|
ثورات الشباب العربي لاسقاط الدولة الأمنية - التحرر من الخوف
نادية حسن عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 3297 - 2011 / 3 / 6 - 20:42
المحور:
حقوق الانسان
مع سقوط الحكام العرب تسقط الدولة الأمنية.. في البداية سقط زين العابدين.. وبعدها مبارك... وقريباً القذافي.. ثم بدأ الشباب في الدول العربية المطالبة بسقوط جهاز أمن الدولة، والأمن المركزي، والبوليس السياسي.. ليؤكدو بذلك أن الدولة الأمنية هي سبب العنف وسبب الظلم والقهر والقمع والاستبداد.. والدولة الأمنية هي التي تدعم الفساد وهي التي تتحكم في البلاد والعباد....
ماذا يريد الشباب العربي من الثورة عندما يصرخ "الشعب يريد إسقاط النظام"
1. يريد اسقاط النظام الأمني والبوليسي 2. يريد إبعاد رموز النظام السياسي البائد 3. يريد دستور جديد و قوانين وتشريعات تعزز التحول نحو الديمقراطية واحترام حقوق الانسان بما فيها حرية التعبير والتنظيم والمشاركة والمراقبة والاحتجاج 4. يريد احترام حرية الصحافة باعتبارها تمثل السلطة الرابعة التي تراقب وتفضح أشكال الانحراف والفساد الإداري والسياسي والاجتماعي 5. يريد تنمية سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية تقضي على الفقر وتوفر فرص عمل لائقة للجميع
وهناك قوائم طويلة من المطالب، وفق واقع كل دولة عربية, وقد قام شباب الثورة في كل بلد بإصدار لوائح مطالبهم. ما يهمنا هنا، التركيز على البند الأول المرتبط بالدولة الأمنية
الشباب الشرفاء بداية من تونس قاموا بثورة عظيمة، فقد أشعل البوعزيزى نفسه وتحرك الشباب الواعي والمهمش من خلال الوسائل الحديثة والالكترونية ليتحرك الشعب التونسي بمختلف فئاته في مظاهرات سلمية أسقطت دكتاتورا مستبدا وحزبا كان يستولى على السلطة والمال والقرار من خلال الأجهزة الأمنية القمعية .
بعد استلام السلطة وضع زين العابدين، الأسس العملية لسياسة أمنية كفيلة بضبط الدولة والمجتمع على حد سواء، نجد أنها تشابه كبير في الدول العربية الأخرى، ومن أبرز هذه الأسس:
- استئصال القوى السياسية ذات الامتداد الشعبي بافتعال التهم ضدها ومحاكمتها وملاحقتها تعذيبا وسجنا وتهجيرا. - تدعيم هيمنة الحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي) على مؤسسات الدولة - تضخيم الفرق الأمنية واستحداث أجهزة موازية للرقابة تستمد أوامرها ونفوذها من رئيس الدولة مباشرة - تضخيم الخطر الإسلامي على الدولة والمرأة والمصالح الأجنبية لابتزاز الدعم السياسي والأمني والمادي - تغذية الوشاية وتشجيع الوشائين على إحكام مراقبة عموم المواطنين والآثار السلبية للدولة الأمنية - الاعتماد على قاعدة الولاء لنظام الحكم في التشغيل وتوزيع المسؤوليات وتوفير الدعم وتقديم المساعدات. - تهميش الشباب كقوة تغيير وصرفها بكل الأشكال عن الشأن العام بما في ذلك ارتياد مقرات الأحزاب والجمعيات المستقلة
استطاعت الدولة الأمنية في تونس أن تعمّر لما يزيد عن العقدين وأن تحقق أهدافها في السيطرة على شريان الحياة التونسية مما خلّف نتائج خطيرة على المجتمع بأسره مثلت أسبابا منطقية لتهاوي الدولة الأمنية التونسية. لقد نجح التونسيون في تقويض الدولة الأمنية التي رزحوا تحتها عقودا طويلة وقدموا نموذجا ملهما لثورة سلمية هادئة غير أنهم يقفون اليوم أمام تحد كبير يتمثل في تطهير مؤسسات الدولة من رموز الاستبداد والفساد للقضاء مع ثقافة الدولة الأمنية والحيلولة دون إعادة تشكلها وللشروع في رسم ملامح دولة مدنية ديمقراطية
والسؤال هنا، هل سيتمكن الشعب التونسي من الحفاظ على مكتسبات الثورة، أو أن النظام الأمني سيعود للظهور؟ من الضروري ان يطور المجتمع المدني أساليب تضمن ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، والشفافية، والحكم الرشيد.
