أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - وين مكاني؟















المزيد.....

وين مكاني؟


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3297 - 2011 / 3 / 6 - 10:10
المحور: سيرة ذاتية
    


بعض الناس متخصصة بسرقة أمكنة غيرها فتجلس فيها عنوة مع سابق الأرصاد والترصد أو كما يقولون مع سابق الإصرار والترصد , وأنا منذ الطفولة كان الأطفال يسرقون المكان الذي من المفترض أن أتواجد بمحله لتناول الطعام أو لشرب الشاي وأكل الكعك, وفي المدرسة كان هنالك من يسرق مني مكان جلوسي للتعلم وأحيانا سندويشتي المصنوعة من الزيت والزعتر, وحين كنا نأخذ صورة عائلية كان هنالك متخصصون يسرقون مكاني الذي من المفترض أن أظهر به وأنا مبتسم جدا للكمرة وللناس وللحياة, وحين كبرت وذهبت للصحف الأردنية صادفت هنالك أشخاص يسرقون مكاني وحين تعرفت على حبي ظهر شخص خبيث المظهر والمنظر وسرقه مني وجلس بمكاني, وحين نظرت في وطني وجدت غرباء يسرقونه مني فرأيت من أخذ مني دوري ومكاني في وطني وأخشى أن يأتي عليّ يوم لا أجد به مكانا أدفن به فيستأجر لي أهلي مكانا في أمريكيا اللاتينية أو في عالم أفريقيا المجهول.

وكل كبار السن في عائلتنا ما زالوا إلى اليوم يتهكمون على كلمتي التي كنت دائما أقولها (وين مكاني)أو بالتعبير القروي (مافيش وسع) وحتى اليوم في كافة سهراتنا الكل ينظر لي ويقولون (مين بذكر جهاد لمّا كان يقول ما فيش وسع؟) وتتعالى أصوات الضحك وأكثر صوت يرتفع بالضحك هو صوتي أنا فعلى الطعام كان كل الأطفال يندفعون للهجوم عليه إلا أنا أبقى مكتوف اليدين أنظر إليهم وهم يأكلون بإيديهم وأفواههم وأنا أأكلُ بعيوني فقط لا غير , وكانت أمي تنظر لي وهي تضحك غضبا (ليش ما تقعد تاكل شو ما بيش ليك وسع؟) فأقول (آه وين مكاني؟) وحين كانت أمي تُحضر صينية الشاي كان كل الأطفال يتجمهرون حولها وكأنهم في مظاهرة شعبية إلا أنا أقف تحت دالية العنب الكبيرة وأقول (وين مكاني؟) أو (مافيش وسع) ولم يكن الأمر يتوقف على هذا الحد فأول يوم ذهبت به للدراسة سنة 1977م عدت من المدرسة على الفور وجلست على عتبة بيت جدتي أبكي فظنت أمي بأن الأولاد في المدرسة قد اعتدوا عليّ بالضرب فقلت(وين مكاني بالصف؟) وضحكت أمي وقالت: كمان بالصف ما حدى تاركلك مكان تجلس فيه؟ فحين أرسل بي المدير إلى الصف لأجلس مع الطلاب لم أجد لي مكانا في أي درج من أدراج الصف فقام المدرس بتحويلي إلى شعبة أخرى وأيضا لم أجد فيها مكانا وقال لي يومها الأستاذ: ارجع على شعبتك أنا شعبتي ممتلأة فيها 45 طالب ,فعدت أبكي لأنني لم أجد لي أي مكان أجلس به.

وحين اجتمعنا في العيد أنا وأولاد الحارة للذهاب إلى السينما كأول مرة في حياتنا قطعت تذكرة ودخلت صالة السينما مع الأولاد ومن ثم بقيت أشاهد فيلم (أوميتاب باتشاب- أمين باتشان) وأنا واقف لا أتحرك لأنني لم أجد لي في كل السينما مكانا أجلس به للمشاهدة كما جلس كل أولاد حارتنا , وكنت وما زلتُ أحتار في هذا العالم كيف مثلا وجد 45 طالب مكانا في الصف إلا أنا؟ وكيف بكل الناس مثلا يجدون لهم أمكنة للحب وللدراسة ولمشاهدة أفلام السينما وللأكل وللشرب إلا أنا؟ فكيف بكل هؤلاء قد خلق لهم الله أمكنة إلا أنا لم يخلق لي في هذا العالم مكاناً أرتاح به من صخب الدنيا وعذابها وكيف بكل الناس يجدون حمام ساونا يخرجون به من خلال التدليك كافة أنواع القلق والخوف من أقدامهم إلا أنا, فأنا حتى هذه اللحظة لم أُخرج أو لم يخرج القلق من بين أصابع يدي وما زلت شخصية قلقة وحتى هذه اللحظة لم أجد لي مكانا أخرج به الفرح من قلبي ومن عيوني وأنا حتى هذه اللحظة ما زلتُ أشتاق إلى أي مكان , حتى نتن ياهو وجد له ذات يوم مكانا تحت الشمس إلا أنا لم أجد لي أي مكان تحت الشمس أستدفئ به, وأذكر قبل سنة على أقل تقدير أنني ذهبت بأولادي رحلةً إلى البحر الميت وحين جلسنا لنأكل هاجمنا الذباب والبعوض ولم نجد يومها مكانا نأكل به فقفلنا عائدون إلى بيتنا ولم نأكل اللحمة التي استدنا ها بل وضعناها في حاوية الزبالة لكثرة البعوض الذي اجتمع عليها.

