا دون إجلاء منذ العام 1993، ففي قضية الصدر ظلّت السلطات الايطالية تصرّ على عدم وصول الصدر وزميليه إليها قادمين من طرابلس، وما أشير إليه من ختم جوازات سفرهم، ما كان إلاّ خدعة للتضليل، وقد اختفوا منذ ذلك التاريخ وبطريقة غامضة ملتوية. كما ظلّت حاجيات الكيخيا الشخصية في فندق السفير بالدقي الذي قيل أنه لم يغادره، وكان الكيخيا قد وصل القاهرة ليشارك في المؤتمر الثالث للمنظمة العربية لحقوق الإنسان الذي اختتم أعماله في 6 كانون الأول (ديسمبر) 1993 أي قبل اختفائه بأربعة أيام.
وكان الكيخيا قد استلم إشارات حول رغبة النظام الليبي بفتح حوار معه، والتقى إبراهيم البشاري ممثل ليبيا في جامعة الدول العربية، صحبة المدعو يوسف نجم الذي كان آخر من إلتقاه. وزاد الأمر إبهاماً والتباساً بعد انقطاع كل خبر عنه، بل الأكثر من ذلك حين قُتل البشاري لاحقاً في حادث سيارة "مريب" في ليبيا، وأُعلن عن وفاة يوسف نجم الذي ادّعت الأجهزة المصرية حينها أنها طلبت من سلطات المطار ونقاط الحدود إلقاء القبض عليه على الرغم من مغادرته القاهرة. لكن يوسف نجم عاد بعد بضعة أسابيع ومكث في القاهرة خمسة أيام، ثم غادرها إلى تونس ليعقد هناك مؤتمراً صحفياً يوضح فيه أنه عدم صحة الادعاءات التي تفيد بأنه "مطلوب" مؤكداً على دخوله وخروجه من مصر دون أن يتحرّش به أحد.
وإذا كنتُ قد تابعت الموضوع فأستطيع القول أن قضية الإمام موسى الصدر التي تجددت بقوة بعد اختفاء الكيخيا لم تغب عن جدول عمل المنظمة العربية لحقوق الإنسان طيلة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وما تلاهما. وعلى الرغم من أن مقرّ المنظمة الرسمي في القاهرة - التي تربطها علاقات وطيدة مع طرابلس لحظة اختفاء الكيخيا- فإن وجود المنظمة في حينها كان من باب الأمر الواقع De-facto ولم يؤذن لها قانونياً بالترخيص إلاّ بعد خمسة عشر عاماً على وجودها، حيث تمّ الاعتراف بشرعية وقانونية وجودها في العام 2000، بتوقيع مذكرة مع وزارة الخارجية المصرية.
وتعرّضت المنظمة باختفاء الكيخيا أحد مؤسسيها لأزمة جديدة حقيقية، لاسيما وقد أصبح المدافعون عن حقوق الإنسان عاجزين عن حماية أنفسهم فكيف لهم أن يدافعوا عن الآخرين؟ ولعل نقاشاً علنياً حول علاقة السياسة بحقوق الإنسان، وبعض القناعات الآيديولوجية كان قد انطلق، وقد حصل ذلك على نحو صارخ إبّان اجتياح الكويت وحرب الخليج وعلى نحو أقل خلال قصف حلبجة بالسلاح الكيماوي، وبعدها خلال إعلان اتفاق غزة – أريحا (اتفاق أوسلو الفلسطيني- الاسرائيلي)، وما تبعه من اتفاقات. ولكن المنظمة على الرغم من تلاطم الأمواج من حولها، فقد حافظت على قوامها ومهنيتها بإقرارها مبدأ التعددية واحترام الرأي والرأي الآخر، وإنْ لم يكن ذلك بعيداً عن المجاملة أحياناً أو دون خسائر أو أضرار، لكن سفينتها في نهاية المطاف سارت في الطريق الصحيحة وأبحرت في شواطئ عميقة.
وقد واجهت حركة حقوق الإنسان وما تزال ثلاث تحديات رئيسة الأول- محاولة الحكومات تدجينها أو احتوائها أو تبهيت لونها. الثاني- تشكيل منظمات صنيعة شبه رسمية أو تابعة بهدف التشويش عليها. والثالث- السعي لدفعها نحو التسييس لكي تكون واجهة سياسية ضيّقة لهذه الجهة أو تلك أو لهذا الحزب أو ذاك من قوى المعارضة وجزءًا من الصراع السياسي والآيديولوجي بحيث يسهل إتهامها.
