|
ازدواجية الموقف العربي من الإرهاب
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 985 - 2004 / 10 / 13 - 07:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الإرهاب شر مطلق وفق جميع الأعراف والقوانين الدولية وقد أدانه الرأي العام العالمي وكل إنسان شريف ومنصف يتمتع بالحد الأدنى من الشرف والعقل السليم. فقتل الناس الأبرياء جريمة لا تغتفر وفق جميع الشرائع الدينية والمدنية. وكما جاء في القرآن الكريم:(لا تزر وازرة وزر أخرى) و ( من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.). ولكن يشذ عن هذه القاعدة، العقل العربي، فكما ذكرنا في مداخلات سابقة، ينتقي العرب ومجاهدوهم من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ما يلائم سيكولوجيتهم العدوانية ومصالحهم الدنيوية وثقافتهم الموروثة من البداوة وعقليتهم المضادة للرأي العام العالمي. فالعرب انتقائيون في مواقفهم من الإرهاب، يدينونه في بلدانهم ويؤيدونه في العراق. ليس هذا فحسب، بل قامت مؤسساتهم الدينية والأدبية والثقافية والإعلامية والسياسية بترويج الإرهاب في العراق وتضليل الجماهير العربية المغيب وعيها أصلاً والمهيأة للتضليل بتأثير وعاض السلاطين وفقهاء الموت لقرون من الزمان. فقبل تحرير العراق بعام، انبرى أئمة المساجد في البلاد العربية بإصدار الفتاوى، الواحدة تلو الأخرى، يدعون فيها المسلمين في العالم بالتوجه إلى العراق للجهاد في سبيل الله والإسلام ضد الصليبيين واليهود والفئات الضالة. وما يحصل في العراق الآن، ما هو إلا نتيجة لتلك الفتاوى الباطلة التي ما تزال تصدر وتخدع الرعاع والدهماء من العرب والمسلمين وآخرها فتوى القرضاوي التي دعا فيها إلى اختطاف المدنيين الأمريكيين وذبحهم وقتل كل من يتعاون معهم، طبعاً في العراق فقط. وقد أيد القرضاوي في فتواه عدد من شيوخ الأزهر، ناهيك عن فتاوى من رجال الدين في البلدان العربية الأخرى ومن مختلف المذاهب الإسلامية. وللحق نقول، يستثنى من هذه القاعدة رجال الدين الشيعة الكبار في النجف الأشرف الذين أصدروا فتاوى ضد استخدام العنف وعدم مقاومة قوات متعددة الجنسيات ودعوا المسلمين إلى العمل على حفظ الأمن وأرواح الناس وممتلكاتهم والتشجيع على دعم الانتخابات المقبلة والمشاركة فيها وآخرها كان بيان آية الله العظمى السيد علي السيستاني بهذا الخصوص. فحقاً، هؤلاء هم أئمة العراقيين المخلصين الواعين وهم أعرف بالشأن العراقي وهمومه ومصالح شعبه من غيرهم من خارج الحدود، فألف تحية لآية الله السيستاني وصحبه الكرام والخزي والعار لفقهاء الموت والإرهاب . ولم تشذ المنظمات الثقافية العربية ووسائل إعلامها عن مؤسساتهم الدينية في تحريض فرق الموت الإرهابية التي تسميها دون خجل أو حياء ب "المقاومة" في العراق على قتل العراقيين وضرب الركائز الاقتصادية دون توقف. ولكن ما أن تحصل عملية إرهابية مماثلة في بلدانهم حتى يهب هؤلاء هبة رجل واحد وبصوت واحد في إدانتها معلنين أنها ضد الإسلام والإنسانية والوطنية..الخ، علماً بأن القائمين بتلك الأعمال الوحشية هم أنفسهم الذين يرتكبون الجرائم الوحشية في العراق. وعلى سبيل المثال لا الحصر، وبعد جريمة طابا، قرأنا العناوين التالية من صحيفة واحدة فقط وهي « الشرق الأوسط » : - شيخ الأزهر: الإرهاب «نكبة دينية» - طابا.. من التحكيم إلى الإرهاب - محافظات مصر تودع ضحايا التفجيرات بالتنديد بالإرهاب - دار الإفتاء المصرية: كفى دماء وفوضى : وجاء في التقرير: أدانت دار الافتاء المصرية التفجيرات المروعة التي وقعت الليلة قبل الماضية في منطقة طابا ووصفتها بأنها «غير مبررة من عقل او شرع