أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - محمد باسل الطائي - أزمة الفيزياء المعاصرة















المزيد.....

أزمة الفيزياء المعاصرة


محمد باسل الطائي

الحوار المتمدن-العدد: 3285 - 2011 / 2 / 22 - 23:59
المحور: الطب , والعلوم
    


أعني بالفيزياء المعاصرة ذلك النتاج العلمي النظري الذي بدأ مطلع القرن العشرين ومثَّلته نظرية النسبية بقسميها الخاص والعام ونظرية الكم ومن ثم نظرية المجال الكمي ونظرية الجسيمات الأولية ومحاولات ايجاد نظرية مجال موحد أو ما يسمى جزافاً "نظرية كل شيء" Theory of everything.
السؤال الأول الذي يطرح نفسه هنا: هل الفيزياء حقاً في أزمة؟ ونعرف الاجابة إذا ما استعرضنا واقع الفيزياء المعاصر ثم حاولنا الحكم من خلاله على ما إذا كانت هنالك أزمة أم لا؟
ولكي نتمكن من ذلك فلابد لنا من أن نستعرض ولو على نحو مختصر ومركّز تاريخ الفيزياء في القرن العشرين والتي تسمى الفيزياء الحديثة. ونظرا لأن جمهور هذه الندوة يضم عددا كبيرا من المهتمين بالعلم ومشاكل العلوم من غير المختصين، فإنني سأحاول تقديم المادة العلمية على نحو مبسط بلغة مفهومة من المثقف العام دون الولوج قدر الامكان إلى جوانب تخصصية صرف.
سابدأ بظهور نظرية الكم. فقد توالت الاكتشافات مع بداية القرن العشرين في حقل المادة والطاقة، بدأت مع مشكلة عدم إمكانية تفسير تصرف الاشعاع الحراري بضوء النظرية الكهرومغناطيسية لماكسويل. إذ تبين أن كثافة الاشعاع لا تتصرف كما تتوقع نظرية ماكسويل. ولما كان من المعروف أن الوصف الماكسويلي للطاقة وطريقة انتشارها يقوم على الوصف الموجي فقد كان البديل الآخر هو القول بالوصف الدقائقي. وهكذا فعل ماكس بلانك الألماني إذ افترض أن الطاقة تنبعث وتمتص على شكل رزم سميت لاحقا الفوتونات وباستخدام التوزيع الاحصائي تمكن بلانك من وضع معادلة توزيع الشدة بما يتوافق مع النتائج التجريبية. في الوصف البلانكي الطاقة تتصرف كدقائق وليس كأمواج.
ثم كانت مشكلة تفسير الأطياف المنبعثة عند تسخين المعادن والمركبات الكيمياوية فقد لاحظ الفيزيائيون وجود خطوط براقة ومعتمة في طيف المواد. وحينما درسوا الأطوال الموجية لهذه الخطوط وجدوها تتابع وفق سلاسل رقمية عجيبة تكشف عن انتظام على درجة عالية من الدقة. فرغم أن ذرات المادة موزعة عشوائيا على الأغلب لكن الطاقة تنبعث منها على نحو غاية في الإنتظام.
وهذا ما دعى إلى البحث في بنية الذرة.
كان ثمسون قد اكتشف نهاية القرن التاسع عشر أن الذرات تحتوي جسيمات سالبة ولما كانت الذرات متعادلة بالضرورة فلابد أنها تحوي جزء موجبا أيضا يعادل شحنة الألكترونات وقدر ثمسون أن تكون الذرة مؤلفة من مادة موجبة تنغرز بها الألكترونات السالبة كما تنغرز حبات الفستق الحلبي بالحلوى.
لكن ما هو حجم الذرة؟
كان الكيميائيون قد حسبوا حجم الذرة وقدروا قطرها أنه يساوي 1 أنكستروم وذلك يعدل 1/100 مليون جزء من السنتيمتر. لذلك تصور ثومسون أن الجزء الموجب في الذرة هو بهذا القدر.
لكن اللورد رذرفورد البريطاني أراد أن يتأكد من ذلك عمليا لذلك صمم تجربة، عرفت باسمه لاحقا، وجد من خلالها أن قطر الجزء الموجب (النواة) لا يشغل من الذرة إلا جزءً صغيراً جداً قطره 1/10000 من قطر الذرة نفسها.
