|
مقالة بلا موقف ومظاهرات بلا نوايا
بركات محي الدين
الحوار المتمدن-العدد: 3292 - 2011 / 3 / 1 - 00:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في أزمان معيّنة يصعب على المرء أن يكون ألى جنب أحد الفريقين ، حينذاك يسهل عليه أن يهاجم الجميع لأنه يختار أن يكون مع نفسه بإخلاص ، كانت المشكلة دائما في استحالة تجنّب الشوائب في كلّ تجربة _ بعض تلك الشوائب قد تكون جرائم بأقل تقدير _ هذا راجع إلى إن كلاً من الحق والباطل ،الفضيلة و الرذيلة لايمكن لأحدهما أن يجعل الآخر صريحا دون أثرٍ له ، على كلِّ حال فأن أعراس المؤمنين المنتصرين يوما ما لم تكن سوى إفتضاض للمزيد من بكارات المسبيات من الشعوب الأخرى ، أنت معي إنه لا يفرق عند المغتَصبة أن يكون الفاتح يهوديا أو نصرانيا أو مسلما حتى ! بنادق الموت وسياط التعذيب لا يمكن أن تتحول إلى أغصان زيتون وطاقات زهور مهما إختلفت الأيدى التي تحملها ، هي هي الجريمة مهما تغيّرت هوية المجرم . لا يهم إن كانت جبهة المجرم تحمل أثر السجود أو علامات الفجور، أنت معي إن ذوي المقتول يحق لهم الحزن والبكاء حتى لو كان المقتول سافلاًً ، لا يمكن إلغاء مشاعر الناس البتة . الذبح واحد ، توجهنا للقبلة أم لم نفعل . نحن نُذبح في كلّ الدهور . أنت أسعد حظاً ، على الأقل إخترت أحد الفريقين ، ولهذا أنت تبلي بلاءً حسنا ، أما أنا فأنّي أرغب به ولكني لا أستطيع ، معسكر القديسين ولّى منذ زمن محمد وحفيده الذبيح ، هناك أيضا كان يوجد بعض الجبناء والخونة ، في كلّ جيش يوجد مجموعة من المرتزقة وعديمو الذمة . وعليه فأن جودة أي معسكر تقاس بعدد الشجعان المخلصين فيه مهما قلوا لا بعدد الجبناء والخونة مهما كثروا . أنكر الرذائل عندي أن يُقحم الدين في صراع من أجل السلطة ، القضية غير متعلقة بموقف فكري أو إتجاه نظري ، هي متعلقة بإيمان وعقيدة دينية أيضا ، قد يصعب عليك فهم هذا ، لا تحزن فهو يصعب عليّ في بعض الأحيان أيضاً ، ما لله يجب أن يبقى لله وما لغيره سوف يكون للجميع نصيب فيه . وتلك الأيام نداوالها بين الناس . أنا لا أعجب من الأرتزاق ولكني استنكر الإستناكة . تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها . خيرٌ للرجل أن يعيش بدفٍ ومزمار من أن يستنيّك بدينه أو يستأكل بذمته . وعدت بمقالة بلا موقف لكني لم أفِ بما وعدت فهذه المقدمة تغص بالمواقف ، يبدو أن الإنسان لا يستطيع أن يكون بلا موقف ، كذب الذين يدعون عدم الانحياز . فالانحياز لا يعني مجانبة العدالة دائما ، الإنسان كائن منحاز بطبعة لكنه مطالب بالدليل على انحيازه فإذا قدمه برئت ذمته . وهنا تكمن الصعوبة دائما فالكل يعتقد إنه يمتلك الحقيقة ويحتفظ بالحجة . ولولا ذلك ماقام صراع بين طرفين قط . الحديث عن الانتفاضة .. الحديث عن المظاهرة .. ستفشل المظاهرة ، نجحت المظاهرة ، الخروج فيها حرام والذي يخرج فيها يخرج عن الملة ، نحن ندعم المظاهرة