راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 3294 - 2011 / 3 / 3 - 23:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يبيِّن القرآن الكريم أن غاية الله سبحانه وتعالى من إرسال الرسل هي:
• أن يحذرنا من عاقبة أعمالنا وينذرنا من إنكار الرسل الإلهية والسلوك في طريق الضلال.
• أن يبشر المؤمنين المصدقين برسله بعيشة راضية.
إن النصوص التالية قد تكررت تقريباً في كل سور القرآن :
إِنْ أَنتَ إِلا نَذِيرٌ. إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ. وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ..... سورة 35, آية: 23-25.
إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُّبِينٌ. سورة 26, آية: 115.
رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ.... سورة 4, آية: 165.
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ... سورة 6, آية: 48.
لماذا البشر بحاجة إلى نذير؟ بسبب إنكارهم للرسول الجديد وإعراضهم عنه حتى من بعد ما تأتيهم البيّنة وأيضاً نتيجة الرغبات الذاتية والميول الشخصية وحب الذات. فهذه شريعة النصح من لدى الله لأولئك الذين يسلكون سبل الآمال لكي يتخلَّصوا من زخارف الدنيا. فهل قلَّت هذه الآمال والرغبات منذ ظهور الإسلام ؟ الآية التالية ترد على هذا السؤال:
فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ.... سورة 30, آية: 30.
ولماذا نحتاج إلى البشارت؟ ليشملنا الفيض الرباني فنتغلب على الأنانية ونستبشر في أنفسنا بأن الله سبحانه وتعالى قد قدّر لنا من نعيم فيضه وألطافه ذلك إذا لبَّينا ندائه حيث وعد المؤمنين المتقين رضوان قدس عليا.
هَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ. سورة 46, آية: 12.
وأيضاً سورة 18, آية: 2. وسورة 48, آية: 9.
هل وضْعُ العالم والبشر يوحي بأنه لم يعد بحاجة إلى من يحييه ويأتيه بالبشارات التي تهبه الاطمئنان بعناية ربه كما تحذره من مغبة ما قد يحل به إذا جحد وأنكر ما جاء في الكتاب من أمور يجب أن يتدبر في معانيها.
ينبغي لنا ملاحظة أن الآيات السابقة لا تتحدث عن الماضي ولا تذكُرُ بأن الله قد بعث الرسل لغرض معين. بل تبيِّن أن الله أرسل الرسل لغاية أبدية وباقية, وتبيِّن أيضاً سنة الله وأسلوبه ونهجه في هداية البشر إلى قدره ومصيره الذي يسلك به إلى سواء السبيل ويرشده إلى الصراط المستقيم.
كذلك فإن الآيات لا تشير إلى أن ديناً معيناً هو كامل وصالح لكل زمان ومكان وأبدي. فقد أتى الله موسى التوراة تماماً وتفصيلا لكل شيء من أمور دين ملته وذلك كما جاء في القرآن الكريم سورة الأنعام , آية: 154. وإنما أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لتذكير العباد بعواقب الأعمال وتطهير النفوس والدعوة إلى صالح الأعمال. وحيث أن البشرية تحتاج لهذه الهداية دائماً فإن سنة الله لاستمرار تلك الهداية لن تتغير. إن المسلمين الذين ينكرون استمرارية مجيء الرسل إنهم يسيرون على خطى أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. سورة 5, آية: 19.
لو تأملنا الآية السابقة نرى أن لها رسالة هامة. ماذا أراد الله أن يوضحه لليهود والنصارى. لقد ذكر لهم بأنه أرسل الرسول الكريم لكي يبيِّن لهم ما جاء في كتبهم.
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ..... سورة 5, آية: 19.
هل اليهود والنصارى يعلمون ما جاء في كتبهم؟ بالطبع لا. هل يمكن للعلماء المسلمين الادعاء بأنهم مستثنون وعلى عكس اليهود والنصارى فهم يعرفون معاني القرآن الكريم؟ هل عليهم أن يصدوا الباب لظهور رسول جديد لأنهم يعلمون علم اليقين معنى كلمة "خاتم" ؟ بفعلهم ذلك ألا يلمِّحون بأن الله لا يملك السلطة على كل شيء؟
تأملوا هذه الآية:
فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ. سورة 10, آية: 102.
