|
عودة الروح الدستورية والقانونية في مصر
نبيل عبد الفتاح
الحوار المتمدن-العدد: 3287 - 2011 / 2 / 24 - 18:31
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
عودة الروح الدستورية والقانونية في مصر بقلم: نبيل عبد الفتاح أولاً: الثقافة الدستورية والانفتاح المصرى على الحداثة القانونية الأوروبية كانت عمليات استعارة الهندسة الدستورية والقانونية الأوروبية والغربية أحد أبرز مداخل التحديث السلطوى للقيم والمؤسسات، وللحداثة، وذلك على عديد المستويات التى يمكن رصدها فيما يلى: 1- بناء الدولة الحديثة ومؤسساتها وأجهزتها، وذلك من خلال أقلمة أو الأحرى توطين القوانين الأوروبية لتغدو جزءاً من عملية دمج الاقتصاد المصرى في بنية الاقتصاد الرأسمالى العالمى، وخاصة تجارة الأقطان. 2- شكل القانون الوضعى الحديث أداة رئيسة في الانتقال من نظم المكانة إلى القانون كشبكات وعلاقات ومصالح وتوازنات وحقوق والتزامات. 3- بدأت عملية استعارة بعض المفاهيم النظرية في مجال القانون الجنائى وعلى رأسها الاتفاق الجنائى، واستبدال العقوبات الحدية بعقوبات أخرى في جرائم السرقة، كالنفى إلى فيزا أوغلى بالسودان. وذلك لاحتياج جيش محمد على وتوسعاته في الإقليم في إطار مشروعه السياسى والعسكرى الكبير واحتياجه إلى الأيدى العاملة في الزراعة، أو في إطار الجندية. 4- بدأ التحول الكبير في النظم والثقافة القانونية المصرية حول مشروع وحلم الخديوى إسماعيل باشا في تحويل مصر إلى "قطعة من أوروبا"، وبقطع النظر المثالب والأخطاء السياسية الفادحة التى حدثت في البلاد، وجرت معها التدخل الأجنبى وفرض رقابة دولية – فرنسية وبريطانية – على ميزانية البلاد، وتدخل مباشر في إطار صندوق الدين، وتعيين وزيرين بريطانى وفرنسى في تشكيل الحكومة المصرية. 5- تجربة إسماعيل باشا متعددة الأبعاد في القانون والدستور والوزارة المسئولة والموسيقى – الأوبرا – والعمارة وتخطيط المدن والتنظيم الإدارى .. إلخ، وهى نقلة نوعية في مفاهيم الحداثة والتحديث لدى الصفوة المصرية. 6- أدت حركة البعثات، واهتمام بعض المبعوثين وفى طليعتهم الشيخ / رفاعة رافع الطهطاوى بالدستور الفرنسى، وترجمته إلى اللغة العربية، دلالة على بدء تشكل وعى بالمسألة الدستورية وأهميتها في إطار بناء الدولة الحديثة والتقدم على النمط الأوروبى. 7- منذ صعود إسماعيل باشا إلى سدة حكم مصر – 1863 حتى تم عزله في عام 1879 – وسمت مرحلة حكمه بعديد السمات والظواهر وعلى رأسها عدم الاستقرار السياسى، والتدخل البريطانى والفرنسى في شئون البلاد كما سبق وأن أشرنا، ومن ناحية أخرى "ظهور حركة فكرية ودستورية نتيجة إيفاد البعثات العلمية إلى الخارج منذ عهد محمد على، وتأثر هؤلاء المبعوثين بالأفكار المدنية والسياسية التى سادت أوروبا في ذلك الوقت، فكان طبيعياً – في نظر بعض أساتذة القانون الدستورى – أذن أن تنعكس آثار هذه الدراسات على النظام السياسى القائم في البلاد على أن هذا الانعكاس لم يبدو واضحاً جلياً إلا في أواخر عهد إسماعيل" ( ) 8- برز الاتجاه نحو النظام الدستورى، وذلك كمنحى إصلاحى في أواخر مرحلة حكم إسماعيل باشا، وهو ما تجلى في مشروع دستور 1879، الذى أثر على صياغة دستور 1882. 