عائشة خليل عبد الكريم
الحوار المتمدن-العدد: 3297 - 2011 / 3 / 6 - 10:56
المحور:
حقوق الانسان
أمن الدولة والديمقراطية
قرأنا بفزع شديد شهادات المعتقلين السياسيين من جماعة الإخوان المسلمين عن انتهاكات حقوق الإنسان في فروع أمن الدولة المختلفة أبان عهد مبارك.
قرأنا عن التعذيب البدني الوحشي، وعن الإذلال الذي يمارس على المساجين وعن مسخ آدميتهم.
قرأنا عن ضباط يتفنون بل ويتلذذون في إهدار كرامة سجناء الرأي.
وما أفزعني في الواقع ليس تفاصيل الانتهاكات على بشاعتها، فلقد تسرب إلينا خلال عقود بشاعات رجالات الأمن في الأجهزة المخابراتية لدول العالم الثالث، وجاءت بعض الشهادات على شكل روائي مثل "شرق المتوسط" و"شرق المتوسط مرة أخرى" للراحل عبد الرحمن منيف؛ ومهدي حيدر في روايته التي مزج فيها الخيال بالواقع وقدم شهادته على "عالم صدام حسين" ومن أمريكا اللاتينية "الحب والظلال" لإيزابيل الليندي وغيرها الكثير. بينما جاءت بعض الشهادات على هيئة مذكرات سجناء سابقين سجلوا وقائع تاريخية عاينوها وعاصروها.
ما أفزعني من شهادات المعتقلين السياسيين هو تطابق وقائع انتهاكات حقوق الإنسان مع شهادات المعتقلين السياسيين قبل أكثر من أربعة عقود. فعندما تولى أنور السادات الحكم في مصر عام ١٩٧٠ ودشن ما لقب إعلاميا بالانقلاب على مراكز القوى وأفرغ المعتقلات من نزلائها الذين ظلوا فيها لسنوات، خرجت علينا شهادات المعتقلين من إخوان مسلمين وشيوعيين لتروي بشاعات المخابرات في تعاملاتها مع سجناء الرأي. وكانت النتيجة إقصاء المخابرات عن التعامل مع السياسيين، ولكن من الواضح أن الجهاز أعاد تشكيل ذاته في هيئة أمن الدولة - ولا أستبعد أن تخرج علينا وثائق تثبت أن جهاز أمن الدولة قد قام بتشكيله فلول المخابرات.
وقد تعالت الصيحات في الأسابيع القليلة الماضية تطالب بحل جهاز أمن الدولة واقتصار دوره على محاربة ما بات يعرف بالإرهاب. وانتهى بنا الأمر في الساعات الأخيرة الماضية إلى سماع شائعات عن تجميد نشاطه لحين إعادة هيكلته. وأخشى أن تتكرر المأساة فيلغى الجهاز شكليًا ثم يعيد تشكيل نفسه تحت مسمى جديد ونجد أنفسنا بعد عقود نستمع إلى شهادات مماثلة لما نسمعه هذه الأيام، أو لما سمعناه منذ عقود. ولذا أرى أن الدعوة إلى إلغاء هذا الجهاز أو ذاك ليست كافية في حد ذاتها، وإنما المطلوب هو تعريف دقيق لكلمتي أمن ودولة. فما هي النشاطات التي يتوجب على أي جهاز (بغض النظر عن اسمه) مراقبتها، وبالمقابل تحديد تعريف الإخلال بالأمن. وبلغة علم الإدارة تعريف اختصاصات الجهاز والعاملين به. والأهم من ذلك تعريف الدولة فلقد عانينا خلال الثلاثة عقود المنصرمة من شخصنة الدولة وحصرها بشخص الرئيس، بحيث يتم إقصاء بعض الأشخاص لأنهم يشكلون خطرًا على الدولة (الرئيس) مثل ما تواتر عن أخبار من إقصاء الدكتور أحمد زويل ومشروعه العلمي لأن الأمن رأى فيه تهديدًا لأمن الرئيس، بمعنى أدق أنه يشكل خطرًا محتملا على بقاء الرئيس في كرسيه لفترات لا نهائية يتسلم من بعدها ابنه الكرسي!
وأرى أن في الديمقراطية الضمان الحقيقي لإزالة أمن الدولة كجهاز يتسلط على الناشطين والمثقفين، فعندما يحتكم الناخبون إلى صناديق الاقتراع لا توجد ضرورة إلى العمل المسلح، وعندما يفتح باب العمل العام على مصرعيه لا توجد ضرورة إلى العمل السري. وهكذا ينتفي السبب لوجود جهاز يراقب نشاطات الفئات المختلفة من قطاعات الشعب لأن نشاطاتها تصبح معروفة لدى الجميع. وينحصر دوره في مراقبة التحركات المشبوهة لجماعات تسعى إلى الانقلاب على الديمقراطية بأعمال مسلحة. وهكذا يتحول دور الجهاز من حامٍ لأشخاص إلى حامٍ للنظام.
كما أن هناك حاجة إلى تغيير المفاهيم المتواترة والتي أحكمت قبضتها على مصر خلال العقود الماضية والتي تنظر بنظرة الريبة والشك إلى كل من يختلف في الرأي مع من في سدة الحكم. فعلينا أن ننشر ثقافة تحتفي بالاختلاف، لأن الاختلاف يثرى النقاش ويعمقه. فعوضًا عن النظر إلى المختلفين على أنهم عملاء ومندسون ولديهم أجندات أجنبية، ينظر إليهم على أنهم وطنيون شرفاء غيورون على مصلحة البلد. وهذه الثقافة يجب أن يتم تعميقها من خلال العملية التعليمية حيث ينشأ الطالب على ثقافة الاختلاف في الرأي من خلال مناهج تعليمية تزيح ما هو مبني على التلقين إلى ما هو مبنى على إمعان النظر في المسائل المطروحة وإخضاعها للتفكير والتمحيص.
علينا تعليم الأجيال القادمة ثقافة الاختلاف بحيث يختلف أي إنسان مع نظائره ولكن بحدود الأدب وبالحجة وليس بالتطاول أو رفع الصوت. فما رأيناه منذ أيام قليلة من حوار ساخن بين رئيس وزراء مصر السابق الدكتور أحمد شفيق والكاتب الروائي علاء الأسواني لا يجب أن يتكرر بأي حال من الأحوال، وذلك بغض النظر عن انحياز لطرف دون آخر، فعلينا أن نتذكر مقولة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”. ففي رأي المتواضع أن الحجة لم تكن هي الغالبة في تلك المناظرة، وإنما كانت الغلبة للصوت المرتفع، وهذه بالقطع ليست الديمقراطية التي ننشدها. فنحن نسعى إلى الاستماع للرأي والرأي الآخر لنحدد بعد ذلك أية حجة هي الأقوى؟ وأي رأي هو الأصوب؟ ولكننا أيضا نسعى أن يتحاور الطرفان ولدى كل منهما يقين أن رأي الطرف الآخر به بعض الوجاهة أو كما قال الإمام الشافعي: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.” فأين نحن من هذا؟
#عائشة_خليل_عبد_الكريم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