ولا ندعو إليها . أنا أشيد بالمظاهرة وأحذر منها ، من كان صدريا فلا يخرج ومن كان بدريا فليحرض . البعثيون أكبر المستفيدين من تلك المظاهرة فلا تخرجوا في أية مظاهرة ما بقي البعثيون. المظاهرة خارج مقاسات المذهب وضد رغبة سلطة الكنيسة الشيعية المحترمة وهي تخلو من اللطميات والصدريات وعليه فهي مظاهرة مشكوك فيها . تصريحات ... تلميحات .. أمور أخرى . تم تحديد موعد المظاهرة في العالم الافتراضي فحدث إضطراب محموم في العالم الواقعي ، لم تكن أول مظاهرة تقوم في العراق بعد الأحتلال ، فقد سبقتها مظاهرات وعصيانات ومواجهات وحروب طائفية وصولات فرسان ولكننا لم نشهد نفيرا كهذا ، عُقدت الاجتماعات على كلّ المستويات أُلقيت الخطب ودخل البلد في نفير عام تم تعبئة الجيش والشرطة ، قطعت الطرق ، منع التجوّل ، رُشي الأعلاميون ، أشتريت ذمم شيوخ العشائر ، أطلقت الوعود , أستنهضت همم فقهاء المذهب فنبض فيهم العرق الطائفي المتوجس من إقامة سقيفة جديدة في الباب الشرقي لا تقل خطراً عن سقيفة بني ساعدة السيئة الصيت . فأطلقت الفتاوى متدرجة من الأباحة المشوبة بالحذر على الأحوط وجوبا إلى الكراهة المشددة إلى الحرمة الأكيدة . قاتل الله آية الله ( تويتر ) وآية الله ( فيس بوك ) ماذا فعلا بهذه الأمة !!. بدأ الأمر بمحاكاة وأمنيات لكنه أنتهى بكارثة . قامت ثورة الشباب الكبرى العظيمة في مصر في الخامس والعشرين من يونيو فحققت أهدافا كونية عارمة لم يكن المصريون أنفسهم يتوقعونها أو يحلمون بها . غلب الحماس والحلم أخيلة بعض العراقيين وأمنياتهم فأطلقوا على صفحات العالم الأفتراضي موعدا مماثلا لتأريخ الثورة المصرية في الشهر القابل ( فبراير ) ، لم يكن الموعد المضروب يعني للعراقيين أي شيء فلا رمزية له مطلقاً ، قوة الموعد كانت تكمن في عدم رمزيته ، لكنه هو ذاته سيتحول إلى رمز مستقبلا . إكتسب الموعد أهمية قصوى لدى جميع العراقيين فيما بعد لانه خلا من أية إشارة يمكن أن تحسب على أية جهة أو طائفة وهذه بالذات نقطة قوة لم يجتمع عليها العراقيون منذ زمن . بعد إحتلال العراق كان كل شيء جهويا أو فئويا أو حزبيا . مقاومتنا إرهابنا زياراتنا شعائرنا طقوسنا خطابنا صومنا أعيادنا وزاراتنا مناهجنا جوازاتنا مدننا حاراتنا ، كل شيء ، كل شيء .. هذا أمر جديد أرعب أهل السلطة من السياسيين الناشئين ، وأهل الحل والعقد من رجال الدين . نحن عندهم شعب ناقص الأهلية لم يبلغ الرشد ، غير غادر على تدبير دنياه ومعرفة دينه إلا بالرجوع إليهم . الخروج في مظاهرة دون أخذ الأذن منهم كان في حقيقته إعلان للعصيان المدني ضد سلطة السياسيين الفاشلين والعصيان الديني ضد سلطة رجال الدين الانتهازيين . هذا هو جوهر القضية . وللأنصاف أقول أننا كشعب نتحمل القسط الأكبر من المسئولية عن وصولنا إلى هذا الحال البائس . لم تكن المظاهرات يوم 25 شباط بالقوة والكثافة التي تجعلها مهمة إلى هذه الدرجة فأن ما