|
هل جن دولته؟
علي بداي
الحوار المتمدن-العدد: 3300 - 2011 / 3 / 9 - 15:51
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
حاكمونا العرب وغير العرب من المسلمين، جميعهم، الملوك منهم والرؤساء، مصابون بمرض عربي إسلامي خالص، من واقعنا ومن تراثنا ،غير مستورد و لايشبهه مرض آخر هو جنون السلطة . أعراضه: النسيان، والهبل، وضياع المقاييس والأخلاق، وفقدان الشهية للقناعة، وإنفتاح الشهية لملكية العقارات والأراضي والأساطيل والبساتين وشركات السفر والسياحة وتجارة الأسلحة وتعليب التمور وتكرير النفط وكل شئ قابل للبيع والشراء والنهب، ومن أعراضة كذلك الكذب الصفيق وإختلاق الأوهام والمؤامرات. أما الملوك فيختصرهم أبو جعفر المنصور الذي جن فصدق جنونه حين قال: رأيت كأني في المسجد الحرام وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة وبابها مفتوح والدرجة موضوعة وما أفقد أحدا من الهاشميين ولا من القرشيين، إذا مناد ينادي أين عبد الله فقمت أنا وعبد الله بن علي نستبق حتى صرنا إلى الدرجة فجلس وأخذ بيدي فأصعدت فأدخلت الكعبة وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أبو بكر وعمر وبلال فعقد لي وأوصاني بأمته وعممني فكان كورها ثلاثة وعشرين كورا وقال خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة! القصة مع الملوك مفهومة بشكل ما، فهم ينظرون الى أنفسهم كرسل من الله ملوكا الى يوم القيامة، ولا يصحون على الحقيقة الا ساعة يحاصرون في قصورهم من قبل الملايين الجائعة العارية ،حدث ذلك مع لويس الرابع عشر وشاه إيران ، وسيحدث إن شاء رب العزة والجلالة مع ملوك آل .. وآل ..وآل الخ.. لكن بعضهم قد دخل التأريخ لأنه طور وبنى منسجما مع مرحلته الزمنية كما كان كل من المنصور والرشيد والمأمون، أما رؤساؤنا فنقمة من الله بعثها لإختبارصبرناوشجاعتنا أولا ولكي نقف على حقيقة بلادتنا وإستكانتنا ثانيا. سألوا مرة أحمد الغشمي ( جنرال يمني سابق قام بإنقلاب وصار رئيسا) كيف تمكنت من الوصول الى ما أنت فيه؟ قال بثلاثة خصال: قومة الصبح ، حليب الناقة وطاعة الوالدين! تصوروا... المشكلة أن هؤلاء، حتى الذين كانت لديهم بعض الحكمة والرغبة في تغيير الأوضاع ، ماأن يستووا على العرش حتى تتغير خصالهم ، تخيلوا لو إكتفى القذافي مثلا بثورته وتأميمة النفط وتحديث المجتمع الذي بدأة مع الرائد عمر المحيشي وعبد السلام جلود عام 1969 ؟ ولو إحتفظ حسني مبارك بمجده الشخصي كأحد المشاركين المتميزين في حرب أكتوبر فإكتفى وجنب نفسه إهانة الملايين وهو في الثمانين من عمره ... لكنه جنون السلطة وهو أرقى أشكال جنون البقر. نوري المالكي ، هو إستثناء ، ليس لأنه لم يجن بعد، ولا لكونه نقي السريرة زاهدا في الدنيا، بل لأن وجوده في منصبه كان نتيجة عملية إنتخاب ، مهما قيل عن شكوك في نزاهتها فهي عملية إقناع ونقاش ، ولذلك بالضبط يتوقع المرء منه إختلافا من نوع ما عن الملوك وعن قواد الإنقلابات الليلية ودسائس القصور الرئاسية. نوري المالكي هذا ، للذي لايعرفه، كان يعتاش على بيع الخواتم والمسابح مفترشا فسحة في ساحة السيدة زينب بدمشق، وهي مهنة شريفة ليس لها علاقة بمهنة إصدار أوامر القتل التي