كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 3283 - 2011 / 2 / 20 - 15:48
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
منذ عشرينات القرن الماضي بدأت مرحلة جديدة من نضال الشعب الكردي وبشكل ملموس لتحقيق ما تم الاتفاق عليه حين تقرر إلحاق ولاية الموصل, وبضمنها كردستان الجنوبي في العام 1926 بالعراق, بين عصبة الأمم والملك فيصل الأول والحكومة العراقية حينذاك. وخلال الفترة 1926-1991 كان النضال السلبي لا نتزاع الحقوق المشروعة والعادلة لهذا الشعب مليئاً بالمصاعب والتضحيات الجسام وخاصة فترة حكم البعث الثانية التي شهدت المؤامرة على حركة الشعب الكردي المسلحة في العام 1975 بالارتباط مع اتفاقية الجزائر ومن ثم معارك الأنصار وما ارتبط بها من مجازر الأنفال ضد الشعب الكردي وقصف حلبجة بالسلاح الكيماوي ثم الزحف المليوني صوب تركيا وإيران تحت ضربات القوات المسلحة لنظام الدكتاتورية والخيانة والعهر السياسي, نظام البعث بقيادة الدكتاتور المطلق صدام حسين. وكانت مواقف الحكومات المركزية في بغداد دوماً رفض تلك الحقوق وشن المعارك ضد حركة التحرر الوطني الكردية مما كان يصعد النضال الكردي ويلهب الشارع العراقي والقوى الديمقراطية العراقية, وكان التأخي بين المناضلين العرب والكردي والقوميات الأخرى متيناً ومناهضاً للاستبداد ومصادرة الحقوق الديمقراطية والقومية.
إن محاولة الوصول إلى رقم تقريبي لعدد شهداء الشعب الكردي في كردستان العراق وحده خلال مراحل النضال المختلفة تجعل الإنسان يصاب بالإعياء, فالعدد لا يقل في كل الأحوال عن ربع مليون إنسان على اقل تقدير, وأغلبهم من الذكور الشباب, إضافة إلى النساء والأطفال والشيوخ, وهو الذي أعاق بدوره النمو الطبيعي لسكان كردستان العراق. وهي ملحمة دموية مرعبة, ولكنها في الوقت نفسه تجسد الروح الكفاحية العالية لدى هذا الشعب المكافح في سبيل حريته وحياته الكريمة وحقوقه المشروعة والعادلة.
ولم تحصد الحكومات التي وقفت ضد طموحات هذا الشعب إلا الخزي والعار ولن يذكرها التاريخ إلا بالاستبداد والدموية.
وعلينا أن نشير بوضوح إلى أن ضحايا الشعب الكردي خلال فترة حكم البعث وحده بلغت أكثر من 200 ألف إنسان, يمكن عندها معرفة حجم الدماء والدموع والآلام التي رافقت المسيرة النضالية للسنوات الواقعة بين 1968-1991 وعدد الأرامل والأيتام من نساء ورجال وأطفال شعب كردستان.
ومن هنا نستطيع أن ندرك بوضوح كبير مدى الفرحة والبهجة التي عمت شعب كردستان حين تحقق لهم الانتصار الكبير على الفاشية الصدامية في العام 1991 وبعد الانتفاضة الشعبية في العراق وفي إقليم كردستان العراق حين اجبر الجيش العراقي والإدارة العراقية الصدامية على الانسحاب من ثلاث محافظات من إقليم كردستان هي أربيل والسليمانية ودهوك وإقامة حكومة وطنية كردستانية وانتخاب برلمان كردستاني جديد ودستور جديد وإعلان الفيدرالية في إطار الدولة العراقية.
وكان الصراع الذي تفجر بين الحزبين الحاكمين مثار حزن شديد وغضب في آن واحد في صفوف الشعب الكردي ومساندي قضيته من العرب والشعوب الأخرى. إلا أن محاولات تحقيق المصالحة قد بدأ في العام 1998 واستمر متعثراً إلى أن تعزز في أعقاب سقوط النظام وتشكيل حكومة كردية واحدة للإقليم في العام 2005 جعل الأمل كبيراً في تسريع عملية البناء والتقدم في كردستان ومزيد من الحرية والديمقراطية والحياة الحرة والكريمة لهذا الشعب المقدام, رغم تعثر إنجاز الوحدة لكافة وزارات الإقليم إلى الآن.