كنتُ وما زلت أشعر بأن الأردن أو في كل الأردن لا يمكن أن أجد لي مكانا أتربع به حتى حينما كنت أذهب للمراجيح مع الأطفال في أيام الأعياد كنت أعود قافلا حزينا ومكتئبا فكانت أمي تضحك وتقول (والله عارفه غير يرجع يقول ما فيش لي مكان أي أنا بدي أفهم كيف كل الأولاد بلاقوا ليهم أمكنه إلا هو؟ والله لو اتروح على البحر غير اتنشفه) وكنت أقول: ما هو عامر جسمه بيجي قدي ثلاث مرات بس قعدنا بالمرجيحه أخذها كلها وما خلاليش مكان أقعد معه فيه, وبس اطلعنا على الزُحليقه كمان دفشني وطلع محلي وبس اركبنا بالسياره الكهربائيه أجا حظي معاه وما قبلتش السياره تمشي على شانه وزنه ثقيل.

وحين كنا نجتمع مع كافة أفراد العائلة لنأخذ صورة تذكارية كان حظي تعيسا جدا فلم أكن أجد لي مكانا أقف به لأظهر في الصورة فكانت جدتي رحمها ألله تقول لي : مالك ليش ما تتصور معاهم , فكنت أقول: ما هو ما فيش لي مكان أقف فيه : ماهر واقف أول واحد على شانه أكبر واحد فينا ومحمد ثاني واحد وماد السانه وبده يخرب الصوره ومحمود قالوله أقعد أول واحد قدام ماهر على شانك ولد صغير , وأنا وين بدي أقعد, فكانت جدتي تضحك وتقول لمن يحمل الكمره بيديه منشان ألله حطه معاهم عشان يتصور فكانوا يضعونني على الطرف اليمين أو الطرف اليسار وكان المصور يقول : هو يا حجه ما فيش له مكان بس على شانك حطيناه على الطرف, وغالبا ما كان يظهر نصف جسمي في الصورة لأن وقوفي يكون بعيدا عن متناول عدسة الكمرة أو لا يظهر جسمي أبدا وما زلت أحتفظ بتلك الصور التي يظهر فيها نصف جسمي وكأنني ورقة مقصوصة بشكل طولي.

وحين كنا نذهب في رحلة عائلية إلى الأغوار الشمالية مع أولاد خالي وعمتي كانوا كلهم يركبون في البكب (البكم) إلا أنا أقف أنظر إليهم وهم يجلسون فتأتي أمي وقبل أن تسألني عن السبب تعرف بأنني لا أجد مكانا فتضعني معهم في الخلف والكل يستمتع بمنظر الطريق وهي تتباعد عن البيت إلا أنا أكون محصورا في الزاوية لا أحد يراني ولا أرى أحدا ولا حتى الشارع ولكن كنت أستمتع فقط على وصفهم وتحليلهم للمشاهد -وكأنني مكفوف بصريا -تلك المشاهد المثيرة والتي من أجل أن نشاهدها نذهب رحلةً إليها فيصفونها لبعضهم وهم متعجبون من جمال الطبيعة وسحر المنظر وأنا أتلمظ فقط سماعيا فيصفون أراضي وجبال وماعز وأبقار تقطع الطريق حتى نصل إلى وجهتنا فينزل الجميع للغطس وللعب في الماء إلا أنا ألبس ألبسة السباحة ولا أنزل للبركة معهم لأن الجميع يتربعون ولا يتركون لي مكانا أتحرك به.
فمنذ ولدت وأنا أشعر بأنه لا يوجد لي في هذا الوطن مكانا أمارس به حياتي الطبيعية كإنسان له حقوق أو منذ البداية كطفل له حقوق إلى أن كبرت وأصبحت أطالب بحقوقي كإنسان بالغ سن الرشد, وحين كنت أذهب بعد سن البلوغ إلى الصحف الأردنية لأنشر مقالا لي كانوا ينشرون لي كل أربع أو كل خمس سنوات مقالا واحدا نظرا لضيق المكان وكان رؤساء التحرير يسرقون بعض المقالات وتنزل بأسماء صحفيات لامعات جدا ويكون المقال مقالي مع تحوير بعض الشيء في بعض الأسطر وحين كنت أراجع رئيس التحرير كان يعتذر ويقول : والله ما فيش ليك مكان خليك للعدد القادم, وفي العدد القادم تكون نفس النتيجة وغالبا ما ينشرون لي في السنة كاملة مقالا واحدا يكون هذا المقال قد كلفني اتصالات ومواصلات ما يقرب من 100 دينار أردني.

وهل من المعقول أن أبقى بلا مكان أو في كل مرة يسرق مني شخص آخر مكاني ويأخذ مني دوري ؟.





#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجل مهم
- أنت السبب
- أنا شغلة من ليس لديه شغلة
- فن الهلوسة
- أولاد عبد الله
- من أسقط النظام؟
- قطع الأعناق ولا قطع الأعضاء التناسلية
- في كل بيت بيت شارع شارع زنقه زنقه
- مؤسسة الأفخاذ الحاكمة
- نريد بناء نظام حكم سياسي
- ثوروا يا أردنيين
- الجماهيرية العربية الليبية الاتحادية الديمقراطية الاشتراكية ...
- المؤسسات المدنية هي نظام الحكم الحديث
- الحاكم الفاسد
- رددوا ورائي: يسقط النظام الأردني
- هل الأردنيون خطا أحمر!!
- العمل الشريف
- مستقبل المواطنة في دول النسور العربية
- كنتُ وما زلتُ طفلاً
- الرجل الذي كان يقف خلف عمر سليمان


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - وين مكاني؟