9- ارتبط الوعى الدستورى المصرى، بنمو الشعور القومى الحداثى التوجه والدلالة إزاء التدخل الأجنبى في الشئون المصرية – نظام الرقابة الثنائية البريطانى / الفرنسى – وتداخل هذا التوجه القومى مع مبادئ الثورة الفرنسية وأهمها إعلان حقوق الإنسان والمواطن والأفكار الديمقراطية التى بدأت في الانتقال إلى مصر عبر مبعوثيها إلى فرنسا مما أدى إلى "ظهور حركة فكرية وصحفية تدعو إلى المطالبة بإجراء إصلاحات دستورية ترتكز على المبادئ الديمقراطية الصحيحة".( ) 10- بدأت الحركة الدستورية في الظهور من خلال موقف النواب من رفض مجلس النواب ففى دورة انعقاده بعد صدوره من الخديوى إسماعيل، واجتماعهم في 17 مارس 1879. في 5 أبريل 1879 اجتمع النواب وكبار الموظفين والعلماء ورجال الجيش، واجمعوا على صياغة مشروع لائحة يشتمل على وجوب تخويل مجلس النواب اختصاصات قطعية تماثل تلك التى تتمتع بها المجالس النيابية في أوروبا، وتأليف وزارة وطنية تقتصر العضوية فيها على الوطنيين دون الأجانب، وتقرير مسئولية هذه الوزارة أمام المجلس وهو الأمر الذى استجاب له الخديوى إسماعيل، وتكليف محمد شريف باشا بتأليف الوزارة وفق المبادئ السابقة. ( ) قدم شريف باشا بعد تشكيل وزارته مشروع اللائحة الأساسية إلى مجلس النواب – 17 مايو 1879 – وفى يونيو 1879 قدم مشروع قانون انتخابى. لا شك أن مشروع اللائحة أدى إلى تأليب بعض الدول الأجنبية للسلطان التركى لعزل إسماعيل باشا الذى صدر قرار بذلك في 26 يونيو 1879، وخلفه في موقعه أبنه توفيق باشا على سدة حكم مصر. 11- شكل دستور 1879 أساس دستور 1882 الذى صدر في 7 فبراير 1882، الذى صدر مع قانون الانتخاب في 25 مارس 1882. يعد هذا الدستور نقطة تحول في التنظيم الدستورى المصرى الحديث، من حيث طابعه الديمقراطى الذى استند إلى النظام النيابى البرلمانى من حيث الأخذ ببرلمان منتخب من الشعب ووزارة مسئولة أمام المجلس النيابى – مجلس النواب -، ووجود رقابة متبادلة بين السلطتين. ( ) 11- شهدت مصر العديد من حركات النكوص إلى الحكم المطلق، ومنها القانون النظامى في أول مايو 1883، وقانون الانتخاب الصادر معه في ذات اليوم الذى حدد مجلس شورى القوانين، والجمعية العمومية، ومجلس شورى الحكومة، ومجالس المديريات الذى جافت المبادئ الديمقراطية. في عام 1913تم الأخذ بنظام الجمعية التشريعية الذى جاء به القانون النظامى رقم (29) لسنة 1913. وهذا القانون لا يختلف عن قانون 1883 النظامى، ونقطة التغير تتمثل في إعطاء الحكومة حق تعيين بعض النواب على أساس طائفى. أربعة للأقباط وللعرب البدو ثلاثة مقاعد، وهو أمر رمى إلى التفرقة بين المصريين على أساس الدين والعرق. وذلك في إطار الحكم المطلق، لا شك أن مرحلة الحكم المطلق كانت تعبيراً عن ضغوط الاستعمار البريطانى أساساً، ولكن الارتباط بين الحركة القومية المصرية وبين النزعة الدستورية كان أبرز سمات التطور في الحركة وفى أفكارها. ( ) 12- يمكن القول أن أبرز نتائج ثورة 1919 تمثلت في وحدة أبناء الأمة المصرية في إطار الحركة القومية الدستورية، والربط العضوى بين الدستور ومطالب الاستقلال عن الاحتلال البريطانى، وهو ما كشف عن نضج ما على الصعيدين الفكرى الحداثى المنفتح على عالمه، والكفاح الوطنى، وأن الدستور والاستقلال كلاهما صنوان لا يفتقران. يبدو أن هذا التواشج بين النزاعة الدستورية البرلمانية النيابية، وبين التحرر من نيْرّ الاستعمار، كانت تعبيراً عن عديد الأسباب ومنها: (1) انتشار الثقافة الدستورية والقانونية الحديثة التى جاءت عبر الدور الذى لعبه رجال الفقه الدستورى والقانونى والجماعة القانونية