أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الغني سلامه - محاولة في فهم الإسلام السياسي - الجزء 1















المزيد.....

محاولة في فهم الإسلام السياسي - الجزء 1


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 3300 - 2011 / 3 / 9 - 11:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الإسلام السياسي ليس بالمصطلح الجديد، ولكنه برز مؤخرا بشكل متزايد وملحوظ، وهو ليس تُهمة لأحد أو إنتقاصاً من شأنه، بل هو توصيف للجماعات والأحزاب الدينية التي تعمل في المجال السياسي، والتي هدفها المعلن أو الخفي هو الوثوب للسلطة، مستخدمةً في سبيل تحقيق أهدافها السياسية "الدينَ" كوسيلة وأداة وأحيانا كغطاء، والهدف الثاني من نحت هذا المصطلح هو لتمييز الإسلام كدين عن الأحزاب التي تعمل تحت غطاء هذا الدين، بحيث ننأى بالدين عن الأغراض البشرية ونحول دون تلويثه بأوحال السياسة.
فالأحزاب السياسية التي تُقحم الدين في شئون السياسة، وتزج بالسياسي في صُلب الدين، إنما تلحق الأذى والتشويه بالدين نفسه، بنفس القدر الذي تعجز فيه عن توظيف الدين لتطهير ذاتها وتبرئة ساحتها، ولهذا بات من الضروري التفريق بين الإسلام كدين حنيف يدعو للهداية والحق والعدالة بالحكمة والموعظة الحسنة، وبين الأحزاب التي تتسربل بلبوس الدين وتسعى لتحقيق أهدافها بالتفجير والتكفير وتشويه الآخرين.
ولكن علينا أن نفرق أيضا بين الأحزاب الإسلامية نفسها، فليست كلها تؤمن بالعنف منهجاً أو تلجأ للقتل وسيلةً وللتكفير أسلوباً، بل هنالك أحزاباً إسلامية تؤمن بالحوار وتحترم الرأي الآخر وتنبذ العنف وتمثل الإسلام بوجهه الحضاري المشرق المنفتح، كما أنه لا بد من التأكيد على أن خلافنا مع أحزاب الإسلام السياسي هو مع تلك التي تؤمن بالعنف، وليس مع تلك التي تؤمن بالحوار والتعددية، وجوهر الخلاف ليس في أهدافها في الوصول للسلطة، إذ أن ذلك هو هدف كل حزب سياسي وهو هدف مشروع ولا خلاف عليه، بل خلافنا مع أسلوبها في التغطي بالدين والإدعاء باحتكار الصواب وعدم إحتمال أي خلاف مع الآخر، أي بمعنى آخر هو خلاف مع منطق الإستبداد والقمع والتكفير، وهو تعبيرٌ عن رفْضِنا للعنف والقتل ومصادرة حرية الإنسان قبل مصادرة حياته نفسها.
ولا شك أن ظاهرة الإسلام السياسي من الظواهر الهامة والمؤثرة التي برزت بشكل واضح في أواخر القرن العشرين، وتحديدا مع انتصار ثورة الخميني في إيران، حيث لعبت صورة سقوط الشاه المدوية بكل جبروته "وسافاكه" تحت أقدام إرادة الجماهير الشعبية، التي كانت تحمل إلى جانب سخطها على فساد النظام مشاعرَ دينية مكبوتة، جاء الإمامُ ليطلق ماردَها من قمقمٍ ظلّتْ مختبئةً فيه لزمنٍ طويل، بعد أن إبتدع "ولاية الفقيه" بدلا من إنتظار المهدي، وهكذا انتقل الإسلام السياسي دفعة واحدة من الهامش إلى المتن ليتصدر الصورة، وبذلك تم تدشين عصر جديد يحلو لمنظّري الإسلام السياسي تسميته بعصر الصحوة الإسلامية، سيكون لإيران في هذا العهد الجديد دورا بارزا، ما زال يؤثر على واقعنا السياسي حتى اللحظة.
في نفس عام الثورة إندلعت أعمال العنف في أفغانستان، البعض سمّاها ثورة إسلامية والبعض وصفها بالحرب الأهلية، وأياً كانت التسمية فإن تأثيرها على الشباب المسلم من جاكارتا حتى الرباط كان تأثيرا بالغ الأهمية، إذ لعبت دور المهيّج لعواطفهم والمداعب لأحلامهم في النصر والشهادة والإنتقام من "الكفار"، وكانت عنصرا إضافيا لإطلاق المشاعر الدينية لدى الجماهير العربية، ترافقت مع أحداث سياسية وقعت في المنطقة، كانت في معظمها تشكل زخما إضافيا يزكي العواطف الدينية ويمهد لتأسيس ما سيعرف لاحقا بالجماعات الأصولية أو بالإسلام السياسي.
