أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد المديوني - بيداغوجيا المقهورين لباولو فريري- ترجمة تلخيص آن مينو















المزيد.....

بيداغوجيا المقهورين لباولو فريري- ترجمة تلخيص آن مينو


محمد المديوني

الحوار المتمدن-العدد: 3282 - 2011 / 2 / 19 - 15:59
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


تم تحرير هذا الكتاب في سنة 1969، ويستعرض الكاتب فيه مبادئ طريقة لـ"التوعي" (conscientisation) قام بتجريبها بين سنتي 1962 و 1964 بالبرازيل، حيث كان مكلفا ببرنامج كبير لمحاربة الأمية من قبل وزارة التربية والثقافة، يمس ما يناهز مليوني مواطنة ومواطن أميين، ثم بالشيلي من 1964 حتى 1967 تحت حكومة إدواردو فريي.
ويندرج عمل باولو فريري ضمن رؤية للنضال من أجل تحرير الشعوب المقهورة. وقد قادته ممارسته في مجال محاربة الأمية إلى فهم الموقع الأساس للتوعي كمنطلق لكل عمل تغييري.
وقد سعى بذلك إلى تحديد المواقف الفكرية والعلائقية التي تطمس أو تنير الوعي الشخصي والجمعي. وقد أسس بذلك تفكيره على التحليل الماركسي لعلاقات القوة بين المجموعات الإنسانية، وعلى الأخلاقيات الإنسانية في العمل الإنساني.
وقد وجه فريري هذا المؤلف إلى القادة الثوريين، أي إلى كل الذين يواكبون الساكنة المقهورة/المضطهدة في سيرورة للتوعي والتحرر.
وبالرغم من سياقها التاريخي والجغرافي، فإن تحليلات العلاقات الإنسانية ومبادئ العمل التربوي المستعرضة في الكتاب تظل قابلة للنقل في هذه المرحلة التاريخية.
فما نقرأه في متن هذا الكتاب، ليس فقط صفحة من التاريخ، بل كلمة قوية عن أسس العلاقات الإنسانية البانية غير المدمرة، سواء أتموضعت على المستوى البينشخصي أو المستوى الجمعي. كلمة للمرحلة الراهنة، حيث القاهرون والمقهورون يوجدون في وضعيات مختلفة عن وضع الفلاحين الشيليين والبرازيليين في حقبة الستينيات.
لا يعرض الكاتب هنا طريقة أو منهجا بالمعنى الإجرائي للفظ، وإنما يؤسس حركة لتغيير العلاقات الإنسانية. وتبدو العودة لهذه المبادئ ذات أهمية كبرى في التفكير الراهن في قضايا التربية. إذ أن تحليلها يمكن أن يشكل اليوم إضاءة مهمة لمشروع تربية مواطنة.
وسيتم تفصيل هذا الجهد التفكري عبر أربعة محاور للمساءلة:
1. بيداغوجيا المقهورين..لماذا؟
ما طبيعة وضعية القهر؟ وكيف تتمظهر في التناقض مقهور/قاهر
2. هل يمكن الخروج من هذا التناقض؟ وضمن أي شروط؟
3. لماذا لا يمكن للتربية التقليدية أن تكون محررة؟
تحليل التصور "البنكي" للتربية ولرهانه بخصوص العلاقة بين المربي والمتعلم، ولكن أيضا بخصوص تصور المعرفة والواقع.
4. لماذا يجب أن يكون الحوار في قلب عملية التربية الهادفة إلى تحرير الإنسان؟
ما هي خصائص العمل "الحواري" أو "اللاحواري" في الفعل التربوي والفعل الثوري. 
I. بيداغوجيا المقهورين.. لماذا؟
إن وضعية القهر وضعية تنزع إنسانية القاهر والمقهور معا؛ ولا يشكل هذا الانتزاع قدرا أو حتمية، ولا معطى من نمط أنطولوجي ، إنه نتيجة غير عادلة تخلق العنف و"الوجود المنتقص". إنها سيرورة يمكن ويجب أن يتم قلبها.
غير أننا في حاجة، بالضرورة، إلى عمل تربوي بيداغوجي لإضاءة تشوهات تحليل العالم وتحليل الذات التي تنتجها وضعية القهر، ولتحرير قوى التغيير.
إن القاهرين والمقهورين يوجدون بالفعل في أنماط وجود ورؤى للعالم ولذواتهم لا يملكون بالضرورة وعيا بها. إنهم مغمورون داخل الوضعية، ويعيشونها كأمر لا محيد عنه غير قابل للتغيير.
إن الوعي بهذا "الغمر"، بهذا الانتساب للنظام الظالم القائم يشكل الخطوة الأولى نحو تحرير وتحويل ممكنين. ويحتاج الأمر إلى مسار، ومواكبة هذا المسار هو أول فعل للتحرير/التحرر، وذلك ما يجعل التربية وتغيير الواقع متلازمين بشكل حميمي.
ليس هناك من تربية محايدة، فكل طريقة تربوية تعكس نوعا ما أسلوبا للعلاقة الإنسانية.
وممارسة التربية في حد ذاتها حاملة إما للتحرر أو للاستلاب، ليس بمحتوى الأفكار التي تنقلها، بل، قبل أي شيء، بالعلاقة بين المربي والمتعلم التي تكرسها.
من هو المقهور؟ وما طبيعة استلابه؟
يحلل باولو فريري المقهور ككائن مزدوج، إذ يستقبل في ذاته القاهر بفعل وضعه الموضوعي؛ فيكون بذلك، وفي الآن ذاته، نفسه والآخر. إن المقهور منجذب بقوة شخصية القاهر ونمط حياته، وهو يرغب في ولوج نمط الحياة ذاك، وولوج "وجود" القاهر.
إنه يفكر مثل القاهر، ويجعل من رؤية القاهر للعالم رؤيته الخاصة.
وفي نفس المنحى يبخس المقهور ذاته مستدخلا حكم القاهر، ويعتقد جازما في أنه عاجز.
إن المقهور يخاف الحرية .. يخاف المخاطرة بشيء آخر، يخاف الاستقلال. وينحو أكثر إلى التلاؤم والتكيف، وأن يفعل مثل الآخرين من دون أن يبلغ درجة تضامن أصيل.
إن المقهور يريد أن يكون، لكنه يخاف أن يكون
فهو مغمور في النظام المؤسس من قبل القاهر لمصلحته، ولا يرى حقيقة ذلك الواقع/النظام
وما دام المقهور لم يستطع أن يموقع في ذاته حضور القاهر، وما دام لم يكتسب وعيه الخاص، ستبقى لديه مواقف قدرية في مواجهة وضعه الخاص. بل إن الأمر يكون أسوأ أحيانا، فهو إذ يتقبل عنف الوضع، يحوله أفقيا نحو رفاقه أو أسرته، غير أنه حين يسلك هذا المنحى في مواجهة القهر، يتحول هو نفسه إلى قاهر.