وعندما اشتعلت الثورة بمصر بعد مقتل خالد سعيد على بيد المخابرات المصرية وأوضحت أن العديد من المصريين يؤمنون بأن الدولة الأمنية القمعية والنظام الحاكم هم السبب فيما حدث و يحدث في البلاد من ظلم وقمع وحجز للحريات ". بعد ثورة الشباب انتقم المصريون من شيء اسمه "جهاز أمن الدولة"، الذي انهار بسبب الأصوات المطالبة بالقضاء عليه من جذوره بعد الأفعال غير الأخلاقية التي كان يقوم بها تجاه الأبرياء والمتهمين على نحو سواء، ليأتي هذان اليومان ليشهدا احتراق مقار هذا الجهاز الذي لم يكن أحد يوما من الأيام يجرؤ على أن يتفوه بكلمة نقد ضده، مهما كانت أفعال القائمين عليه والعاملين فيه. الآلاف من المظلومين، اللذين تم احتجازهم وتعذيبهم، والتحقيق معهم في هذه المراكز. الآلاف من الذين سجنوا وضربوا وتمت اهانتهم وقمعهم في هذه المراكز, يصرخون اليوم ويقتحمون الجدران ليردوا ولو شيئا من كرامتهم التي أهينت في نفس المكان. الهجوم الشرس على مقار أمن الدولة بالمحافظات لم يكن صنيعة لحظة أو أيام أو شهور، لكن الأفعال الوحشية التي تعرض لها الأبرياء على مر السنين من جانب ضباط هذا الجهاز كانت الشعلة التي أحرق بها المتظاهرون مقاره في غالبية المحافظات. "لا إله إلا الله..أمن الدولة عدو الله".. بهذه العبارة بدأ الهجوم على مقر جهاز أمن الدولة بمدينة نصر، والذي يتكون من عدة طوابق، وازداد التجمهر حول بناء أمن الدولة وتعالت الهتافات: "يسقط أمن الدولة".. "أمن الدولة قاعد ليه..العصابة رجعت وللا إيه". انه تعبير عن غضب وألم وثورة ضد الظلم والقمع والتعذيب الذي تسبب به امن الدولة لهؤلاء الشباب، وربما بدون أي سبب، سوى قمعهم وإبعادهم ودفعهم للهجرة خارج البلاد، حيث تجد الآلاف من المصريين يعملون في الخارج تحت أي ظروف هربا من الظلم والقهر، كانوا يصرخون " نريد كرامتنا" التي انتهكت خلال عقود من الزمن. وما زالت هناك تحديات كبيرة أمام الشعب المصري، للعمل نحو تحويل الدولة الأمنية إلى دولة مدنية تحترم حقوق الإنسان والديمقراطية الحقيقية. أن جميع حالات الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها بلدان عربية تتشابه بشكل عميق في عدة مسائل، أبرزها سيطرة الأنظمة الأمنية والاستخباراتية في هذه البلاد، وتغلغلها في الجسم الاجتماعي، مما ألغى في المقابل كل المؤسسات الأخرى لمصلحة المخابرات والأمن. أن نجاح الثورات الشعبية أسقط معه "دولة الفساد"، وهو المناخ الذي ظل مخيماً في هذه البلاد التي خرجت شعوبها تطالب بإسقاط النظام.
ما تعني الدولة الأمنية؟
وما هو مفهوم الدولة الأمنية هي دولة تمارس فيها الحكومة إجراءات قمعية صارمة ضد المجتمع تتحكم من خلالها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للشعب. وغالبا ما يتم ذلك من خلال شرطة سرية تعمل عادة خارج الحدود التي تفرضها الجمهورية الدستورية .
عرف الدكتور هيثم مناع الدولة الأمنية بدولة "تحكمها أجهزة الأمن، الشرطة، والأمن المركزي، ومباحث أمن الدولة، والمخابرات العامة، باسم الأمن القومي أو الأمن الاجتماعي أو النظام العام. وهي عملية اختزال للدولة في سلطة التسلط وصيرورة التجمع المصلحي الحاكم مصدر السلطات ومنظم حياة البشر من مؤسسات إدارة الدولة، والمجالس النيابية، والقضاء، والجامعات، والنقابات، والاتحادات، والجمعيات الأهلية، والصحافة الحكومية بل والمعارضة، والمسيرات السلمية، وكل تعبير حر عن الرأى أو تحرك شعبى لمطالبة بحق. الدولة الأمنية لها زعرانها وبلطجيتها ومنظماتها وأحزابها وصحافتها وإشاعاتها ووسائل تشويهها لصورة المواطن. وقد تعايشت الدولة الأمنية مع كل تقاليد المافيا ودفع الخوة والتطفل على النشاط الاقتصادي".