يحدث في بلدان أخرى كاليمن وليبيا وغيرها كان أكبر وأقوى وأطول وقتا ، في بعض المدن العراقية لم يزد عدد المتظاهرين عن ثلاثمائة متظاهر وكان أقوى تجمع لا يزيد عن عشرة آلاف . لكنها كانت مظاهرة كبرى وقوية ومؤثرة وغير مسبوقة . وكأن تلك القوة – وهو الواقع – لم تكن مستمدة من حجم المظاهرة نفسها وإنما من حجم الأستحضارات والأستعدادات التي هُيئت لمنعها وإجهاضها . المظاهرة كبرت عندما كبرت الجهود المعدة للقضاء عليها ، الأغبياء لم يكونوا يفهموا أي شيء في السياسة وأستعملوا جميع أسلحتهم المعنوية والمادية في معركة أولى لم تكن إلا بمثابة حركة إستطلاعية لبعض الشباب . لقد استنفذوا كلّ شيء منذ الآن فما لذي أبقوه للمعارك الآتية . هم الذين أعطوا هذا الحجم للمظاهرة . فليحمد العراقيون ربهم فمع كون حكامهم سفلة لكنهم أغبياء ومع كون فقهائهم خبثاء لكنهم سريعو الإنكشاف كانوا ماهرين في التقية دائما إلا في هذه الحادثة .
المظاهرات نجحت على جميع الأصعدة . وحققت نتائج مقصودة وغير مقصودة . وأهم مظاهر ذلك النجاح تمثلت في : أولا : إنها أطلقت إرادة جزء لا بأس به من الشعب من الخضوع والتقليد الأعمى للمؤسسة الدينية ، عندما خرج ذلك الجزء للتظاهر دون إعارة الفتاوى المثبطة والمانعة والمحرمة أيّ إلتفات . ثانيا : أظهرت تهافت الفقهاء أنفسهم باضطراب مواقفهم وتناقضها خلال مدة لا تتجاوز الثماني والأربعين ساعة ، فأصبحنا نرى رجل الدين الذي حرّم التظاهر بالأمس يبارك المتظاهرين اليوم وينادي بتلبية مطالبهم . هذا الفتح – أسميه فتحا بجدارة _ جعل رجل الدين يسعى لأسترضاء الشعب- ولو ظاهريا - بعدما كان الشعب يسعى لأسترضاء رجل الدين ويجتهد في خدمة مكانته العليا ، ولذلك سترون بعض رجال الدين سيحاولون تقليد هذه المظاهرات بالدعوة إلى مظاهرات مليونية كما يسمونها لأستعادة ماء وجوههم الذي فقدوه أو لأستعادة سيطرتهم على الشارع . فأذا رأيتهم يفعلون ذلك فأعلم إن الشيطان قد نطق على ألسنتهم . كيف يدعو للتظاهر ويخدع الناس من لديه أربعين نائبا في البرلمان وسبعة وزراء في الحكومة ؟!! ثالثا : حررت الشعب من التخويف والتخوين والتسقيط بالأتهام بالبعثية والوهابية وغير ذلك من النعوت ، فلم تعد هذه التهم تخيف الناس وتمنعم من المطالبة بحقوقهم ، لانها تُهم سياسية مكشوفة . إن أي عمل يصلح لأستغلاله من قبل الجميع بما فيهم ذوي المآرب المشبوهة لكن تلك الصلاحية ليست مبررا لعدم القيام به ، وهذا شأن جميع الأعمال في الدنيا ، ولا يوجد شيء في هذا الكون يخرج عن إحتملات إستغلاله من قبل ذوي الأغراض الخاصة بما في ذلك الدين والمقدسات . رابعا : أظهرت وحدة الشعب العراقي وتعاليه عن الطائفية والعرقية فقد عمت جميع أنحاء العراق بما فيها مدن الأقليم الكردي الذي طالما سعى ساسته لفصل شعبه عن العراق روحيا وجغرافيا . خامسا : حققت نتائج وقتية جيدة وإن كانت غير كافية حاليا عندما أرغمت الحكومة