عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 3290 - 2011 / 2 / 27 - 11:18
المحور:
الادب والفن
لا تنتمي ورود الموسوي الى جيل شعري محدد لأنها تتحرّك في فضاء الشعر بحرية تامة قلّ نظيرها عند أقرانها الآخرين. وربما لعبت الغربة والاغتراب في آنٍ معاً دوراً مهماً في صياغة عالمها الشعري الرصين الذي يتميّز ببصمتها الخاصة التي تُحيلنا الى تجربتها الإبداعية المتفردة، ولا تُذكِّرنا بالأصوات الشعرية الراسخة في المشهد الإبداعي العربي. أحبّت ورود الشعر وإنقطعت إليه منذ زمن مبكر، كما إنغمست في قراءة الأدب وتعمّقت فيه. أنجزت حتى الآن ديوانين شعريين وهما "وشم عقارب" و "هل أتي. .؟" الذي صدر عن دار "الغاوون" مؤخراً. كما وضعت اللمسات الأخيرة على مجموعة قصصية وديوان شعري ثالث. لا تقتصر تجربة ورود الإبداعية على كتابة الشعر والقصة القصيرة، وإنما تزاول الكتابة النقدية بين أوانٍ وآخر. ويمكن الإشارة في هذا الصدد الى أطروحتها القيّمة التي تحمل عنوان (رمزية الألوان والحواس في شعر بدر شاكر السياب) وتنطوي على جهدٍ نقدي متميّز يبشِّر بولادة ناقدة حقيقية تمتلك عُدتها النقدية الصارمة. ولمناسبة صدور ديوانها الشعري الثاني "هل أتي..؟ إلتقاها موقع "الحوار المتمدن" في لندن وحاورها في أبعاد تجربتها الشعرية والحياتية في آنٍ معا. وفي الآتي نص الحوار:
شغف المعرفة
*إذا كان المرءُ مخبوئاً تحت لسانه، فيا تُرى أين تختبيء الشاعرة ورود؟ أتتوراى خلف لغتها النقيّة الخالصة، أم تَنْصُب كمائنها في أنساق صورها الشعرية المُبتكرة، أم تتماهى في نبض القصيدة وإيقاعها الداخلي كي تأخذ القاريء الى مضارب الدهشة والذهول؟
- هي الروح وما تحمل من دهاليز, لا تُجبرنا على اكتشافها لكن حين يكون شغف المعرفة ساكناً بنا ترانا نطرق ما غاب عنا فينا فنحاول سبر أغوار هذي الروح التي حلت بنا واستوطنتنا. حتى نراها حاكماً على كل ما نقوله, نفعله ونؤديه بإمرها وإذنها, ورود مخبوءة تحت روحها وحين تنطق هذي الروح لا توجّه كلامها مباشرة للكون، بل تتخذ روحاً أخرى تُشبه الشعر ربما سفيرة بين روحها وروح العالم والآخرين. . . أن تتقارب مع روحك يعني أن العالم ينكشف أمامك من خلالك لتؤدي عليه ما ترى وما تحجبه الرؤية عنك تحاول استكشافه بالعودة اليك والبحث في دهاليز روحك مجدداً.
من خلال ما مرّ تنتج اللغة والصورة وما ايقاع القصيدة الداخلي إلا ايقاع روح تتجلى على شكل حروف لتأخذ بعداً آخرَ لا يُشبه سواها, وهذا أراه يتطلب صبراً كبيراً على اكتشاف الذات وأيضاً يحتاج لفهم عميق لما تحتاجه – هذه الذات – من غذاء وغذاؤها يتجسد أولاً في معرفة عميقة للغة التي تحاول الولوج من خلالها .. اللغة التي تكشف عن مكامن المعرفة فكرياً, إنسانياً, حضارياً, سياسياً. . . الخ من المداخل التي تساعد على اقتراب الذات بروحها واقتراب الروح بواقعها ومن خلال كل ذاك تشكل خزيناً بيانياً لكل ما تقوله الروح عبر لغة الشعر بوضع صور تدل على كل ما مر من خلال الصوت المتمثل بحنجرة االلسان.
