|
الليبرالية الجديدة ( شعارات إنسانية ) وسياسة بربرية
لطفي حاتم
الحوار المتمدن-العدد: 985 - 2004 / 10 / 13 - 09:38
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أفرزت وحدانية التطور الاجتماعي وسيادة العولمة الرأسمالية الكثير من المصاعب الاقتصادية/ السياسية / الفكرية التي تتطلب الرصد والبحث والمتابعة ، وفي هذا السياق تحتل الليبرالية الجديدة باعتبارها التعبير الفكري المكثف عن المصالح الحقيقية لرأس المال المدول مكاناً مرموقاً في السجال الدائر بين أوساط القوى الليبرالية واليسارية الديمقراطية على السواء . تتلخص أهمية السجال الفكري المحتدم في موضوعتين أساسيتين أولاهما أن الليبرالية الجديدة وشعاراتها الإنسانية أثرت على جميع التيارات الفكرية والقوى السياسية بما فيها قوى اليسار الاشتراكي . وثانيهما أن الحوار الفكري الجاري بين الأطراف المتعارضة يستند الى الطبيعة المتناقضة لمضامين الشعارات الإنسانية التي تبشر بها الليبرالية الجديدة وبين ممارستها التدميرية على صعيد السياسة الدولية . استناداً إلى الطبيعة الناقدة/ المؤيدة لذلك السجال تواجهنا أسئلة ( حارقة ) منها: كيف تستطيع القوى الديمقراطية المناهضة للانفلات الرأسمالي الخروج من الأزمة الفكرية التي أنتجتها حقبة المعسكرين ؟ . وما هي مستلزمات بناء منظومة فكرية / سياسية مناهضة لأيديولوجية رأس المال المضللة ؟. وما هي أدوات التجديد القادرة على صياغة خطاب يساري / ديمقراطي معللاً فكرياً وفاعلاً جماهيرياً ؟ . إن الإحاطة بتلك الأسئلة الجوهرية تنطلق من صياغة خطاب فكري ناقد يتصدى لطبيعة المفاهيم التي تحاول الرأسمالية الليبرالية فرضها تمشيا مع المرحلة الجديدة من التوسع الرأسمالي، وفي هذا الإطار يشكل الالتزام بالمنهج الجدلي الناقد العتبة الأساسية لبناء رؤية كفاحية قادرة على التصدي لوحشية راس المال المعولم . إن نقد خطاب الرأسمالية الليبرالية يشترط حسبما أرى البدء بتفكيك منظومته الفكرية ـ السياسية بدوائرها الثلاث المتمثلة بـ:
أولا : ــ الدائرة الاقتصادية
على الرغم من الإنجازات الكبيرة التي تحققت في تفكيك هذه الدائرة ونقدها إلا ان الباحثين المناهضين لليبرالية الجديدة لم يتوصلوا الى رؤية شامله للقضايا المثارة لذلك لابد من تعميق الرؤية حول هذه الدائرة ومفاهيمها ــ التجارة ألحره، حرية السوق ، الوظيفة الاقتصادية للدولة ، الخصخصة ــ وتأثيرات ذلك على الدول الوطنية وبناء نسيجها الاجتماعي هذا فضلا عن نقد المفاهيم المتعلقة بحرية حركة راس المال وما ينتجه من تداخلات في تحديد اتجاهات تطور الاقتصاديات الوطنية . وما يفرزه من أنشطة تجاريه تساعد على نمو وتطور الشرائح الكمبورادوريه الجديدة المعادية للمصالح الوطنية . ــ إن التأثيرات المشار إليها تكتمل بنقد اشتراطات المؤسسات المالية الدولية وما تنتجه من إعادة بناء تبعية الدول الوطنية لمتطلبات المرحلة الجديدة من التوسع الرأسمالي ، بدأ من تخلي تلك الدول عن مكتسباتها الوطنية وانتهاء في التدخل في سير صراعاتها الداخلية . إن نقد الدائرة الاقتصادية يترابط مع التأكيد على سياسة ( الاعتماد المتبادل ) والتي تستمد مشروعيتها من أن التنمية الوطنية المستقلة ونهج ( فك الارتباط ) لم تعد سياسات واقعية لذلك فان وحدانية التطور الرأسمالي وترابط أجزائه المتقدمة منها والمتخلفة تشترط خلق علاقات جديدة من التعاون والتوازن بديلة عن سياسة النهب والاحتكار . ــ نجاح سياسة التعاون والتوازن تشترط التصدي لطبيعة التوسع الرأسمالي الذي يسعى الى إعاقة ( الاعتماد المتبادل) ويدفع باتجاه تهميش الدول الوطنية وتشكيلاتها الاجتماعية انطلاقا من التطور اللامتوازن الذي يفضي الى استقطاب دولي بين اغلبيه فقيرة تابعة ومراكز رأسمالية متقدمة . ــ إن تطوير صيغة ( الاعتماد المتبادل ) تفترض النهوض بدور الدولة الوطنية باعتبارها ممثلا لرعاية المصالح الوطنية والتوازنات الاجتماعية استنادا الى وظيفتها الاقتصادية .