يمتهنها الآن، ولا توظيف المجرمين لإخافة المتظاهرين ، ولا عملية تآليب شيوخ العشائر على أبنائها التي تشغل رأسه الآن، ترك نوري هذه المهنة بعد أن أطاحت أمريكا بنظام الحكم البعثي الإستبدادي وكان من حقه كمعارض أن يفكر في الرحيل الى العراق والعمل هناك (بالطبع ليس كبائع للخواتم في ساحة التحرير) بل كمواطن عراقي حاز على قدر من التعليم. جرب نوري دخول العراق آملا في الحصول على قطعة صغيرة من كعكة العراق التي تفتتت وسعى اليها القوم من كل صوب كما النمل والقوارض والحشرات ،ولما يأس عاد الى دمشق وحين كان ينتظر السيارة التي تعود به الى هناك من ساحة النهضة ببغداد عبر نوري المالكي عن دواخله بأصدق ما عرف به حتى الآن حسب شهادة حسن العلوي الذي كان يرافقه في تلك الرحلة: هناك في كراج النهضة وقف نوري أو جواد المالكي يائسا وهو يردد : إعتقدت أنني سأحصل على وظيفة مدير تربية أو شيئا من هذا القبيل لكن...لاشئ ...لا آمل في ذلك" دارت الدنيا وحط طير السعد على غير توقع على رأس جواد المالكي الذي لم أشاهده قبل تلك اللحظة مبتسما قط ( ولا بعد ذلك أيضا) ومنذ تلك الساعات بدا مرض جنون السلطة بالتسلل الى نفسه ، عطل الحياة السياسية كسلفة الجعفري متشبثا بالممكن وغير الممكن من أجل أن يقال له "دولت رئيس الوزراء" ذلك اللقب المستحدث المضحك الذي لايعني شيئا فما معنى "دولت" أو "دولة" الرئيس؟ إعترض المالكي على نتائج الإنتخابات وطالب بإعادة العد وعطل حياة المجتمع كله ولم يجن شيئا، فلجأ الى المرجعيات ليتفاوض على تشكيل الكتلة الطائفية الأكبر التي ستحفظ له اللقب وما أن تم له ذلك حتى نسى بسطة السيدة زينب بسرعة، وتخيل ذاته إماما معصوما ،ووجه حرابه وبلطجيته الى من كان يشبه حالته قبل سنوات حين كان يطالب بحقوقه كإنسان في دمشق ، حتى رسم لنفسه صورة هي أسوأ من صور الكثير من مسؤولي البلدان العربية المجاورة بل هي مدعاة للكآبة والغثيان تراها في خطاباته الرتيبة التي يعد بها بأشياء جميلة ستتحقق بعد عام، وأن المجرمين لن يفلتوا من العقاب وأن... وسوف وأخواتها ...ثم ينساها جميعا منشغلا بالعشائر وتعيينات المقربين وتوزيع غنائم الإنتخابات. في جمعة الغضب أنشدت الجماهير في بغداد والحلة والديوانية والبصرة هتاف " كذاب ..كذاب نوري المالكي" وقد نقل لي صديق من ساحة التحرير أن مجموعة من الشيوعيين العراقيين عارضوا هذا الهتاف وطالبوا بالكف عنه ، أنا كذلك لم أمنع نفسي من الإحتجاج على هذا الوصف الذي إعتبرته غير لائق لكن الأيام التي تلت بينت سذاجة إحتجاجي وصفاء نية الشيوعيين التي طالما أوقعتهم في مصائد الكذابين. كل من رآى المالكي بعد يوم من جمعة الغضب ،وسمع ماقال من جمل ، وتمعن بملامح وجهه المتجهم عرف أن المالكي قصد في كلامه الحزب الشيوعي، فقد حمل مسؤولية قيادة المظاهرات لطرف وصفه بأنه كان شريكا في العملية السياسية ولكنه الآن غير موقفه بسبب من نتائج الإنتخابات! . بعد إسبوعين أصدر (دولته) إيعازا مضحكا يطالب فيه الحزب الشيوعي وحزب الأمة بإخلاء مقراتهما لأنهما من (المال العام) . جن الرجل والله فمن سيصدق ذلك ؟ من سيصدق أن الشيوعيين يفعلون ذلك؟ ومن سيصدق أن مثال الآلوسي الذي فقد ولديه وتجرأ على قول مالم يقله أحد ضد مصادر الإرهاب السنية والشيعية يمد يده الى المال العام؟ هناك إذن شئ مخفي لكنه واضح لكل ذي بصيرة ومن هنا نصيحتي لابي إسراء المالكي أن يبدا بعملية إنهاء الشيوعية في العراق الآن، ولكن ليس من بوابة المقرات فهذه مهزلة مضحكة ، فالكل يعرف أن "دولته"، وحلفائه قد إبتلعوا العراق وجعلوا من السكن وزير مواصلات ومن الملا وزير تربية ومن مزوري الشهادات وزراء ورؤساء مجالس محافظات، نصيحتي له نصيحة قديمة لكنها مجربة تأريخيا ، أتمنى عليه أن يتمعن بها جيدا وأنا واثق أنه سيشكرني عليها في يوم ما ، ربما سيكون يوم القيامة : في منتصف السبعينيات أعتقلت ولي من العمر 18 عام وطلب مني الضابط أن أساعد حزب البعث في تنفيذ قرار نهائي من السيد النائب صدام حسين بإنهاء الحزب الشيوعي الى الأبد وقد إستغربت وكنت قد قرأت في الأدبيات الشيوعية أن الحزب الشيوعي ليس حالة أزلية بل أنه وجد لتحقيق مهام إجتماعية حين تتحقق ستنتفي الحاجة لوجوده فقلت: حضرة الضابط، الشيوعيون يشترون عقول وقلوب الناس بالكلام عن الامور والاهداف النبيلة.. ولكي نسحب البساط كليا من تحت اقدامهم يتوجب أن نكون أذكى منهم ، مثلا :لنهدم الثورة والشعلة والرحمانية والطوبجي في بغداد والميمونة والماجدية في العمارة والجمهورية والحيانية في البصرة والشورجة ورحيم آوا في كركوك وكل احياء البؤس التي يعشعش بها الفكر الشيوعي ونبني محلها مدنا حديثة بشروط صحية ونمكن ساكنيها من التمتع بحياة ليس فيها مايغري الشيوعيين على التحريض بحيث ان احدهم سيصرف نصف حياته باحثا عن حديقة عامة مهمله، او شارع ردئ التبليط،او متسول يقتعد ركنا ما، أو عائلة لاتجد سكنا، ودعنا نبني جامعات تكون دائما في طليعة "تسلسل الجامعات الأرقى في العالم" وقبلها نمحو الأمية تماما وننشئ نظاما للتأمين الصحي وآخر للتأمين الإجتماعي وبهذا سحبنا البساط الاول من تحت اقدام الشيوعيين. انت تعرف سيادة العقيد ان حزب البعث ( أو الدعوة) ممسك بالسلطة ولايخاف من شئ كما انه "غارق بالمنجزات التاريخية" فلماذا نخشى الشيوعيين؟ دع الناس تنشئ أحزابا إن ارادت ودعها تنتخب وتتظاهر، وليعرفوا اين تذهب واردات النفط، وليؤسسوا النقابات والاتحادات، ولنلغي الرقابة على المطبوعات والمسارح والنوادي الإجتماعية فشعبنا تحت قيادة الحزب قد نضج ولاحاجة له بمن يرشده الى مايلبس ويشرب ويقول ولنطلق الحريات العامة، ولنسمح لمن يشاء ان يصدر مايشاء، وبهذا سنسحب بساطا آخر من تحت اقدام الشيوعيين. ولنقطع الطريق امام الشيوعيين لكي لايصلون لقلوب النساء عبر طرح موضوعة مساواتهن مع الرجال ومنع الإهانات عنهن ومعاملتهن كبشر كامل الانسانية والقدرة، فنسن قوانين افضل مما يدعون له ونطبقها بحذافيرها بحيث ان اية امرأة لو وجدت شيوعيا يمر بقربها ويغني لها قوانة الحقوق والمساواة ، ستقول له: اخذتها من زمان..ابحث عن غيري من بين "شرائح المجتمع"! وبهذا سيكون البساط الثالث قد سحب من تحت ارجل الشيوعيين ... وهكذا اذا استمرت استراتيجية" سحب البسط" سوف تجد ان الشيوعيين قد انكفأوا على وجوههم وأن لاحاجة لك أن تدوخ رأسك بهم، لأن الناس ستنزل الى الشوارع وهي تصيح "بالروح.. بالدم ..