من هو القاهر/المضطهد؟
تتكئ وضعية الارتياح للقائم بفعل القهر على الحيف المفروض على من يمارس عليه القهر.
فمن مصلحة كل شخص، يتموقع عبر طبقته الاجتماعية أو مستوى عيشه إلى جانب القاهرين، أن تستمر وضعية الحيف تلك ليستمر في الاحتفاظ بما لديه. إنه بالضرورة متواطئ مع القهر المسلط على المقهور، سواء أكان واعيا بذلك أو لا، وسواء أكان مسؤولا بشكل شخصي أم لا.
إن تطبيق القانون على الجميع يمثل بالنسبة للقاهر خرقا سافرا لحقه الشخصي، وللتضييقات المهمة لما يعتبره كينونته العليا وحريته.
إن القاهر في الحقيقة، وهو مغمور في نسق القهر ومنطقه، لا يمكن أن يتصور ذاته خارج الامتلاك والهيمنة المباشرة، المجسدة والمادية للعالم وللناس.
فهو يحول كل شيء إلى موضوع للهيمنة، يرى الكل من زاوية الربح، لأن المال بالنسبة له هو المقياس.
ومن جانب آخر ينحو القاهر إلى الاعتقاد أنه بلغ مستوى أعلى من الإنسانية، وأن ذلك مسخر له، وتعتبر إنسانية الآخرين، وفي حالات متطرفة، بمثابة تعبير انقلابي .
إنه ينحو كذلك، بوعي أو بغير وعي، إلى "تشييء الآخر"، أي إلى إنكاره كذات حرة وواعية، وعم منحه نفس القدرات.
بل إنه يستطيع أن يعمل بكرم من أجل صالح الناس، عبر إعطاء القليل مما يفيض عن حاجته، لكن مع إبقاء الأشخاص في وضع الحاجة إلى المساعدة في حالة دونية يحتاج إليها للحفاظ على وضعيته كمهيمن. هكذا يحلل باولو فريري بشكل قاس العمل الإنساني الإحساني(humanitaire)الذي يميزه بوضوح عن العمل "الإنساني"(humaniste)
ولا يحلل ب.فريري هنا سلوكات نفسية واعية وإرادية، بل علاقات موضوعية تشكل فخا فعليا لكلا الطرفين.
تجاوز وضعية القهر
لا يتعلق الأمر بقلب وضعية القهر، ولكن بتجاوزها، بتغيير علاقات القاهرين/المقهورين المندرجة بشكل طبيعي في معيشنا اليومي. وبذلك فإن عملا تحريريا لا يمكن أن تستعمل نفس طرائق وأدوات العمل القهري، حتى ولو كان الهدف مضادا. فإذا اتجه لنفس المنحى، من المؤكد أنه لن يحرر أحدا.
ليس هناك من تغيير أو تجاوز لوضعية القهر إلا عبر العبور من علاقة هيمنة/تبعية إلى علاقة حوار يسمها باولو فريري بالعلاقة الحوارية.
هذا العبور ينجز من خلال وعي شخصي وتحليل نقدي للواقع وللوضع الذاتي في هذا الواقع، وهو ما يسميه باولو فريري عملا "للاندماج النقدي في الواقع"، يتيح فهما، في الآن ذاته، ذاتيا وموضوعيا لهذا الواقع.
- ذاتي لأن هناك ذاتا تفهم وتفعل.
- موضوعي لأن تلك الذات تفهم وتفعل في واقع يختلف عن الذات.
(موقف يضع الكاتب في مقابله تشويهين اثنين يطلق عليهما: الذاتوية (subjectivisme) والعقلنة (rationalisation).
وبناء عليه، فإن الفعل التربوي يجب أن ينطلق من واقع "المتعلم/المتربي"، ومواكبته عبر التكوين نحو تحليل وانخراط شخصيين.
وأخيرا، فإن علاقة ما لا تتحول حقا إلا بتغيير في الموقف من الجانبين. والتغيير لا يمكن أن ينجح من طرف أحد الطرفين المتنازعين. إذ يتطلب المشاركة الفاعلة، الشخصية والحرة للمقهور. لا يمكن تحرير الناس من دونهم. كما يتطلب ذلك تغييرا في الموقف لدى من يواكب المقهورين.
"لا أحد يحرر أحدا، لا أحد يتحرر لوحده، فالناس يتحررون مجتمعين"
في وضعية القهر، ليس الظلم هو الأخطر، بل نمط العلاقة التي ينبني عليها، إذ هي ما ينتزع إنسانية الإنسان.


