|
الامبريالية الاميركانو ـ صهيونية و-شبح الارهاب-: من سوف يدفن من؟!
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 982 - 2004 / 10 / 10 - 10:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
# ان الاتحاد العالمي، الاميركي ـ الصهيوني ـ "الاسلامي!!"، الذي ظهر بشكل صارخ في الحرب ضد التدخل "السوفياتي" في افغانستان، كان هو السبب الاساسي المباشر لانهيار المعسكر السوفياتي السابق والانتصار الاميركي في ما يسمى "الحرب الباردة". وفي برنامج بثته مؤخرا القناة الفضائية "العربية"، حول الحرب السوفياتية ـ الافغانية، جاء على لسان جندي "سوفياتي" سابق: "عندما كنا نهاجم منطقة معادية معينة، كان رؤساؤنا يقولون لنا اننا سنجد هناك "الاميركيين". ولكننا لم نكن نجد اميركيين، بل اناسا عاديين. ومع ذلك كنا نقتل كل شيء حي، بمن في ذلك النساء والاطفال. وفي اليوم التالي كنا نجد ان الناس "انفسهم" ينبتون من جديد، وكأن شيئا لم يكن". وهذا يعني ان الجيش الاحمر العظيم، الذي انتصر في حينه على التنين الهتلري ذاته، قد جرى الانتصار عليه هو نفسه على يد "شبح"، يسمى الان من قبل الاميركيين والصهاينة انفسهم "الارهاب الدولي"، "الاسلامي!!" و"العربي!!". # منذ ما قبل 1898 (تاريخ انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي الاول في مدينة بال السويسرية)، وما قبل 14 ايار 1948 (تاريخ اعلان الدولة العنصرية اسرائيل)، والصهيونية العالمية واسرائيل "يناضلان" من اجل "انقاذ" اليهود المضللين من "الغيتو"، بالمعنيين الواقعي ـ الحرفي، والنفسي ـ الاخلاقي. ولهذا الهدف "العظيم"، فإن الجيش الاسرائيلي (الذي يستند الى اضخم امبراطورية مالية عالمية، والذي بحوزته التكنولوجيا الحربية الاميركية الاكثر تطورا والاكثر فعالية) يقوم كل يوم بقتل واصابة عشرات، مئات والوف الناس العاديين، الذين يسمون عربا او فلسطينيين، بهدف القضاء على ما يسمى "الارهاب". ولكن العرب والفلسطينيين لا يزالون موجودين، وهم يتكاثرون (وقد اخذت اسرائيل تخشى، وليس عبثا، من "القنبلة السكانية" حتى للعرب ـ "حاملي الجنسية الاسرائيلية"). وقد بدأت اسرائيل الان في بناء الجدار العازل، حول نفسها، الذي يمتد مئات الكيلومترات، حتى تحمي نفسها من "شبح الارهاب". وهذا يعني في الواقع ان جميع الوعود "الانقاذية" لليهود المضللين قد ذهبت ادراج الرياح، وان الصهيونية واسرائيل، في نهاية المطاف، لم يفعلا شيئا سوى ان يبنيا، فوق جماجم وعظام الاطفال والنساء والرجال الفلسطينيين، غيتو "يهودي!" كبير، ليس هو اي شيء آخر سوى قبر جماعي معنوي للجمعة الشوفينية ـ الدينية، المسماة ديماغوجيا "الشعب اليهودي". ولا يوجد احد، مطلق احد، يمكنه ان يضمن انه في احد الايام لن يتحول هذا الغيتو الى قبر جماعي بالمعنى الجسدي ايضا. اما "الشبح" فيبقى، امام وخلف الجدار! وهذا ما يدفع الى الجنون اكثر فأكثر، العصابات الصهيونية، بقيادة الجزار الفاشستي شارون، التي تقتل اكثر فأكثر من الفلسطينيين، بالاسلحة الاميركية والمباركة الاميركية، ولكن بقدر ما تقتل اكثر، بقدر ما يصبح "الشبح" اكبر! # لا تزال الولايات المتحدة تعيش في جو الصدمة، التي تعرضت لها بفعل عملية 11 ايلول 2001. وحينها وقف العالم بأسره مذهولا امام هول الخسائر البشرية