وعرفها الأستاذ عبد الله التركماني " الدولة الأمنية" بأنها مصطلح شاع استعماله منذ سنوات في الادب السياسي العربي للدلالة على بنية شاملة مستترة خلف بنية الدولة الرسمية المعلنة.
يقول الاستاذ طيب تيزيني أن مبدأ الدولة الأمنية هو: "على الجميع أن يفسد الجميع حتى لا تبقى فئة تكون الحامل الاجتماعي لعملية التغيير" ويتحدث الأستاذ حكم البابا في "كتاب في الخوف" عن تجربته التي عاشها في الإعلام السوري والخوف الذي انتابه أثناء كتابة المقال، والخوف الذي شعر به يوم نشر المقال وانتظار ردة الفعل، والخوف أثناء وجوده ذاخل بناء المخابرات وخضوعه للتحقيق، ثم الخوف الذي تولده التجربة وتتركه في النفس بعد انتهائها. الدولة الأمنية عادة ما تظهر مظاهر الشمولية والرقابة الاجتماعية، وعادة ما لا يوجد ما يميز بين القانون وممارسة السلطة السياسية من جانب السلطة التنفيذية . رغم أن وجود الأجهزة الأمنية ضرورة حتمية لأي دولة سواء في القديم أو الحديث تنبع ضرورة وجودها من ضرورة الأمن نفسه الذي لا غنى عنه في أي وقت سواء للفرد أو المجتمع ، ويستحيل أن يمارس الناس نشاطهم وحركتهم اليومية إلا مع تحقيق الأمن، إلا أن الاتجاه العالمي اليوم هو البعد عن نظم الحكم العسكرية التي قد تفضل الأمن على التنمية كما يقال فيلاحظ الآن انحسار ( دولة البوليس ) كما تسمى وانتشار دولة القانون. ان العلاقة بين حقوق الإنسان والأمن هي علاقة متشابكة. فتعزيز احترام حقوق الإنسان يعني في الأساس تطبيق واحترام القانون وتوسيع هامش الحرية في جميع الميادين وتعزيز ثقافة التسامح واحترام الرأي الآخر، والتداول السلمي للسلطة. هؤلاء الشباب في الثورتين التونسية والمصرية والليبية ألهموا الشباب الشرفاء في الدول العربية الأخرى للتحرك ضد الفساد والظلم والعنف وانتهاك حقوق الإنسان. لقد أثبتت الثورات أن الأنظمة المستبدة الحاكمة من خلال الأجهزة الأمنية القمعية هي واهية وضعيفة جدا وما أسرع سقوطها وتهاويها أمام حركة الشباب الواعي.
لقد آن الأوان لأن تتخذ الدول العربية الإجراءات المناسبة للحد من انفلات سلطة الاجهزة الأمنية وانتشارها داخل المجتمع وجعلها تقوم بمسؤولياتها وواجباتها الوطنية دون الإخلال بمبدأ الحرية والممارسة الديموقراطية وإلزامها بالتقيد خلال قيامها بواجباتها باحترام القانون وتنفيذ الإختصاصات الأمنية بشكل مقبول وعدم الإعتداء على حرية الفرد واحترام حقوق الإنسان.
هذا “إذا ما اريد للبشر الا يضطروا آخر الأمر إلى اللجوء إلى التمرد على الطغيان والإضطهاد”
شذى ظافر الجندي دكتوراه في العلوم السياسية حقوق الإنسان، الفساد والتنمية
#نادية_حسن_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة الشباب في وطننا العربي ... تطالب بمكافحة الفساد..
-
ليبيا تتعرض لخطر الانقسام، خطر الحرب الاهلية، وخطر التدخل ال
...
-
العنف! ..... إلى متى سيعاني شبابنا العربي
-
ثقافة الخوف، هل نحن أمام تغيير
المزيد.....
-
مقررو الأمم المتحدة يدعون إلى امتثال كامل لمذكرة اعتقال نتني
...
-
الأمم المتحدة: إسرائيل تعرقل إيصال المساعدات للمحاصرين بشمال
...
-
اعتقال المئات وإخلاء وسط إسلام آباد من أنصار عمران خان بعد م
...
-
الأمم المتحدة ترحب بإعلان وقف إطلاق النار في لبنان
-
الأمم المتحدة ترحب بإعلان وقف إطلاق النار في لبنان
-
معاناة النازحين اللبنانيين مستمرة
-
الأمم المتحدة: غوتيريش يرحب باعلان وقف اطلاق النار بين -إسرا
...
-
المفوض الأممي لحقوق الإنسان يدين الهجمات الإسرائيلية على لبن
...
-
وزير الخارجية الإيراني يلتقي الامين العام للأمم المتحدة
-
الوفد الجزائري يطرد تسيبي ليفني من منتدى الأمم المتحدة لتحال
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|