|
الدولة البوليسية في نصف قرن
رضا عبد الرحمن على
الحوار المتمدن-العدد: 3287 - 2011 / 2 / 24 - 14:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذ نصف قرن تقريبا تعيش معظم البلاد العربية تحت وطأة وقبضة حكام مستبدون ظالمون فاسدون يلاحقهم العار والخزي في معظم أفعالهم ، هؤلاء الحكام استخدموا قانون الدولة البوليسية في التعامل مع الشعوب ، وقد يختلف تطبيق معنى الدولة البوليسية من بلد إلى آخر فقد يكون أمن الدولة هو الوسيلة ، وقد يكون جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الوسيلة المهم في النهاية هذه الدولة تتعامل مع الشعوب بعقلية وسياسية وقانون الدولة البوليسية ، ورغم نجاحهم في السيطرة على هذه الشعوب على مدى نصف قرن تقريبا تزيد في بعض الدول وتنقص في دول أخرى إلا أن المعظم استخدم نفس القاعدة ونفس القانون مع شعبه ، وكأن هؤلاء الحكام قد تخرجوا من مدرسة واحدة أو فصل واحد ، وأثبتوا أن قدوتهم ومرجعيتهم جميعا واحدة ، فهم من وجهة نظري خونة للشعوب من ناحية ، ومن ناحية أخرى عملاء ضد هذه الشعوب ويجب أن يحاكموا بالقانون على جرائمهم ضد تلك الشعوب ، وكل يوم تتكشف هذه الحقائق بانتشار نيران الثورات الشعبية في دولة تلو الأخرى ، لتحرر دولة من حاكم ظالم مستبد يخون ويسرق وطنه ويقتل أبناء شعبه.
وأخص بالذكر وطني مصر كنموذج واضح في تطبيق الدولة البوليسية ، التي سيطر عليها الحكم العسكري منذ ثورة 52، حتى 25 يناير 2011 و الإطاحة بحسني مبارك ، وهذه المدة الطويلة يجب أن ننظر إليها بشيء من التأمل والتركيز.
عاشت مصر في عهد ثلاثة رؤساء جميعهم ينتمون للمؤسسة العسكرية ، جميعهم يعمل بقانون الطوارئ ، جميعهم يؤمن بالاعتقال والقمع وإرهاب الشعب ، جميعهم يؤمن بنظرية (فرق تسد) ، نجح هؤلاء الحكام الثلاثة في السيطرة على البلاد هذه المدة بالقوة بمساعدة أجهزة الأمن (الشرطة) والبوليس السياسي وأمن الدولة والأمن المركزي ، وهذه الأجهزة ينفق عليها الشعب نفسه لتكون أداة لقمعه وإرهابه واعتقاله وتعذيبه ثم قتله إذا تطلب الأمر.
الرؤساء الثلاثة الذين حكموا مصر كانت نهايتهم كالتالي:
عبد الناصر ـ أفلت من محاولة قتله في ميدان المنشية ، ثم أشيع أنه مات بالسم ، ويقال أنه مات بسكتة قلبية.
السادات ـ لم يتعلم ، وسار على نفس الخط وكانت النتيجة موته قتيلا في المنصة يوم الاحتفال بنصر أكتوبر.
مبارك ـ أكثرهم فسادا وظلما وغباء لأنه لم يتعلم ، بل بالغ في الظلم والقهر والفساد والاستعباد ، وبالغ في توسيع معنى الدولة البوليسية ، وكانت النتيجة ثورة عظيمة اكتسب فيها لقب جديد هو (الرئيس المخلوع).
بالنسبة لدولة عبد الناصر والسادات رغم أنهما أقل جرما من دولة مبارك ، ورغم أن لهما بعض الانجازات التي لا يمكن أن ينكرها إنسان عادل ، إلا أنه لم تتوفر في عهدهما أسباب أو وسائل قيام ثورة حقيقية ضدهما كما حدث في يوم 25 يناير ، والسبب هو أن عبد الناصر كان يقيم نوعا من العدل الاجتماعي في الدولة بالإضافة لبعض إنجازاته ، والسادات كان يحاول فعل ذلك بالإضافة أنه أصبح بطل الحرب والسلام ، فكان هناك نوع من الرضا وقبول التجاوزات في عهديهما ، وكان المناخ الشعبي لا يسمح بقيام ثورة تطيح بأحدهما ، ولذلك تم قتل السادات نتيجة حادث شخصي مدبر.
