|
الأقباط بين سلطة الكنيسة ومستجدات الواقع المصري
وجدي وهبه
الحوار المتمدن-العدد: 3298 - 2011 / 3 / 7 - 08:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من يتابع الشأن القبطي في الفترة الأخيرة وخاصة فيما يتعلق بمستجدات الثورة التي أطاحت بمبارك ونظامه يجد أمامه حالة من الانقسام الواضح بين تيارين رئيسيين. الأول يتزعمه قيادات كنيسة على رأسها البابا شنودة التي كانت تصرح على الدوام بأن الكنيسة المصرية تؤيد مبارك ونظامه حتى في لحظات الرمق الأخير للسلطة المنهارة. وأما التيار الثاني فهو يقوم بالأساس على الكثير من الشباب الأقباط وبعض الكنائس التي تنتمي بالأساس لطوائف أخرى والتي شاركت منذ البداية في الحركة الاحتجاجية ضد النظام.
والواقع أن التيار الأول المدعم للسلطة المعزولة لا يقوم فقط على قيادات الكنيسة، ولكنه يحظى بتأييد غير قليل فيما بين الكثير من الأقباط من غير رجال الدين. وثمة أسباب عديدة لهذا لعل في مقدمتها الخوف من سيطرة التيار الإسلامي على السلطة وما يشكلها هذا من هاجس كبير ليس فقط للأقباط ولكن لكثير من أبناء الشعب المصري. هذا الخوف كثيراً ما يغلفه استخدام انتقائي لبعض النصوص من الكتاب المقدس يتم توظيفها لتأييد فكرة الخضوع للسلطة وعدم العصيان عليها بغض النظر عن مدى ما تمارسه من ظلم وطغيان وفساد.
ولعلي أحيل القارئ إلى مقال سابق لي كُنتُ قد نشرته من قبل في موقع الحوار المتمدن وذكرت فيه أن القيادات الكنسية داومت على مساندة نظام مبارك من منطلق تبادل المنافع بين السلطة والكنيسة بحيث تدعم الكنيسة السلطة الديكتاتورية للنظام في مقابل أن يطلق النظام يد القيادة الكنسية في مواجهة أي معارضة داخلية علاوة على بعض المكاسب الضئيلة والوقتية من آن لآخر. وبالطبع، ظل النظام الحاكم يتظاهر بأنه حامي الأقباط في مواجهة التيار الإسلامي المتشدد، وهو ما بات محل شكوك كبيرة خاصة عقب تسريبات أكدتها وثائق تم كشفها من مباحث أمن الدولة تشي بتورط وزارة الداخلية المصرية في عملية تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، وهو ما يهدم مزاعم حماية النظام السابق للأقباط بشكل كامل. والحقيقة إنني تساءلت اليوم وأنا أرى بعض وثائق مباحث أمن الدولة عن طبيعة المعلومات التي قد نتمكن من معرفتها عن علاقة الكنيسة بالسلطة إذا ما تم تسريب بعض الوثائق الخاصة بالكنيسة من أمن الدولة، والتي أدرك يقيناً أنها تحوي على الكثير من المعلومات الخطيرة علاوة على الكثير من الفضائح التي قد تُعجل بحدوث ثورة داخلية حقيقية داخل الكنيسة المصرية.
غير أن انهيار النظام السابق على يد ثورة شعبية خالصة وذات طابع مصري بامتياز أوجد هذه الحالة من الارتباك داخل الكنيسة بكل طوائفها في مصر، لكنه في ذات الوقت أخرج إلى السطح شباب أقباط معظمها من العلمانيين الذين شاركوا إلى جانب إخوانهم المسلمين، ودفع البعض منهم دماءهم الطاهرة مثل الكثير من المصريين ثمناً للحرية والديمقراطية المرجوة.
