|
حتمية الاصلاح لبناء اقليم كردستان .. دعوة للمراجعة والتطوير
هفال زاخويي - سامان نوح
الحوار المتمدن-العدد: 3294 - 2011 / 3 / 3 - 18:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حتمية الاصلاح لبناء اقليم كردستان .. دعوة للمراجعة والتطوير
هفال زاخويي* [email protected] سامان نوح** [email protected] منذ فترة ليست بالقصيرة واقليم كردستان يشهد حراكاً سياسياً يأمل أبناؤه أن يساهم في تعزيز النضج السياسي والديمقراطي والبنية الادارية وتقوية دعائم كيانهم، هذا الحراك تمثل ببروز نفس معارض على الأرض وظهور رؤى ووجهات نظر مختلفة بشأن إدارة الأقليم، بعد سنوات من الحكم باتجاه واحد منذ تحرره من ربقة الدكتاتورية عام 1991 أثر حرب الخليج الثانية وما صاحب ذلك من قيام انتفاضة شعبية ومن ثم اقامة المنطقة الآمنة من قبل الولايات المتحدة الأميريكية وحلفائها. يشهد الاقليم منذ سنتين واقعا مختلفا عن ذلك الذي ظل سائدا طوال 18 عاما من ثنائية السيطرة والحكم (التخاصمية والتشاركية) التي شكلها الحزبان الكرديان (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني) طوال سنوات، وواجه خلالها الاقليم منعطفات معقدة وخطيرة هددت استمراره وعلى رأسها القتال الداخلي بين الحزبين على السلطة. وقد دفع الأهالي في الأقليم الكثير من التضحيات بسبب تلك المعارك، فإضافة الى الدماء التي سالت والتلكؤ في اعادة بناء الاقليم مع استنزاف امكاناته المالية، ظهرت حالة من الفساد الإداري والمالي أدت الى ظهور طبقة جديدة من المنتفعين والمستفيدين أثروا ثراء فاحشاً، قابلته حالة من النفرة الشعبية والتذمر الصامت لدى الأهالي، الى جانب اهتزاز الثقة بالقيادة الكردستانية التي غضت الطرف لسبب او لآخر عن حالات الفساد. واستمر الصراع بين الحزبين الكبيرين على النفوذ، ومعه استمرت العديد من الأمراض الادارية والسياسية والبنيوية المقلقة، حتى بعد توقيع اتفاقية واشنطن في عام 1998 والذي لم يكن أمام الحزبين خيار غير تجاوزه (الصراع المباشر) بعد تحرير العراق في 2003 لضمان استمرارهما، وهو ما تحقق فعلا رغم الصعوبات في 2005 بتوحيد الاقليم وتشكيل حكومة موحدة تمكنت خلال سنوات قليلة من تثبيت الأمن وانجاز تحول كبير في حياة أبناء الاقليم مستفيدة من تدفق أموال الصادرات النفطية القادمة من بغداد. وقد دفعت حساسية الأوضاع في الاقليم والعراق وحداثة التجربة واحاطة الأعداء من كل الجهات بالاقليم، الأهالي الى التحمل والصبر كجزء من قيم التضحية، والاصطفاف - رغم كل السلبيات - الى جانب قيادته السياسية. لكن الأمراض التي لم تعالج استفحلت مع تطور الامكانات المالية للاقليم وبدء عمليات البناء الفوقي، وهو ما دفع لانتشار أكبر للفساد الإداري والمالي ساهم في زيادة ثراء البعض على حساب غالبية السكان وعدم خلق بنية انتاجية حقيقية، مع استمرار السلطات في غض الطرف عن الفساد حتى أمست كل مؤسساتها تشكو منه وهو ما أكده ويؤكده المسؤولون باستمرار ويشددون على أهمية مواجهته لكن دون أن يوافق القول الفعل. في وقت ظلت الماكنة الاعلامية الحزبية تصدر حينا حجج لتهدئة الأهالي المتذمرين كحداثة التجربة وأهمية رص الصفوف لحفظ الأمن ومواجهة الأعداء والتفرغ لاحقا لمعالجة السلبيات، وحينا تلون وتجمل الصورة مركزة على ما يتم انجازه من بنى فوقية ومنشآت حديثة (عمارات، فنادق، أسواق، شوارع في مراكز المدن .....)