هنا برزت مشكلة: كيف للألكترونات السالبة أن تبقى إلى جوار النواة الموجبة دون أن تتحد بها إذ الشحنات المختلفة تتجاذب.
قالوا: لا بد أن الألكترونات تدور حول النواة الموجبة كما تدور الكواكب حول الشمس.
لكن النظرية الكهرمغناطيسية تقول أن الشحنات التي تدور تفقد طاقتها وبالتالي ستقع الألكترونات على النواة عاجلا أم آجلا ولا يبقى بنية ذرية للعالم.
لكن لابد من حل!!!
كان نيلز بور الدنيماركي قد درس الأطياف الذرية المنبعثة عند تسخين المواد على نحو مفصل. وهنا بعد أن أطلع موقعيا على تجربة رذرفور وتأكد بنفسه من صحة نتائجها وجد أن الحل يكمن بالقول:
الألكترونات تدور في مدارات دائرية حول النواة. لكن هذه الألكترونات لا تشع عندما تكون في مواقع معينة. هذه المواقع مرتبطة ببنية عددية صارمة تجعل من البنية الهندسية للذرة بنية عددية.
تم أخذ فرضيات بور على أنها تعبير عن أمر واقع.
لكن الفيزيائيين النظريين لا يمكن أن يرضوا بهذا، فلابد من وجود بنية نظرية متكاملة لهذه الملاحظات.
إلى جانب ذلك كان أينشتاين قد أعم تفسير بلانك في انبعاث الطاقة وامتصاصها من خلال تفسيره ظاهرة التأثير الكهروضوئي. كما تم لاحقا الكشف عن ظواهر أخرى توحي بالتصرف الجسيمي للأمواج لذلك صار أمام الفيزيائيين أن يعترفوا بالتصرف المزدوج للجسيم والموجة في عالم الذرات والجزيئات وصار عليهم أن يجدوا الاطار النظري الذي يجمع الموجة والجسيم.
كانت المشكلة تكمن في أن الجسيمات متحيزة ومنفصلة على حين ان الأمواج ممتدة ومتصلة. فكيف لنا أن نحيّز الموجة لتتصرف كجسيم. هنا جاء لويس دي بروي الفرنسي بفكرة مفادها أن كل جسم متحرك وله زخم خطي يمكن أن يتصرف كموجة طولها يتناسب عكسيا مع مقدار الزخم. أوحت هذه الفكرة المجنونة على الفور بإمكانية تصور الجسيم/الموجة على أنه جملة من الأمواج المتراكبة على بعضها فيما يؤلف رزمة الأمواج wavepacket التي تجعل من الموجة تبدو كجسيم؛ فرزمة الأمواج تكاد تكون متحيزة وتكاد تكون منفصلة.
وسرعان ما تلقف الفيزيائيون هذه الفكرة، هيزنبرغ الألماني وشرودنجر النمساوي استطاعا بناء نظرية لميكانيك الكم. كان تصور شرودنجر يقوم على مبدأ أن الأشياء هي في الأساس أمواج وإنما تمظهرها الجسيمي هو عارض يظهر عندما تتموضع هذه الأشياء ضمن شروط معينة. وهكذا أنتج شرودنجر ما سمي الميكانيك الموجي wave mechanics. من جانب آخر انتج لنا هيزنبرغ ميكانيك المصفوفات وهو الاطار الأكثر فاعلية وكفاءة للتعامل مع الانتقالات الألكترونية والطاقية بشكل عام. لكن أيا من الصورتين فيما أرى لم يكتمل بعد. صحيح أن صياغة هيزنبرغ توحي بأنها الأكثر توافقا مع الوصف الانفصالي للعالم لكنها ربما لا تزال غير كاملة. وواحد من جوانب النقص المهمة قد استدعى الذهاب إلى تفسير عملية القياس في ميكانيك الكم على نحو غريب يَدَّعي تدخل المشاهد في تقرير نتيجة المشهود وهذا أمر غريب يتناقض مع أبسط مسلمات المنطق. على حين أن صياغة شرودنجر التي كانت هي الأكثر رواجا فقد كانت ولازالت وطيدة الترابط مع الوصف الاتصالي للعالم. وربما يكون من الطريف أن نعلم أن شرودنجر نفسه لم يكن يقبل بالوصف الانفصالي للعالم رغم أن معادلاته تؤدي اليه ذلك أنه بعد حوار طويل مع نيلز بور وفيرنرهيزنبرغ جرى في كوبنهاجن عام 1926 وقف وقال: "إذا ثبت وأن بقيت هذه الفكرة العجفاء المسماة القفزات الكمومية Quantum Jumps فإنني سأشعر بالندم لأنني عملت يوماً في ميكانيك الكم".