II. التصور البنكي للتربية والتربية المحررة
التصور البنكي:
في الفصل الثاني، يحلل باولو فريري المواقف والاتجاهات التي تشكل خلفية الفعل التربوي في الممارسات التربوية للمجموعة المهيمنة ضمن وضعية للقهر.
ويعرف التصور التربوي التقليدي بكونه "تصورا بنكيا" للتربية، لأنه يحلل الفعل التربوي الممارس كفعل للتخزين ثابت ومحدد بشكل مسبق في إناء فارغ جاهز للاستقبال وللتخزين.
إن وضعية المربي/المتعلم هنا وضعية غير متساوية وأحادية الاتجاه حيث يوجد من يعرفون والذين لا يعرفون؛ الذين يتكلمون والذين ينصتون؛ الذين يضعون والذين يفترض أن يتلقوا ثم يخزنوا.
ويتوجه التعليم إلى إنسان مجرد لا يوجد موضوعيا، ما دام الوجود لا يكون إلا لأناس حقيقيين.
إن الواقع الذي يتم نقله بهذا الشكل هو واقع ثابت، محنط، متوقع ومقطوع عن الواقع الوجودي والعام الذي بإمكانه وحده أن يمنحه معنى.
هذه الازدواجية تخلق السلبية، ولا تأخذ في اعتبارها الإنسان المتعلم كذات، ولا تنمي الوعي النقدي، بل الأسوأ أنها تحافظ على وضعية القهر عبر مفاقمتها، إذ تبرر النظام القائم، وتؤسس تكيف المقهور مع هذا النظام.
وهي تجعل كل معرفة بانية للشخص من باب المستحيل.
يخلص باولو فريري بذلك إلى أنه "ليس هناك بالتالي لا خلق، ولا تغيير، ولا معرفة"
التربية المحررة:
هذا النمط من التربية يؤسس نطا آخر للعلاقة: علاقة ذاتين تتربيان/تتعلمان بكل تعاضدي ضمن تحليل للواقع. فليس هناك كيانان متعارضان: مربي/متعلم: فكل واحد منهما يتحول إلى الاثنين.
"لا أحد يربي أحدا، لا أحد يتربى بنفسه، فالناس يتربون مجتمعين بواسطة العالم"
فليس موضوع المعرفة هو هدف الفعل المعرفي، وليس ملكية خاصة للمربي، بل هو موضوع وساطة، هو حلقة وصل بين عدة ذوات عارفة.