وللوصول لفهم أعمق لهذه الظاهرة يتوجب بدايةً قراءة التحوّلات الاجتماعية والثقافية التي طرأت على المنطقة خلال الفترة التي سبقت ورافقت نشوء الظاهرة، وتحليل نوعيات الناس التي شكلت الظاهرة وكانت وقودها، فإذا كان من الصعب العثور على أطباء ومحامين ومهندسين ومثقفين من بين أعضاء الجماعات المتطرفة، وإذا وُجدوا فهم أقلية وُجدت بشكل عارض ضمن سياقات أخرى مختلفة، فإنه في المقابل يسهل العثور على شبان عاطلين عن العمل ويفتقدون الأمل ويواجهون أفق مسدود في مدن تعج بالظلم والقهر الاجتماعي، وهؤلاء قبل أن ينتموا لتلك الجماعات، هم أساسا من يمكن وصفهم حسب الأدبيات الماركسية، بالبروليتاريا الرثة، بالرغم من أن هذا المصطلح نفسه بات بحاجة إلى مراجعة وإعادة تعريف، فالتكوين الطبقي للمدن والبلدات العربية في الزمن الذهبي للماركسية يختلف عمّا هو عليه الحال اليوم، وهو بالأساس مختلف مع طبيعة المدن الأوروبية في زمن نحت المصطلح نفسه.
وكأمثلة على هذه التحولات : تآكل الطبقة الوسطى وهبوط شرائح كبيرة منها إلى أسفل، وتضخم بيروقراطية الدولة، وتوّسع اقتصاد الخدمات، وظهور اقتصادات طفيلية موازية، وتلاشي الفلاّحين كطبقة ذات خصائص اقتصادية واجتماعية وثقافية ثابتة، إضافة إلى الانفجار السكاني الهائل، هذه كله أدى إلى خلق وتكوين شرائح اجتماعية جديدة، سماتها الواضحة أنها فقيرة ومهمشة وتفتقر إلى ملامح أو تقاليد طبقية ثابتة، لكنها تمثل الغالبية العظمى من سكّان المدن.
وهؤلاء، بالتحديد، هم أقل الفئات الاجتماعية استفادةً من خدمات الدولة، وهم الأقل حظاً، فإمكانية تحسين ظروفهم المعاشية تكاد تكون معدومة، ولا توجد لديهم فرصة حقيقية للخروج من مهانة الفقر ومخاطر الجهل والمرض، وليس في جعبتهم ما يكفي من المؤهلات لمجابهة النخب السائدة، وكسر احتكارها للسلطة والثروة، لذلك سيكونون هم القاعد الشعبية التي ستمد الحركات المتطرفة بحاجتها من البشر .
وما يدل على خطورة هذه التحولات التي أنتجت ما يُسمى بالحركات الأصولية أو الإسلام السياسي، هو أنها مكنتها من التكاثر بشكل بات خارج عن السيطرة، فقد كانت الحركات الدينية الميالة للعنف قبل عام 1980 لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، وخلال عقد الثمانينات تضاعف العدد ثلاثة مرات، ومع أواسط التسعينات نما العدد ليربوا إلى نحو ستة وعشرون منظمة وحركة جهادية تؤمن بالعنف وتمارسه فعليا .
وإذا كانت ظاهرة الإسلام السياسي ظاهرة خطيرة، فإن الأخطر منها هو تجاهلها أو فهمها بشكل متشنج يخضع للأحكام المسبقة بأسلوب يدفع دارسيها بعيداً عن الفهم العلمي لحقيقة الظاهرة، فيكتفون بانتقادها وتعداد مخاطرها ومساوئها .. وهو نهج مرفوض لأنه محكوم بهاجس الإقصاء ومدفوع بالرغبة الجامحة في التفتيش عن أخطاء الآخرين وتضخيمها وأحيانا اختلاقها، وهو نهج يخضع للرغبات الداخلية من خلال إسقاطها على الأحداث وتفسيرها وفقا لرؤية مسبقة جاهزة لا تريد أن ترى في الآخر أي جانب إيجابي، وهو نهج يحاكم النوايا كمن يعلم بالغيب ويشق على القلوب وعادة ما يفترض الأسوأ ويفتش عن الجانب السلبي على الدوام ...وهو نفس النهج الذي تستخدمه الحركات الأصولية نفسها في مهاجمة خصومها.
إذن، ومن أجل التصدي لظاهرة الإسـلام السياسي ومعالجة أسـبابها وتداعياتها، لابُدَّ من تسليط الضوء على خلفيات الظاهرة وأسبابها وتحليلها تاريخيا وسسيولوجيا بشكل موضوعي، بحيث نكون متحررين من الخلفيات الايديولوجية والنـزعات التبريرية المسكونة بالعداء للقوى الإسلامية، لأن إلقاء تبعة العنف على عاتق الإسلاميين فقط وتحميلهم المسئولية لوحدهم، أمرٌ يفتقر للدقة وتعوزه الموضوعية ، فقد أنتج هذا النهج من الخطاب مصطلحات ومفاهيم مستعارة من قاموس الغرب لتوصيف القوى الإسلامية، مثل مصطلحات التطرف والعنف الديني، والعنف الأصولي، وجماعات الإسلام السياسي، وصارت الجماعات التي تؤمن بالعنف وتمارسه مقترنة بالإسلام وبأي جماعة إسلامية مهما كانت معتدلة ! وجرى في المقابل إغفال العوامل الخارجية التي ساهمت في ولادة هذا العنف وهذا الفكر المتطرف، وبشكل خاص الإرهاب الدولي الذي تمارسه أمريكا وإسرائيل وتتسامح إزائه دول الغرب عامة، كما تم تبرئة الدولة وأنظمة الحكم، والنخب السياسية (مدنية وعسكرية) من مسؤولية تصاعد العنف.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم المرأة في ربيع الديمقراطية العربية
- هل هنالك صحوة إسلامية ؟!
- نماذج عبثية في تطبيق الشريعة وإهدار قيمة الإنسان


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الغني سلامه - محاولة في فهم الإسلام السياسي - الجزء 1