والمادية، الناجمة عن هذه الضربة المفاجئة، والتي ذهبت بحياة أناس ابرياء، بلغ تعدادهم عدة الاف، حسبما اعلنته السلطات الاميركية. وحسب المعلقين، فإن هذه العملية قد فاقت في "ارهابيتها" احراق الرايخستاغ الالماني سنة 1933، من قبل الهتلريين، بهدف تشديد قبضتهم على المانيا استعدادا للحرب. كما فاقت، في غدريتها وفي عدد ضحاياها البشرية، الهجوم الياباني المفاجئ الذي اغرق الاسطول الاميركي في بيرل هاربر في 1941، وهو ما كان سببا مباشرا لجر الولايات المتحدة الاميركية الى الحرب العالمية الثانية. هذه الضربة المفاجئة، التي ستؤرخ بها بداية القرن الواحد والعشرين، جرى تشبيهها بالزلزال. وقد اجمع المحللون من مختلف الاتجاهات ان التاريخ السياسي لاميركا بشكل خاص، ومن ثم للعالم اجمع، بعد هذا اليوم، لن يعود بأي شكل من الاشكال الى ما كان عليه قبله. وتتقاطع في هذه المجزرة عدة ابعاد لا ينفصل بعضها عن بعض. ولكن من خلال تحليل موضوعي يمكن تلخيص هذه الابعاد في اثنين اساسيين: ـ البعد العملاني المركب، المتمثل في الحوافز، الاهداف والنتائج، الستراتيجية، السياسية والاقتصادية. ـ والبعد الاوسع، والاهم، ونعني به البعد الانساني، الاخلاقي ـ السياسي. السؤال! وبالتالي، فإن "الشبح" قد اجتاز المحيط، وهو حاليا يأوي في حضن اميركا، القلعة الرئيسية والقوة القائدة للرأسمالية العالمية. ومنذ اللحظات الاولى تركز اهتمام العالم كله حول محاولة معرفة الجهة (او "تفاهم" الجهات) التي قامت بهذه المجزرة في 11 ايلول 2001. وبالجواب على هذا السؤال سوف يتعلق تحديد خط المسار العام للاحداث العالمية القادمة، التي اخذت تتمحور، ايجابا او سلبا، مباشرة او غير مباشرة، حول السياسة الدولية لـ"القطب الاوحد" الاميركي. بعد مرور كل هذا الوقت منذ ذلك التاريخ، والضباب الذي تحاط به احداث 11 ايلول 2001، من الواضح ان معرفة الجهة، او الجهات، الرئيسية والحقيقية، التي تقف خلف المجزرة، ليست شيئا بسيطا. والافتراضات هي كثيرة ومتعارضة: ـ فإما ان الادارة الاميركية لا تعرف بعد "العنوان الصحيح الاخير"؛ ـ واما انها تعرف، ولكنها لا تقول كل ما تعرفه، لاعتبارات تتعلق بـ"معركتها" ضد "الاعداء" الحقيقيين او المفترضين. ـ واما ان كل هذا السيناريو، اي المجزرة والتعتيم عليها، ليس شيئا آخرا سوى تعبير عن صراع اميركي داخلي، تشارك فيه، او جرت لكي تشارك، قوى خارجية؛ او هو صراع لقوى دولية، دول او مجموعات دولية، تشارك فيه، او جرت لكي تشارك، قوى داخلية اميركية. ولكن اذا صدقنا، كما تريدنا "البروباغاندا" الاميركية ان نصدق، ان "الارهاب الاسلامي"، و"الارهاب العربي"، وبصورة اكثر تحديدا "البنلادني"، قد وصل الى هذه الدرجة من القوة والاتقان، بحيث يستطيع تنفيذ مثل هذه العملية "الارهابية" بهذا التنظيم الاستثنائي والقدرات على التنفيذ، مما يكشف وجود "اختراق في عمق" بنية النظام الاميركي، فهذا يعني حدوث انقلاب حقيقي في الستراتيجية الدولية. وهذا يجعل السؤال عن "العنوان الحقيقي الاخير" لـ"عين الاخطبوط" او "مركز الارهاب الدولي" سؤالا عاما، غائما وصعبا. ولا يمكننا الاقتراب من الجواب عن هذا السؤال الا عبر متابعة السياسة الاميركية، وردود الفعل ضدها، والاحداث الدولية المرتبطة بها، خلال السنوات وحتى العقود القادمة. وبكلمات