، مهملة البنى التحتية المتمثلة بالمؤسسات الصناعية والزراعية والانتاجية. لكن السؤال الذي ظل يتردد ولسنوات: الى متى سيتقبل الأهالي الصبر على الفساد وغياب العدالة الاجتماعية وضعف المؤسسات وسيطرة الأحزاب على أصغر تفاصيل الحياة، خصوصاً في ظل ظهور حركة معارضة بدأت تنشط؟. والى متى سيتقبل الأكاديميون والمثقفون وذوي ضحايا الحركة الكردية وحتى الحرس القديم الذين خاضوا غمار النضال لعقود، استمرار المؤسسات الحزبية في اقناع الأهالي ببعض البنى الفوقية فيما تغيب البنى التحتية الأساسية لضمان الاستمرار والتطور؟ ومع دخول أطراف سياسية جديدة الى ساحة الاقليم وتشكيلها لمعارضة برلمانية ظهرت سريعا على حساب الأخطاء المتراكمة لحزبي السلطة ومطالب الناس، ازداد ذلك السؤال الحاحا، ومع التحولات الدراماتيكية في عموم المنطقة وتصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية في العراق المطالبة بتحسين الحياة وتحقيق مزيد من الاصلاح رغم حداثة تجربة الحكم فيه ورغم ضخامة التحديات والمشاكل، قرر البعض من أبناء الاقليم (المؤمنين بأهمية الاصلاح، او المدفوعين سياسيا) الى الخروج معلنين رفضهم لاستمرار سير الأوضاع على النهج الحالي، وضرورة المعالجة لا التأجيل وإطلاق الوعود وتبرير الأخطاء. أمام ذلك الواقع ليس أمام الحزبين الحاكمين فعليا الا البدء بمعالجات فعلية قد تكون صعبة ومعقدة وتتطلب منهما تقديم تضحيات والتخلي عن امتيازات، أو المضي في الطريق الآخر والمتمثل برفض سماع أصوات المطالبين بالاصلاح واطلاق مزيد من المبررات بكل ما سيشكله ذلك من خطورة. وهنا نطرح جملة تساؤلات من أجل توضيح الصورة:- - هل ما يحدث في اقليم كردستان وبخاصة في السليمانية والبلدات والقصبات التابعة لها، مجرد أزمة عابرة خلقتها معارضة سياسية صغيرة وأججتها مظاهرات احتجاج مطالبة بالاصلاح والتغيير يشهدها الشرق الأوسط، أم انها حركة تمثل نسبة كبيرة من أبناء الاقليم (استفادت منها المعارضة) ترفض غياب العدالة الاجتماعية وانتشار الفساد الذي لا يحتاج الى تشخيص، فلا حديث يعلو عند غالبية مواطني الاقليم على فساد بعض المسؤولين الحزبيين والحكوميين، ولا كلام أكثر تداولا من سؤال:( من أين لهم هذا؟). - وهل يمكن تقبل استمرار هذا الفساد وعدم مكافحته جديا بحجة وجود أولويات أهم على السلطة في الاقليم حسمها، متمثلة بحل قضية كركوك والمناطق المتنازع عليها والتي تراوح مكانها منذ سنوات، فضلا عن عدم ترسخ الاقليم كواقع سياسي وجغرافي، الى جانب ضمان أمن الاقليم واستقراره؟ - لكن هل يمنع أو يعطل مكافحة الفساد وملاحقة المفسدين قانونياً، من توجيه الجهود نحو حسم قضية كركوك، وهل التظاهرات المطالبة بالاصلاح تزعزع أمن الاقليم، أم على العكس ان تطوير واقع الاقليم وبنيته الديمقراطية والانتاجية ونجاح مكافحة الفساد هو الضامن الوحيد لنجاح معركة كركوك عبر تشكيل اقليم قوي ومتطور تسود فيه العدالة الاجتماعية ما يجعل أقليات كركوك غير الكردية بل وأبناء غيرها من المحافظات تتطلع وتطالب بالانضمام الى الاقليم والعيش فيه. مخاوف حقيقية: - هناك خشية حقيقية من اتساع