ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية
(Yasser Qtaishat)
الحوار المتمدن-العدد: 3297 - 2011 / 3 / 6 - 19:32
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
وضعت أحداث 11 سبتمبر 2001م حدا فاصلاً بين الدبلوماسية الجديدة التي بدأت مع انهيار كتلة الاتحاد السوفيتي وتزعم الولايات المتحدة النظام الدولي بأحادية القطبية ، وبين الدبلوماسية المعاصرة التي بدأت تؤرخ بتاريخ إستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية تجاه العالم الخارجي عموماً ، والعالم العربي والإسلامي خصوصاً .
وتواجه الدبلوماسية العربية في الوقت الحاضر ، في خضم هذه الأحداث الدرامية المتسارعة في تأثيرها ووطأتها ، تحديات جمة تتعرض لها المنطقة العربية في هذه المرحلة التاريخية ، وإذا كان رؤساء الدول هم المسئولون دستوريا عن السياسة الخارجية وعن اتخاذ القرار الخاصة بها ، إلا أنهم يعتمدون في ذلك على وزارة الخارجية وأجهزتها في المقام الأول ، ويحرصون على معرفة رأيها أولاً بأول قبل اتخاذ القرار السياسي الخارجي ، إلى جانب الاستئناس بآراء أجهزة الدولة المختصة الأخرى ، لامدادهم بالمعلومات والتحليلات والتصورات التي تساعد على اتخاذ القرار السليم الذي يحافظ على المصالح العليا للدولة وأمنها الوطني .
وعلى صعيد الدبلوماسية العربية ، تفتقد السياسات الخارجية لهذه القدرة من الخبرة الدبلوماسية العربية المطلوبة من الكوادر التي تدير دفة العلاقات الخارجية للدول العربية ، إذ تتحول مهام الدبلوماسي العربي من مقدم للرأي والنصح والمشورة في مجال تخصصه الدقيق في وزارة الخارجية الوطنية لكل دولة عربية ، إلى مجرد شخص يقدم تقارير يومية لوزارته، ويقابل غيره من الدبلوماسيين ، ويكفي أن يكون الدبلوماسي العربي ملماً وعارفاً بشؤون بلده لا أكثر ، وهذا أخطر ما يوجه الدبلوماسية العربية على صعيد الاختصاص لذوي الشأن في إدارة الدبلوماسية الخارجية للدول العربية .
وعلى مستوى دبلوماسية القمة ، سواء العربية البينية أو العربية – الأجنبية ، لا يتسلح الزعماء العرب بالدراسات والتوقعات وإستراتيجيات التفاوض مع الأخر أو مع الذات ، إذ يعتمد كل رئيس دولة عربية على ما يقدم له من تقارير وتوصيات ومشاريع تحليل من جانب الدبلوماسيين الذي يسبقونه بتحضير كل ما يلزم المؤتمر المراد عقده ، ويتحول دور رئيس الدولة العربية من صانع للقرار بشكل فعلي إلى مجرد قارئ لخطاب سياسي أو دبلوماسي ، لم يشرف حتى على كتابته بيده ، خاصة وأن أخطر ما يواجه الدبلوماسية العربية هو الإنشاء المهيمن على المشاعر والعاطفة السياسية ، خاصة في الأزمات ، على حساب سياسة الأمر الواقع وحسابات المكسب والخسارة ، وتقديم الحلول للقضايا المطروحة على أجندة المفاوضات أو اللقاءات الدبلوماسية .
تحديات الدبلوماسية العربية :
لا شك أن التحديات التي تواجه بناء دبلوماسية عربية موحدة من الكثرة بمكانة لذكرها بشكل تفصيلي ، وتختلف من قضية عربية لأخرى ومن أزمة لأخرى تبعاً للمصالح والأهواء والعلاقات البينية بين الدول العربية ، لكن يمكن ذكر أهم الخطوط العريضة لهذه التحديات :
أولا : وجود اثنان وعشرون سياسة خارجية عربية متناقضة عن بعضها ومنقسمة فيما بينها ، فلكل دولة عربية سياستها الخارجية التي تديرها وفق نمط معين وفي إطار مصلحة معينة لا تلتقي دوما ، حتى في القضايا المصيرية ، مع السياسات الخارجية للدول العربية الأخرى .
ثانياً : الخلافات والنزعات التي تجمع الدول العربية أكثر بكثير من عوامل الوحدة البينية ، إذ قلما تتوحد السياسات الخارجية العربية فيما بينها على شأن قومي يصب في مصلحتها العربية ، بسبب تناقض المصالح واختلاف التوجهات الخارجية لكل دولة عربية منفردة .
ثالثاً : كثرت التدخلات الخارجية في النظام الإقليمي العربي وفي سياسات الدول العربية ، بسبب خلافات الأنظمة العربية الشخصية والسياسية ، وتأطير العلاقات العربية – العربية في إطار الرضا الأمريكي عن دول النظام المقبولة أو المنبوذة .
رابعاَ : شيوع وهيمنت العلاقات العربية مع دول غير عربية على حساب العلاقات البينية ، إذ في معظم الأحيان توصف العلاقات الخارجية لكل دولة عربية مع دول الجوار الإقليمي أو دول أوروبا أو الولايات المتحدة بصورة تفوق علاقات الدولة العربية مع محيطها العربي ، وهذا يفسح المجال أمام التداخل والاختلاف في السياسات الخارجية ، وبالتالي في رسم دبلوماسية عربية موحدة .