ومنذ سنوات وأنا أتابع التطورات الجارية في الإقليم كمواطن عراقي يهمه كل ما يجري في العراق, وكصديق للشعب الكردي يهمه ما يجري في إقليم كردستان العراق. وتسنى لي عبر زياراتي لكردستان قبل سقوط النظام وزياراتي الكثيرة للعراق بعد سقوط الدكتاتورية أن أسجل الكثير من الملاحظات الإيجابية والسلبية على تطور الإقليم, كما تسى لي اللقاء بعدد من المسؤولين في الإقليم ابتداءً من السيد نيجرفان بارزاني والشهيد الأستاذ سامي عبد الرحمن والأستاذ جوهر نامق سالم والأستاذ نوشيروان مصطفى أمين والأستاذ بختيار والأستاذ عدنان المفتي والأستاذ أزاد جندياني والسيد سركيس أغا جان حين كان نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للمالية وبعض الرفاق في الحزب الشيوعي الكردستاني ومنهم الصديقين كمال شاكر وحيدر فيلي, على سبيل المثال لا الحصر. وفي هذه الزيارات واللقاءات حاولت التعرف على أوضاع كردستان العراق أو مناقشتهم في ما يجري هناك والمصاعب التي تعترض طريق التحول من نظام دكتاتوري في ظل قيادة صدام حسين على نظام يراد له ان يكون مدنياً وديمقراطياً أو العلاقة بين قيادة الحكومة والأحزاب الحاكمة والشعب في كردستان وخاصة الكادحين منهم. وقد كنت في بعض أهم تلك اللقاءات وخاصة مع الأستاذ نيجرفان بارزاني, حين كان رئيساً للوزراء, أن اشير إلى أوضاع الشعب والفقراء فيه والفجوة المتسعة بين الشعب والمسؤولين في الحكومة والأحزاب الحاكمة والعواقب المحتملة التاشية عن هذه الفجوة بين الثوار القدامى ووقود الثورة السابقين والشعب عموماً, خاصة وإن الشعب الكردي مطوق بدول وقوى لا ترحم.
وحين لم يكن في مقدوري اللقاء بالمسؤولين الكرد لأي سبب كان بادرت إلى توجيه الرسائل الشخصية إلى المسؤولين التي أحتفظ بنسخ منها في أرشيفي الشخصي, وخاصة إلى السيد رئيس الإقليم مسعود البارزاني التي حاولت طرح تصوري عن مجرى تطور الأوضاع في إقليم كردستان ومخاطر نشوء الفجوة بين الشعب وقيادته السياسية الكردستانية وإمكانيات استثمار تلك الفجوة في غير صالح الشعب الكري وكردستان عموماً. وكنت صريحاً وباحترام كبير مع اصدقائي الكرد من المسؤولين وحميماً في علاقاتي مع الشعب الكردي في طرحي للمشكلات التي كنت ألاحظ إنه يعاني منها. بالإضافة إلى كل ذلك كتبت سلسلة من المقالات بعد كل زيارة لكردستان اسجل فيها ما اشاهده عن كثب وبصراحة تامة متوقعاً أن يجري الانتباه لها.
كما كتبت ونشرت سلسلة من المقالات بعد تسلم الأخ الدكتور برهم صالح رئاسة حكومة إقليم كردستان أشرت فيها إلى مواطن الخلل, كما أراها, في المسيرة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كردستان والاحتمالات التي يمكن أن تنشا عنها. وكان السيد رئيس الوزراء لطيفاً حين اجاب على تلك المقالات برسالة شخصية احتفظ بها يعبر فيها عن شكره لملاحظاتي وطالباً مواصلة إبداء الرأي ومؤكداً رغبته في الإستفادة بما يمكن من تلك الملاحظات. أجبته شاكراً على رسالته. و وحين وجهت رسالة لمكتبه رجوت فيها إن أمكن تحديد موعد للقاء به حين زيارتي لكردستان المرتقبة في حينها لم احظ بجواب منه أو من مكتبه على ذلك الرجاء ولم التقه.