نفديك يانوري " وهذا ماسيجعلك تطير مع الحمائم وتحلق مع النسورفي الأعالي في نشوة مابعدها نشوة اليس ذلك في النهاية ماتبحث عنه؟؟. أما نصيحتي للشيوعيين الذين فهي: أتركوا المقرات،والمناصب، والتحالفات مع شياطين السلطة في بغداد وأربيل ،لا حاجة لكم بها، أنتم لم تخلقوا لذلك، لاحاجة لكم بديموقراطية أمريكا ومرجعياتها التي ذبحت المشروع الحقيقي للديموقراطية الذي كان عبد الكريم قاسم يروم إعلانه في نيسان في 1963 أنسيتم؟ عودوا الى قلوب أربعة ملايين أرملة ومليوني يتيم ، أنهم بإنتظاركم ومعهم سيقبل سيل عارم من الشباب الذي لم يتلوث بلوثة البعث ولا بطائفية الحكام الحاليين هناك هي مقراتكم. أجمل مافي تاريخ الحزب الشيوعي هي سريته وأكثر مايثير الدهشة في ذلك التأريخ هي القدرة على تنظيم الناس ومعجزة النمو من جديد بعد كل مجزرة، سرية الحزب المناضل حقا، ستزلزل الأرض تحت أقدام الطغاة الجدد الذين سيتخيلون كل شجرة واحدا منكم، وكل ورقة ملقاة على الأرض بيانا منكم، سرية الحزب ستجنن من لم يجن بعد من الطائفيين ،وسيهرع كل منهم لإمتشاق سيفه لمقارعة طواحين الهواء كدون كيشوت.. آنذاك سيرى العالم كله كيف أن ديموقراطيتنا قد اسلمتنا لمجانين .. وفي ذلك درس آخر لشعوب تنتظر
#علي_بداي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وا طنطلاه
-
أصدقائي التوانسة ..إحذروا من أسوا العابدين بن....
-
ثلاثة أوهام لتبرير إستعباد الناس بإسم الدين
-
2011 عام العالم العراقي -عبد الجبار عبد الله- بمناسبة ذكراه
...
-
البحث عن أخبث رجل في العالم
-
رد السيد علي الدباغ على مقالة علي بداي
-
حقيقة تزوير المالكي لشهادة وزير التربية
-
لو اسس عراقيو الخارج حزبهم الخاص
-
الانتخابات عيد العراقيين الوحيد
-
هل تسعى جهة ما لتدمير العراق سرا بالسلاح الايكولوجي؟
-
الجعفري يبدا حملته الاتخابية بمعلقة عنصرية
-
اممية المشرفين على -الحوار المتمدن - في زمن الطوائف
-
-أيام بغداد- اجعلوني وزيرا بلا راتب ولاحماية!
-
عبد الكريم اسكن الفقراء وبقي هو بلا بيت
-
1000 دولار مساهمتي لتاسيس فضائية اليسار العراقي
-
عمائم.... وعشائر.... وشعر شعبي
-
بسمه تعالى ....سنسرقكم
-
كم يتقاضى قادة العراق الجديد؟
-
ميثاق شرف لانقاذ العراق ....نداء للموقعين على نداء-مدنيون- و
...
-
هل نحن امة عبيد ايها السيد المالكي؟؟
المزيد.....
-
حلقت بشكل غريب وهوت من السماء.. فيديو يظهر آخر لحظات الطائرة
...
-
من ماسة ضخمة إلى أعمال فنية.. إليك 6 اكتشافات رائعة في عام 2
...
-
بيان ختامي لوزراء خارجية دول الخليج يشيد بقرارات الحكومة الس
...
-
لافروف: أحمد الشرع وصف العلاقة بين موسكو ودمشق بالقديمة والا
...
-
20 عامًا على تسونامي المحيط الهندي.. إندونيسيا تُحيي ذكرى كا
...
-
من أصل إسباني أم إفريقي أم شرق أوسطي؟ كيف يعرف المقيمون الأم
...
-
مستشار خامنئي: مسؤولون أتراك حذروا إيران من إثارة غضب إسرائي
...
-
الحكومة المصرية تفرض قيودا على استيراد السيارات الشخصية
-
-الإمبراطور الأبيض-.. الصين تكشف عن أول طلعة جوية لطائرة من
...
-
الجيش الإسرائيلي: القضاء على قياديين 2 في -حماس-
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|