ثانيا: ــ الدائرة السياسية.
لقد طور راس المال المعولم العديد من المنتجات الفكرية / السياسية أبرزها الديمقراطية وحقوق الإنسان وفي هذا الاتجاه وبهدف رسم سياسة وطنيه متلازمة مع التطورات الدولية لابد من تدقيق تلك المنتجات اعتمادا على التجربة الثرية التي راكمتها الحركة اليسارية بما يخدم تطوير الكفاح المناهض لبربرية الطور الجديد من التوسع الرأسمالي .وفي هذا الإطار يتحتم التأكيد على أن الليبرالية الجديدة تتعمد الفصل بين الحقوق السياسية للإنسان ومثيلاتها الاجتماعية ومن هذا المنطلق أود التركيز على بعض الموضوعات منها : ــ ــ إن عالمية حقوق الإنسان تتطلب التركيز على الترابط بين السياسي / الاجتماعي فليس هناك ديمقراطية سياسية بدون حقوق وضمانات اجتماعيه . ــ إن الإنسان وحقوقه السياسية / الاجتماعية ليست قضايا نظريه تجريدية بل هي قضايا واقعية ملموسة. وبهذا التحديد فان عالمية حقوق الإنسان تقود الى تشخيص القوى الدولية المسئولة عن عرقلة بناء الشروط المادية/ السياسية الضامنة لتلك الحقوق . ــ تتحدد مسؤولية المراكز الرأسمالية في إعاقة تطوير حقوق الإنسان الاجتماعية في البلدان المتخلفة في ثلاث حلقات مترابطة : ـ 1 : ـ ديون الدول النامية المتراكمة وخدمتها وشروط جدولتها والتي تشكل احد العوامل ألأساسية في تحجيم الحقوق ألاجتماعية للإنسان . 2: إنتاج وتصدير الأسلحة الى بلدان العالم الثالث والذي يؤدي الى استنزاف الثروات الوطنية ويحد من بناء المؤسسات الاقتصادية ـ الاجتماعية الضامنة لحقوق الإنسان في الإطار الوطني فضلا عن إثارة التوترات والحروب الإقليمية . 3 : ــ سياسة الحصار الاقتصادي وما يجلبه من اعتداءات وحشيه على الحقوق الأساسية للإنسان ورفض استبدال تلك السياسة بدبلوماسية العزل السياسي والدبلوماسي للأنظمة البوليسية المعاقبة . ــ إن تجديد الخطاب السياسي المعادي للرأسمالية الليبرالية يتطلب فضح الديمقراطية الشكلية التي يدعو إليها راس المال والتي تتجسد اليوم بالتدخل في النزاعات الداخلية للدول الوطنية بهدف التأثير على تلك الصراعات بما يخدم القوى ( الوطنية ) الحليفة للاحتكارات الدولية ومساندتها في كسب المعركة الداخلية لصالح توجهاتها الاقتصادية ـ السياسية .