او عرف او قانون» - «الجماعة الإسلامية» المصرية تدين هجمات سيناء وهذا غيض من فيض كما يقولون. ولكن لم نسمع أية إدانة من هذه الشخصيات والمؤسسات والتجمعات الشعبية للتفجيرات التي أودت بحيات الألوف من العراقيين الأبرياء ومن مختلف الأعمار، سواء في النجف الأشرف التي استشهد فيها الشهيد الإمام محمد باقر الحكيم وأكثر من مائة آخرين وجرح أكثر من مائتين من الجرحى بعد أدائهم فريضة صلاة الجمعة، أو يوم مراسم عاشوراء بكربلاء أو قتل وجرح المئات من أطفال العراق في مختلف المدن العراقية وليس آخرها مجزرة حي العامل في بغداد التي راح ضحيتها أربعون طفلاً وجرح 170 آخرين والمجازر مستمرة إلى الآن بتحريض ومباركة ذات الجهات التي أدانت جريمة طابا أو أية عملية تحصل في البلدان العربية عدا العراق. فهل هناك ازدواجية ونفاق وانحطاط فكري وتدهور خلقي أكثر من هذا الموقف الفاشي المخزي؟ حقاً إنها لفضيحة. والفضيحة الأخرى التي كشفتها جريمة طابا، هي أن العرب راحوا ومنذ سقوط معبودهم الجلاد صدام حسين، يرددون افتراءً مفاده أن العراق وخاصة كردستان، صار مرتعاً للإسرائيليين. فطالبت سوريا العرب بعقد مؤتمر عاجل لدراسة الموقف والدور الإسرائيلي في الاقتصاد العراقي وخطره على العرب، في الوقت الذي نرى الجيش الإسرائيلي يحتل مرتفعات الجولان وسورية الثورجية صامتة صمت المقابر. كذلك قام قبل أيام، مصطفى الفقي، رئيس العلاقات الخارجية في البرلمان المصري، باتهام العراق بأنه صار قبلة للإسرائيليين وخاصة الموساد وطالب بعدم الاعتراف بالحكومة العراقية. فهاهي العملية الإرهابية فضحت المنافقين المصريين وكشفت عورتهم، حيث رأينا منتجعاتهم السياحية مزدحمة بالإسرائيليين. فإذا كان في طابا وحدها أربعون ألفاً من السياح الإسرائيليين فكم هو عددهم في المنتجعات والمدن المصرية الأخرى؟ فأين هم الإسرائيليون، في العراق أم في مصر؟ وهل يتعلم العربان درساً في الاخلاق من فضائحهم؟ أيها السادة، اسمعوا وعوا!! الإرهاب هو واحد، سواءً كان في العراق أو طابا أو الرياض أو الجزائر أو المغرب أو مدريد أو أمريكا أو أي مكان في العالم. يجب أن تفيقوا من غفوتكم وتتخلصوا من عنصريتكم وطائفيتكم البغيضة، وتعرفوا الحقيقة أن الإرهاب في أي مكان يهدد الأمن في كل مكان. والإرهاب الذي شجعتموه بالأمس في أفغانستان وتشجعونه اليوم في العراق سينقلب عليكم يوماً كما انقلب السحر على الساحر. وسوف تدفعون ثمناً باهظاً كما دفعت الجزائر ومصر والسعودية وغيرها. فمن يزرع الشر لا يحصد إلا الشر.
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأمن في العراق ضحية الطوباوية والمزايدات السياسية
-
تعقيباً على ردود العرب وعقلية التدمير
-
العرب وعقلية التدمير
-
حجب الفكر عن الشعب دليل على الإفلاس الفكري
-
لماذا التحالف ضد الانتخابات في العراق؟
-
يفتون بالإرهاب ويتبرّأون من عواقبه!
-
موقف كوفي أنان من القضية العراقية
-
من أمن العقاب مارس الإرهاب
-
: قراءة تأملية في كتاب: صعود وسقوط الشمبانزي الثالث
-
دور رجال الدين المسلمين في الإرهاب
-
القرضاوي داعية للإرهاب
-
الإرهاب في العراق والنفاق العربي-الفرنسي
-
المرتزقة الأجانب.. خطر جديد يهدد العراق
-
إيقاف القتال في النجف.. سلام أم إجهاض له؟
-
مخاطر دعوة السيستاني للجماهير بالزحف على النجف
-
لا ديمقراطية بدون أمن: خطاب مفتوح إلى السيد رئيس الوزراء
-
الحالمون ب«فتنمة» العراق!!
-
الديمقراطية والعصيان المسلح
-
المغامرون بمصير العراق وموقف الشياطين الخرس
-
من المسؤول عن الانتحار الجماعي في العراق؟
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|