دائرة الاحتجاجات لتشمل بقية مناطق الاقليم، وسلطات الاقليم قامت بسلسلة اجراءات خدمية (تقليل اسعار الكهرباء وزيادة عدد ساعاتها، خفض اسعار المراجعات الطبية، وعود بتوزيع اراضي وتسريع معاملات القرض العقاري وزيادة سلف الزواج والقروض و....... ) فضلا عن اجراءات أمنية لمنع حدوث ذلك، وحتى لو لم تتسع الاحتجاجات وتوقفت في السليمانية ذاتها، فهل ذلك سيعني ان الأمور تسير بشكل جيد وليس هناك داع للمضي في الاصلاح؟! - هناك خشية من استمرار التظاهرات او حالة عدم الرضا عن الحكومة وتوسعها وتعمقها، حتى تصبح لدينا منطقتان، واحدة محتجة على السلطة ناقدة لها واخرى راضية بالسلطة على الأقل بحسب ما يروج له الاعلام الحزبي الذي يقول القسم التابع للمعارضة منه: ان غالبية اهالي السليمانية ناقمون على أداء أحزاب السلطة بدليل مظاهرات الغضب التي يشارك فيها الجميع، فيما يقول الاعلام التابع للاحزاب الحاكمة ان غالبية ان لم يكن جميع اهالي اربيل راضون بأداء السلطة بدليل مسيرات التأييد التي خرجت. وبالتالي نكون أمام خطر انقسام المجتمع متأثرا بالأداء السياسي الحزبي والذي يؤججه الاعلام السلبي (الذي يضع مصلحة الحزب فوق مصلحة الاقليم) وهو خطر ماثل لا يمكن تجاهله. وهو أمر يتناقله العامة في الشارع متحدثين عن حكومتين او سلطتين على أرض الواقع في الاقليم، وعن مؤسسة رئاسة لم تقم الى الآن بدورها المطلوب. ونحن نرى أن اعلام الحزبين وكذلك اعلام المعارضة يتحملان مسؤولية ذلك على السواء. - كما ان هناك خطرا آخر ماثلا يتعلق بانقسام المجتمع الى طبقتين، الأولى غنية جدا، لها مستشفيات خاصة يولد فيها أبناؤهم، ولها مدارس خاصة وجامعات خاصة ومراكز ترفيه خاصة ومراكز سوق خاصة وبرامج سفر خاصة ومنازل في مواقع خاصة ووظائف خاصة محجوزة لهم سلفا وشهادات خاصة، فهم لا يتعلمون في مدارس باقي ابناء الاقليم ولا في جامعاتهم ولا يتعالجون في مستشفياتهم ولا يرتادون الكثير من اسواقهم ولا يشاركونهم في متعهم، فلهم حياتهم الخاصة التي لا تتقاطع الا نادرا مع حياة الآخرين كل هذا في مجتمع غير انتاجي بالكاد تعرف على الرأسمالية قبل سنوات قليلة. سلبيات : وما يبرر مخاوف الناس هو السلبيات الكثيرة ونقاط الضعف في الاقليم، في ظل ادارة لم ترتق لتلبية طموحات وتطلعات الأهالي ولا الى تحديات بناء اقليم قوي ومستقر، وسنركز على السلبيات في المجالات الأساسية المرتبطة بالتنمية والانتاج والتعليم والصحة:- - انعدام الانتاج الزراعي، فبحسب مسؤولي حكومة الاقليم فان الاقليم يواجه كارثة في ضمان أمنه الغذائي، فحجم الانتاج الزراعي لا يتجاوز 5% من حاجة الاقليم. وبنظرة واحدة الى أسواق الاقليم نكتشف اننا لا ننتج شيئا مما نأكل، وان البحث عن مادة محلية أمر يتطلب جهدا ووقتا، حيث نستورد كل شيء من دول الجوار، رغم ان الاقليم يمكن أن يتحول لسلة غذائية جيدة لو كانت هناك خطط وارادة حقيقية لتطوير الزراعة. - انعدام الانتاج الصناعي، ورغم غياب الأرقام بسبب الغياب الكلي لهذا القطاع، لكن نظرة سريعة تؤكد اننا نستورد أكثر من 99% من حاجياتنا الصناعية، فكل شيء مستورد من البسكويت الى المعلبات الى المعجنات الى المنزليات الى الكهربائيات الى العدد والمكائن الى المواد الانشائية وانتهاء بالسيارات