أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - ساويرس .. الآخر !















المزيد.....

ساويرس .. الآخر !


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 982 - 2004 / 10 / 10 - 10:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لست أتحدث عن "ساويرس" الذى يجرى اسمه على كل لسان .. "نجيب" أو "سميح" أو "نصيف" .. النجوم الساطعة فى سماء "البيزنس" اليوم.
أتحدث – بالآحرى – عن "ساويرس" آخر .. لا علاقة له على الإطلاق بعالم المال والاعمال، ولا يتعامل فى البورصة ، ولا تهمه تقلبات سعر صرف الدولار.
إنه الأنبا ساويرس رئيس دير السيدة العذراء ، الشهير باسم دير "المحرق"، الكائن بمحافظة أسيوط بالقرب من القوصية فى صعيد مصر.
وهذا الدير ليس مجرد واحد من مئات الأديرة المنتشرة فى ربوع مصر، بل هو "دير الأديرة" إذا جاز التعبير . ويكفيه أنه كان فى الأصل ومنذ اكثر من ألفى عام بقليل ، الملاذ الذى لجأت إليه العائلة المقدسة واحتمت به لمدة 185 يوماً.
والعائلة المقدسة – كما هو معلوم – كانت مكونة من العذراء مريم وابنها الطفل يسوع والشيخ يوسف النجار وسالومى التى تعهدت بخدمتهم مدى الحياة . وقد بدأت هذه العائلة رحلتها الاضطرارية إلى مصر بسبب حنق هيرودس على الطفل يسوع وخوفه على ملكه من هذا المولود فسعى إلى التخلص منه بشتى السبل . وأمام هذه التهديد الوحشى بدأت رحلة العائلة المقدسة إلى مصر ليلاً تحت جنح الظلام ، وكانت رحلة شاقة، وسيلة مواصلاتها الوحيدة دابة هزيلة تعين عليها أن تقطع هذه المسافة الطويلة من فلسطين إلى مصر . وحتى بعد أن تمكنت العائلة المقدسة من الوصول إلى أرض الكنانة اضطرت إلى الانتقال من مدينة إلى قرية ومن قرية إلى نجع ومن مكان إلى آخر عابرة الفيافى والقفار حتى حطت الرحال أخيراً فى هذا المكان الذى يقع فيه الدير المحرق اليوم على سفح جبل قسقام الذى كان فى ذلك الزمان صحراء جرداء لا يسكنها أحد على الإطلاق. إلا أنه كان يوجد به بيت مهجور مبنى من الطوب اللبن وسقفه من سعف النخيل .. وفى خارجه من الجهة الشمالية يوجد بئر ماء.
فى هذا المكان مكثت العائلة المقدسة من الأثنين 7 برمودة الموافق 2 أبريل حتى الأربعاء 6 بابه الموافق 3 أكتوبر .. أى 185 يوماً بالتمام والكمال.
ولو أن هذه كانت هى الميزة الوحيدة لدير المحرق لأصبحت كافية لتجعله واحداً من أهم المزارات لملايين البشر من كافة الأديان. فهذا البيت المهجور الذى سكنه السيد المسيح وهو طفل مازال قائماً وأصبح مقر كنيسة السيدة العذراء الأثرية بالدير التى تعد بالتالى أقدم كنيسة فى العالم.
فما بالك وأن الدير يحتفظ بعدد من الأيقونات الأثرية ، ومنها أيقونة للسيدة العذراء الملكة وأيقونات التلاميذ التى ترجع للقرن التاسع عشر الميلادى، وأيقونة الصعود ( من القرن 19 الميلادى) وأيقونة السيد العذراء (القروية).
كما يوجد فى حرم الدير الحصن الأثرى القديم الذى يرجع تاريخه إلى القرن السادس الميلادى ، وبالقرب منه الكلية الأكليريكية ومعهد ديديموس للمرتلين ، وقصر الضيافة وهو مكان إقامة رئيس الدير وكبار الزوار من البطاركة والمطارنة والأساقفة ، وفيه مكتبة للمخطوطات الثمينة ، فضلا عن أربعة مبانى مخصصة لاستضافة الزوار محبى الدير، وحديقة جميلة يزرع بها بعض النباتات العطرية والنادرة الجميلة ، ووسائل خدمات للقاطنين فى الدير من الرهبان والزوار مثل صهريج للمياه العذبة وماكينة لرفع المياه ، وماكينة لتوليد الكهرباء لتغذية الدير بالكهرباء ( قبل توصيل الدير بشبكة الكهرباء العمومية فى أواخر السبعينات) وفرن للخبز ومخزن للغلال وحظيرة للبهائم وورش للنجارة والحدادة واللحام ومزرعة تصل مساحتها إلى 4000 فدان استصلحها الرهبان ويشرفون على زراعتها على مدار العام بصورة علمية.