الآية السابقة توحي لنا هذه المقولة : الماضي مرآة المستقبل. إن النمط الأساسي لحياة الإنسان لن يتغير, فالناس سوف ينسون مرةً أخرى ما أنذرهم النذير. إن عالمنا الآن بحاجة ماسة إلى نذير مثل سيدنا محمد وعيسى وموسى عليهم السلام لكي يعود إلى سبيل الرشد والهداية. هل يستطيع أحد أن يتجاهل هذا الاحتياج؟ لماذا إذاً تتغير سنة الله بإرسال الرسل بعد سيدنا محمد؟ ولماذا يجب أن تتوقف فجأة سنته فلا يبعث نذيراً لينذرنا من عواقب أعمالنا وبشيراً ليبشرنا بالبشارت التي هي من عطايا الله ومواهبه. لماذا ينبغي لمثل هذه الآية التالية أن تُلغىٰ وتعود فاقدة الصلاحية للمستقبل :
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ.... سورة 6, آية: 48.
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً. سورة 25, آية: 56.
تبرهن الآيات السابقة بأن رسالة الرسول محمد كانت كالرسالات السابقة التي بعثها الله عن طريق رسله. فلا توجد أي آية في القرآن الكريم تمنح الرسول الكريم مهمة خاصة لم يفوضها إلى غيره من الرسل. بل يكرر مراراً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان بشيراً ونذيراً. هل توجد آية تذكر بأن مهمة الرسول هو أن يختم الوحي الإلهي للبشرية؟ لم تأتِ أبداً آية تصرح بذلك. وهل توجد آية تخبر الأمة الإسلامية بأن القرآن الكريم هو آخر كتاب أرسله الله للعالم الإنساني؟ هل يمكن لأي إنسان أن يتخيل بأن السنة الإلهية الثابتة الراسخة وهي إرسال الرسل قد انتهت ولن يقوم الله بعد اليوم بإرسال رسول ليهدي البشر ويدلهم إلى طريق ينجيهم من الضلال والذي شهده العالم بين الحين والآخر وفي الأزمنة الحرجة من التاريخ فيبعث فيهم الأمل ويبيّن لهم سواء السبيل. ألم يُصرِّح القرآن الكريم بذلك؟
مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ ..... إِلا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى. سورة 20, آية: 2-3.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا.... لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ.... سورة 18, آية: 1-2
كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ. سورة 41, آية: 3-4
كما نلاحظ في الآيات السابقة أن الله سبحانه وتعالى قد فوَّض للرسول الكريم وللقرآن الشريف المهمة نفسها وهي تذكرة الناس وموعظتهم ليتخذوا الطاعة والتقوى طريقًا توصلهم إلى رضوان الله, لنقارن الجملتين التاليتين :
1. إن رسالة محمدٍ عليه الصلاة والسلام هي كما جاء في القرآن الكريم هي أن يبشر الناس وينذرهم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً).
2. إن رسالة الرسول الكريم هي إنهاء سنة إرسال الرسل.
أي من البيانات السابقة تدلي بشيء هام؟ بالطبع الثانية. لماذا؟ لأن مفهوم أن يكون الرسول مبشراً ونذيراً ليس بجديد. إننا نعلم مسبقاً أن الله أرسل الرسول الكريم مبشِّراً بالجنة لمَن يصدَّقه ويعمل بهديه, ومحذرِّاً لمَن يكذَّبه ويعصيه. هذا المفهوم نجده في كل الكتب المقدسة. حتى أن لفظ "الإنجيل" يعني البشارة, فجميع الأنبياء صرَّحوا مراراً بأن مصيرنا إما الجنة أو النار كنتيجة لأعمالنا في الحياة الدنيا. إن الله يحكم بما أنزله في الكتب السماوية بهذين المعيارين :
• مدى استجابتنا للرسول الجديد الذي يبعثه الله.
• مدى امتثالنا لأوامر الله وطاعتنا لما جاء في كتابه.
لكن لماذا يجب أن تتوقف وتنتهي سنة الله القديمة الراسخة أي سنته في التواصل بينه وبين خلقه بإرسال الرسل المنذرين. إن مفهوم سنة الله في إرسال الرسل المنذرين للناس لايتبدل لأنه في غاية الأهمية وبصورة نجده يتكرر بلغةٍ لا لبس فيها مراراً وبطرق مختلفة في سور القرآن الكريم. وكذلك نرى عبارة نذير ومنذر قد تكررت في القرآن أكثر بكثير من مفهوم أن الرسول محمد أرسله الله بشيراً ونذيراً. لنتأمل الآيات التالية وكيف تبين ضرورة إرسال المنذر أو النذير وتكرارها في آيات عديدة.