المصرية بكل مكوناتها من الفقه وعلماء القانون والقضاة والمحامون وكبار المفكرين والمثقفين من ذوى الثقافة القانونية، وغيرها ذات الصلة بالتقاليد والثقافات الأوروبية. (2) دور القوى شبه الليبرالية والإصلاحية الوطنية سواء لأحزاب أقلية نخبوية كالأحرار الدستوريين، أو حزب الحركة القومية المصرية الجامع لأطيافها "الطبقية"، أو الفكرية / السياسية ألا وهو حزب الوفد المصرى الذى كانت قياداته الرئيسة من رجال القانون ومن ثم ركزوا على المطالبة بأعمال المبادئ والقيم الدستورية فى ظل نظام الحكم النيابى البرلمانى، والذود عنه كجزء من الحركة الوطنية الدستورية المعادية للاستعمار البريطانى والحكم المطلق. (3) أن دستور 1923 كان من أكثر الدساتير المصرية تأسساً للحكم النيابى البرلمانى، والأكثر ديمقراطية في تاريخ مصر الدستورى كله. كان دستور 1923 أكثر اهتماماً بالحقوق الفردية وحرياتها، وأخذ هذا الدستور بمبدأ سيادة الأمة وفق نص المادة 23 التى ذهبت إلى أن "جميع السلطات مصدرها الأمة". وأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات مع التعاون فيما بينهما. ذهب دستور 1923 إلى تقرير مبدأ المساواة أمام القانون، وفى الحقوق والواجبات المدنية والسياسية دون تفرقة بينهم تقوم على أساس الأصل أو اللغة أو الدين. ونص على الحرية الشخصية كما تتجسد في حق الأمة، وحرية التنقل وحرية الاتصال وحرية العقيدة (م 12، 13)، والحق في التعليم (مواد 17/18/19) وحرية الرأى والصحافة وحرية الاجتماع وحق تكوين الجمعيات وحق مخاطبة السلطات العامة. 13- يمكن القول أن البلاد شهدت – وفق بعض الفقه الدستور كالدكتور فؤاد العطار وآخرين - بعض الاتجاهات لدى بعض رجال السياسة للانقلاب الدستورى الذى حدث على أيدى بعض الحكومات ومنها وزارة زيور باشا عامى 24 و1925، ووزارة محمد محمود باشا 1928. ويبدو أن أخطر انقلاب دستورى حدث ثم في عهد وزارة إسماعيل صدقى الذى ألغى دستور 1923 في عام 1930 من خلال دستور 1930 الذى صدر بالأمر الملكى الرقيم 70، وصدر في نفس اليوم قانون جديد للانتخاب. وكان الهدف الرئيسى هو تكريس سلطات الملك وتوسيع اختصاصات على حساب السلطة التشريعية. قامت الحركة السياسية والدستورية بقيادة حزب الوفد وبعض المثقفين بمقاومة ونقد دستور 1930، مما أدى إلى إلغاء العمل بهذا الدستور، من خلال الأمر الملكى الذى صدر في 20 نوفمبر عام 1934، ثم صدور الأمر الملكى في 12 ديسمبر 1935 بإعادة العمل بدستور 1923 الذى استمر العمل بقواعده حتى ثورة 23 يوليو 1952. 14- يمكن القول أن الحركة القومية الدستورية في مطالبها بالاستقلال الوطنى ورحيل الاحتلال البريطانى والديمقراطية والحكم النيابى البرلمانى الدستورى، ساهمت في نشر ثقافة دولة القانون وسيادته، والحقوق الفردية والعامة، واستقلال القضاء والتمايز الوظيفى بين السلطات الثلاث. ساعدت بيئة الانفتاح الفكرى على تيارات الفكر الأوروبى على شيوع الوعى السياسى والدستورى بأهمية الدستور والقانون الحديث في التقدم الأوروبى وحاجة مصر إلى هذا المسار الفكرى والمؤسسى والذى دعمته الجماعتين السياسية والقانونية المصرية. ثانياً: ثورة يوليو 1952 وموت الروح الدستورية والسياسية في مصر 1- كانت ثورة 23 يوليو 1952، تعبيراً عن أزمة النظامين السياسى / الدستورى والاجتماعى المصرى الذى كان سائداً قبلها، وبعض المشاكل التى اعتورت الأحزاب السياسية المصرية وقواعد