وعندما وصلت إلى هذا المكان الذى يعطره عبق التاريخ شعرت بأنى أعود إلى بيت العائلة الكبير ، إلى جذورى ، إلى مصر التى كانت عبر العصور ملاذا للمضطهدين .. أنبياء ومفكرين وسياسيين.
ودهشت جداً كيف نتفنن فى إهدار هذه الكنوز الثمينة التى نمتلكها .
فكيف يكون بمصر هذا المكان الذى احتضن المسيح 185 يوماً ولا نحوله إلى مزار سنوى لملايين البشر من مختلف الأديان . وكيف يكون لدينا مسار رحلة العائلة المقدسة ونخفق حتى اليوم فى جعله مزاراً للإنسانية بأسرها وليس لملايين المسيحيين فى سائر أنحاء العالم فحسب.. بالضبط مثلما تحتضن مصر أضرحة كثيرة من آل بيت نبى الاسلام محمد (صلعم) ولا نعمل على اجتذاب عشرات الملايين من عشاقهم لزيارتهم والاحتفال بذكرى ولادتهم الأولى أو ولادتهم الثانية.
ودهشت أكثر لغفلة وزارات التربية والتعليم المتعاقبة ، فى مختلف العصور، وعدم تمتع اى منها بالحد الأدنى من الحساسية الذى يجعلها تضيف إلى مقررات التعليم الالزامى زيارات ميدانية يقوم بها تلاميذ كل المدارس إلى دير المحرق، وغيره من الأماكن التى تعطر الهوية المصرية وتعطيها عبقاً وعمقاً وتجانساً وتماسكاً وسماحة.
ودهشت اكثر وأكثر عندما تحققت بنفسى من الأثر الايجابى الفورى المذهل لمثل هذا التواصل الحى.
حدث ذلك عندما ذهبت مع وفد من نقابة الصحفيين يوم الخميس الماضى إلى دير المحرق. ورغم مشقة السفر بالأتوبيس (فما بالك بالمشقة التى تكبدتها العائلة المقدسة التى لم يكون أمامها سوى دابة هزيلة!)، ورغم أننا ذهبنا وعدنا فى نفس اليوم بما يعنيه ذلك من إنهاك لمن هم فى مثل عمرنا ، كانت الزيارة بلسماً للروح بكل ما فى الكلمة من معنى ، كما كانت غذاء للعقل. فقد شاء الزملاء الصحفيون أن ينتهزوا فرصة الزيارة لجعلها مناسبة للتذكير بأهمية رعاية شجرة الوحدة الوطنية وتعهدها بالرى والتغذية المستمرين.
البرلمانى العتيد جمال أسعد أمسك ببداية الخيط قائلا أن هذه الزيارة التى قام بها وفد نقابة الصحفيين هى الرابعة من نوعها ، وأن الطابع العام لها فى السنوات الثلاث السابقة كان طابع "المجاملة" ، والمجاملة مطلوبة ، لكنها لم تعد كافية خاصة مع بروز مناطق خطر تهدد الوحدة الوطنية . وأشار بوجه خاص إلى مؤتمر زيورخ الذى عقد مؤخراً لبحث ما يسمى بمشاكل الأقباط ، وأسفر عن صدور توصيات أخطرها المطالبة بنسبة معينة للأقباط فى الوظائف العامة والمقاعد البرلمانية . وقال جمال أسعد أنه إذ يرفض بشدة هذه التوصية التى سبق للجماعة القبطية نبذها عام 1923 ، فانه لا يستطيع أن يغض النظر عن وجود مشاكل حقيقية للأقباط يجب الاعتراف بها وعلاجها وعدم تركها معلقة وإبقائها ذريعة تستخدمها الأطراف الخارجية ، بما فيها أقباط المهجر ، للتدخل فى الشئون الداخلية المصرية .
الكاتب الصحفى والوكيل السابق لنقابة الصحفيين عبد العال الباقورى تحسر على الأيام الخوالى حين كان المسلم يرسل ابنه للتعلم فى المدارس القبطية ، والعكس بالعكس ، بينما انحسرت هذه الظاهرة الآن وحل محلها شكل من أشكال "الفرز" على الجانبين . كما تحسر على لجنتين أهليتين للدفاع عن الوحدة الوطنية أصابهما الخمول حالياً مطالباً بإحيائهما ، بل وإنشاء لجان للدفاع عن الوحدة الوطنية فى كل المحافظات . واختتم كلمته بالتأكيد على أن خلق الصراعات بين المسلمين والاقباط جزء من مخطط استعمارى يجب التصدى له.