سورة 38 آية 65, 70 ؛ سورة 46 آية 9؛ 48: 8 ؛ 18 :2 ؛ 17 :105؛ 18: 56 ؛ 22 : 49 ؛ 67 :26 ; 71 :2 ; 42 :7; 35 :24; 79 :45; 34: 46, 28؛ 25 :1, 56; 29 :50
إن المواضيع الأخرى كقصص الأنبياء قد تكررت عدة مرات أيضاّ في القرآن الكريم. وقد جاء ذكر الجنة والنار تقريباً في كل سورة أوربما في كل صفحة من صفحاته. بعد كل هذه الآيات التي تتكررت مرات عدة للمواضيع السابقة لماذا لم يبعث الله حتى بآية يقول فيها وما أرسلناك مبشراً ونذيراً بل لتتم وتختم سنة الله العريقة وهي إرسال المنذِرين ؟ إننا لا نجد لهذا الأمر الهام والمترتب عليه عاقبة العباد وهو عدم استمرارية إرسال المنذرين أي آية في القرآن الكريم. لماذا هذا السفر الكريم يصمت أمام هذه القضية الهامة وفيه تفصيل كل شيء؟
وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ... سورة 12, آية: 111
مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ.... سورة 6, آية: 38
هكذا نستطيع أن نعرف الإجابة على تلك الأسئلة السابقة ـــ والتي هي في غاية الأهمية ولها شأن عظيم ـــ بأنه ولضرورة التكامل البشري فإن استمرارية الوحي الإلهي يعتبر من مستلزمات هذا التكامل.
سنة إرسال رسل منذرين
خلافاً لما يعتقده الكثير من المؤمنين, فإن القرآن والسنة يصرحان بأن إرسال رسل منذرين سوف يستمر إلى أجل غير مسمى, لنتأمل هذه الآيات :
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلا نُفُوراً. اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً. سورة 35, آية: 42, 43
ماذا تبين لنا الآيات السابقة؟ إنها تخبرنا:
• بأن الناس عاشوا في جميع العصور في ظل هذا الوهم أي أنهم مختلفون عن أسلافهم. فيقسمون بهتاناً بأنهم إذا عاشوا زمن مجيء الرسل السابقين وبعث الله فيهم رسولاً من عنده يخوِّفهم عقابه ليكونُنَّ أكثر استقامة واتِّباعاً للحق. ولكن لم يكن ذلك إلا ضرب من الوهم واحتجاج خاطئ, لأنه عندما جاءهم رسول من عند الله ينذرهم, إتبعوا خطوات أسلافهم.
• إنهم فعلوا ذلك من باب التكبر والغطرسة.
• إنهم تآمروا ضد الرسول النذير الذي بعثه الله, ولكنهم واجهوا عاقبة خداعهم الباطل.
• هل يمكن لأولئك الذين يعيشون في المستقبل بعد ظهور الإسلام أن يكون لهم استجابة مختلفة للمنذرين المبعوثين من عند الله ؟ هل نتوقع منهم أي معاملة أخرى غير الرفض؟ هل يمكن أن تتغير سنة الناس في معاملتهم للرسل المنذرين.
لا, لن تتغير سنة الله في إرسال الرسل المنذرين, إن الرسل سيأتون في المستقبل كما جاءوا في الماضي.
إن سنة إرسال رسل منذرين إلى كل أمة وعدٌ قد تكرر في القرآن:
إِنْ أَنتَ إِلا نَذِيرٌ. إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ. سورة 35, آية: 23, 24
لماذا أُرسِل سيدنا محمد؟ هل كان لإكمال الوحي الإلهي أم لتحذير قومه الذين لم يبعث الله فيهم نذيراً ؟
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ .... لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ. سورة 36, آية 3, 6
رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. سورة 28, آية: 46
إذا كان الله لا يمكن أن يترك أمة بدون أن يرسل لها نذيراً , فلماذا يغيِّر طريقته فجأة ويفشل في إرسال حتى نذير واحد للعالم للسنوات القادمة ؟ وكما يعلمنا القرآن إن الرسالة الرئيسة لسيدنا محمد هي إبلاغ الكلمة الإلهية لقومٍ لم يُرسَل إليهم أي نذير, وهذا في حد ذاته يعارض الخاتمة المفاجئة لهذه السنة. فلماذا يجب أن تتوقف الحاجة لإرسال النذير فجأة؟ تبين الآية التالية أن إرسال رسل منذرين ليس مجرد حدث وقع في الماضي, بل بالأحرى هو سنة سوف تستمر أيضاً في المستقبل.
وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُواً. سورة 18, آية: 56
ألا يمكن أن يكون أولئك الذين يجادلون بالباطل هم الذين ينكرون أو يجادلون بهذه الحقيقة البديهة وهو أن التواصل بين الله والبشر لن يتوقف وأن العالم الإنساني بحاجة إلى نذير دائماً ؟
نَبَأٌ عَظِيمٌ سورة 38, آية 67
إن خبر مجيء الرسول الجديد من عند الله هو من أعظم الأنباء وأجلَّها. فلماذا يبتعد الإنسان عن مثل هذه الأخبار؟ إن مجيء المُنذِر والمبشِر مدعاة للسرور والبهجة فلماذا يحاول المرء أن ينكر مجيئه ؟
وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ. فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون. سورة 26, آية: 5- 6
الآيات السابقة تبين :
إن سنة الناس وما اعتادوا عليه في حياتهم هو إنكار الرسل المنذرين الذين يبعثهم الله من عنده ليذكِّروا أمتهم بعاقبة أعمالهم ومصير رفضهم لما اختاره الله لهم.
ماهي الأنباء التي سوف يستهزئون بها ويعرضون؟
قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ ...... قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ. أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ..... أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ. سورة 38, آية: 65-70
ما الذي هم عنه معرضون ؟ إنهم معرضون عن النبأ العظيم وعن الذي سيأتي به. ولكن للأسف إن أغلب المسلمين مقتنعون كما جاء في أقوال علماء الدين بأن النبأ العظيم قد انتهى بظهور سيدنا محمد وأن البشرية سوف لن تأتيها أي نبأ من الله سبحانه وتعالى وهو الرحيم بنا والأقرب إلينا من حبل الوريد.
عَمَّ يَتَسَاءلُونَ. عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ. الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ. كَلا سَيَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ. سورة 78, آية: 1- 5
على ماذا تدل كلمة هم فيه مختلفون؟ إنها تدل على أن بعض المسلمين سوف يرحبون بهذا النبإ العظيم والبعض الآخر ينكرونه.
لنتأمل سوياً مرة أخرى التحذير التالي من القرآن الكريم عن النبإ :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ. سورة 49, آية: 6
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ. وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ. سورة 67, آية: 8- 10
تعلُّمُنا الآيات السابقة التالي:
• إذا ادّعى شخص ما أنه نذير من عند الله علينا بالتحقيق في ادعائه, كما يجب علينا أن نسمع أقواله ونتأمل بعناية ما يقدمه من أدلة وشواهد لصدق ادعائه.
• وعلينا بعد ذلك أن نستخدم قدراتنا المنطقية والعقلية والتي هي المعيار الوحيد لمعرفة الحقيقة فيما إذا كان الرسول الذي بعثه الله وحذر قومه فكذبوه هل هو صادق في ادعائه.
يعلمنا القرآن مراراً بأن دليلنا الوحيد للوصول للحقيقة هو المنطق والعقل اللذان وهبنا إياهما الله. كما تبين الآيات السابقة " لو كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ". ويجب علينا أيضاً أن لا نسمح أبداً للتقاليد وفقاً لما تمليه رموز السلطة (زعماء الدين ورؤسائه) أو ما تدّعيه الأغلبية أن تمارس أي تأثير في إختيار مصيرنا الروحاني.
ما الضرر والأذى الذي سيلحق بنا إذا قمنا بالتحقيق في أنباء النذير الذي يبعثه الله عز وجلّ ؟ لا شيء ! إذاً ما الضرر الذي يمكن أن يلحق بنا من عدم التحقيق ؟ إن عدم التحقيق يؤدي بنا إلى إنكار النذير الذي بعثه الله دون أن ندرك سوء تقديرنا الخطير وإمكانية أن نكون والعياذ بالله من أصحاب السعير.
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