وفي شهر كانون الثاني/يناير 2011 قدمت محاضرة في جامعة صلاح الدين طرحت فيها الأوضاع الاقتصادية في العراق وفي إقليم كردستان تعرضت فيها إلى المشكلات التي تجمع العراق كله ومن ثم ما يسم القسم العربي من العراق وإقليم كردستان وحاولت الربط العضوي بين الوضع الاقتصادي والوضع السياسي, إذ أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة. ومن المؤسف أن أقول بأني كنت أتوقع حصول مشكلات وكنت أخشى أن تستثمر في غير صالح كردستان وأن ردود الفعل الحكومية ستكون غير محسوبة العواقب.
سأحاول هنا أن أتطرق إلى مسألة واحدة هي حالة الفساد في الإقليم والتي هي ظاهرة عامة في العراق وفي كل الدول النامية. ولكن العراق احتل موقع الصدارة فيها.
تطرق السيد رئيس الإقليم إلى الفساد طالباً من الأحزاب السياسية أن تقدم تقارير عن الفساد وأن تسمي الأشخاص باسمائهم لكي تتم محاسبتهم.
أشعر بأن هذا الطلب غير وارد ولا يسهم في مكافحة الفساد من حيث المبدأ لخمسة أسباب هي:
1. إن السيد رئيس الإقليم يملك جهازاً كبيراً من المستشارين ومكتباً خاصاً وعدداً مهماً من الموظفين العاملين فيه والمطلعين جيداً على أوضاع الإقليم الاقتصادية.
2. إن الإقليم يمتلك جهازاً أمنياً كبيراً وبعضه مختص بالشأن الاقتصادي ومطلع
3. على ما يجري في الإقليم, سواء أكان بشأن التداول المالي أم بشأن تملك وتوزيع العقارات وتوزيع الأراضي السكنية.
4. إن السيد رئيس الإقليم هو رئيس حزب كبير يقود عملياً الحكومة, وبالتالي فالحزب ولجنته الاقتصادية التي يشرف عليها عضو في المكتب السياسي, عز الدين برواري, يعرف جيداً ما يجري في الإقليم من عمليات اقتصادية وعقود ونشاط تجاري وعقاري ومنشآت..الخ.
5. إن السيد رئيس الإقليم يشرف بشكل مباشر وعبر مستشاريه ومكتبه على مجلس الوزراء ومن خلال نائب رئيس الوزراء, السيد آزاد برواري, الذي يستطيع ان يمده بكافة المعلومات الضرورية عما يجري في الإقليم من عمليات اقتصادية ومن قوى فاسدة ومفسدة أيضاً, فهو عضو في المكتب السياسي ومن الأصدقاء القريبين من السيد رئيس الإقليم.
6. إن السيد رئيس الإقليم يملك جهازاً حزبياً كبيراً للإعلام يشرف عليه السيد سرو قادر والذي يمتلك الكثير من المعلومات عما يجري في الإقليم في هذا الصدد والذي في مقدوره أن يمده بما يمتلكه البعض من ثروات وقصور تكونت في فترة قصيرة لا يمكن تصور أنها نشأت بفعل رواتبهم ومخصصاتهم الشهرية أو السنوية.
الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجعل كل هؤلاء غير نافعين للسيد رئيس الإقليم, إن كان جميع هؤلاء لا يقدمون التقارير الصحيحة والوافية والتي تؤشر مواطن الخل لا في جانب الفساد, بل في جميع الجوانب التي تجعل من الوضع في إقليم كردستان مقلقاً للجميع.
حين التقيت بالسيد رئيس الوزراء السابق الأستاذ نيجرفان بارزاني قلت له بالحرف الواحد: أخي الفاضل أرجوكم أن لا تعتمدوا علي التقارير التي تصلكم من الذين يعملون في الجهاز الذي حولكم فهم لا يكتبون لكم ما ينبغي أن يكتبوه عن وضع الشعب والفقراء والمشكلات, بل يكتبون ما يرضيكم. إذهبوا أرجوكم مباشرة إلى المناطق الكادحة والتقوا بالناس هناك واسمعوا رأيهم وستعرفون جيداً ما يجري هناك وستجدون الفرق بين الناس وتقارير الجهاز, وهم يختلفون عن سكنة دولاراوا. كان هذا في اللقاء الذي تم مع السيد رئيس الوزراء في العام 2005 وقبل تشكيل حكومة الوحدة في كردستان العراق وبحضور السيد سرباس هورامي.