ان انقسام الدول العربية في القضايا المصيرية التي تمس الأمن القومي العربي ، وهما القضيتين الفلسطينية والعراقية ، ففي الأولى أقامت دول عربية علاقات دبلوماسية وسياسية مع إسرائيل ، فيما لم تقم أخرى أي شكل للعلاقات ، وفي الأزمة العراقية وحرب الخليج الثالثة ، انقسمت الدول العربية بين موقف المتفرج على الأحداث دون أن يعنيها الأمر شيئاً ، فيما أخرى قدمت مساعدات لوجستية لقوات الاحتلال إبان الحرب ، ففيما أعلنت أخرى بشكل صريح وقوفها مع القوات الغازية ، فيما كانت القلة القليلة تنتظر نتائج الحرب لتحدد موقفها .
وفي كل الحالات وفي كلا القضيتين ، كانت النتيجة المنطقية فشل الدبلوماسية العربية في رسم سياسة أو موقف موحد إزاء الأزمتين ، مما نجم عنه تفرد أمريكي – إسرائيلي في الملفين على حساب دور عربي هامشي لا يذكر ، بعد أن كان الموقف العربي الدبلوماسي قبل مؤتمر مدريد عام 1991م شبه موحد إزاء القضية الفلسطينية .
إن ضعف مؤسسات السياسة الخارجية العربية في توضيح موقف عربي موحد حيال قضايا المنطقة العربية ، بسبب نهم كل وزارة خارجية عربية على إبراز حضارتها وموقفها الوطني دون أن يعنيها الشأن العربي كثيراً في إدارة علاقاتها الخارجية ، وكذلك ضعف هيكلية بنيان هذه المؤسسات من خلال تراجع معظم الكوادر الدبلوماسية العربية عن زمن الدبلوماسية المعاصرة والتغيرات التي آلت إليها بعد 11 سبتمبر ، وربما قبل ذلك أيضا، إذ هناك جملة تقاليد مهيمنة على الدبلوماسيين العرب في الالتزام بأعراف وطنية وحضارية عفا عليها الزمان ، وبعض الدبلوماسيين لا يجيدون مقومات الدبلوماسي الناجح لا من حيث التخصص أو إجادة اللغة الأجنبية أو من حيث مواصفات الدبلوماسي العصري ، فلا يعقل أن يكون دبلوماسي عربي في بلد أجنبي لا يعرف تكنولوجيا العصر ووسائل الاتصال الحديثة ، لمجرد أن منصبه –كدبلوماسي- منصب شرفي قبل إحالته على التقاعد ، أو لأنه يمثل شريحة قبلية أو عشائرية واسعة في بلده ، كما يحصل في بعض الدول العربية للأسف .
وتمارس الدول العربية نظرية الخطأ والصواب , وتعتمد على أحداث جزئية لإصدار القرار وليس على تقديرات ودراسات كلية ، لذلك يظل الفهم السياسي بدائياً , يعتمد على سياسة القرية في حشد الأنصار وأسلوب التخويف من الآخر , والترغيب في تحقيق منافع مباشرة ، وتشجيع تكتلات الأصدقاء والأقرباء لتجسيد زعامات قبلية سائدة ، مما يجعل هذه الزعامات هشة وغير ناضجة , فهي لم تبنَ على أساس فكري أو طبقي , وإن كان بعضها اليوم يملك الكفاية .
والواقع أن شلل الدبلوماسية العربية لا ينبع فقط من الكسل وانعدام الخبرة وفقدان القضية عند أغلب العناصر التي غالبا ما يقع الاختيار عليها في أحسن الأحوال لأسباب سياسية وفي الكثير من الأحيان لدوافع مختلفة عائلية أو مرتبطة بتحقيق منافع شخصية أو فئوية. إنه ناجم إلى حد كبير أيضاً من انعدام الرؤية وغياب أي جدول أعمال فعلي عند الدول العربية فيما يتعلق بالمسائل القومية الكبرى على حد سواء.
بحاجة اليوم العرب إلى سياسة وسياسيين ناجحين ، وبحاجة إلى دبلوماسية عربية موحدة تبنيها استراتيجيات طويلة المدى ، استراتيجيات تبني ثقافة عربية موحدة لإعادة رسم وترسيخ الهوية العربية ليس فقط للغرب بل للشعوب العربية ذاتها التي لم تعود تتمسك كأنظمتها في معايير وحدة عربية واحدة ومشتركة .
لربما تكون معرفة أسباب الإخفاق العربي هي بداية الزمن الحقيقي للنهضة العربية، ولا بد من البحث عن مصادر قوة ذاتية تدفع بالدول العربية للوقوف في وجه القوى العظمى التي تسعى لفرض سيطرتها عليها ، لم يعد النفط سلاح اقتصادي – استراتيجي كما توقع البعض ، فهو الآن في يد واشنطن أكثر من كونه عربياً خالصاً .
يجب البحث عن ثقافة عربية وطنية وسياسية جديدة موحدة ، تساهم في تفجير طاقات كامنة ، تدفع قوى أكبر للإبداع والمشاركة ، فقد تكون الأيديولوجية غير الموظفة إيجابيا , قيدا على الإبداع. فلذلك على الدول العربية إعادة النظر في هذا الموروث الفكري وإعادة صياغته ليصبح سلاحا جديداً لمحاربة العدو الأجنبي والدفاع عن الكرامة الوطنية بالفكر الناضج بدلا من السلاح المستعار , الذي سوف يفضح البعض الذي يسخر الدين للاستغلال والاستعباد والرجعية والتخلف ، والثقافة بارزة في سلاح متوفر هو سلاح الهوية والثقافة العربية الإسلامية الأصيلة .
#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)
Yasser_Qtaishat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