اخرى، فإننا ايضا امام "الشبح"، ولكنه يظهر هذه المرة من الجانب الاخر "المحمي" للمحيط، او من الجهة الاخرى "البراقة" لمدالية النظام الرأسمالي العالمي. القرابين البشرية بقدر ما هو مهم الاقتراب من الجواب عن السؤال المطروح آنفا، ينبغي اولا ان ننظر الى البعد الانساني لهذه المجزرة: اولا ـ بسبب الاهمية القصوى للقضية الانسانية بحد ذاتها. وثانيا ـ لان اعطاء الاهتمام الكافي لهذه القضية يساعد على ايجاد الجواب. ومن زاوية النظر هذه ينبغي ان نلاحظ انه امام المراقب الموضوعي تتأكد اكثر فأكثر حقيقتان: الاولى، ان "مهندسي" هذا "الزلزال"، لكي يختاروا بالضبط مثل هذه الاهداف، ولكي ينجزوا هذا الفعل بمثل هذه البرودة الدم والتخطيط الستراتيجي والتقني المتفوق، والدقة والاهلية، لم يكونوا ينطلقون من ردة فعل، ولم يكونوا يهدفون فقط وببساطة الى "الانتقام"، "القتل" و"التخريب"، كهدف بحد ذاته. والمنطق يقول انه كانت لهم اهداف ستراتيجية محددة، تتجاوز كثيرا ردة الفعل، مهما كانت عنيفة. ان هؤلاء "المهندسين" قد استخدموا الصدمة، الناشئة عن البعد الانساني المرعب للضربة، كأداة او كعامل مساعد، للوصول الى اهدافهم الستراتيجية. الثانية، ان الشعب الاميركي قد عبر بصدق عن فظاعة المصيبة التي حلت به، والتي قتل فيها عدد كبير من الضحايا الابرياء. وهو قد وجد التعاطف الصادق من جانب جميع الشعوب، وعلى رأسها الشعوب العربية والاسلامية، التي تعاني الامرين من الارهاب الامبريالي والصهيوني المتمادي. ولكن، من الجهة المقابلة، فإن الادارة الاميركية الحالية، والطبقة الاحتكارية والصهيونية الحاكمة التي تقف خلفها، ومن خلال مسلكها الخاص، من الصعوبة "اتهامها" بالتعاطف مع الضحايا المدنية الاميركية وغيرها. فهذه الادارة قد تعاملت حتى الان مع "الاعداء" و"الاصدقاء" بطريقة تؤكد معها ان الهدف الرئيسي الذي يهمها هو ضمان المصالح الامبريالية ـ الصهيونية، وفرض الهيمنة الاحادية الاميركية ـ الصهيونية على العالم. وحينما يحسب البعض ان "مجزرة 11 ايلول 2001" قد تسبب بها "عدو خارجي"، وانها كانت "ضربة خاصة" موجهة الى صميم هذه المصالح والهيمنة، فإن البعض الاخر يحسب ان الضربة ليست شيئا آخرا سوى عملية "خاصة" مفتعلة، هدفها تظهير وتأكيد هذه المصالح والهيمنة. وفي كلتا الحالتين من الواضح ان الادارة الاميركية هي ايضا قد استخدمت وتواصل استخدام الضحايا الاميركيين الابرياء كـ"قميص عثمان"(1)، اي كذريعة للوصول الى اهدافها الستراتيجية والعملانية. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ (1) عثمان بن عفان، الخليفة الثالث بعد النبي محمد، وقع ضحية الاغتيال، اثناء تأديته الصلاة. وقد لجأ بعض انصار الوالي معاوية (الذي اصبح بالتالي الخليفة الخامس ومؤسس الدولة الاموية) الى رفع قميص عثمان الملطخة بالدماء، مستخدمين اياها كذريعة لاتهام انصار الامام علي (الخليفة الرابع)، بأنهم هم من قام بالاغتيال. وكان هدف هذه المناورة هو الوقوف ضد سلطة الامام علي. وقد اصبحت عبارة "قميص عثمان" مثلا عربيا في مناسبات ومناورات سياسية مشابهة. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ وهاتان الحقيقتان تبرهنان انه في هذه المأساة الانسانية ايضا، فإن الضمير الاجتماعي يصاب بالذهول مرة اخرى امام ظاهرة استخدام الكائن البشري وحقه الطبيعي في الحياة كـ"رهينة سلبية"، وذلك اما حينما يجري التضحية به، او يستخدم كمادة للمساومة، او في افضل الحالات لا يقام له اي اعتبار ولا يحسب له اي حساب. وهذه المجزرة بضخامتها، فظاعتها ولاانسانيتها، وبالرغم من انها تحدث لاول مرة في اميركا، التي كانت بعيدة ومحمية حيال مثل هذه المخاطر "الخارجية(!)"، ليست اول عملية ارهابية، مجزرة او كارثة اجتماعية، التي تهز الضمير الانساني، والحياة السياسية بأسرها للمجتمع العالمي. فبها لا تبدأ، بل تتكرر مرة اخرى احدى الاف الحلقات من سلسلة المآسي الانسانية، الاجتماعية والقومية، المعروفة جيدا في التاريخ القديم والحديث، في مختلف القارات والبلدان: في فيتنام، صربيا، ألمانيا، اميركا اللاتينية، جنوب افريقيا، الجزائر، فلسطين، لبنان، ايران، الكويت، العراق وغيرها. وهذه المجزرة لا تختلف عن غيرها من المجازر المشابهة سوى في انها وقعت في او ضد اميركا بالذات. وكل هذه الضجة العالمية "الاستثنائية"، ولا سيما على الصعيد الرسمي، ضد العنف والارهاب، قد ارتفعت ليس كحملة ضد العنف والارهاب بحد ذاته، وانما لارضاء وممالأة اميركا، اخذا بالاعتبار المكانة "المميزة" التي تستفيد منها في النظام الدولي الراهن، القائم على التمييز بين البلدان والشعوب، وتحديد الناس كأعلين وأدنين، حتى في الموت والمآسي والكوارث. الذرائعية بعد المجزرة فورا، اصدرت الادارة الاميركية عدة "لوائح اتهامية" جاهزة او نصف جاهزة، على رأسها "رؤوس الارهاب": الشيخ أسامة بن لادن، منظمة "القاعدة" وحركة "طالبان". وبدأت الحرب ضد افغانستان، تحت عنوان "حملة صليبية جديدة" لاجل "النضال ضد الارهاب". وقد جرى حرفيا حراثة الجبال والارض الافغانية بالصواريخ والقنابل الافظع، الاثقل، و"الاذكى"، الكيماوية والبيولوجية ـ من آخر "ماركة" لـ"الحضارة الهنتنغتونية". وبنتيجة هذه "المساعدة الاميركية غير الارهابية"، للشعب الافغاني، فإن عشرات الالوف من الناس العاديين جرى تمزيقهم وسحقهم بشكل تحولوا معه حرفيا الى اسمدة عضوية للارض الافغانية، من اجل زراعة مواسم جديدة من الافيون لمصلحة الكارتيلات الاميركية. كما جرى توقيف عشرات الالوف الاخرين من الناس العاديين وتقييدهم كالحيوانات المتوحشة، كي تطبق عليهم "الدمقراطية الاميركية" (المرادف الاخر، المعاصر، "الحضاري" لـ"الهولوكوست الهتلري")، وقد جرى تكديسهم في الكميونات كالنفايات او الخامات المستعملة، وبطريقة مات فيها معظمهم تحت الضغط وبسبب نقص الاوكسجين. وبضع المئات من "المحظوظين" الذين بقوا احياء بأعجوبة، سيقوا الى قواعد الاحتلال الاميركية "الحضارية"، وفي الاخير اقتيدوا، وهم مقيدون كليا بالسلاسل، الى القاعدة الاميركية في غوانتنامو في كوبا. ومع كل ذلك فإن الشيخ بن لادن ذائع الصيت لم يتم العثور عليه. ولكن بالرغم من هذه الحملة تطهير الاميركية الماحقة، فإن الناس العاديين في افغانستان عادوا فنبتوا من جديد في جبالهم واراضيهم. وعاد "الشبح" من جديد، كظل مرتبط داخليا، ولكن لا يمكن الامساك به، للاحتلال الاميركي! بعد ذلك بدأت تتوالى "لوائح" و"تلميحات" جديدة، لاطراف ودول جديدة، على رأسها دول ما سمي "محور الشر": العراق (العربي)، ايران (الاسلامية) وكوريا الشمالية (الشيوعية). وتمت