اللعبة السياسية والحزبية التى كان يحركها الملك، والمندوب السامى البريطانى. كانت كراهية الضباط الأحرار للطبقة السياسية القديمة وغالب رموزها من رجال القانون هو الذى جعلهم يتأثرون ببعض رجال القانون الذين كانوا على عداوة وخصومة مع حزب الوفد من أمثال السنهورى باشا، والمستشار سليمان حافظ وكيل مجلس الدولة، ود. السيد صبرى أستاذ القانون الدستورى البارز، ومن ثم برز هذا التوجه في تغيير توصيف الحركة من انقلاب، إلى حركة الجيش، إلى الثورة. لا شك أن تكييف السيد صبرى لحركة الجيش بأنها ثورة كان بمثابة تكييف سياسى ودستورى مهد لإسقاط دستور 1923 ودخول النظام الدستورى الجمهورى إلى عديد المراحل يمكن رصدها فيما يلى: أولها: الإعلان الدستورى المؤقت عام 1953. ثانيها: دستور 1956. ثالثها: الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة 1958 (مرحلة الوحدة مع سوريا). رابعها: الإعلان الدستورى المؤقت لعام 1964. خامسها: الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية لسنة 1971 وتعديلاته الأربع. في المراحل الخمس للدساتير الجمهورية لم يكن أحد يهتم بالثقافة الدستورية وتراجعها في مصر سوى قلة من بعض فقهاء القانون الدستورى لاعتبارات مهنية تماما، وبعض المهتمين بالمسألة الدستورية وتطوراتها فى علاقاتها بالتطور السياسى والاجتماعى في البلاد، وقلة من المحامين والقضاة لاعتبارات تتصل بتطبيق المبادئ الدستورية العامة في المنازعات القانونية المطروحة على القضاء العادى والإدارى، وفى الطعون بعدم دستورية القوانين. 2- كان النظام الدستورى المصرى ووثائقه الخمس وتعديلات الوثيقة الدستورية لعام 1971، يعد تعبيراً أميناً عن ثقل ومركزية موقع رئيس الجمهورية في النظامين الدستورى والسياسى، وثمة استثناء وحيد هو مشروع دستور 1954 الذى أخذ بالنظام النيابى البرلمانى، ولكنه لم يرى النور أو التطبيق بعد إعداده من لجنة دستورية تم تشكيلها آنذاك. 3- كان ولا يزال النظام الدستورى المصرى هو تعبير مشوه عن النظامين البرلمانى والرئاسى معاً، أو ما أطلق عليه بعض الفقه الدستورى – د. سليمان الطماوى – النظام البرلماسى ونظام يأخذ بسمات كلا النظامين. يقال أن المصدر المرجعى لدستور 1971 هو دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية دون تعديلاته في عهدى فرنسوا ميتران وجاك شيراك، ودون ضوابط هذا الدستور وضماناته الأساسية للمواطنين المفروضة على سلطات رئيس الجمهورية ولاسيما في حالة الضرورة وفى إصدار القرارات الجمهورية بقوانين. يبدو أن النظام الدستورى المصرى، كان محض إطار شكلانى لإضفاء مسوغ دستورى على سلطة رئيس الجمهورية شبه المطلقة في عهدى الرئيسين أنور السادات ومحمد حسنى مبارك قبل خلعه بعد الانتفاضة الجماهيرية الديمقراطية واسعة النطاق التى تمت يوم 25 يناير 2011 وما بعد. 4- أن شكل النظام الدستورى المصرى وصلاحياته والعلاقات بين السلطات والتمايز الوظيفى فيما بينها، لم تكن على مستوى النصوص أو التطبيق ذات وزن أو تأثير على الحياة السياسية المعتقلة، أو في ظل ظاهرة موت السياسة منذ نظام الحزب الواحد إلى التعددية السياسية الشكلية والمقيدة. كان النظام السياسى يدار بواسطة رئيس الجمهورية – أيا كان شخصه – وكانت المسوغات الدستورية أو القانونية مجرد أمور شكلية تحت الطلب من قبل بعض عناصر جماعة "ترزية القوانين"، وهى جماعة لعبت أدوار خطيرة في تحويل الدساتير والقوانين إلى أدوات في أيدى التسلطية السياسية، وأفقدت الدستور القانون دلالته وهيبته. 