|
الفصل الثاني من الحلقة الثانية من كتاب: الحرب على العراق: الاسباب الحقيقية للصراع
الياس المدني
الحوار المتمدن-العدد: 985 - 2004 / 10 / 13 - 09:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المؤسسة الجنائية العجيبة من المنظور الزمني تبدو احدى مبادرات جورج بوش في وكالة الاستخبارات الامريكية وكأنها رأس الخيط الذي يوصل في النهاية الى اكثر الامور غموضا وسرية رغم انه في حينها لم ينتبه لها احد. خلال سنوات طويلة كانت السي أي ايه تملك اسطولا ضخما من الطائرات من بينها واشهرها شركة Air America التي استخدمتها طوال سنوات حرب فييتنام. في العام 1976 قام بوش ببيع عدة طائرات لرجل اعمال من هيوستن يدعى جيم باث. وتدل جميع المؤشرات بما فيها شهادة بوش الشخصية انه باث كان مجندا لوكالة المخابرات من قبل بوش شخصيا. ويشهد على ذلك ايضا مساعد بوش تشالز وايت الذي لفت النظر ايضا الى العلاقة الحميمة التي تربط بين بوش الاب والمذكور باث، فيروي انه في العام 1982 التقى في نادي رامادا في هيوستن مع باث في الوقت الذي حضر فيه الى النادي جورج بوش وكان ترحيبهما يتعدى كثيرا ترحيب المواطن العادي بنائب الرئيس لما صاحبه من حرارة وحميم. وباث الذي كان آنذاك في الاربعين من عمره كان ايضا صديقا حميما لجورج دبليو بوش الذي تعرف عليه اثناء خدمة هذا الثاني في طيران الحرس المدني هربا من الخدمة في فييتنام، فكان "خير رفيق!" له حينما كان بوش الابن يشعر بالملل –كما يروي احد زملائه- ويرتدي سترة طيار ويتجه الى احد بارات لاجراء نقاشات مع عاملات الحانة. اما باث فقد كان يدير شركة طيران Sktway Aircraft Leasing التي اشترى باسمها الطائرات كان يسيطر عليها رجال اعمال سعوديون. اما المساهم الرئيس فيها فكان خالد بن محفوظ مدير والشريك الرئيسي في البنك الوطني التجاري اهم المؤسسات البنكية السعودية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالعائلة المالكة. ثم قام ابن محفوظ بالسيطرة على احد اهم بنوك هيوستن الذي كان مرتبطا بسعودي آخر هو غيث فرعون ابن الطبيب الشخصي للملك فيصل. بعد عشر سنوات قام خالد بن محفوظ بشراء عدد كبير من اسهم شركة اخرى اطلق عليها المدعي العام الامريكي لاحقا لقب اعجب مؤسسة جنائية في القرن العشرين الا وهي بنك القروض والتجارة الدولي. اسس هذا البنك الباكستاني آغا حسن عبيدي الذي اكد على الرسالة الاخلاقية للبنك اذا كان اول مؤسسة مالية عظمى يتم افتتاحها في بلد من الدول النامية مهمته تطوير اقتصاد بلاد الجنوب الفقيرة. غير ان هذا البنك الذي كانت فروعه تعمل في 73 دولة ويتمتع بميزانية تقارب 30 بليون دولار كانت مصادر دخله الاساسية ناتجة عن تهريب المخدرات وتجارة الاسلحة ومساعدة المنظمات الارهابية بما فيها القاعدة واعمال مخالفة للقانون وعن تأييده لابشع الديكتاتوريات وتمويل وتسهيل المهمات السرية للسي أي ايه. اما اشهر عملاء هذا البنك فكانوا مانويل اورتيغا ديكتاتور بناما صدام حسين، زعماء المافيا في امريكا الجنوبية، ابو نضال وايضا المخابرات السعودية. وكما سنرى لاحقا فان علاقات وثيقة ستربط بين هذا البنك وعائلة الرئيس بوش وايضا اقرب مساعديه. في العام 1988 اشترى ابن محفوظ 20% من اسهم هذا البنك بمبلغ وقدره بليون دولار، الا انه وبعد فترة وجيزة من اتمام هذه الصفقة اعلن رئيس البنك عن خسارة قدرها 10 بليون دولار، وهذا ما ساهم بالاسراع في