مهاجمة واحتلال العراق ايضا، تحت الشعار نفسه، اي " محاربة الارهاب"، الذي اعطي مدلولات جديدة، من بينها التخلص من "اسلحة الدمار الشامل"، التي لم يتم حتى الان "العثور" عليها، او التي لا يراد ان "يعثر" عليها، و"تحرير" العراق من النظام الدكتاتوري السابق، واستخدام الاحتلال العسكري لاخضاع الشعب العراقي الابي لارادة المحتلين القادمين من وراء المحيط والدائرين في فلكهم وخدمهم. وكل هذا يعتبر وسيلة "انسانية"، "مشروعة" و"فاضلة" لاقامة ما يسمى "دمقراطية". لقد انهار النظام الدكتاتوري السابق كقلعة رملية؛ وتم القبض على صدام ذاته وقتل ابنيه؛ ونصب عملاء اميركا واسرائيل، "الاكراد" و"العرب"، على السلطة في بغداد العظيمة، رغم انف غالبية الشعب العراقي والامة العربية؛ وبدأت الفرامة العسكرية الاميركية "الدمقراطية" و"الحضارية" عملها على الفور: حيث يجري يوميا قتل وجرح واصابة بالعاهات لعشرات ومئات والوف المواطنين العراقيين العاديين: اطفال، نساء ورجال، وتحت الذريعة نفسها: تصفية الارهابيين، القبض على والتخلص النهائي من "بن لادن"، "الزرقاوي" وشركاهما. ولكن هناك حيث تسقط الصواريخ والقنابل الاميركية الضخمة و"الذكية"، ويستشهد عشرات ومئات المواطنين المدنيين، ينبت دائما ألوف وألوف المواطنين الاخرين، وغالبا ما ترفع احدى الامهات او احد الآباء طفلهما القتيل صارخين: "اهذا هو بن لادن؟؟ اهذا هو الزرقاوي؟؟ الموت لاميركا!!". وحينما هاجمت قوات "حفظ السلام" الاميركية مدينة النجف، اقدس مدينة لدى المسلمين الشيعة، وسقط الشهداء قرب ضريح الامام علي، الذي استشهد قبل 14 قرنا، سارت في بيروت مظاهرة من 500 الف شخص يلبسون الاكفان البيضاء، كعلامة احتجاج حاسم واستعداد للنضال ضد اميركا حتى النصر او الشهادة. والادارة الاميركية ولا سيما الاجهزة الخاصة الاميركية تعلم جيدا ان الغالبية الساحقة من هؤلاء الناس ليسوا ارهابيين وليسوا متطرفين، بل هم اناس عاديون تماما يرفضون ان يكونوا هدفا وفئران تجارب للفرامة الاستعمارية الاميركية ـ الاسرائيلية. ومرة اخرى نحن امام "الشبح"، الصعب الامساك به، الذي اصبح يجول من نيويورك الى جبال افغانستان، مرورا بـ"الغابات البشرية" في العراق، فلسطين، لبنان، سوريا، وجميع البلدان العربية والاسلامية الاخرى، وفي كل مكان في العالم حيث يوجد مستعبدون ومظلومون وأناس حقيقيون يحترمون كرامتهم الانسانية! حفار القبور # ان هذه السياسة الاستعمارية، تحت الشعارت "التحريرية" و"الانقاذية" ليست شيئا جديدا في المسلك الاستعماري الغربي حيال الشرق. في الماضي جاء "الصليبيون" بحجة انقاذ قبر السيد المسيح من ايدي "الكفار الاشرار"، ومن ضمنهم المسيحيون الشرقيون والعرب. كما قام نابوليون بغزوته في الشرق العربي، وحاول احتلاله واستخدامه كقاعدة رئيسية ونقطة انطلاق للسيطرة على العالم، تماما كما اراد ان يفعل هتلر حينما ارسل رومل الى شمالي افريقيا العربية، وكما تريد ان تفعل اليوم اميركا. وبما ان نابوليون لم يكن "صليبيا" من الوجهة الايديولوجية، بل معاديا للكنيسة، فقد جشم نفسه عبء لبس العمامة والجبة الاسلاميين، كأي شيخ دجال، لاجل اغراضه الاستعمارية، وايضا تحت شعارات "التنوير" و"التحرير" من انظمة الاستبداد الشرقي، المتجسدة في المماليك، احمد باشا الجزار