على التفكير بجدية في المشاكل اليومية التي يعانيها الناس ، وأسقطت بعض المحافظين الفاسدين . كما إنها أظهرت حقيقة النظام الحاكم وكشفت عن جرائمه في قمع الناس ومطاردة الصحافة والأعلام . والأهم من ذلك كشفت عن ركاكة النظام السياسي الذي أقامه الاحتلال واختلال أركانه القائمة على المحاصصة وفشل النظام الانتخابي فيه . كما إنها كشفت عن حقيقة كبيرة وهي تماثل السياسيين القائمين بأدارة العملية السياسية منذ سبع ثمني سنوات في الفساد وإيثار المصالح الحزبية والشخصية والفشل في الأداء وإن اختلفت عناوينهم . أخيرا أقول إن على المرء أيضا أن لا يحمّل الأشياء أكثر مما تحتمل وأن لا يذهب في التفاؤل بعيداً ، لأن من يقرأ تأريخ هذا الشعب وقابليته للإنخداع وجنوحه نحو الضجر وإنقطاع النفس سوف يتردد كثيراً قبل أن يتفاءل . وأرجو أن أكون مخطئاً في هذه النقطة . أشكركم .
#بركات_محي_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مواقف المرجعية في العراق .. إعلانات مدفوعة الثمن
-
الشيعة واعادة اكتشاف المذهب
-
الخمس الشيعي ودجاجة الخليج البيّاضة
-
الشيعة ..انتكاس مذهب وازدهار طائفة / الاندماج العظيم
-
الشيعة انتكاس مذهب وازدهار طائفة / ثانيا الامامة والسياسة
-
الشيعة ....انتكاس مذهب وازدهار طائفة
-
تهافت الفقهاء .. قضية الرق نموذجا
-
المعجم الوجيز في اوهام عبد العزيز
-
555 ناقص5 / القسم العاشر من تاريخ التفخيخ
-
رقسة نهاية الاسبوع/ القسم التاسع من تاريخ التفخيخ
-
موسم صيد الآيات/ القسم الثامن من تاريخ التفخيخ
-
موسم صيد الآيات/القسم الثامن من تاريخ التفخيخ
-
المرجع المدرع/ القسم السادس من تاريخ التفخيخ
-
ذو الرئاستين دجّال يحظى بثقة الطائفتين.. القسم السابع من تار
...
-
المرأة ..الهة سرق الرجال عرشها بالخديعة
-
اوربا واعدة اعمار الفلسفة
-
ديمقراطية الاسلام..بين ولاية الفقيه وامارة السفيه
-
تاريخ التفخيخ ..من مدونات اللعن حتى البهائم المفخخة .. الاقس
...
-
العراق الديمقرا-ديني.. تطلع خفي نحو الديكتاتورية
المزيد.....
-
اتفاق وقف إطلاق النار بين -حزب الله- اللبناني وإسرائيل يدخل
...
-
مباشر: بدء سريان هدنة لمدة 60 يوما بين إسرائيل ولبنان بعد أش
...
-
اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بين إسرائيل وحزب الله يدخل حي
...
-
بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل
-
ترحيب دولي باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان
-
بيان أمريكي عن قصف -منشأة لتخزين الأسلحة- تابعة لجماعة موالي
...
-
مسؤول أمريكي: لم نهدد إسرائيل بوقف تزويدها بالأسلحة
-
محكمة أمريكية ترفض قضية وثائق ترامب السرية
-
فينر: نأمل أن يخلق اتفاق وقف النار في لبنان مساحة للتوصل لات
...
-
بوتين: روسيا وكازاخستان تحميان تجارتهما من خلال التحول إلى ا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|