|
كيف يتعامل الماركسيون العرب مع انهيار النموذج الاشتراكي الاول، الحلقة الثالثة
ثائر كريم
الحوار المتمدن-العدد: 986 - 2004 / 10 / 14 - 09:02
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
تعمل تجمعات ماركسية عديدة، الان، لكي تنزل بالفكر الماركسي والحركة الشيوعية من برج الشيوعية العالي والجميل ولكن الطوباوي والبعيد الى صوب الساحل الديمقراطي والمجتمع المدني المطلوب والمحسوس. وهو ساحل لم يكن الماركسيون ولا الاحزاب الشيوعية العربية تضع ضرورة بلوغه في صلب اهدافها الاستراتيجية وخططها السياسية واساليب عملها الفعلية. ان في محاولات هذه التجمعات، اذن، سعي لاعادة تقييم المهمات التي ينبغي على الماركسية والشيوعية "العربية" القيام بها عبر تاسيس خطاب حداثي جديد حقا. ولكن، وفي عجالة غسل الاردية المحلية من اللون السوفيتي الفاقع، لم تبرز لحد الان اصوات قوية تقوم بتقديم تعليل دقيق للعقلانية الكامنة وراء احلال مهمات مغايرة للهدف الاشتراكي. وخصوصا لتفسير عقلانية ومسوغات تحويل الديمقراطية او اليات النمو الراسمالي وتقييد الدولة العربية بالمجتمع المدني استراتيجيات ثابتة للفترة الحالية وربما المقبلة. بكلام آخر، في الوقت الذي لا تترسخ فيه بقوة معلولية الهدف الديمقراطي واسباب غيابه الفادح سابقا من رأس جدول التفكير والممارسة الماركسية السابقة فان المحاولات التحديثية تبدو بمثابة مساعي تجميلية نحو اضفاء طابع لبرالي على رؤى الماركسيين والشيوعيين وليس انتاجا لرؤية ماركسية حداثية جذريا للواقع القائم في العالم العربي. وفي هذا الاطار تتمتع طبيعة ومستقبل علاقة الفكر الماركسي والممارسة الشيوعية بواقع ومستقبل الطبقة العاملة اهمية فكرية وسياسية خاصة. تشير بعض الامثلة الى ان التفكير العام يتجه صوب تفكيك علاقة التمفصل المصمتة (وهي علاقة نظرية وحلمية بحتة اكثر مما هي عملية واقعية وجماهيرية واسعة)، التي تشكلت بين حاجات وطموحات الممارسة الشيوعية في العالم العربي للاستناد على الطبقة العاملة والانطلاق من حاجاتها وواقع تغرب الطبقة العاملة عنها وغالبا عن الحياة السياسية الفاعلة، ايضا. ثمة ابتعاد فيه قدر كبير من الواقعية عن مفهوم الحزب الطليعي، الحزب المعبر عن رؤى وطموحات الطبقة الطليعية. ياتي هذا الابتعاد بعد الاقرار الصريح او الكموني بان غنى الخريطة الاجتماعية السياسية والطبقية وتشابكاتها الفعلية تفترض تعددية التعبيرات والتمثيلات السياسية والتنظيمية ليس على مستوى المجتمع فحسب بل وعلى صعيد الطبقة العاملة ذاتها. يبرز، في ذات الوقت، نزوع نحو احلال مفهوم التحالف (او البديل او الكتلة) الديمقراطي الذي يضاف اليه، عادة، مفردة الشعبي او الوطني او القومي حسب قناعة وميول وتصورات هذا الكاتب و الحركة او تلك، محل الفكرة الاختزالية للدفاع حصرا عن مصالح الطبقة العاملة (التي كانت تضاف اليها، عادة، لفظة الكادحين). ان العلّة العقلانية لعملية الابتعاد والاحلال هذه بالنسبة لبعض الماركسيين العرب لا تزال تنبع من وضع الاشتراكية كهدف قريب التحقق. فقد كتب