5- نستطيع القول أن ثمة تراجع للثقافة الدستورية مع نهاية المرحلة شبه الليبرالية وإسقاط دستور 1923، وشرعيته وذلك تحت إيقاع الخطاب السياسى والدستورى السلطوى حول الشرعية الثورية. ويرجع هذا التدهور في صدقية الدساتير إلى عديد الأسباب التى يمكن إجمالها فيما يلى: أ- النظرة العسكريتارية لمفهوم الدستور والقانون بوصفهما أداة للضبط والربط، وفق مفاهيم قانون الأحكام العسكرية. من ناحية أخرى الثقافة العسكريتارية التى ترى في القوانين محض أدوات. إذن الإدراك الآداتى للقوانين أثر على طريقة تعامل الضباط الأحرار مع الدساتير والقوانين عموماً بوصفهم أدوات في يدهم أكثر من كونهم نظم وصلاحيات وقيود وضوابط وحقوق للمواطنين إزاء السلطة الحاكمة ولاسيما التنفيذية. ب- كرست الدساتير صلاحيات دستورية واسعة لموقع رئيس الجمهورية الذى تحول إلى مركز القوة الرئيس فى النظامين السياسى والدستورى. ج- بروز فائض للقوة الواقعية للرئيس أكبر وأوسع نطاقاً من القوة الدستورية والسياسية، بما أدى إلى شخصنة السلطة السياسية في البلاد. د- شيوع ظاهرة دمج السلطات وتركيزها حول موقع الرئيس، ولاسيما من خلال أداة القرار الجمهورى بقانون في غير حالاته ومجالاته وشروطه، حتى في النطاق المخصص للسلطة التشريعية دستورياً وهو ما يشير إلى أى مدى وصل الاختلال الهيكلى فى العلاقات بين السلطات، وتدهور مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث. هـ- هيمنت المفهوم الكوربوراتى والإدارى في إدارة النظام السياسى على نحو أدى إلى تغييب أو تهميش مفاهيم دولة القانون، والأهم تهميش الدساتير والأحكام الواردة فيها ولاسيما الحقوق الفردية أو الحريات العامة والشخصية. و- الخلل في الوثائق الدستورية في مجال الحقوق والحريات العامة والشخصية، والتى تم إهدارها في القوانين المكملة للدستور، وفى تطبيقاتها. ز- بولسة الدولة، وهيمنة الدولة البوليسية، وتحويلها إلى ظاهرة عسكرة الشرطة، وتضخمها لقمع الحريات العامة في البلاد بما جعل النصوص الدستورية لا تعدو كونها محض نصوص لا ظل لها في التطبيق، بل وتنتهك في الممارسة اليومية. س- تحول التعذيب البوليسى إلى سياسة ممنهجة إزاء المواطنين، على نحو أدى إلى شيوع إدراك أن الدساتير ونصوصها في مجال الحقوق والحريات لا معنى لها، مما أثر سلباً على الروح والثقافة الدستورية في مصر. ص- شيوع النزعة التعبوية سياسياً واجتماعياً في ظل نمط من الأبوية السياسية. ض- دساتير الجمهورية تم إقرارها وتمريرها عبر آلية الاستفتاء العام، الذى يرى بعض الفقه المصرى أنها أقرب إلى آلية التزوير للإرادة العامة للأمة، ومن ثم يغدو الحديث عن الشرعية الدستورية موضعاً لعديد الشكوك، وخاصة في ظل أزمة الشرعية السياسية المستمرة. ع- دستور 1971 وتعديلاته الثلاث تم على مقاس الرئيس الأسبق أنور السادات، ثم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك. من هنا شكل هذا الدستور مثال على دور رئيس الجمهورية المركزى في النظم الدستورية منذ 23 يوليو 1952 ومن ثم لا يعكس إرادة الأمة على نحو دقيق ويعكس خياراتها وتوازناتها. غ- ثمة فجوة بين روح الدستور ونصوصه، التى عكست الإيديولوجيا التسلطية، ذات التوجه "الاشتراكى" وبين التغير والانتقال إلى النظام الرأسمالى، على الرغم من التعديلات التى تمت لمرات