دعوة لولوج الذات
* توظِّفينَ العديد من الكلمات والعبارات المُستمّدة من القرآن الكريم في قصائدك، وربما تكون قصيدتك المُعنونة "هل أتى!" هي خير أنموذج لما نذهب إليه. كيف تفعِّل الشاعرة ورود هذا التعالق النصّي بين اللغة ذات المرجعية الدينية، وبين اللغة الشعرية في لحظة إحتدامها وتوهجها الإبداعي؟
- التعالق النصي بين ماهو ديني وماهو شعري يكون عادة مبني على تطويع معنى الاول (الديني) وتطويره بشكل تصاعدي مع النص الشعري الذي يخلو لحظة كتابته من أي تخطيط عقلي لتبني فكرة دينية داخله وتطويرها.
حين نعود للخطاب القرآني سنجده يتحرك على مساحتين: الاولى اعادة ترميم الانسان روحياً وهو الجزء الأكبر في المساحة القرآنية التي حاولت رسم شكل للانسان جديد تعتمد-المساحة- على تهذيب الروح وتشذيبها والتقارب معها. . . ولهذا جاءت أغلب الايات الدالة على هذا المعنى بنهايات كــ ( ألا تتفكرون) أفلا تعقلون. . . وكلاهما التفكير والعقل هي دعوة لولوج الذات والتفكير بما تم طرحه. . . أما الصعيد الثاني الذي تناوله الخطاب القرآني هو الخطاب التشريعي والذي يحاول تقنين وسنّ بعض الأحكام التي تصب في نهاية المطاف بصالح الانسان وروحه التي كرمها الله على كثير من خلقه.
وكلنا نعرف أن القرآن الكريم هو أحد أعمدة اللغة العربية وآدابها هذا لو قرأناه وتعاملنا معه على أنه نص ابداعي أدبي . . . لذا لا يوجد أديب حقيقي لم يقرأ القرآن أو يقف على أقل تقدير عند بعض اشاراته التي تفتح الفكر على الروح والسؤال. . . كل الذين مروا سابقاً ولاحقاً ستجد صوراً قرآنية لوّنت قصائدهم. . . وهذا هو دور هذا الكتاب اللا متناهي, فحين نرى تعالقاً دينياً شعرياً سنجد أنها محاولة من الشاعر للتحرّك في اطارين أو أكثر: الاول منها مناقشته القضايا المصيرية التي تحدث حوله تاريخياً, سياسيا, اجتماعياً. . . وحتى فكرياً فتراه يستند باحتجاجاته أو أسئلته أو معالجاته الى مرجعية صلدة لا يتنازع عليها أحد وبالتالي فإنه يستمد شرعية نصّه الشعري من شرعية النص القرآني المتين.
الاطار الثاني الذي يجوز أن يتحرك به هو مفهوم الحداثة وما تبعها من تصاعدات يمكننا أن نبني من خلال الموروث أو النص القرآني صورة جديدة لروح الانسان اليوم. . . التي بدأت تنفصل تدريجياً أو كلياً عن عالمها الكوني لتصبح أشبه بكائنات منعزلة تتحرك في منظومات متعددة كلا يبحث عن جهته. . . فيولد السؤال حول الوجود والكون والعالم والتراث والنبوة والله والكثير الكثير الذي يصب في البحث عن الذات والروح وهذا يجعل الشاعر يعود ليقرأ ويدقق وينقّب عن شيء يدله الى مخرج من خلال كتابه المقدس الذي قيل له انه يحمل كل الاجابات أو انه يمنحك المفاتيح لها على أقل تقدير.
وهناك بلا شك مساحاتٍ اخرى تجعل الشاعر من خلالها يفكر بالولوج للنص القرآني واستكناهه وتوظيفه بصورة جديدة قد لا تعطي حلاً أو جواباً لكنها تشير اشارة واضحة لما يجول في ذهن سؤاله.