في تقديري أن أزمة الفيزياء المعاصرة تتلخص حقاً في المسائل التالية:
مشكلة القياس في ميكانيك الكم
واحدة من المشكلات الكبرى التي ولدت مع ميكانيك الكم وبقيت قائمة حتى الآن هي مشكلة القياس في كميكانيك الكم. فنتائج القياس في هذا الميكانيك لاحتمية مما يكون له تبعات على مفهوم السببية الطبيعية وبالتالي تبرز الحاجة إلى معرفة من الذي يتلاعب، كما يقول بول ديفز في قوانين الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة، لكي يكون هذا العالم ممكنا. وإذا كنا لندع هذا الوجه الفلسفي للمشكلة جانبا فإن من الضروري أيضا حل المشكل المفاهيمي المتعلق بها. فهل أن العالم حتمي أم لا حتمي؟ فإن كان لاحتميا كما يقول ميكانيك الكم فإننا نخرج منه ولم نفهم شيئاَ. وقد عبر ألبرت أينشتاين عن رفضة لفكرة لاحتمية العالم بقوله إن الله لا يلعب النرد. لكن نيلز بور أجابه أن لا أحد يستطيع أن يملي على الله ما يفعله.
لهذه المشكلة تفسيرات عديدة منها تفسير مدرسة كوبنهاجن القائل بوقوع الشاهد على المشهود لحظة المشاهدة. وتفسير آينشتاين بورن الاحصائي وتفسير أفريت الذي يقول بوجود الأشياء في عوالم متعددة متزامنة، وكل هذه التفسيرات مخرومة من طرف أو من آخر لكنها بالاجمال تشير بالفعل إلى عدم كمال الصورة.
مشكلة المالانهايات في نظرية المجال الكمي
وإذ فتح الفيزيائيون النظريون عيونهم على التكميم وجدوا أن من الضروري إعادة صياغة ما لديهم من أفكار في إطار نظري شامل. ولكن ما هي القدوة؟ لم يجدوا أمامهم إلا نظرية المجال الكلاسيكية تلك النظرية التي تتمتع ببنيان رياضي رصين ومجرب يقوم على حساب التغاير التفاضلي Differential Calculus والصياغات اللاغرانجية والهاملتونية لمحتوى النظم الفيزيائية. وهكذا كانت الخطوة الأساس هي تقليد نظرية المجال الكلاسيكية وإعادة صياغتها لكي تصبح الآن نظرية للمجال الكمي. لكن مضامين وروح النظرية الكلاسيكية بقيت كما هي. الإتصال بقي متجذراً في الصياغة التفاضلية للنظرية وهكذا كان لابد أن تظهر الأزمة. فكلما حسبنا واحدة من القيم الفيزيائية التي تختص بالنظم الفيزيائية، شحنة الألكترون أو كتلته مثلاً وجدناها لا نهائية!! ماذا جرى... إن اللاتناهي المدفون في صلب التغاير التفاضلي وصلب الصياغات التفاضلية لللاغرانجي والهاملتوني يطهر علينا بهذه اللانهائيات. فنحن نتعامل مع الكم المنفصل من خلال الكم المتصل ولما كان الكم المتصل قائم على افتراض وجود ما لانهاية له من الأجزاء فإن هذه المالانهايات يجب أن تظهر. هذا يثبت كما يقول بيوركن ودريل وجود خلل مزمن في نظرية المجال الكمي.
محاولات كثيرة جرت لشطب اللانهائيات هذه لكنها لم تكن إلا كمن يحتال على نفسه. حتى لا توجد طريقة مقنعة لإعادة تقويم نظرية المجال الكمي.