والطائرات، ولا نصدر في المقابل أي شيء باستثناء النفط وبطرق غير واضحة للبرلمان قبل الأهالي، حتى أصبح الاقليم سوقاً لبعض أردأ المنتجات الصناعية وأكثرها خطورة على البيئة والصحة العامة. - تشجيع غريب لثقافة الاستهلاك وليس الادخار، عبر مئات الأسواق التجارية الحديثة التي لا يكاد يخلو شارع أو حي كردي من واحدة منها والتي تنتشر كالسرطان، وجميعها تصرف في الغالب بضائع تركية وايرانية، لتذهب مليارات الدولارات (القادمة من بغداد كحصة للاقليم من واردات البلد) الى "الأعداء" مع انعدام الانتاجين الزراعي والصناعي المحلي، حيث نستورد معظم حاجياتنا من "الأعداء" الذين يتحدث الاعلام الحزبي صباح مساء عن ضرورة الحذر منهم ومن مؤامراتهم، فكل شيء قادم من ايران او تركيا او سوريا او السعودية، وشركات ألد الأعداء هي التي تسيطر بل تكاد تحتكر السوق الكردستانية. - تداخل التاجر بالسياسي والتجارة بالسياسة، فالحركة التجارية تسيطر عليها الأحزاب حتى يندر ان تجد رجل اعمال نشط يعمل باستقلالية ودون شراكات حزبية، وهذه حقيقة يعرفها كل سكان الاقليم، فرجال السياسة يمارسون التجارة أكثر من السياسة والادارة، وهذا التداخل بين رجال السياسة ورجال الاقتصاد أمر خطير وأمثلة خراب الدول التي يتداخل فيها الجانبان لا حصر لها وآخرها مصر. - ضعف المؤسسات الحكومية، وسيطرة الحزبية على الحياة الادارية، فما زال المسؤول الحزبي في المنطقة قادرا على تعطيل القرار الحكومي بسهولة، ومازال كبار وصغار المسؤولين الاداريين والخدميين حزبيون، فلا تعيين بدون موافقة أو "تزكية حزبية" ولا ترفيع ولا تكريم ان لم تكن حزبيا ولا ايفاد ولا بعثات ان لم تكن حزبياً، والموظف والاستاذ والمهندس الفاشل قد يصعد لأعلى الدرجات لأنه حزبي أما المقتدر ولو كان عبقريا فأنه يظل في مقعده، وقد يواجه العقوبات، وكل الوعود الحكومية السابقة بمعالجة الأمر فشلت بامتياز.. وفي أزمة السليمانية الأخيرة ظهر بوضوح قوة الحضور الحزبي مع غياب شبه كامل للحكومة.
- خلل يصل الى حد الشلل في الجهاز الاداري، والخلل يشمل عدة جوانب بينها التضخم الذي يقابله ضعف في الأداء، فالمعاملات البسيطة تتطلب في بعض مؤسسات الدولة ساعات من الانتظار لانجازها، وتتطلب بعض المعاملات كاصدار الاوراق الرسمية او شهادة السوق او جواز السفر ايام من الانتظار واحيانا اسابيع، ويتعرض المواطن في الكثير من الدوائر لمعاملة خشنة واحيانا جارحة ومهينة. والمثير هنا أنه وبحسب بعض الأرقام الرسمية فان هناك مليون و150 الف موظف او حاصل على راتب في الاقليم من مجموع سكانه الذي يبلغ نحو خمسة مليون، أي أن نحو ربع السكان (25%) يحصلون على رواتب من ادارة الاقليم وهذا معدل كبير جدا يلتهم 70% من ميزانية الاقليم (بحسب المخصصات التشغيلية للموازنة) ما يعرقل أي فرصة للتنمية، ورغم ذلك ينتظر المواطن لساعات او ايام الى ان تنجز معاملاته التي قد لا يتطلب انجازها الا بضع ساعات، أضف الى ذلك تسيد ثقافة الواسطة والمحسوبية والمنسوبية.علما أن نسبة العاملين بالإدارة الحكومية من مجموع السكان في بعض الدول المتقدمة كاليابان يبلغ 3.3%، وفي دولة نامية مثل مصر يبلغ 5.8% وحتى في دولة مثل سوريا تبلغ النسبة 6.6%، ما يؤشر وجود نسبة بطالة مقنعة هائلة في الاقليم.