من هنا لم أكن بعيدة عن أجواء القرآن كوني درستُ علوم القرآن منذ الصغر وتخصصتُ بها ايضاً في دراستي الأولى للعلوم الاسلامية وكوني حافظة للقرآن الكريم, هذا الكتاب الذي كان له الدور الأساسي بتنمية ذائقتي اللغوية وتشذيبها أيضاً, لذا فالخزين الذي اُشْربْتُه منذ الصغر هو أمامي لا محالة. . . موجود ومخزونٌ ليظهر باللاوعي لحظة الكتابة فيسوق احتجاجاته أو أسئلته من خلفية قرآنية أو ربما حتى لغوية بمعنى أن بعض النصوص تجد بها حسّاً قرآنياً خفياً وأعني هي المفردات حتى من خلال ايقاع النص وتجانس حروفه وتقاربها لخلق هارموني داخل النص يُشبه لحد كبير التجانس التركيبي في الاية القرآنية وكل هذا بلا اعداد مسبق أو تعمّد أو قصدية. . . وبهذا يظهر هذا التعالق خلافاً لما قد نراه عند البعض من حشر قسري لبعض الصور القرآنية أو الاسطورية داخل النص تراه يأتي طيّعاً متسقاً والمكان الذي هو فيه.
مداخل الخلود
* تُشيرينَ في بعض حواراتكِ الصحفية الى تأثّركِ بالشاعر بدر شاكر السيّاب. ما طبيعة هذا التأثر، وما حدوده، وهل هناك نوع من التناص أو التراسل الشعري بينكِ وبين بعض من قصائده الأثيرة لديك؟
- بدر شاكر السياب, هذا الاسم الذي عمّ خيره كل الذين كتبوا بعده ولكأنّ روح بويب ذاك النهر حلّت به ليشرب منها الجميع دون استثناء, هو نهرٌ خالدٌ لا ينضب.
علاقتي بالسيّاب بدأت باكراً جداً عند عمر العاشرة حين قرأتُ أنشودة المطر ورحتُ بعدها أقرأ أعماله الشعرية كاملة. . . هو أول من سرق الروح والدهشة فكانت علاقة الروح بالروح حتى أخذت شكلاً آخر في مفهوم كتابة النص وحتى في مفهوم التأثير والتأثر, فمنذ امساكي بالمجموعة الكاملة وحتى قبل فتح أي صفحة لا على التعيين تلبسني روح أخرى مليئة بالوجع والألم والحزن والموت المؤجل. . . هي روح السياب لا محالة, لكن هل حاولتُ تقليده بمعنى أني تأثرتُ به ..؟ هنا أجزم أني بعيدة تمام البعد عنه لكن روحه التي أثرّت بي حتى بدا الشعر لي حالة انسانية متكاملة لا يقوم فيها الحب مادام المجتمع يسوده الظلم والفقر والفساد ولا تنبتُ وردةً مادامت الف افعى تشرب الرحيق. . . تعلمتُ من السياب كيف تُصبح القصيدة خالدة وكيف يكتبها بروح خالدة. . . وكيف يمكن للنص أن يتخطى حدود الكون. . . تعلمتُ منه أنّ الشاعر هو الذي يصنع عالميته من خلال محليته فما بويب أو جيكور التي اندثرت إلا مداخل لخلوده, تعلمتُ منه كيف تئنّ المفردة لحظة الكتابة وكيف تكون اللغة موجعة دون الحاجة لاشارات واضحة تميت النصّ, تعلمتُ منه الرمزية العالية في الخطاب الشعري ولو كانت هناك مباشرة معيّنة فهي مدروسة ومحسوبة وكله باللاوعي لا عن تخطيطٍ مسبق, تعلمتُ منه كيف يكون الشاعر هو الناقد الأول لقصيدته وكيف يملك عين الصقر بتلافي المكرور منها, تعلمتُ منه أن التأثر لا يكون باللغة والمفردات بل بالاجواء والروح. . . السياب كان الباب التي ولجتُ منها لعالم الارواح والتعب الانساني الذي يضج به العالم, فكان الشاعر الوحيد الذي ما أنْ اقرأ له قصيدة حتى أسمعه يحثني لكتابة نصّ. . . لكنه لا يمتَ للنص الاول الذي قرأته بصلة. . . وما النص الأول إلا محفّزاً على الكتابة بشكل آخر.
إذن لم يكن تأثري بالسياب من ناحية الشكل أو سيطرة صبغة. . . لكني تأثرتُ بروحه وعبقريته الشعرية, نعم أنا أحمل روح السياب وأفخر بذلك لكني لا أحمل صبغته الشعرية.