إن الأحداث الأخيرة كانت متوقعة مني ومن غيري من الناس لأن هناك ما هو غير صحيح ويحتاج إلى تغيير لا بمنظر حركة التغيير بل بمنظور الشعب الكردي الذي يعيش الحياة يومياً ويشعر بما يجري في كردستان. ليس غريباً ان يستثمر التذمر, بل الغريب ان لا يستثمر التذمر الشعبي. والصحيح هو أن نعرف مواطن الخلل في هذا التذمر وأنا مستعد لوضع اليد مباشرة على مواطن الخلل في ما يجري في الإقليم. وليس وحدي القادر على ذلكو بل الكثير والكثير جداً من الناس في الإقليم لأنهم يعيشون هناك ويعرفون ما يجري فيه. أتمنى على رئيس الإقليم أن لا يلتقي بالمسؤولين ومجلس النواب بل بالناس البسطاء الذين لا مصلحة لهم غير كردستان وشعب كردستان وتقدم كردستان, أن يلتقي بالفقراء من الناس وأن يسألهم عن رأيهم فيما يجري وسيقولوا له مثلاً:
1. إين يوجد الفساد المالي والإداري؟
2. أين يشعرون بأنهم كمواطنات ومواطنين مستقلين يعاملون باعتبارهم أقل أهمية وأقل درجة للحكومة من بعض كوادر وأعضاء الحزبيين الذين يعتلون المراكز العليا دون وجه حق وكفاءة؟
3. كيف تجري عملية التنمية؟ ولماذا يجري التركيز على التجارة ولا يجري الاهتمام بالتصنيع وتحديث الزراعة وتحقيق التراكم الرأسمالي في الإقليم لبناء القاعدة المادية لتطور الاقتصادي والتنمية البشرية؟
4. كيف تتسع الفجوة بين الفقراء والأغنياء دون وجه حق؟
5. كيف هي حالة البطالة والبطالة المقنعة والعواقب الوخيمة لذلك؟
6. كيف تعقد وتوقع العقود وكيف تصرف الأموال؟
7. كيف يقبل الطلبة على الدكتوراه والماجستير في حين يرفض آخرون لأنهم غير حزبيين او البعثات الدراسية والزمالات؟
8. كيف تمارس الحرية والحياة الديمقراطية في كردستان وكيف شعور الناس العاديين بذلك؟
9. .... الخ.
قلة من الأحزاب ستبادر وتقدم له معلومات عن ذلك بما فيه الحزب الديمقراطي الكردستاني, رغم أن لديها المعلومات الكافية عن ذلك, ولكن البسطاء من الناس الذين يتلظون بنار الفساد مستعدون لذلك.
إن الوقوف بوجه المظاهرات تتم عبر مكافحة المشكلات التي يعاني منها الناس وليس بمواجهتهم بالقوة والعنف والرصاص. كما أن تحقيق مطالب الناس يفترض, وكما أرى, أن تتم عبر المطالبة السلمية والديمقراطية دون استخدام العنف أو التجاوز على المباني العامة والمقرات الحزبية او الناس بالشوارع, فهي لا تقود إلى نتائج طيبة بل تزيد الأوضاع لهيباً ولا تحل المشكلات.
إن الفترة الراهنة والقادمة تستوجب, كم أرى وبكل مسؤولية, إجراء إصلاحيات جذرية في مجمل السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحياة السياسية في إقليم كردستان. إن الوضع كما كان عليه حتى الآن لا يمكنه أن يستمر لأنه سيعرض التجربة كلها إلى خطر كبير.
إن الحرص على التجربة وعلى تقويمها من جهة, وتأثيرها على الوضع في العراق كله من جهة أخرى, هما اللذان يتطلبان السعي لما يفترض أن يتغير في كردستان.
مع أطيب تمنياتي بالتقدم والازدهار لإقليم كردستان ليكون له تأثيره الإيجابي والفعال على الوضع في العراق كله. هذا ما نتطلع إليه ولا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر الإصلاح والاستماع لرأي الشعب في كردستان.
مع خالص التقدير والاحترام.
كاظم حبيب
برلين في العشرين من شهر شباط/فبراير 2011
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