III. الحوار، جوهر التربية كممارسة للحرية
يجتهد باولو فريري في هذا الفصل بدءا، لتفصيل الأسس الفلسفية للمكانة المركزية التي يمنحها للحوار في التربية، وفي تنظيم العلاقات الإنسانية.
فإذا كانت هوية الإنسان تتحدد بالعلاقة، فإن الحوار يشكل التعبير الجوهري عن هذه العلاقة.
إذا كانت هوية الإنسان تتحدد بالكلمة، فإن الحوار يتيح تبادل تلك الكلمات (الكلمة هنا مطروحة بمعنى الكلمة المحولة المبدعة، لغة وفعلا في الآن ذاته)
التفوه بكلام أصيل يعني بداهة، تغيير العالم. وللكلمة بعدان، بعد الفعل وبعد التفكر، فإذا لم تكن سوى خطاب فهي مجرد لغو، وإذا كانت مجرد فعل فهي لا تعدو أن تكون مجرد نشاط.
والحال أن "لا أحد يمكن أن ينطق بكلمة حقيقية لوحده، ولا أحد يمكن أن يفرض على الآخرين كلمته وهو يرفض كلمتهم."
ولهذه الأسباب يبدو الحوار ضرورة وجودية.
يحلل باولو فريري بعد ذلك المواقف الإنسانية التي يتطلبها ذلك ويستدعيها: التواضع، الأمل، الثقة، المحبة...
في مرحلة ثانية يستكشف فريري موقع الحوار في تصور تربية محررة لطاقات الإنسان.
ففي مثل هذه التربية:
يشكل الواقع الفعلي للمتعلمين منطلقا أوليا، يأتي حتى قبل المحتوى المراد تدريسه، أو الواقع المراد تغييره.
ما يربي، ليس أولا ولا فقط محتوى البرنامج، بل نمط العلاقة التي تؤسس مع من يتعلمون في خضم التبادلات التي يخلقها الموضوع المعالج.
ولذا يجب أن ينطلق الحوار منذ انطلاق بناء البرنامج؛ فذلك يتيح فهم واعتبار الوضعيات الواقعية الحقيقية لحياة الأشخاص "المكونين"
وهو يتيح بعد ذاك معرفة طبيعة ودرجة وعيهم بذلك الواقع، ومختلف مستويات إدراكهم لذواتهم وللعالم الذي يعيشون فيه. فعبر الحوار فقط يمكننا فهم الشروط البنيوية التي تأخذ ضمنها لغة وفكر الآخر شكلها. وعلى المكون أن يبحث عبر "فكر/لغة" المتكون التي يضعها في علاقة بالواقع، مستوى إدراك ورؤية العالم لدى هذا الأخير.
ويفصل فريري كثيرا في ما يسميه ضمن طريقته التربوية البحث عن العالم الموضوعاتي للشعب أو "الموضوعات المولدة" التي تشكل نقطة الانطلاق التي تبنى عليها المحتويات.
ويدخل الحوار بعد ذلك في عملية التكوين ذاتها.
فعبر الحوار تتوقف الوضعية الواقعية الحقيقية عن أن تكون موضوع خضوع حتمي، ويمكن أن يبدأ تحليلها كمشكلة للحل، كتحد يواجه الإنسان من أجل خلق شيء جديد.