الكاتب الصحفى المخضرم سيد الملاح أنحى باللائمة على ما أسماه بحقبة الانحطاط التى يمر بها المجتمع المصرى حالياً ، قائلاً أن عصور الانحطاط تظهر أسوأ ما فى المسلمين وأسوأ ما فى المسيحيين على حد سواء.
الكاتب الصحفى أحمد طه النقر ، شعلة النشاط والدينامو المحرك للعديد من المبادرات النقابية والوطنية ومنظم هذه الزيارة ، قال أن الاضطهاد لا يحتكره الأقباط ، بل هم يشتركون فيه مع المسلمين سواء بسواء ، مؤكداً أن الديموقراطية هى الحل لجميع المصريين على اختلاف دياناتهم . وقال أن جمعية حقوق المواطن التى تم إشهارها مؤخراً معنية بالدفاع عن الحقوق الدستورية لجميع المواطنين مسلمين ومسيحيين.
جورج اسحق الأمين العام للحركة الشعبية من أجل التغيير وضع يده على الجرح وعلى البلسم الشافى ، وهو المواطنة، بصرف النظر عن الدين .
الناقد والأديب الدكتور عزازى محمد عزازى طالب الأقباط بالخروج من الانغلاق إلى الانفتاح والمشاركة السياسية . وأعرب عن دهشته من الاكتفاء بنقد مشاريع الإصلاح المطروحة من الخارج دون التحرك لتفعيل مشاريع الإصلاح النابعة من الداخل.
الباحث عبد الخالق فاروق انتقد محاولات فرض وصاية المؤسسات الدينية – إسلامية كانت او مسيحية – على المجتمع وثقافته وعقله. وضرب امثلة من محاولات الأزهر لمصادرة كثير من الكتب ، ثم محاولات كنسية ظهرت مؤخراً لمصادرة أعمال سينمائية وتليفزيونية.
الدكتورة كريمة الحفناوى الناشطة فى مجال حقوق الإنسان ومقاطعة البضائع الأمريكية والاسرائيلية ضربت أمثلة شخصية على متانة نسيج الوحدة الوطنية وشددت على أن الديموقراطية هى الحل الجذرى ، وأن المواطنة هى طوق النجاة واختتمت كلمتها بعتاب قيادات دير المحرق لسماحهم ببعض المشروبات الغازية الأمريكية وناشدتهم مقاطعتها.
استمع الأنبا ساويرس إلى هذه الكلمات الساخنة ، والغيورة على الوحدة الوطنية التى هى الدرع الواقى للهوية المصرية والأمن القومى المصرى ، وبعد حسن الاستماع انتقل إلى حسن الكلام وحسن الختام ، فقال بالنص " إننا نعيش فى أمان دينى" و " لا أريد من أمريكا ان تساعدنى ولا أريد من أقباط المهجر أن يتكلموا عنى" .
واستطرد قائلا " نعم .. عندنا مشاكل .. لكن مصر قادرة على حل مشاكلها ".
ولم يفت الانبا ساويرس أن يعرب للوفد الصحفى عن ثقته فى الرئيس حسنى مبارك وإعجابه بهدوئه و "طول باله".
أما فطنته – فى هذه المناسبة التى غلب عليها طرح مشاكل الأقباط من الصحفيين المسلمين بالذات – فقد تبدت فى قوله بالنص فى ختام كلمته البليغة " إن مشاعرى مجروحة من جراء متابعتى لأنباء زملائنا فى العروبة الذين يستشهدون يومياً فى فلسطين والعراق".
هذه ليست مجرد جملة عابرة ، بل هى اشارة عميقة تحمل رسالة أظن ان الحبر الجليل أراد ان يبلغها لنا ومن خلالنا مفادها أن الهم الخاص لا يجب أن يكون على حساب الهم العام ، وأن الأقباط هم جزء لا يتجزأ من النسيج المصرى والعربى ، وأن مشاكل الأقباط – بالتالى – لا يمكن أن تحل إلا فى إطار الجماعة الوطنية المصرية .. والعربية .
وليت رسالة "ساويرس .. الآخر" تصل إلى المتطرفين على الجانبين .. المسلمين قبل الأقباط.