افلاس رجل الاعمال السعودي هذا. اليوم يعاني خالد بن محفوظ من مرض عضال ويقيم في فيلا تحت حراسة مشددة في المملكة العربية السعودية وذلك بعد ان اشترت منه الحكومة السعودية اسهمه في البنك الوطني التجاري واجبرته على الاستقالة من ادارته. وحسب المعلومات التي اوردتها صحيفة يو اس توداي بعددها الصادر يوم 29/10/1999 وهو ما اكدته لاحقا شبكة ايه بي سي نيوز من مصادر موثوقة في وكالة المخابرات المركزية الامريكية انه تم استخدام هذا البنك مرات عديدة في تمويل وتحويل ملايين الدولارات من الاثرياء السعوديين الى الحسابات الخاصة بابن لادن والقاعدة، ويذكر على سبيل المثال انه قام خمسة من المليونيرين السعوديين بتحويل مبلغ خمسة ملايين دولارا الى حساب في بنك كابيتول ترث بنك في نيويورك ليتم تحويل هذه المبالغ الى منظمات اسلامية خيرية معروفة بانها واجهة لتغطية نشاطات القاعدة وبن لادن وهما جميعة النجدة الاسلامية وجمعية النجدة المباركة (قد تختلف الاسماء العربية لهذه المؤسسات عن الاصل الوارد في الصحيفة أ.م.) وللاهمية يجب الاشارة ان هذا التحويل قد تم بعد عام واحد من تفجير سفارات الولايات المتحدة في كينيا تنزانيا. وفي العام 1988 ظهرت الى العلن معلومة جديدة عن علاقات ابن محفوظ هذا العائلية ببن لادن اذا كشف مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك حيمس وسلي ان اخت ابن محفوظ هي احدى زوجات اسامة بن لادن.
سالم بن لادن في تكساس ولكن لنعود الان الى العام 1976، اذ حصلت فيه حادثة لا يمكن اليوم ان تحصل الا اذا نظرنا اليها من المنظار التاريخي، ولكنها تلقي الكثير من الاضواء على هذه اللوحة المتداخلة من العلاقات الشخصية والتجارية والسياسية بين أل بوش وعائلة بن لادن وغيرها من العائلات السعودية. بعد اشهر فقط من شرائه لطائرات السي أي ايه اصبح جيم باث الوكيل الرسمي في الولايات المتحدة الامريكية لاحد اصدقاء خالد بن محفوظ. اما هذا الصديق فكان يدعى سالم بن لادن أي اخ اسامة بن لادن من ابيه والذي كان يدير ثروة اخوته واخواته الثلاثة والخمسين ويدير شركة بناء معروفة جدا في منطقة الشرق الاوسط ودول الخليج. ومن الغير مشكوك فيه ان هذه الشركة التي يقدر رأسمالها بحدود الخمسة بليون دولار مرتبطة اشد الارتباط بالعائلة الملكية السعودية وتشارك في كل معظم صفقات هذه العائلة بما فيها صفقات شراء الاسلحة من الولايات المتحدة. فمثلا هذا ما حصل في العام 1986 عندما باعت الولايات المتحدة المملكة العربية السعودية نظام دفاع جوي حديث والذي قامت ببنائه وصيانته شركة السالم التي تعود ملكيتها المشتركة لعائلة بن لادن والعائلة المالكة. وقد قامت هذه الشركة بساهمات مالية ضخمة من شركات امريكية هي: بوينغ، أي تي تي وويسنغهاوس أي من الشركات التي باعت هذا النظام بمبلغ وقدره اربع ونصف بليون دولار امريكيا فهل كان تأسيس هذه الشركة باموال امريكية رشوة لافراد العائلة الحاكمة؟ وللتوضيح ايضا لابد من ذكر تفصيل مهم جدا وهو ان عائلة ابن محفوظ تعود باصلها الى منطقة حضروموت اليمينية التي تنحدر منها عائلة بن لادن ايضاً. منذ اليوم الاول لتوكيله قام بن لادن بتكليف باث باختيار وتحضير وثائق المشاريع التي من الممكن القيام بها في الولايا المتحدة. اما اولوية هذه المشاريع فكانت مخصصة لشراء مطار هيوستن الذي كان سالم بن لادن يخطط لتحويله الى احد المطارات الرئيسة في امريكا الشمالية.