- ضعف المؤسسات التعليمية، ويكفي مؤشر واحد لتأكيد هذه الحقيقة وهو تدني مستوى الانتاج المعرفي، مع حقيقة ان الدوام في معظم مدارس الاقليم هو اما دوام على وجبتين او ثلاث وجبات مع اكتظاظ الصفوف بأكثر من 50 طالبا، ومع معدلات البناء الحالي للمدارس حتى مع توقف نمو السكان سنحتاج الى سنوات طويلة لانهاء الدوام الثلاثي والثنائي بما يؤمن جانب واحد من عدة جوانب ترتبط بالبيئة السليمة للتعليم. وكمؤشر واضح على تراجع التعليم هو المستوى العلمي المتدني لطلبة المدارس الثانوية والجامعات، فبعضهم ينطبق عليه وصف الأمي، وهناك مئات المتخرجين ممن لم يقرأوا في حياتهم كتابا خارج المناهج، وهناك من يحمل شهادة عليا لا يستطيع الحديث خمس دقائق بشكل علمي عن اختصاصه، والمؤشرات كثيرة فبعض الكليات العلمية بلا مختبرات والكثير منها لا تشترك بدوريات علمية بل لا تعرف ما هي الدوريات العلمية، وهي ابسط حلقات التواصل المعرفي.
- ضعف المؤسسات الصحية، فالكثير من أبناء الاقليم يراجعون دول الجوار طلبا للعلاج رغم تدفق اعداد جيدة من الخبرات القادمة من باقي مناطق العراق، والمؤشر الواضح هنا ما تنشره التقارير العلمية الدولية التي تقول ان معدل عمر المواطن العراقي (بما فيه الكردستاني) هو الأدنى في المنطقة ويبلغ 68 عاما (تركيا 72 عاما، ايران 71 عاما، سوريا 74 عاما، الأردن 73 عاما) وهو الأدنى في كل الوطن العربي (22 دولة) باستثناء السودان وموريتانيا اللذان واجها حروب داخلية ومجاعات خطيرة في السنوات الماضية. كما أن معدل عمل عمر العراقي بحسب مؤشرات 2010 هو واحد من أدنى المعدلات في العالم. ويأتي هذا المعدل المنخفض لعمر المواطن العراقي رغم توفر الأموال مقارنة بدول الجوار مثلا. وبحسب التقارير فان النظام الغذائي والدوائي فضلا عن البيئة واحدة من عوامل ذلك التدني، فضلاً عن غياب مؤسسات تعنى بالضمان والتأمين الصحي. - ضعف المؤسسات الاعلامية، فالمؤسسات المملوكة للأحزاب والممولة من المال العام وبسخاء (بغياب مؤسسة اعلامية حكومية) هزيلة وأحادية النظرة، والأمر يتعدى فشلها في الوصول الى الآخر المختلف مع تلك المؤسسات فكريا او سياسيا الى الفشل داخليا، فتلك المؤسسات غير قادرة على الوصول الى مؤيديها قبل ان تصل الى المواطن الكردي فما بالك بالمواطن العربي والتركماني. وهي لا تمثل موقع مصداقية، ومازالت تعمل بعقلية الاعلام الحزبي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، فلا هو اعلام معلوماتي ولا هو اعلام تثقيفي ولا هو اعلام تنظيمي وتجنيدي لكسب الأصوات، وهو يتعامل مع الواقع الحالي بنظرة احادية وعبر طرح وجهة نظر واحدة ومن خلال رؤية ضيقة جدا ويصر على طريقة التعامل بسذاجة مع المواطن متوهما أن المواطن ساذج ويصدق كل ما يقوله، فهو اعلام يغمض عينيه عن العالم ولا يسمع الا ما يريده ويتصور ان الناس هي ايضا تفعل ذلك، وذات الوصف ينطبق الى حد ما على اعلام المعارضة الكردستانية الذي يصر على