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يتطوع العرب لإنقاذ رقبة بوش فى العراق؟!
- الوطنى- وضع قدمه السياسية فى الجبس وقرر السير على ساق واحدة
- التليفـزيون المصرى رسـب فى امتحان الحـزب الــوطنـى
- !الحثالة السياسية
- الوصاية الأمريكية على الدنيا .. والدين !
- !سيادة الوطن .. واستعمار المواطن
- - كولن باول - منافـق .. لكننا لسـنا ملائكـة
- الطبقة السياسية اللبنانية تتنازل عن امتياز التغريد خارج السر ...
- الحجـاب الفــرنســـى .. والنقـاب الامـريـكـى
- -مقهى- ينافس وزارات الثقافة العربية فى فرانكفورت
- دروس للعرب فى الإصلاح .. من أمريكا اللاتينية 3-3
- (دروس للعرب فى الإصلاح .. من أمريكا اللاتينية (2-3
- (دروس للعرب فى الإصلاح .. من أمريكا اللاتينية (1-3
- الفلوس والثقافة العربية
- يوسف بطرس غالي.. وفتوي الفتنة
- ما هى الجريمة الكبرى التى تستدعى إطفاء أنوار العراق؟
- حزمة يوليو .. مجرد -خريطة طريق- لمنظمة التجارة العالمية
- !بلد المليون شهيد .. ومعتقل
- ثقافة البازار.. أقوي من مدافع آيات الله
- مـجمــوعـة الـ 15 تستـعـد لإحيــاء روح بانــدونــج


المزيد.....




- بكلفة مئات الملايين من الدولارات..ما أبرز اللحظات بحفل زفاف ...
- أردى بعضهم قتلى.. غموض بعد جريمة صادمة لأب أطلق النار على وا ...
- باكستان تعلن عن حصيلة القتلى والجرحى في الهجوم على مسجد بسلط ...
- Politico: نموذج السويد للتجنيد العسكري يجذب الدول الغربية وس ...
- يوم عاشوراء في مصر.. من المياتم والأحزان إلى البهجة وأطباق ا ...
- بايدن وترامب -مدمنان- على السلطة - صحيفة التايمز
- بيربوك تروج من السنغال للشراكة الأوروبية الأفريقية
- إعادة انتخاب المحافظة المالطية ميتسولا رئيسة للبرلمان الأورو ...
- لقطات من داخل سيارة -لادا أورا- يقودها بوتين أثناء تفقده طري ...
- حريق الغابات المميت يلتهم منطقة سياحية في إزمير غرب تركيا


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - ساويرس .. الآخر !