د. سمير امين، مثلا، حول هذا الموضوع مرارا. ففي دراسة بهذا الخصوص (انظر د. امين، سمير "البديل الوطني الديمقراطي"، ورقة عمل، في المستقبل العربي، تموز 1993) يسترشد بنوع من الالحاح الدون كيخوتي في المضي قدما بمشروع تجاوز الراسمالية اشتراكيا، استعدادا لما يعتبره انتقال ممكن وواقعي الان نحو الاشتراكية. المطلوب، حسب طرحه، تكتيل كل القوى الاجتماعية ذات المصلحة وليس الطبقة العاملة فقط لتحقيق هذه الرؤية. ليس ثمة، اذن، ادراك لفشل منطوق نظرية التصفية الطبقية التقليدية- تلك النظرية التي تقوم على ان الطبقة العاملة ستحل وتسود، حتميا، محل الطبقات في سياق الصراع الطبقي- هذا الادراك الذي يحتم ضرورة تجاوز احادية الطبقة العاملة والنظر لعموم المجتمع بكل نسيجه الاجتماعي والطبقي كقاعدة للفكر والتنظيم والرؤية والهدف. هذا ما يقترب منه بعض الشىء ماركسيون آخرون (مثلا د. فيصل دراج و د. ماهر الشريف) حين يعقلنون مفهوم التحالف او البديل الشعبي الديمقراطي بطريقة اكثر واقعية. أي بالاشارة الى ضيق نطاق الصراعات الطبقية ذات الطابع الراسمالي (وفق ثنائية العامل- الراسمالي) في العالم العربي وعدم نضجها بفعل عدم تطور الراسمالية وضعف التطور الحضاري للمجتمعات العربية عموما. واذا كان مفهوم التحالف او البديل الشعبي الديمقراطي يوسع من (او ربما، بالعكس، يميع) القاعدة الاجتماعية للفعل السياسي الماركسي، فانه، على الاقل، يحرر الماركسيون والشيوعيون العرب من اسر ترداد القوالب الجاهزة. حيث يخلصهم من حالة التناقض بين ادعاء التمثيل الطبقي، من جهة، ونخبوية الاحزاب الشيوعية التي يسود فيها الطلبة والمثقفون، من جهة ثانية فضلا علىالغياب الفادح للصراع الطبقي العمالي في معظم البلاد العربية، من جهة ثالثة. على أي حال، يحاول الماركسيون العرب في هذا الصدد الابتعاد عن القالب الاختزالي لمفهوم الطبقة العاملة الذي تم فيه سابقا حصر البعد الطبقي للماركسية واختزال الخطاب السياسي الشيوعي العربي. وثمة ايضا محاولات اولية مهمة قد تتواتر لاحقا لفصل الطابع اللينيني عن الرؤية الماركسية العربية انطلاقا من وعي ان ازمة التفكير والممارسة الماركسية في العالم العربي تستمد جذورها، ايضا، من الارتهان المؤسف للايديولوجية "الماركسية اللينينية"، لاسيما السوفيتية (انظر، مثلا، الشريف، ماهر "اجتهادات في تجديد الفكر الماركسي العربي" في: اليسار العربي وقضايا المستقبل، تحرير عبد الغفار شكر"تساؤلات، القاهرة 1998، ص. 21). ولكن خطوة رفع النظرية الماركسية الى مصاف المنهج الفلسفي العام والتخلي الكامل عن القالب اللينيني الخاص الذي وضعت فيه الممارسة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي خطوة لم تتضح ابعادها في العالم العربي ولم يظهر ابطالها بعد. هناك بدايات لا اكثر (رغم انها شديدة القوة) لوعي الضرورة التاريخية لهذا الفصل والانطلاق نحو تأسيس فكر وممارسة ماركسية يسارية تتبنى بالكامل الديمقراطية والتعددية والشفافية ليس كتكيك سياسي بل اساسا كمرجعية شعبية حاسمة ومنظومة قيمية حياتية. من