واشباههم. وقد فشلت الحملة الشرقية لنابوليون(وهتلر) في وقتها، ولكنها اسهمت في زعزعة النظام الاستبدادي العثماني، وهو ما يساعد حتى اليوم على تضليل الكثيرين حول الحقائق الاساسية للتعامل الامبريالي الغربي مع الشرق. ولكن التاريخ يؤكد ان سياسة التوسع الاستعمارية وبالرغم من جميع الشعارات "الحضارية" و"الدمقراطية" الكاذبة، لم تكن شيئا آخرا سوى استعمارا وامبريالية، ودائما كانت تهدف الى شيء آخر ، يختلف تماما عن "التنوير" و"التحرير" و"التطوير" و"الدمقرطة". ان هذه السياسة بالذات هي الاساس للهيمنة العالمية، النزاعات الدولية والحروب الاستعمارية، لاضطهاد البلدان الفقيرة والشعوب الضعيفة، واخيرا بالطبع لردة الفعل التاريخية، المتمثلة في الثورات وحروب التحرير. واليوم، فإن سياسة استخدام "التحرير الاميركي" و"السلم الاميركي" و"الدمقراطية الاميركية" كأدوات لفرض "الهيمنة الاميركية ـ الصهيونية" انما تقوم ايضا على سلسلة من النزاعات الاقليمية والدولية المفتعلة، التي بالكاد يمكن لاي بلد، وبالاخص اميركا، ان ينجو من تبعاتها ونتائجها. ومن الصعب التنبؤ كيف ستتطور لاحقا تبعات ونتائج هذه السياسة، اين، متى، وكيف ستنتهي. # في زمن الصراع الثنائي بين المعسكرين: الرأسمالي بزعامة اميركا، و"الاشتراكي" بزعامة الاتحاد السوفياتي، كان يمكن، وبالرغم من صعوبة ذلك، القيام بتحاليل "علمية" و"منطقية". اما الان، حينما يجري الصراع الثنائي بين الامبريالية العالمية الاميركانو ـ صهيونية وبين (الاصعب على الامساك به من "الشبح الشيوعي") "شبح الارهاب" ، ولا سيما "العربي ـ الاسلامي"(؟؟!!)، يمكن فقط التكهن: # ان عائلة بن لادن، وجماعة صدام حسين، وأمراء النفط واشباههم، كانوا وسيبقون اصدقاء شخصيين، وشركاء الخ، لعمالقة المال والنفط وغيرهم من العمالقة في الغرب عامة، وفي الولايات المتحدة خاصة. ومن بين الامثلة الكثيرة: 1ـ الان، حينما يجري "البحث" عن الشيخ اسامة بن لادن، حيا او ميتا، في كل سنتيمتر مربع من الكرة الارضية، فإن افراد عائلتي بوش وبن لادن يبقون من اقرب و"اوفى" الاصدقاء على المستوى العائلي والشخصي معا. 2ـ ان نائب الرئيس ديك تشيني، احد صقور الادارة الاميركية والد اعداء "الارهاب"، كان موظفا لدى احدى العائلات النفطية السعودية. من ذلك يمكننا ان نقوم بالاستنتاج المنطقي ان "شبح الارهاب" ليس شيئا آخرا سوى احدى ظاهرات الامبريالية الاميركانو ـ صهيونية في عصر نزوعها نحو الهيمنة العالمية، الكونية. # ان "البنلادنية" كانت صنيعة مباشرة للاجهزة الخاصة الاميركية. وفي فترة "شهر العسل" بين اميركا والبنلادنية والطالبانية، اتسعت تجارة الافيون الى درجة كبيرة، وكانت افغانستان تتهم بأنها اكبر مزرعة لهذه النبتة السامة. اما بعد سحق الطالبانية تحت الضربات "الحضارية" للاحتلال الدمقراطي الاميركي، التي كان من نتيجتها وقوع افغانستان تحت السيطرة التامة المباشرة لـ"المرسلين الجدد" للحضارة، فإن المنتوج الافغاني من الافيون قد ارتفع 14 ضعفا (فقط!)