ثالثا : ــ دائرة العلاقات الدولية .
أفرزت الحقبة الجديدة من التوسع الرأسمالي العديد من المفاهيم والأفكار التي تشكل أدوات سياسية تساهم في صياغة العلاقات الدولية بما يتناسب ومصالح راس المال في مرحلته التدويليه. وإذا توقفنا أمام تلك المفاهيم فسنرى إنها تتشكل من مستويين : مستوى يتمثل في إعادة صياغة المفاهيم التي أنتجتها مرحلة المعسكرين ـــ السيادة الوطنية ، عدم التدخل في الشؤون الداخلية ، منع استخدام القوة في النزاعات الدولية ....الخ ــ ومستوى آخر يتجسد في إشاعة مفاهيم جديدة تعبر مضامينها عن الحاجات الحقيقية لهيمنة المراكز الإمبريالية في العلاقات الدولية .لغرض تدقيق هذا الاستنتاج نحاول التعرض الى عدد من هذه المفاهيم وفحص مضامينها الفعلية . 1: ــ المجتمع الدولي . بدا نشير الى أن خطاب الرأسمالية الليبرالية يتسم بالتجريد والغموض. ويخدم هذا التجريد الطبيعة اللاإنسانية للرأسمال في مختلف مراحل تطوره ، ومن هنا نرى أن مفهوم المجتمع الدولي يحمل في طياته سمتين أساسيتين أ : ــ سمة التفوق العنصري إذ يجري حصر المجتمع الدولي بالمراكز الرأسمالية ومصالحها ومجالاتها الحيوية. ب : ــ سمة الإكراه الذي يجد تعبيره بضرورة التزام دول العالم بصيانة ورعاية تلك المصالح تحت شعار( الامتثال لإرادة المجتمع الدولي ) . إن مفهوم المجتمع الدولي مفهوم متناقض ومتشظي ويحمل في طياته الصراع بين المصالح الدولية المختلفة وبهذا المعنى يمكن معارضة مفهوم المجتمع الدولي بمفهوم الأسرة الدولية الذي سبق وان جرى تداوله في حقبة المعسكرين . حيث يعبر هذا المفهوم عن وحدة المصالح الإنسانية من جهة وسيادة روح التكافل والتعاون بين أعضاءها استنادا الى موازنة المصالح الوطنية الدولية من جهة أخرى .
2: ــ الشرعية الدولية .
من المعروف أن مصطلح الشرعية الدولية قد أصبح شائعا بعد حرب الخليج الثانية ، وإذا استبعدنا التنظير الحقوقي للمصطلح المذكور وأحلنا تفسيره الى حقل السياسة فانه لا يتعدى التعبير المكثف عن رفع المصالح الاقتصادية/ والسياسية للدول الإمبريالية الى مصاف القانون الدولي والدفاع عن تلك المصالح بصورة مشتركة ومن هذا التفسير سرعان ما ينتصب السؤال التالي : هل يتماشى مفهوم الشرعية الدولية مع تعزيز مواقع الدول الوطنية باعتبارها أدوات فاعله في العلاقات الدولية ؟. إن الإجابة يمكن تحديدها عند تعرضنا لبعض الظواهر الجديدة في العلاقات الدولية والمتمثلة بـ : ــ أ :ــ تجميد القرارات الدولية التي أفرزتها حقبة المعسكرين خاصة تلك القرارات المتعلقة بمصالح الدول الكبرى ، ومنها قرارات الصراع العربي الإسرائيلي ب : ــ اختلال التوازنات الدولية لصالح المراكز الرأسمالية وما أنتجه ذلك الاختلال من انفراد الدول الكبرى في صياغة القرارات الدولية وإجبار الدول الوطنية على تطبيقها . ج: ــ الابتعاد عن الوسائل السلمية والطرق الدبلوماسية في حل الخلافات الدولية الأمر الذي أدى الى تنامي أدوات الإكراه ــ حصار اقتصادي ، تدخل عسكري ، عقوبات متعددة ــ في العلاقات الدولية. د : ــ ازدواجية معايير السياسة الدولية عند تشريع وتطبيق قرارات الشرعية الدولية .