الناحية الفلسفية السياسية هناك طرح متواتر لمفهوم الديمقراطية الاجتماعية الذي يذكر مباشرة بقرابة فكرية وعملية بمفهوم الديمقراطية السياسية،. بات يحتشد هذا الطرح في عقول بعض الماركسين العرب في السنوات الاخيرة ليمثل بدايات اتجاه مهم للتفكير الاشتركي الماركسي ولرؤية مستقبل الاشتراكية والممارسة السياسية الاشتراكية في العالم العربي. ولكن هذا الاتجاه يستمد اساسه ليس فقط من انهزام النموذج الاشتراكي الاول بل ايضا من التشكيك (فعليا) ببعض ثوابت المرجعية النظرية. اي من الادراك بتغير المضامين المعرفية والعملية لمفهوم التغيير بالثورة او التغيير الثوري. يتجلى هذا الاتجاه عبر الاقرار الصريح او المضمر بضرورة انبثاق الاشتراكية من احشاء النظام الراسمالي او على الاقل اعتمادا على اقتصاد السوق عبر فترة ممتدة من الاستقطاب الاجتماعي والطبقي. بيد ان التنظير للديمقراطية الاجتماعية لا يخلو من جانبه- على غرار التنظير السابق للاشتراكية وكيفية الوصول اليها- من عنصر طوباوي يثير بحد ذاته مشكلة فكرية سياسية عملية. فطوباويته تتلخص في انعدام شروط اساسية لتحققه اولها الغياب الفادح للديمقراطية السياسية. فعدم تكريس الديقراطية كنظام سياسي ثابت لا يتيح توفير اليات شرعية لتوزيع المداخيل والثروات والموارد المتحققة. ومن باب آخر فان هذا التنظير اذ يقفز على شروط تحققه فانه يجعل من الديمقراطية والحرية مجرد وسائل عابرة للوصول الى هدف الديمقراطية الاجتماعية. لذا يبقى هذا الطرح اسير الحلم الايديولوجي. وهو بهذا المعنى يستمد مصداقية معينة. ولكن ألا يمكن القول بمعنى مباشر ان تحقيق الديمقراطية السياسية هي بالنسبة لكل البلاد العربية الان العدالة ذاتها؟ انتهت الحلقات
#ثائر_كريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف يتعامل الماركسيون العرب مع انهيار النموذج الاشتراكي الاو
...
-
كيف يتعامل الماركسيون العرب مع انهيار النموذج الاشتراكي الاو
...
-
ما تأثير الراسمالية والطبقة الوسطى في انجاح الانتقال للديمقر
...
-
اجتثاث البعث بين التسرع المرتجل والنقد الغاشم
-
لا معنى لمحاكمات نظام صدام حسين بدون ترسيخ الولاء لدولة القا
...
-
من يقود الارهاب في العراق: بعثيو صدام حسين ام الاصولية الاسل
...
-
هل هناك افق للتغيير الديمقراطي في العراق؟
المزيد.....
-
بعد سجن 13 عاما.. ألماني يبرأ من تهمة قتل ويطالب بتعويض
-
رغم الهدنة.. لماذا تخشى إسرائيل حزب الله؟
-
ماسك يرد على مطالبة واشنطن لكييف بخفض سن التجنيد في أوكرانيا
...
-
حزب الله- ينشر إحصائيات عن خسائر إسرائيل البشرية والمادية خل
...
-
موقع أمريكي يزعم تخلي حماس عن استراتيجية السنوار لوقف إطلاق
...
-
اتصالات مصرية بقادة القوى السياسية اللبنانية لبناء -مرحلة جد
...
-
لم شمل أسر روسية وأوكرانية
-
الإعلام العبري يكشف تفاصيل زيارة وفد المخابرات المصرية لإسرا
...
-
من المنهزم في لبنان؟
-
قناة -كان- العبرية: محمد السنوار والحية هما الشخصيتان الرئيس
...
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|