أما مبارك المخلوع فلم يتمكن من قياس وتقدير الفوارق بين عصري عبد الناصر والسادات ، وبين عصره ، ولم يلمس التطور الحادث بين تلك العصور وبين العصر الحاضر ، لذلك أصر على الاستمرار في حكم البلاد بنفس الأسلوب ونفس الطريقة ونفس القانون ونفس العقلية ، متجاهلا كل التطورات الفكرية والعلمية وثورة الاتصالات التي حولت العالم إلى قرية كونية واحدة ، وبينما يسير العالم في هذا التطور الذي نجح الشباب المصري في مواكبته لحظة بلحظة ، لا يزال مبارك يحكم مصر بقاعدتين إحداهما قديمة وهي (فرق تسد) والثانية جديدة وهي (يقتل القتيل ويمشي في جنازته) ، وهذه الطريقة العبيطة والمتخلفة ظل يستخدمها الإعلام الحكومي المصري المنافق لمبارك ـ في أول أيام ثورة 25 يناير ، حين بدأ يكذب على الشعب لصالح مبارك ، وحين كان يعرض صورة لكوبري قصر النيل والمياه الهادئة في نفس اللحظة التي يقتل فيها بوليس مبارك وبلطجيته ـ شباب الثورة في ميدان التحرير ، لم يتعلم مبارك أي شيء رغم بقاءه في الحكم هذه المدة ، ورغم خبرته الطويلة سياسيا في الداخل والخارج ، لم يتعلم وأصر كل الإصرار أن هذا الشعب لا يمكن التعامل معه إلا بقانون الطوارئ ، وكانت النتيجة صحوة شعبية انتهت بخلع مبارك إلى الأبد غير مأسوفا عليه ، نهاية غير مشرفة لطاغية تم تشويه صورته كما قال نجله الأكبر حين عاتب نجله الأصغر.
من هنا أقول لكل الحكام العرب ـ الشعوب العربية ستكتب نهايتكم واحدا تلو الآخر ، لأنكم تصرون على أن تحكموا هذه الشعوب بعقلية الماضي ، وهذه الشعوب أبت إلا أن تعيش بين الحاضر والمستقبل.
أخيرا::
على المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته الحاكم الحقيقي للبلاد في هذه الفترة ـ أن يعلم جيدا أن شعب مصر وُلـِدَ من جديد ولن يسمح لأي إنسان مهما كان وضعه أن يعيد مصر لقانون الطوارئ أو الدولة البوليسية ، الشعب المصري تذوق طعم الحرية التي غابت عنه أكثر من نصف قرن ، وأعتقد أنه لن يسمح لأي مخلوق أن يحرمه من نعيم هذه الحرية ، هذه نصيحة في صورة رجاء وتمني فكروا جيدا حين تتعاملون مع المصريين من الآن الشعب المصري تعلم الدرس الشعب المصري استيقظ ، ولن ينام ـ وفي النهاية ــ للمجلس الأعلى للقوات المسلحة أقول تعظيم سلام..!!
#رضا_عبد_الرحمن_على (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة قروض الفقراء
-
لماذا تم توزيع هذا المنشور على إدارات الأزهر قبيل الثورة.؟
-
انتهى مبارك .. لكنه يريد تعذيب المصريين
-
أسباب تأييد بعض المصريين لنظام مبارك الفاسد
-
سن التقاعد (المعاش) وعلاقته بثورة الشباب
-
نظام يحتضر لذلك يدافع عن نفسه
-
قضية رغيف العيش
-
العلاج البديل لاستخدام العنف في التربية والتعليم ..
-
سلبيات العنف في التربية والتعليم
-
فتاوى وهابية تلبس ثيابا إسلامية .... عن أسباب الطائفية
-
لماذا لا ندفن الحيوانات الميتة..؟
-
فتاوى إسلامية في عصر الوهابية
-
جاهلية تقديس الجسد.... تحريم الدراما الواقعية
-
هل يجوز أن نحج أو نصوم عن الموتى .؟
-
جاهلية تقديس الجسد
-
لماذا تُغلق أبواب المساجد .؟
-
الإسلام انتشر ... فلماذا الخوف .؟
-
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمَّام
-
كيف يتعامل المسلمون مع خاتم النبيين عليه السلام...!!
-
د/ محمد عمارة يكتب عن ((حقيقة معنى النسخ في القرآن الكريم))
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|