ثلاث لم تستجب موضوعيا للتطور فى البيئة الاقتصادية والسياسية، وتنامى الطلب الاجتماعى والسياسى على القيم والمبادئ الديمقراطية. ف- نصوص دستور 1971 تبدو حاملة لتناقضات بنيوية بين نصوصه وعلى رأسها التناقض بين المادة الأولى والثانية والثالثة. ق- شكلت بعض التعديلات الدستورية صداً حول الدستورية التحول من نظام الاستفتاء العام فى اختيار رئيس الجمهورية من الاستفتاء العام الى نظام الانتخاب وفق المادة 76 وتعديلها لمرتين، والقيود الثقيلة التى وردت بها. لاشك أن قيود المادة 76 - الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية - أدت إلى المزيد من تراجع الروح الدستورية فى مصر. ك- كانت بعض الكتابات المعارضة، وبعض الباحثين لقضايا الدستورية من منظور اصلاحى تنتقد الوضع الدستورى السائد فى البلاد، ومن ثم حركت بعض الاهتمام العام بقضايا الثقافة الدستورية. ل- يمكن القول أن ثمة دور بارز لعبه بعض فقهاء القانون الدستورى، ورجال القانون من قضاة ومحامين، ولاسيما قضاء الدستورية العليا والمبادئ التى أرسلتها المحكمة ولاسيما فى ظل رئيسها د. عوض المر، التى انفتحت على مبادئ المحكمة الأمريكية ويمكن القول أن المبادئ التى أرسلتها المحكمة أدت إلى استثارة اهتمام المصريين إلى أهمية المبادئ والقواعد الدستورية فى التطور الديمقراطى، وفى وضع ضوابط على عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية. م- ساهمت بعض الحركات الاجتماعية والاحتجاجية الجديدة فى الاهتمام بالمسألة الدستورية، وبدأت روح جديدة فى العودة إلى الاهتمام إلى الثقافة الدستورية وإلى الحقوق والحريات العامة، والشخصية، ومنظومة حقوق الإنسان. ن- ساهمت المنظمات الحقوقية والدفاعية فى دعم ثقافة حقوق الإنسان فى ارتباطها بالدساتير وهو ما أحدث بعض التراكم والتغير الإدراكى إزاء القيم والثقافة الدستورية. لاشك أن دور منظومات وثقافة حقوق الإنسان أثرت إيجابياً فى تبلور الوعى العام إزاء حقوق الإنسان والدساتير. لا- تنامى الحضور الشاب فى المجال الافتراضى والمواقع التفاعلية الاجتماعية – المدونات والفيس بوك وتويتر -، وذلك كفضاء للحريات بديلاً عن القيود الأمنية المفروضة على المجال العام السياسى الواقعى. من هنا شكل الواقع المقيد للحريات، عاملاً طارداً للشباب للهروب من المجال العام السياسى الفعلى إلى المجال العام السياسى الافتراضى ثم تحول الواقع الافتراضى الحركى إلى مجال للتعبئة والحوار والحشد والتنظيم، ثم الانتقال إلى الواقع الفعلى كما حدث من بعض المجموعات الجيلية الشابة من مثيل 6 أبريل 2008، ثم جماعة كلنا خالد سعيد وآخرين على نحو ما فعلوا فى تنظيم الانتفاضة الجماهيرية الديمقراطية فى 25 يناير 2011. ي- قيام عدد من رجال القانون والسياسيين المصريين بطرح المنظور الدستورى فى مقاربة الأوضاع السياسية فى مصر، وهو ما ساعد على حضور بعض من الثقافة الدستورية إلى جدالات وحراك المجال العام المصرى. ثالثاً: الانتفاضة الشعبية الديمقراطية وعودة الروح الدستورية 1- أدت الانتفاضة الجماهيرية الديمقراطية التى قام بها شباب الطبقة الوسطى المدينية إلى كسر حاجز الخوف لدى المصريين، ولاسيما أنها جاءت ذات طابع سلمى وبناء على الرغم مما تعرضت له من عنف رسمى مفرط ومتجاوز لحدود شرعية استخدامه دستورياً وقانونياً، على نحو أدى إلى سقوط أكثر من 300 شهيد وستة آلاف جرحى من خيرة الشباب المصرى، سواء على أيدى جهاز الشرطة، وبعض الجانحين من الخارجين على القانون الذى يرعاهم الحزب الحاكم – الذى كان – وبعض رجال الأعمال، والأخطر أن جهات الشرطة كان يرعى بعضهم ويستخدمهم فى مواجهة الشباب المنتفض ضد حكم الفساد. 