هل تناصصتُ معه, نعم. . . ففي نص "فقراء" ستجد السياب حاضراً بكل جدارة ونعم استعرتُ منه روحه أيضاً وكنتُ أشعر أن يداً تُشبه يده هي التي كتبت النصّ.
السياب من العمق كلما تصورتَ أنك اكتشفت الكثير منه وجدتَ أن أبواباً أخرى لم تطرقها بعد, وأود أن اضيف أن علاقتي بالسياب تطورت اكثر وتعمّقت أثناء دراستي الجامعية حيث كان هو موضوع اطروحتي والتي سأشير إليها لاحقا.
مدارك الذات
*تتردّد بعض المفاهيم والأسئلة الفلسفية في العديد من نصوصك الشعرية. ما سرّ هذا القلق الوجودي، وهل تُسعِفكِ اللحظة الإبداعية في التخلّص المؤقت من هذا القلق المُمِض؟
-وأنا اقرأ هذا السؤال عادت بي الذاكرة لابن الفارض الذي كان شعرهُ من أصفى ما قرأت وليس أبو العتاهية وأبو تمام والبحتري عنهم ببعيد, ولم يكن لبيد بأقل منهم مفاهيميةً وفلفسة, هي أسئلة تقلق كل انسان يتأمل، بل بعودة بسيطة الى القرآن الكريم سنجده قد طرح كل هذه الأسئلة وأحياناً دون إجابات (و يتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقِنا عذاب النار) والسؤال كيف لي أن أصل لهذه القناعة التي وصلها الذين قالوا (ربنا) كيف لي أن أصل لمرحلة الايمان بهذا الرب الذي لم يخلق أي شيء باطلاً وأقول (سبحانك) هذه الأسئلة هي منبع الشك الذي يؤدي الى اليقين, والوجود هو اثباتك كرقم موجود في فضاء يقال له الحياة, من هنا تبدأ المعرفة والاطلاع على كل ما تقع عليه العين من كتب أسطورية الى كتب مقدسة الى تأمل طويل بالذات والنفس والكون وكل ما يحيطك ليوصلك الى جواب قاله القرآن على لسان الرب (وماخلقتُ الجنّ والإنس إلا ليعبدون) وهذا الجواب يفتح أبواباً لا حصر لها على الأسئلة وكلها أسئلة استفهامية استنكارية أحياناً, في محاولة لمد جسر بين الوجود والعدم, بين الكون وكينونته, بين الكينونة والصيرورة, بين العقل والروح, بين الجسد والروح, كلها أسئلة تشير في نهاية المطاف الى مدارك الذات ووعيها بما حولها.
فــ سرُّ هذا القلق كامنٌ في سر الوجود ولن ينتهي مادمنا على قيد هذا الوجود. أما اللحظة الابداعية فهي لا تُسعفني بالتخلص من هذا القلق بقدر ما تقلقني وتتعبني كثيراً لأن السؤال يظلّ عالقاً خاصة إن كان غيبياً قد تحاول ايجاد مخرج له من خلال جواب فلسفي معين. . . لكني أعرف أنه ليس الجواب الذي أرجو, رغم ادراكي أيضاً أن الشعر الأصدق والأبقى ذاك الذي يحاول استكناه ما حوله واكتشافه.
أنفاق الوجع
*لا يجد القاريء صعوبة في تأشير الجانب التراجيدي الذي يهيمن على ديوانك الجديد الثاني "هل أتى!". ما الدوافع التي تحرِّضكِ على التعاطي مع الموضوعات والقضايا الكبيرة، هل هي نفسية أم اجتماعية أم ثقافية أم فكرية على وجه التحديد؟
-الفعل الإنساني هو الذي يحرّض هذا الحس التراجيدي والذي يحمل أحياناً سخرية الأقدار وما تؤول إليه أحوال البشر. لا شك في أن العامل الاساسي الذي يحفر أنفاق الوجع هو الانسان بكل تقلباته وما يمر عليه اجتماعياً, سياسياً واقتصادياً وحتى فكرياً. . . ما الجوع والفقر والعوز إلا أبواب تنفتحُ على روح هذا المهمَّش, وربما ارتباط صورة الشاعر المعدم تمنح هذه الهالة أيضاً. . . لكن الديوان ركز على الجوانب الانسانية أولاً فالتقلبات السياسية التي تصيب الوطن لابد أن تؤثر سلباً أو ايجاباً على روح الانسان / الشاعر / المجتمع. . . ليلتقط صوره من خلال مشاهداته وتقييمه لما يرى. قد يبدو محبَطاً وهذا بسبب ما يتوصل إليه من استقراءات للواقع الذي ينتمي اليه مع حلم بالعيش الكريم الذي لا يتحقق, فيتحول الشاعر لمهاجم للفقر والعوز والحرمان, هذه الكائنات التي تتخذ أشكالاً عدّة فالفقر ليس دائماً محصوراً بقلة المال، بل قد يكون فقراً فكرياً وكذلك العوز والحرمان.