3 : ــ التدخل في النزاعات الوطنية
شهدت المرحلة الجديدة من تطور العلاقات الدولية ازدياداً في حدة الصراعات العرقية الدينية ومرافقها من تداخلات خارجية مرتكزة على مبررات إنسانيه ــ حقوق الإنسان ، الديمقراطية ، حق تقرير المصير ــ . إن التدخل في النزاعات الوطنية لا يمكن عزله عن مضمون التوسع الرأسمالي وحركته في الظروف التاريخية الملموسة ، حيث أن ذلك التوسع يتطلب تدويل ألازمات ألوطنيه انطلاقا من إدماج المصالح الحيوية للمراكز الرأسمالية في صلب ألازمات الوطنية ، وحلها ــ ألازمه ــ لصالح الشروط الضرورية لتطور الأنشطة الأساسية للرأسمال المعولم . وبهذا السياق فان معنى التدخل في النزاعات الوطنية يتضمن جانبين: ـ أولهما جانب حقوقي يتمثل في خوض معركة تنازع المصالح من خلال مشاركة قوى خارجية متجسدة في راس المال الاحتكاري وقوته العسكرية في الصراع الوطني الداخلي. وثانيهما جانب اجتماعي / سياسي يهدف الى استنهاض قوى داخلية حليفه ومساعدتها في كسب النزاع الوطني لصالح برامجها الاجتماعية وتوجهاتها السياسية. وبهذا فان التدخل في النزاعات الوطنية وتدويلها يهدف الى صياغة تبعية بلدان العالم الثالث بما يتناسب والطور الجديد من حركة راس المال .
تلخيصا للآراء والأفكار الواردة لابد من إيراد بعض الاستنتاجات التي أراها ضرورية : ــ أولاً : ــتتطلب المرحلة الجديدة من التوسع الرأسمالي تجديد البناء الفكري ـ السياسي ـ الاجتماعي لأحزاب اليسار الديمقراطي تنطلق من تحديد التناقض بين وحدة المصالح الإنسانية ، والشروط الهمجية للعولمة الرأسمالية . ثانياً: ــ صياغة خطاب فكري ـ سياسي ناقد يرتكز على فضح المضامين الحقيقية لإيديولوجية الرأسمال المعولم والبدء ببناء مفاهيم سياسية وأدوات فكريه تستمد مشروعيتها من التشكيلة الوطنية المتفاعلة مع التغيرات الدولية .
أيلول، 2004
#لطفي_حاتم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النهضة الصينية وأثرها على تطور السياسة الدولية
-
تدويل الوظائف الهجومية لجيوش المراكز الرأسمالية
-
الرأسمالية وفعالية اليسار العربي
-
الاصلاحات العربية وحرب الافكار
-
اليسار الديمقراطي ومهام المرحلة الانتقالية
-
العولمة الرأسمالية وتدويل الوظيفة الأمنيه
-
إنحسار الفكر الاشتراكي والمنظومة السياسية لليسار الديمقراطي
-
النزعة الإرهابية وسماتها التاريخية
-
الإرهاب وتغيرات السياسة الأمريكية
-
انتقال السلطة وازدواجية الهيمنة في العراق
-
أفكار حول انتقال السطة ومهام اليسار الديمقراطي
-
الليبرالية وتجلياتها في لغة اليسار السياسية
-
المرحلة الانتقالية وبناء شكل الدولة العراقية
-
رؤية مكثفة لقضايا شائكة
-
موضوعات عامه حول الاسلام السياسي في العراق
-
مكافحة الارهاب واصلاح السلطة الفلسطينية
-
الشرعية الدوليه واختلال مبدأ السيادة الوطنيه
المزيد.....
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|