مشكلة توحيد نظرية النسبية العامة وميكانيك الكم
حققت أعمال بول أدريان ديراك في صياغة معادلة الحركة النسبوية للألكترون نجاحا كبيراً تمثل في اكتشاف عالم الجسيمات المضادة التي كان أولها ذلك الجسيم الذي سمي البوزيترون. وكان اكتشاف ديراك لعالم الطاقة السالبة قد فتح آفاقا واسعة أمام الفيزيائيين النظريين إذ تمكنوا النجاح في تفسير عدد من الظواهر الفيزيائية في عالم الجسيمات الأولية فضلا عن تطويرهم لتقنيات جديدة في الألكتروداينميك الكمي. لكن المسألة لم تكن بهذه السهولة عندما صا رالأمر إلى التفكير بتوحيد نظرية النسبية العامة ونظرية الكم. أي تكميم المجال الجاذبي.
تهتم نظرية النسبية العامة بالعالم الكبير وتصف القوة الرئيسية التي تجمعه إلى بعضه تلك هي قوة الجاذبية. وقد صار لزاما بموجب هذه النظرية أن نتعامل مع العالم مؤلفا من 4 أبعاد ثلاثة للمكان وواحد للزمان. ونظرية النسبية العامة تقع في صنف نظريات المجال الكلاسيكية لكنها تتميز عنها بكونها نظرية لاخطية وبالتالي فإن تقنيات نظريات التقريب المناسبة للنظم الخطية مثل نظرية التطفيف Perturbation Theory لا تتوافق مع نظرية النسبية العامة. لهذا السبب بعينه فشلت جهود الفيزيائيين في توحيد نظرية الكم والنسبية العامة في إطار نظري واحد تحت عنوان الجاذبية الكمومية Quantum Gravity والمعلوم أننا بحاجة إلى مثل هذا الاطار لفهم اللحظات الأولى لخلق الكون مثلا. وبدلاً عن ذلك استعضنا بالتقريب شبه الكلاسيكي فاستخدمنا المجالات المادية المكمة وزرعناها على الطرف الأيمن من معادلات آينشتاين. وعلى الرغم من أن هذا النهج لم يكن يعجب بول ديراك إلا أنه أعطانا نتائج ذات معنى وقيمة علمية لا يستهان بها. ربما هي ليست دقيقة بالقدر الذي يطمح اليه فيزيائيو الجسيمات الأولية إلا أنها دون شك قدمت تصورات لحل بعض المعاضل المعاصرة. فقد جعلتنا هذه الحسابات نفهم لماذا تكون قيمة الثابت الكوني صغيرة جداً حاليا. كما مكنتنا تلك الحسابات من تخمين ما حصل قبيل خلق الجسيمات الأولى وحتى قبيل خلق الهكزات التي ينتظر اكتشافها فيزيائيو الجسيمات الأولية بفارغ الصبر حيث بينت الحسابات أن بالإمكان تكوين كثيف بوز – آينشتاين في المراحل المبكرة جداً من خلق الكون ليكون هذا الكثيف مصدراً لتضخم كوني هائل. وهذا ربما ما دفع جورج ألس إلى القول بعدم الحاجة إلى تكميم الجاذبية.
لكن هذا لا يعني أن نظرية الجاذبية الكلاسيكية لأينشتاين هي نظرية مطلقة. فلازالت هنالك أمور جوهرية تخص فهم انتقال المجال الجاذبي بسرعة الضوء في كون قطره 28 مليار سنة ضوئية. وهنالك جوانب متعلقة بتكميم الزمن وتكميم المسافة الزمكانية... هذا كله أفضى في آخر المحاولات إلى ابتداع نظرية الأوتار والأوتار الفائقةSuperstrings والقول بالأبعاد الزمكانية المنطوية Compactified Spacetime Dimensions. ولنظرية الأوتار الفائقة علل كثيرة منها ما أجد أنه عقبة كأداء تقف أمام هذه النظرية من أن تتحول إلى إطار نظري لنظرية واعدة على الصعيد الأبعاد البلانكية وذلك أنها نظرية بدأت تتشكل خارج الخيمة الاتصالية لكنها سرعان ما عادت وانضوت تحت هذه الخيمة. وبالتالي لا يبدو أن نظرية الأوتار الفائقة بقادرة على شق عصا الطاعة على نظريات المجال والتصور المجالي. لذلك وبرغم النفخ الكثير الذي دفع به بعض الاعلاميين الفيزيائيين مثل ميشو كاكو وبرغم التطبيل والتزمير لنظرية الأوتار الفائقة على أنها ستكون نظرية كل شيء وخاتمة العلم فإن الواقع ينبيء عن أشياء أخر. ليست النظرية بعد بذلك القدر من التماسك لكي تنهض بنفسها فضلا عن أن تكون نظرية كل شيء.