نقل جزء من الحقيقة وعلى نقل وجهة نظر مؤيديه حصرا، وهو ما جعل دور الاعلام الحزبي الكردي سلبيا بامتياز، ويساهم في تعقيد المشكلة بدل ان يكون مصدرا للحل عبر مساعدة صاحبي القرار للوصول الى تصورات واضحة للمشاكل. وهذا التعاطي السلبي ترك عوامل لانتشار الفساد وتناميه، وقد تحدث وكتب بعض السياسيين والكتاب والصحفيين الكرد منذ سنوات وبكل موضوعية عن مكامن الخلل، كما تحدث عنه كتاب عرب أصدقاء للكرد*، وكانت هناك أصوات وأقلام مخلصة تنتقد الواقع السياسي والإداري لكنها واجهت إما بالتهميش أو تصنيفها في خانة المتآمرين ومثيري الشغب، في حين كانت هناك أقلام (كردية وعربية) ومازالت تقوم بمهنة الإرتزاق من خلال المديح والثناء وتصوير الواقع على انه مثالي للحصول على الإمتيازات. - فشل توحيد الأجهزة الأمنية، بدليل وجود جهازين أمنيين في الاقليم، وفشل توحيد الاجهزة العسكرية فالبيشمركة مازالت بيشمركة حزبية، رغم كل ما يقال عن توحيدها، واذا سألت أي بيشمركة حتى ضمن الألوية الجديدة عن انتمائه فسيأتيك الجواب سريعا واضحاً: أنا من بيشمركة الاتحاد أو بيشمركة البارتي. ما يضع المواطن في شك دائم من ولاء المقاتل في حال حصول صراع بين الحزبين على السلطة، فهل سيكون الولاء لحزبه ام للاقليم وشعبه ولنا في ذلك تجربة مريرة. - عدم بلورة مؤسسة رئاسة الاقليم، فرئيس الاقليم السيد مسعود بارزاني رغم حصوله على تأييد أكثر من ثلثي الشعب الكردستاني في انتخابات ديمقراطية، ورغم كونه يمثل كل أبناء الاقليم مازالت طريقة تواصل الجمهور معه عصية ان لم تكن مستحيلة، وهي ان حصلت فعبر مؤسسات حزبية، لأن مؤسسة الرئاسة لم تُفّعل. ويشعر الكثير من مواطني الاقليم ان تلك المؤسسة الضامنة لحقوق الجميع مازالت بعيدة عن مشاكله وهو يريد أن يشعر بوجودها عمليا، يريد حين تكون عنده شكوى ضد حزب او ضد الحكومة نفسها ان يتجه بشكواه الى مؤسسة الاقليم الجامعة للكل، خاصة مع ضعف مؤسسة القضاء. والمواطن يريد ان يرى مقر رئاسة الاقليم شاخصا في وسط عاصمة الاقليم اربيل، ويريد ان يجد رئيس الاقليم يستقبل كبار مسؤولي دول العالم وحتى صغار مواطني الاقليم في تلك المؤسسة الجامعة، ويريد ان يرى الرئيس يزوره ويسأل عنه، ويريد ان يكون للمستقل كما للحزبي وجود في تلك المؤسسة، ويريد أن تسمع تلك المؤسسة صوت المعارضين والمستقلين حتى قبل صوت المؤيدين. - ضعف في الديمقراطية وحرية التعبير واستيعاب الآخر، فما حدث في مظاهرات السليمانية وكلار وجمجمال وتداعياتها في اربيل من اللجوء الى العنف واستخدام الحجارة من قبل المتظاهرين للتعبير عن احتجاجهم (حتى لو كانت وراءه دوافع سياسية) والرد عليهم بالرصاص من قبل افراد حماية بعض المقرات الحزبية، ما اوقع سبعة قتلى وأكثر من 50 جريحا، وما اعقبه من تبادل اتهامات مثير للاستغراب، يؤشر خللا واضحا في مساحة الحرية وفي فهم الديمقراطية وحرية التعبير واستيعاب وتقبل الآخر، كما ان حرق تلفزيون ناليا المستقل