كان اختطاف الامام موسى الصدر ومنصور الكيخيا تحدّياً جديداً ليس لحركة حقوق الإنسان حسب، بل للضمير الإنساني، لاسيما وأن من يدافع عن حقوق الآخرين يصبح هو الضحية وعلى رأس قائمة المستهدفين لإسكات صوته، فالمرجعية سواءً كانت حقوقية أو ثقافية أو دينية متنوّرة، تتعرض هذه المرّة للملاحقة فإلى منَ يلتجئ من تهدر حقوقه؟!.. هكذا يصبح المدافعون ذاتهم عرضةً للتهديد والخطف والضياع وذلك مؤشر جديد للهجوم على حقوق الإنسان وعلى العاملين في هذا الميدان بحيث تصبح حياتهم مهدّدة أيضاً.
كان اختفاء موسى الصدر مناسبة جديدة مؤلمة لاستذكار إختفاء المهدي بن بركة في باريس العام 1965، وفي الفترة التي تلت اختفاءه، اختفى محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى ود. صفاء الحافظ ود. صباح الدرّة ودارا توفيق، وعايدة ياسين وأسعد الشبيبي في مطلع الثمانينيات وعشرات غيرهم. ولذلك كان اختفاء الكيخيا مناسبة حزينة أخرى للمأساة الإنسانية التي اتّسعت في الوطن العربي، الذي كان من أكثر دول العالم تميّزاً في موضوع الاختفاء القسري.
وإذا كانت الأمم المتحدة قد أصدرت إعلاناً للدفاع عن مدافعي حقوق الإنسان، بمناسبة مرور 50 عاماً على صدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان العام 1998، ذلك لأن المدافعين أصبحوا هدفاً، بل أن استهدافهم أصبح ظاهرة ملفتة، حيث كانوا ضحية الاستبداد والوحدانية وادّعاء امتلاك الحقيقة وضحية "اختطاف" الرأي الآخر، فضلاً عن العسف والغرور.
وإذا كان الزمن لا يعيد نفسه والتاريخ لا يكرر حلقاته، وإذا حدث ذلك ففي المرّة الأولى كمأساة وفي المرة الثانية كمهزلة كما يقال، الاّ أن البحث عن الحقيقة وكشف المستور يظل هاجس العدالة المفقودة، حتى ينتصر الحوار والعقلانية والسلم على السيف والصبيانية والتطرف؟
إن القصيدة واللوحة والمقطوعة الموسيقية والكلمة الصادقة والرأي الجريء يمكن أن يُغيّبوا، لكن عالم الخطف والسرية ودهليز التعذيب وأوكار الجريمة والزيف مهما بقيت متوارية ومختبئة ومهما طال الزمن، فلا بدّ أن تنكشف وينكشف معها هزال وجُبن من يقفون خلفها، وحين بدأت الحركة الإحتجاجية للشباب الليبي لتتحوّل الى إنتفاضة عارمة، كان قد إرتسم في الأفق إجلاء مصير الضحايا وحلّ لغز اختفاء الصدر والكيخيا، وهو ما يُنتظر من طرابلس بالأساس ومن القاهرة أيضاً في قضية الكيخيا!!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس- مصر: أسئلة ما بعد الانتفاضة!
- ثقافة السلام
- كوابح المجتمع المدني
- عواصف التغيير الديمقراطي: أي خريطة طريق؟
- أخشى من إجهاض الانتفاضة التونسية
- العولمة: ربّ ضارة نافعة!
- خطاب القوة والتطرف معكوساً
- منولوج جو بايدن!
- خطاب ما بعد الكولونيالية: مراوغات الواقع
- ما بعد الانتخابات العراقية: استحقاقات وتحديات المستقبل !
- الغضب المصري بعد الانتفاضة التونسية
- قراءة تأويلية عن حضارة وادي الرافدين لكتاب متميّز
- ماذا بعد استهداف مسيحيي العراق؟
- صورة تونس النمطية: مقايضة السياسة بالاقتصاد!
- مفارقات انتفاضة الياسمين ودلالاتها!!
- حقوق الانسان في الوطن العربي:المنظمة العربية لحقوق الانسان ف ...
- الأمن الغذائي .. الحق في الطعام!
- بغداد قندهار: أيّ مقايضة؟
- ساحل العاج دولة برئيسين
- حرب باردة في خليج ساخن


المزيد.....




- بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من ...
- عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش ...
- فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ ...
- واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا ...
- إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
- هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
- هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
- -مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال ...
- كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - لغز اختفاء موسى الصدر ومنصور الكيخيا!