مشكلة نظرية الجسيمات الأولية
منذ أن تم اكتشاف الألكترون انفتحت أمام الإنسان عوالم جديدة. البروتون والنيوترون والميون والبايون والكاوون والبسايون والكسيون والتاوون، البوزون والفيرميون وكل الأوونات التي تخطر على البال. هذه العوالم ربما تكون خيالية بالنسبة للبعض، لكنها تشكل ساحة يلعب فيها الإنسان لعبا فكرية وعملية... فهو مثل طفل بيده ساعة منضدية يرى عقاربها تدور ويسمعها تُتكتك. لكنه لا يعلم ما بداخلها لا يعلم كيف تعمل. هو لا يعرف كيف يفككها. شغفه بالمعرفة يدفعه أن يحطم هذه الساعة حتى يعرف ما بداخلها. وهكذا كان يأتي بساعتين يضربهما ببعض تتطاير منهما أجزاء صغيرة وكبيرة. ثم يجلس متأملاً هذه القطع محاولاً أن يعيد تركيبها معا لكي تعمل كساعة... يحتار في أجزاء جديدة كلما تفكر وجد أن هنالك أمورا غير مفهومة، يعود للتجربة يحطم ساعات أخرى وتظهر أمامه نواتج أخرى جديدة ويحتار من جديد في تركيب تلك الأجزاء. هذه الحكاية تختصر لنا قصة علم الجسيمات الأولية على الصعيدين العملي والنظري.
اليوم تصرف مليارات الدولارات على تجارب يؤمل منها إكتشاف جسيمات تتنبأ بها النظريات العلمية ومن هذه المشاريع الضخمة مشروع المصادم الهادروني الكبير في سيرن.
المشكلة أن تجارب التحطيم ربما حطمت أجزاء حساسة أخرى وسحقتها حتى لا تظهر.
والمشكلة أن روابط وأجزاء من تلك الساعة ربما تكون مصنوعة من أشياء غير مرئية وهو لم يستطع إدراكها بعد فينشطح خياله نحو تصورات لا صحة لها.
والمشكلة أيضا أن أدواته في التحليل ربما لم تكن مناسبة.
هذه هي معالم أزمة فيزياء الجسيمات الأولية وما يسمى بالنموذج القياسي Standard Model.
مشكلة النموذج الكوني
قدمت نظرية النسبية العامة نموذج شاملاً للكون وهذا ما تمت صياغته أساسا في نماذج فريدمان الكونية. وكان لإكتشاف هابل توسع الكون واكتشاف جامو وآخرين صلاحية نماذج فريدمان لتفسير تطور الكون من مراحل مبكرة حتى الآن وتنبؤه بوجود الخلفية الكونية المايكروية واكتشاف هذه الخلفية عمليا عام 1965 عوامل حاسمة رصَّنت من مكانة نماذج فريدمان الكونية. هذا الذي سمي نظرية الانفجار العظيم. وبدا وكأنه بقي علينا أن نعرف أي نمط هو الذي عليه الكون: هل هو النمط المفتوح؟ أم النمط المسطح؟ أم هو النمط المغلق؟ لكن الحقائق الرصدية تبين أن توزيع أشعة الخلفية الكونية المايكروية يوحي بأن المادة المضيئة التي نرصدها في الكون هي ليس إلا 4% من جملة مادة الكون. أين الـ96% الباقية إذن؟ قالوا هي مادة مظلمة ثم اكتشفوا أنها طاقة مظلمة أيضا إذ أن الطاقة لها مكافيء من الكتلة كما هو معلوم. لكن ما تلك المادة المظلمة ما جنسها ما شكلها ما تراكيبها؟ وما تلك الطاقة المظلمة؟ هل هي طاقة الفراغ؟ وهل هي السبب في التسارع الظاهر لتوسع الكون؟ لقد وضع النظريون مقترحات كثيرة ضمن ما يسمى السياق العام Mainstream للنظرية في محاولة للإجابة على هذه الأسئلة لكن أيا من تلك المقترحات لم يرق إلى حل مقبول يفسر الملاحظات ويجيب على الأسئلة كلها.