بوش يغادر المخابرات المركزية في العام 1977 اضطر بوش الاب الى مغادرة منصبه في وكالة المخابرات المركزية اذا ان فوز المرشح الديمقراطي في انتخابات الرئاسة لم يترك لبوش أي خيار اخر. فكارتر شن هجوما كاسحا على الوكالة اثناء الحملة الانتخابية وعلى مديرها آنذاك جورج بوش. فكما يقول احد مساعدي كارتر فان نظرة الرئيس للعمل المخابراتي كانت نظرة اخلاقية. فعالم التجسس كان عالما بلا اخلاق او مبادئ او اسس انسانية، وكان يتعقد بكل عفوية انه يمكن مقارعة العدو على اسس اخلاقية. وبوش كان بنظره تجسيدا لنرجسية السياسيين الذين ينحدرون من الشاطئ الشرقي، فكان يشعر اشمئزاز حقيقي اتجاه هذا الرجل. وهذا ما تم فعلا اثناء لقائهما الاول، حيث توجه بوش الى بلينز في ولاية جورجيا الى مقر الرئيس الجديد مزارع الفستق، ثم بدأ محاضرته بتفصيل وافي عن اولويات الامن القومي، غير انه كان من الواضح ان كارتر غير مهتم بكلام بوش. بعد الانتهاء من المحاضرة بدأ بوش بطرح موضوعه الشخصي فذكر الرئيس بانه في العامين الانتخابيين 1960 و1968 بقي مديرو وكالة المخابرات المركزية في مناصبهم على الاقل لفترة انتقالية، الا ان كارتر قاطعه مباشرة بقوله انه لا يرغب بهذا الحل وهذا لا يعنيه، فاجاب بوش ان هذا يعني استقالته الفورية من منصبه، فقال كارتر بشكل مباشر وبدون مقدمات "نعم هذا ما اتمناه منك" ويوري شاهد عيان ان هذه الحادثة كانت كارثة لبوش. فقد جورج بوش منصبه الا ان مستقبله لم يكن في خطر. مع بداية العام ذاته تسلم بوش منصب المدير العام للبنك الوطني الاول في هيوستن وقام برحلات الى العديد من دول اوروبا ومنطقة الخليج العربي فكانت فرصة لتحسين علاقاته واقامة علاقات جديدة مع القادة السياسيين ورجال الاعمال في العالم. فاصبح كما يقول احد مساعديه "مثل نكسون اثناء خروجه من انعزاله، يلعب دور المحامي، يدور العالم لينمي شخصيته ويرفع من قيمته ويبني علاقات تحضيرا لعودته المرتقبة". أي رجل اعمال عاقل ومقدر للروابط بين عالم الاعمال والسياسة غير مهتم بالتعامل مع المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس او يمكن حتى منصب الرئيس؟ اذا ان الافق السياسي امام بوش اتسع فجأة، حيث سبب انتصار كارتر للجمهوريين ازمة حقيقة. عندها بدا وريث الثروة الكبيرة ورمز رجل الاعمال الناجح (انتقل في حينها بوش الى قطاع النفط) يظهر للعلن كاحد اقوى المرشحين لمنصب رئيس الولايات المتحدة في انتخابات العام 1980. الا ان ابنه جورج وولتر بوش قرر سبقه في الحصول على اصوات الناخبين حينما قرر ترشيح نفسه في انتخابات الكونغرس عام 1978 مخالفا بذلك اولى قواعد عائلته التي تقول ان المدخل الى السياسة هو النجاح في مجال الاعمال. في الحلقة القادمة: - استثمارات بن لادن في ال بوش. - الطريق الخاسرة لجورج بوش الابن في عالم الاعمال. - استغلال المناصب السياسية للمصالح الشخصية بطبعة ال بوش.
#الياس_المدني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفرق اللغوي بين سعدي يوسف والمدعو جورج المصري
-
صحافة حزبية ام جماهيرية - وقفة نقدية لصحافة المعارضة العربية
-
المقاومة العراقية: ارهاب ام مقاومة شرعية؟
-
حوار حول مسؤولية المعارضة عن الوطن والمواطن - النظر الى المس
...
-
الحلقة الثانية من كتاب -الحرب على العراق: الاسباب الحقيقية ل
...
-
قائمة الممنوعات - الى الحوار المتمدن بمناسبة حجبه في السعودي
...
-
من الاستبداد الى الديمقراطية
-
الحلقة الاولى من كتاب -الحرب على العراق: الاسباب الحقيقية لل
...
-
كانت لهم اسماء - قصة قصيرة
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|