، اما تجارة الافيون فـ 100 ضعف. # كان صدام حسين بمثابة الطفل "الشرير" ولكن المدلل للامبريالية الاميركية (وهذا ما يسكت عنه الان ويتظاهر بـ"نسيانه" "الشيوعيون" العراقيون السابقون (من نمط المرتد فخري كريم)، الذين اصبحوا مساعدين عديمي الشرف للمحتلين ولمستعبدي شعبهم الخاص). وكان الاميركيون قد استخدموا النظام الدكتاتوري لصدام حسين من اجل سحق المعارضة الوطنية والاسلامية والدمقراطية والكردية؛ ومن اجل الوقوف بوجه الثورة الاسلامية المعادية للامبريالية في ايران؛ واخيرا لا آخرا كفزاعة للانظمة "النفطية" التقليدية في الخليج وابقائها تحت سيطرة النفوذ الاميركي. وقد قام الاميركيون والانظمة النفطية بتسليح نظام صدام حسين حتى الاسنان (بما في ذلك الاسلحة الكيماوية)، وبتمويله حتى التخمة، من اجل ان يحارب ايران، الاكراد والمعارضة الشيعية. والاميركيون انفسهم (من خلال السفيرة الاميركية السابقة في العراق: السيدة غلاسبي) هم الذين "لمحوا" لصدام حسين بالاستيلاء على الكويت كجائزة!! حينذاك كان سعر برميل النفط حوالى 8 $. اما في السوق السوداء فكان حوالى 5 $ فقط. والان، بعد "الانتصارات" الاميركية على المحمي الاميركي السابق، والسيطرة الاميركية الكاملة على العراق (عبر الجزارين الصداميين الصاغرين وغير الطموحين، امثال "رئيس الوزراء" الحالي للعراق أياد علاوي)، فإن سعر برميل النفط قد ارتفع 10 اضعاف وتجاوز رقم 50 $. وبالمزيد من مثل هذه "الانتصارات" هل يمكن لاحد ان يضمن ان سعر النفط لن يرتفع ايضا 10 اضعاف، ويصل الى 500 $ ؟؟ وماذا يسحدث حينذاك؟؟ ومن الذي سيهزم: الاحتلال الاميركي، او "شبح الارهاب"؟؟ وعلى العموم، كيف سيبدو مستقبل النظام الرأسمالي في مثل هذا الوضع؟؟ وفي الختام نستنتج ان الامبريالية (بما فيها الاميركية) والعنصرية (بما فيها الصهيونية) و"شبح الارهاب"، هي، بشكل مباشر او غير مباشر، وبمدلول "ايجابي"ـ فعال، او "سلبي"ـ رد فعلي، نتاجات خالصة للنظام الرأسمالي، في مرحلته الاحتكارية. وفي البحث عن السؤال المطروح آنفا، عبر الوضع التاريخي (وبالرغم من "شيوعية!!" ميخائيل غورباتشوف، و"اشتراكية!!" شمعون بيريز، طوني بلير، وخافيير سولانا، و"حضارية!!" صموئيل هنتنغتون، و"الهندسة الكونية" لزبيغنيو بريجنسكي)، ليس بدون فائدة ان نتوجه ايضا الى "الشيخ" كارل ماركس، اعظم محلل للرأسمالية، الذي قال وبرهن ان الرأسمالية تخلق حفار قبرها الخاص! ولكن بعد انهيار النظام السوفياتي وما كان يسمى لفظيا "دكتاتورية البروليتاريا"، ينبغي ان نسال "من جديد!": ـ من سيكون الحفار "الجديد!" لقبر الرأسمالية، أصل كل الشرور الانسانية؟! بحسب مسلك الولايات المتحدة وصراعها الثنائي مع "الشبح"، غير الشيوعي هذه المرة؛ وبحسب الخط الصاعد "الحضاري" لتجارة الافيون الافغاني؛ وبحسب الخط الصاعد الحرج "ماليا، اقتصاديا، نفسيا واجتماعيا" لسعر النفط، يمكننا، ولو كتكهن، ان نجيب: ـ ان الرأسمالية ذاتها هي حفار قبر الرأسمالية!! والامبريالية الاميركية، والصهيونية، و"شبح الارهاب"، كظاهرات مختلفة، ولكنها مرتبطة فيما بينها، منبثقة عن الرأسمالية، ستتبادل فيما بينها الخدمات، ويدفن بعضها بعضا! ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ *كاتب لبناني مستقل مقيم في بلغاريا.
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق على طريق -اللبننة- الاميركية!
-
أضواء على انشقاقات الستينات في الحزب الشيوعي اللبناني: الاضا
...
-
مؤامرة اغتيال فرج الله الحلو
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|