الصورة تقول أن الكون الآن هو في حالة تسارع وهو عند الكثافة الحرجة تقريبا مما يعني أن هندسته المكانية منبسطة وبالتالي فإن من المتوقع أن يستمر الكون في التوسع إلى ما لانهاية.
إلى جانب ذلك تتوفر إجابات أخرى قد لا تقع ضمن السياق العام تقدم حلولاً أكثر معقولية. ومنها الحل الذي يعتمد حساب التأثيرات الكمية ويفترض وجود الطاقة المظلمة من خلال مفهوم سابق وهو الثابت الكوني. وهذا الحل في بعض وجوهه يقدم لنا كونا منبسط مكانيا، مثل سطح الإسطوانة، لكنه قابل للطي وبالتالي يمكن أن تكون لهذا الكون نهاية، ربما يتجدد بعدها ببداية ثانية حسب ما يقول النموذج. لكن هذه الحلول، من جانب آخر تقتضي ضرورة التخلي عن جملة من المعتقدات والمسلمات التي عهدناها في نظرية الفيزياء الكونية منذ بداية القرن الماضي وحتى الآن، ومن ضمنها نماذج فريدمان التقليدية.
الخلاصة
أرى أن الفيزياء اليوم هي في أزمة وهي تنتظر تحولاً كبيراً ربما سيشهده النصف الأول من قرننا هذا. ومع تكثيف الجهود التجريبية والأرصادية ربما تفتحت أمامنا آفاق جديدة لفهم العالم على أسس جديدة لكنها بالتأكيد ستكون أسسا إنقلابية لكثير مما نعرفه اليوم والكثير مما نتسلمه من مسلمات وجدنا عليها آبائنا وإنا على آثارهم مقتدون. إننا معشر الفيزيائيين بحاجة اليوم إلى التجديد في طريقة تفكيرنا وفي أساليب تعاملنا مع العالم إذ ربما لم يعد التصور الاتصالي المجالي هو التصور الصحيح ولم يعد التغاير التفاضلي هو الصيغة الأمثل للتعامل مع العالم بل ربما احتجنا أن نتعامل مع العالم على نحو أبسط مما عهدناه ولكن بأريحية أكبر وفهم واقعي أعمق.



#محمد_باسل_الطائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبدأ الأنسنة وعلاقته بمبدأ التسخير الإسلامي
- حيرة الإنسان بين العلم والإيمان
- حول المحتوى العلمي للقرآن
- هل يتعارض القرآن مع النشأة التطورية للإنسان؟
- آفاقنا في النهضة والمساهمة الحضارية: عودة الى العقل
- المأزق الإبستمولوجي للمعرفة العلمية المعاصرة
- الحتمية الكلاسيكية واللاحتم الكوانتي
- ستيفن هوكنج وخلق العالم؟
- من الضروري مراجعة كتب الحديث التي لا تتوافق مع صريح القرآن و ...


المزيد.....




- تردد قناة مصر أم الدنيا الجديد 2024 على القمر الصناعي نايل س ...
- 5 مشروبات تمنحك عظامًا أقوى لو عندك نقص فى الكالسيوم.. إنفوج ...
- نائب عميد معهد الكبد: إجراء عمليات السمنة بدعم من مبادرة حيا ...
- تكنولوجيا -أربيل- الهندية تحول بنادق الإسرائيليين إلى أدوات ...
- ما هي أسباب إصابة الأطفال بالسرطان؟
- احذر من هذه المكملات الغذائية الثلاثة الشهيرة واعرف مخاطرها ...
- سوسو الثرثارة ليش بتحكي للجيران.. تردد قناة كراميش 2024 KAR ...
- عيادات الإقلاع عن التدخين فى المبادرة الرئاسية.. حيل نفسية ل ...
- مَتّى المسكين.. راهب مصري عارض البابا شنودة واعتزل في مغارة ...
- أمريكية تستيقظ بالمستشفى من دون تذكر ولادتها لثلاثي توائم


المزيد.....

- هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟ / جواد بشارة
- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - محمد باسل الطائي - أزمة الفيزياء المعاصرة