يؤشر على عدم تحمل الصوت الآخر حتى لو كان ذلك الصوت مستقلا وليس منافسا حزبيا او سياسيا. معالجات : ان الاقليم ووفق الحقائق اعلاه يواجه مشاكل واضحة لا يمكن تجاهلها ولا تأجيل حسمها تحت أي مبررات كانت، فمن البديهي أن حل المسائل الجوهرية الأكبر تفرض معالجة مواقع الخلل الداخلية التي مع معالجتها يمكن بصورة اسهل المضي لمواجهة ومعالجة بقية التحديات. وهنا لا يمكن الاعتماد على تقارير المستشارين الحزبيين والهيئات الاعلامية الحزبية فقط، التي تتحمل جزءا غير صغير من المسؤولية بسبب اصرارها على عدم نقل الصور الحقيقية في الاقليم لصناع القرار، مما يساهم في تعقيد الوضع بدل حله عبر تقاريرها غير الدقيقة. ومن هنا نرى ضرورة الاقدام وبشجاعة على اتخاذ سلسلة من الخطوات لمعالجة الوضع القائم في السليمانية والذي قد يلقي بظلاله على كل الاقليم، حيث تؤكد معظم المؤشرات أن ما يحدث فيها هو ليس احتجاجا طارئا يمكن ان ينتهي سريعا، ولا تظاهرة من بعض "المشاغبين" كرد فعل على حالة معينة، وهو الى جانب ذلك احتجاج شعبي "يستغل سياسيا" وهو ما يسمح بتوسيعه واستمراره لفترة طويلة اذا ارادت قوى المعارضة ذلك. كما أن الاحتجاج يتضمن سلسلة مطالب تعترف حكومة الاقليم والكثير من كبار المسؤولين في الحزبين بشرعية معظمها، وهو ما يفرض القيام بخطوات عملية وسريعة لتدارك الوضع والإقدام على جملة إجراءات إصلاحية لتهدئة الأوضاع قبل المضي في الاصلاحات التي تتطلب وقتا، خاصة مع حقيقة أن الأقليم لم يعد فتياً كما يذهب البعض بل دخل مرحلة الأمراض المزمنة بسبب حالات الفساد. فالنظام السياسي في كردستان يحتاج الى تطوير و"التجربة" تحتاج الى دفعة قوية لتثبيت بناها الرئيسية وتجاوز الصدمات المحتملة عبر معالجات اصلاحية وعمليات معقدة وصعبة لكنها ضرورية ولا بديل للاقليم غير خوضها اذا ما اراد الاستمرار والتطور. وستتطلب المعالجة التضحية بالكثير من الامتيازات الحزبية ومحاسبة بعض المسؤولين وترك الكثير من وسائل العمل والممارسات الحزبية واتخاذ قرارات صعبة، لكن مصلحة الاقليم تظل فوق كل اعتبار. ونرى أن مؤسسة "رئاسة الاقليم" بشخص رئيسها السيد مسعود بارزاني هي الأقدر على القيام بهذه المهمة فالرئيس بارزاني حصل على ثقة أكثر من ثلثي الشعب الكردستاني ويحظى بإحترامه، وبتأييد اقليمي ودولي. يجب عدم استصغار "الأزمة" القائمة في السليمانية والنظر اليها كمشكلة يحركها بعض مؤيدي طرف سياسي في منطقة محدودة، كما يجب التوقف عن تصوير أن باقي مناطق الاقليم في منأى من ذلك الواقع وتعيش في حالة رضا مطلقة (فطرق الرد هذه التي طالما لجأت اليها انظمة المنطقة باستخدام الموالين والمنظمات الحزبية الشبابية، تعد مدمرة) وحتى لو كانت تظاهرات السليمانية حركة محدودة تمثل فئة صغيرة من أبناء تلك المنطقة او الاقليم فيجب متابعتها والاستماع الى مطالب المشاركين فيها حتى لو كانوا مجرد "متمردين وفوضيين" كما يروج البعض، للتوصل الى رؤى محددة