|
الحزبُ باقٍ
ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 3299 - 2011 / 3 / 8 - 19:40
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
منذُ نشأة الفكر الشيوعي في العراق في عشرينات القرن الماضي وما تلى ذلك من تأسيس الحزب الشيوعي في عام 1934 كان هناك أعداءٌ لهذا الفكر ولهذا الحزب . ففي العهد الملكي كان نوري السعيد الحاكم الفعلي ، وكانت مكافحة الشيوعية من أولى مهام الحكومات . وقد تم تعديل قانون العقوبات البغدادي بإضافة المادة 189 أ تحت إسم " مكافحة المبادئ الهدامة " والتي بموجبها أصدرت المحاكم العرفية الكثير من قرارات الحكم الجائرة ليس على الشيوعيين فقط بل على كثير من قيادات الأحزاب الوطنية الأخرى . وما أشبه اليوم بالبارحة عندما إستغلت حكومة نوري السعيد وثبة الشعب عام 1948 ضد الحكم فلفقت تهمة ضد قادة الحزب بينما كانوا في السجون ، مفادها أنهم كانوا قادة الوثبة والداعين إلى تغيير نظام الحكم ، وقد سيقوا إلى المحاكم وحكم عليهم بالإعدام ونفذ فيهم الحكم في 14 شباط 1949 . هكذا بعد إنتفاضة الشعب في شباط 2011 نرى نوري المالكي يوجه سهمه إلى الحزب الشيوعي العراقي . لم يمت الحزب الشيوعي بعد إعدام قادته في 1949 بل أنّ الشعب المؤمن بالأفكار التي يناضل من أجلها الحزب هو الذي قضى على نوري السعيد في عام 1958. قامت حركة الرابع عشر من تموز 1958 وكان الحزب في مقدمة المدافعين عن الجمهورية ضد مؤامرات القوى الدولية والإقليمية ، ولكن عبد الكريم قاسم بعد إنفراده بالسلطة بدأ يحابي القوى الرجعية ويكافح الشيوعيين . ورغم ذلك حافظ الشيوعيون على مبدئيتهم في ضرورة الحفاظ على النظام الجمهوري ، وشددوا نضالهم تحت شعار ( الديمقراطية للعراق ، والسلم في كردستان ) . لكن نجاح المؤامرة التي نفذت من قبل العروبيين في الثامن من شباط 1963 بمساهمة فعالة من دول إقليمية و مدعومة من قوى دولية قد أدّى إلى قتل عبد الكريم قاسم بتلك الطريقة الشنيعة وبدون محاكمة ، وعرض صورته على شاشات التلفزيون . كان غرض حمامات الدم التي أقامها الإنقلابيون هو القضاء على الحزب الشيوعي . ولكن ما أن إنشقوا على بعضهم حتى نجح الإنقلاب العسكري الذي قاده عبد السلام عارف في الثامن عشر من تشرين الثاني 1963 فإستأسد القوميون على البعثيين الذين أصبحوا الفريسة بعد أن كانوا الضواري . وظل الحزب قائما وإستعاد عافيته ووحدته رغم عشرات الألوف من الضحايا التي قدمها . إن إنتماء الحزب إلى جماهير الشعب وحب الجماهير له هو الصخرة الصلبة التي تتهشّم عليها جميع الرؤوس التي يلعب الخبلُ فيها ويجرّها إلى معاداته ، لأنه أمل المستقبل وما دونه يمثل الماضي والفكر الرجعي . وبعد أن سُحق التيار العروبي القومي بنجاح إنقلاب السابع عشر والثلاثين من تموز 1968 ( حيّة أم راسين ) ، لم يجد البعثيون مفراً من الإعتراف بالحزب الشيوعي ودعوته للإشتراك في الجبهة القومية التقدمية ، وإستيزار بعض قادته . وقد كان واضحاً لدى الحزب أن هذه الدعوة من البعث كانت لأغراض تكتيكية ، إلاّ أن الحزب وافق عليها لدعم التيار الديمقراطي ودفع عجلة التقدم وللوصول إلى إيقاف حملة الحكومة العسكرية في كردستان . ولكن الحركة التي قام بها صدام حسين في السيطرة على حزب البعث بالإضافة إلى تآمره على الحركة الكردية بالإتفاق الذي أبرمه مع شاه إيران في الجزائر ، وأخيراً إستلامه الموقع الأول في السلطة ومباشرته الحرب العراقية الإيرانية ضد نظام حكم الخميني ، كل ذلك جعله يعتقد أن بمقدوره القضاء على الحزب الشيوعي بإستعانته بجيش جرار من أنواع متعددة من أجهزة الأمن والمخابرات . وهكذا وبعد ثلاثين سنة من حكمه جاء الإحتلال ، وحوكم صدام لما إقترفت يداه وأعدم وبقي الحزب الشيوعي .
يمثل الحزب الشيوعي ، بحقّ ، جذور الحركة الوطنية التقدمية في العراق ، فجميع كوادر الأحزاب الأخرى ، بشتى إنتماءاتهم الفكرية مدينون للحزب لتشربهم بالأفكار النيرة التي أينعت فيهم وجعلتهم في مواقعهم المتقدمة من قادة للفكر والسياسة . إن قراءة تاريخ العراق الحديث وإستقراء الدروس منها يُقنع أي عاقل حكيم أن مجرد التفكير بمكافحة الشيوعية والحزب الشيوعي إنما هو وهم . ومن ينكر ذلك فليتذكّر مصير السابقين . وليعلم من تسوّل له نفسه مباشرة هذه اللعبة أنه سيكون أوّل الضحايا بين أيدي الذين شجعوه عليها ، وليس بين أيدي الشيوعيين ، لأن الشيوعيين ليسوا غدّارين و لا متآمرين و لا يؤمنون بالقتل والإغتيالات . إنهم الصفوة الرائقة الصبورة والصامدة في النضال وهم ينشدون نشيدهم الرائع ( سنمضي سنمضي إلى ما نريد .. وطنٌ حرٌ وشعبٌ سعيد ) ومؤمنون أن الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من المشانق . ومن يريد أن يثنيهم عن سيرهم الحثيث ، لن يحصد إلا الندم ، يوم لا ينفع الندم . فالحزبُ باقٍ سواء برِضى الحكومة أم بدون رضاها ، إذ يكفيه فخراً أنه مجازٌ من الشعب .
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورةُ لا تُستَورَد
-
أنبذوا الإنعزاليّة وأدعوا للديمقراطية
-
رسالة ثانية إلى آية الله العظمى محمد اليعقوبي
-
التحليلُ الجدَليّ
-
حَذارِ من مفرّقي الصفوف
-
طبقةُ الفلاحين أساسُ بناء الديمقراطية
-
تذكير
-
شجاب الغُراب لأمه ؟
-
اللعنةُ ... المحاصصةُ
-
تواطؤٌ ... توافقٌ لكنهُ هزيلٌ !!
-
تمييزٌ عُنصُريٌّ .. أم ماذا ؟
-
وعندَ ويكيليكس الخبرُ اليقينُ
-
البُعبُع . . . البعث !!
-
الإستعمار .. شكلاً وجوهراً
-
الخُلودُ للطيبين
-
عِبَرٌ لَمِن إعتَبَرَ
-
لِنكافِح الفرقة والإنعزالية
-
لِعبُهُم .. ورَدُّنا
-
العُنفُ ... أم النضال السّلمي ؟
-
تصحيحُ المسار
المزيد.....
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|