ولعل هذه المشاركة القبطية الفردية تعود فتذكرنا بالحقبة الليبرالية الحقيقية التي عاشها الشعب المصري في النصف الأول من القرن العشرين حينما كان للأقباط تواجد فعلي وملموس ليس على أساس ديني وإنما على أساس وطني وقومي. لقد كان للأقباط تواجد فعال في النشاط السياسي المصري في معظم الأحزاب المصرية وعلى رأسها حزب الوفد. فرأينا مكرم عبيد وويصا واصف وغيرهما ممن أكدوا على الحس الوطني للأقباط. ولم تكن الكنيسة تستطيع أن تمارس دور الوصي على الشعب المسيحي، لكنها كانت تقوم بدورها الرئيسي كدار للعبادة إلى جانب أدوار أخرى لا تقل أهمية مثل مساهمتها في مجال التعليم والصحة وتنمية المجتمع وغيرها. غير أن انقلاب 1952 وما تبعه من قمع الحريات وحظر الأحزاب وتأميم الممتلكات قضى على التجربة الليبرالية في مصر وقضى معها على التواجد القبطي السياسي فلجأ المسيحيون إلى الاحتماء بأسوار كنيستهم، وصارت الكنيسة هي المتحدث الرسمي باسم الأقباط بل ربما أضحت الكنيسة بعد ذلك بمثابة الوصي على الأقباط والمتحكم في قرارتهم وكأن الأقباط غير بالغين سياسياً ويحتاجون إلى تلقى الإرشاد من الكنيسة.
إن الأمل المنشود الآن هو أن يعبر الشعب المصري، مسلمون وأقباط، إلى حقبة ليبرالية وديمقراطية ثانية، فيها يتمكن جميع المصريون من المشاركة الفعالة في توجيه مجتمعهم نحو التطور والتقدم والازدهار على أسس من الديمقراطية والحرية والعدالة. وهذا لن يكتمل إلإ بأن يتمسك جميع المصريون بحقوقهم ووجباتهم، وفي مقدمتها الحقوق والواجبات السياسية. أما بالنسبة للأقباط فعليهم ألا يدعو أي جهة سلطوية أو قمعية أن تحرمهم من المشاركة السياسية والمجتمعية، سواء كانت هذه الجهة هي السلطة الحاكمة أو الكنيسة أو أي جهة أو تيار آخر. ينبغي على الأقباط الآن أن يتفاعلوا مع الواقع السياسي الجديد بكل مستجداته ومتطلباته، وألا يسمحوا للكنيسة أن تمارس دور المرشد أو الوصي على قراراتهم السياسية. ومن جهة أخرى ندعو الكنيسة أن تعود إلى ممارسة دورها التقليدي بكونها قيادة دينية لا سياسية، وأن تلتزم بدورها المتميز في التنمية المجتمعية وتدعيم ثقافة التسامح والاستنارة وحرية التفكير.
أخيراً فإن الفرصة سانحة الآن أمام الأقباط لأن يعودوا للمشاركة السياسية لا على أسس طائفية بل على أسس وطنية. بكل يقين من حق الأقباط كمثل أي مكون آخر من مكونات المجتمع المصري أن يتحالفوا ويدعموا التيارات والأحزاب التي تحقق الجزء الأكبر من متطلباته ورغباته. وبالتأكيد ثمة بعض المطالب والاحتياجات التي قد يتوحد حولها معظم الأقباط إلى جانب تيارات أخرى ليبرالية أو يسارية أو حتى إسلامية. لكن على الأقباط توسيع مجال اهتماماتهم والتخلص من النظرة الضيقة لمصالحهم بحيث يمكن أن نرى الأقباط ممثلين في جميع التيارات السياسية والحزبية لا بصفتهم كأقباط وإنما كمصريين. وهكذا يمكن للأقباط أن يعبروا برفقة جميع المصريين إلى وطن أكثر رحابة وديمقراطية وحرية.
#وجدي_وهبه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ألم يحن الوقت لمراجعة تحالف الكنيسة مع السلطة في مصر
المزيد.....
-
وفد -إسرائيلي- يصل القاهرة تزامناً مع وجود قادة حماس والجها
...
-
وزيرة داخلية ألمانيا: منفذ هجوم ماغديبورغ له مواقف معادية لل
...
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
-
حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب
...
-
ماما جابت بيبي ياولاد تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر
...
-
ماما جابت بيبي..سلي أطفالك استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
سلطات غواتيمالا تقتحم مجمع طائفة يهودية متطرفة وتحرر محتجزين
...
-
قد تعيد كتابة التاريخ المسيحي بأوروبا.. اكتشاف تميمة فضية وم
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|