2- أدت "ثورة" أو "انتفاضة" الشباب إلى عودة السياسة إلى مصر بعد موتها خلال عديد العقود فى ظل الدولة التسلطية وأدواتها القمعية الإيديولوجية والمادية عودة السياسة إلى المدينة هى استعادة مجازية لمصر الحديثة حيث كانت السياسة هى أبنة المدينة ومجالها العام لأن السياسة والمواطنة هما أبناء المدينة تاريخياً، وهو ما استعادته الانتفاضة المصرية يوم 25 يناير 2011 وما بعد، ولن تعود الأمور كما كانت قبل هذا اليوم الرمزى الهام فى تاريخ مصر المعاصر. 3- عودة السياسة تعنى عودة الروح الدستورية، لأنه لا سياسة حقيقة على الواقع الفعلى إلا من خلال الدستور والثقافة الدستورية كإطار كلى لتنظيم الدولة وسلطاتها، وللحقوق الرئيسة للمواطنين العامة أو الشخصية. ساعدت إرهاصات الثقافة الدستورية ومقارباتها حول قضايا المواطنة وحقوق الإنسان، ولاسيما حرية التدين والاعتقاد وحقوق الأقليات الدينية والعرقية – على وضع المقاربة الدستورية فى قلب الجدل العام السياسى. 4- من أبرز الأمور التى طرحت أثناء الانتفاضة وبعدها مسألة الشرعية السياسية والشرعية الدستورية وهو ما أدى إلى تزايد حضور رجال الفقه الدستورى والقانونى عموماً فى الجدل العام، وطرح مسألة تغيير دستور 1971 وإعداد دستور جديد للبلاد. وطرحت أسئلة من قبيل أساليب نهاية دستور 1971، وما هو السبيل نحو إعداد دستور جديد ديمقراطى؟ هل من خلال أسلوب اللجنة الحكومية من خبراء يتشكلون من قضاة كبار، وأساتذة قانون دستورى؟ أم يتم وضع الدستور عبر هيئة دستورية منتخبة؟ هل يتم التغيير الدستورى الآن أم بعد مرحلة انتقالية؟ هل يتم وضع تعديلات دستورية جديدة من خلال أسلوب اللجنة الحكومية على نحو ما حاول الرئيس مبارك وأركان نظامه أن يقوم به، وذلك فى محاولة لاحتواء آثار الانتفاضة؟ أم اللجنة التى أسسها المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى أعقاب سقوط الرئيس حسنى مبارك؟ هل التعديل الجزئى أفضل أم التعديل الشامل؟ أسئلة تطرح بشأن عودة الروح الدستورية إلى مصر مجدداً.
#نبيل_عبد_الفتاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرية في -القلة المندسة-:خطاب سلطوى قديم لا يثير أى دهشة!
-
دروس الحالة التونسية:البحث عن سياسة الأمل
المزيد.....
-
صحيفتان بريطانيتان: قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نت
...
-
كاميرا العالم توثّق الوضع الإنساني الصعب بدير البلح وسط غزة
...
-
أول دولة أوروبية تدعو نتانياهو لزيارتها بعد مذكرة الاعتقال م
...
-
-اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة-.. داخلية السعودية تعلن إعدام
...
-
-نقل لاجئين سوريين من مساكنهم لإيواء أوكرانيين-.. مسؤول ألما
...
-
ألمانيا: انتقادات حادة لشركات خاصة تدير مراكز إيواء اللاجئين
...
-
آلاف من طالبي اللجوء غادروا ألمانيا طوعا بمقابل دعم مالي
-
إردوغان يعلق على مذكرة اعتقال نتانياهو من الجنائية الدولية
-
هيئة فلسطينية: إلغاء إسرائيل اعتقال المستوطنين يسهل جرائمهم
...
-
4 ملايين عائلة مهددة بالتفكك في الولايات المتحدة بسبب خطط تر
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|