فالتراجيدي في الشعر حالة إنسانية تلبس القصيدة لتمنحها بُعداً آخر وحياة أطول فأنا اؤمن بإنّ الشعر رسالة خالدة ولن يصمد أمام السنين غير ذاك الناظر للانسان وقضاياه الكبرى وأولها الظلم, الفقر, الحرمان, الغربة, البلاد, وكلها حالات لا تموت، بل تتكرر وتتفاعل بتناسل البشر, وليست محكومة بفئة دون أخرى، بل هي ناظرة للانسان بمطلقه.
مغاليق النص
* لا تخلو قصائدكِ من التقنية المجازية التي تعمِّق النص الشعري وتُثريه، بل تدعه يحلِّق عالياً في سماء النص الإبداعي، لكننا لمسنا أيضاً ميلكِ الى التورية واللعِب بالكلمات كما هو الحال في قصيدة "المِدفنة". هل يمكنكِ أن تؤكدي صحة ما نذهب إليه؟
- ظهرت في العشر سنوات الأخيرة حالة من اللعب بالكلمات – في قصائد النثر- شملت عموم الخليج وبخاصة السعودية، فبدأت تطالعنا نصوص مليئة بالتوريات مثل ( الساعة منتصف الهمّ, أو الساعة تشيرُ لأقصى القلب, أو التصيّد بالشَّعر العكر. . . الخ), لا استسيغ مثل هذه التشبيهات التي أراها تُرهقُ وجه النص، بل تأخذ منه شعرياً وفنيّاً وإنْ كانت غايتهم بُغية إضفاء صفة فنيّة جديدة.
حين تكثر مثل هذه التنميقات التي اُعدّت سلفاً بقوالب جاهزة ستتحول القصيدة من فعل انساني عميق الى فعل صناعي مسطَّح, وثمة فرقٌ بين أن تصنع قصيدة تدوفها بملح روحك وبين صناعة نصّ يحمل كل مقومات اللغة العربية الفصحى والعبارات العالية لكنه خاوٍ من روح الشعر المُستَمَدة من روح الشاعر. لذا أنا لستُ مع إرهاق النص باللعب باللغة والكلمات فقط من أجل ابراز القدرة اللغوية لكاتب النص لأن هكذا نصوص ستفقدُ شرعيّتها الشعريّة بتحوّلها من نص شعري ذا قيمة روحية وانسانية عالية الى نص لغوي لا يحمل إلا زخرفات, لا يوجد بها خط تصاعدي أو معرفي أو استفهامي حتى . . . لكن لا بأس أن تكون ضربة واحدة في نهاية القصيدة لتختم بها دهشة المتلقي, على أن تعرف بالضبط أين تضع هذه الدهشة وكيف تترك اثرها على المتلقي . . . رغم اني لا أدعي أبداً الكمال أو التوفيق في ما أكتب، لكني أحاول قدر استطاعتي فهم مغاليق النص ومعرفته والتعامل معه على هذا الاساس . . . وما نص "المدفنة" إلا محاولة لسبر آخر لغور اللغة دون اثقالها، بل الافادة منها معنى ومضمونا حين قُلبت همزة المِدْفأة لـنون المِدْفَنَة بقصد أن يستقيم معنى البرد والموت في آن معاً:
"مهلاً / لا تُكمل العدّ / فالشتاءُ بردٌ قادمٌ / ولا حطب هناك لكي تُشعلَ المِدْفَنة"
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