للحل، خاصة ان مطالب انهاء الفساد وغياب العدالة الاجتماعية التي يجمع عليها المحتجون يتفق معهم فيها بقية ابناء الاقليم، واعترف بشرعيتها كبار المسؤولين عشرات المرات. أما المراهنة على عامل الزمن في تراجع التظاهرات او المراهنة على حلول وعمليات موضعية فلم يعد يجد نفعا، وسقف مطالب الناس في كل المنطقة يتسع تدريجيا مع تطور الحياة، ومن هنا نقترح جملة خطوات اساسية تساهم في ضمان أمن ووحدة وتطور هذا الاقليم واسترداد مناطقه المقتطعة:- - تحرك مؤسسة رئاسة الاقليم بشخص رئيسها السيد مسعود بارزاني الحاصل على ثقة 70% من أبناء الاقليم في انتخابات ديمقراطية، للاستماع والتواصل مع كل الأطراف السياسية وممثلي الاهالي والمنظمات المدنية المستقلة والمثقفين، لوضع برنامج اصلاحي واسع يضمن تطور الاقليم. - البدء بخطوات جريئة لوضع حد لغلبة الحزبية على الواقع الاداري، بتقوية دور مؤسسة الرئاسة ودور الحكومة، ومنع التدخلات الحزبية وانهاء ثقافة سلطة الحزب على الادارة. - حل عقدة توحيد قوات البيشمركة والأجهزة الأمنية. - تفعيل المجلس السياسي للأحزاب الكردستانية، ليكون قادرا على وضع استراتيجيات العمل الداخلية والخارجية. - تشكيل هيئة نزاهة مستقلة، من شخصيات لا تتأثر بالعلاقات الحزبية، قادرة على اتخاذ القرارات بحق الفاسدين مهما كانت مواقعهم. - تكريس حرية التعبير والحريات العامة والتعددية السياسية وضمان حرية عمل المؤسسات الاعلامية المستقلة، والمضي في تعديل واقرار الدستور الكردستاني، ووضع استراتيجيات عمل كردستانية للمناطق المتنازع عليها. - اعادة النظر في سياسة عمل وادارة القطاعات الانتاجية لبناء بنية تحتية حقيقية لضمان مستقبل الاقليم، خارج ما تؤمنه واردات النفط. - منح الوزارات المتعلقة بالمجالات العلمية والانتاجية لشخصيات مستقلة. - ان مطالب غالبية سكان الاقليم يمكن اختصارها في فك التشابك بين حزبي السلطة والحكومة والدولة، ومعالجة الفساد بكل أشكاله، وتوزيع عادل للثروة، وعدم إحتكار السلطة والقرار، وتكريس الحريات العامة والتعددية، والابتعاد عن اللغة المُتشنجة والاتهامية، ولابد من اخذ تلك الامور بنظر الاعتبار في اي مشاريع اصلاحية، والتأجيل ليس في صالح احزاب السلطة كما هو ليس في صالح أهالي الاقليم. 1/ آذار/ 2011
ملاحظة: كتب العديد من الساسة والمثقفين والصحفيين الكرد والعرب خلال السنوات الخمس الأخيرة مقالات نبهوا فيها الى مكامن الخلل في اقليم كردستان، بينها مقال رئيس مؤسسة التسامحية العالمية حسين سنجاري، الذي حمل عنوان "الحق الكردي والأداء الفاشل للمسؤولين الكرد" المنشور في آب 2008، وآخرها مقال الكاتب كاظم حبيب "رسالة مفتوحة إلى الشعب الكردي والسادة المسؤولين في إقليم كردستان العراق" المنشور في شباط 2011.
*رئيس تحرير صحيفة الأهالي الليبرالية **مدير تحرير صحيفة الأهالي الليبرالية
#هفال_زاخويي_-_سامان_نوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|