IV. العملية الحوارية والعملية اللاحوارية
 العملية اللاحوارية
إن أعمال القاهرين تشكل فعلا لاحواريا، ينكر، ويخرق، ويتوجس من الحوار كنمط للفعل، ويرتكز في ذلك على:
موقف الغزو
ويتجسد في تجريد الآخر من "حق الكلام"، من وسائل التعبيرلديه، ومن ثقافته. "غزو ثقافي" حيث يغزو المهيمن السياق الثقافي للآخر بنماذجه القيمية. إن المهيمن عليه، وهو يخضع لذلك الغزو منذ طفولته ( عبر التربية ووسائط الإعلام)، ويجد نفسه مغمورا في ثقافة المهيمن، يجدها طبيعية أو مرتبطة بالمعاصرة، وبالتالي أفضل من ثقافته، ويعتقد في دونيته، ويمارس رقابة ذاتية على إبداعيته. وينتهي إلى النظر إلى ذاته وإلى وضعه المعيشي بعيون المهيمنين لا بعينيه.
وينتقد فريري بذلك مؤسسات التنشئة والتكوين الرسمية (المآوي، المدارس والجامعات) التي لا تنجو من تأثيرات الشروط الموضوعية للبنية المحيطة، وتشتغل عموما مثل وكالات تكوين للغزاة المستقبليين. كما يلاحظ نفس الظاهرة داخل الأسر.
وحتى يتمكن من تدمير رؤية العالم لدى الآخر، فإن القاهريعرض عليه:
عالما من الأوهام: فالأسطرة أحد الأسلحة الثقافية للقهر (الأسطورة التي بمقتضاها يقدم نظام القاهرين كنظام للحرية، حيث كل شخص حر في اختيار مكان عمله؛ أسطورة حق الجميع في التربية، أسطورة المساواة بين الجميع؛ أسطورة الملكية (propriété) كأساس لتطور الشخصية الإنسانية؛ أسطورة جدية القاهرين في العمل، وكسل المقهورين...) عقيدة الخلاص (messianisme) أيضا شكل آخر لتلك الأوهام: المنقذ الذي يأتي من الخارج والذي ليس علينا إلا اتباع تعليماته.
عالما ثابتا مستقرا يجب التكيف معه، لأن لا إمكانية لفعل مغاير (على عكس المشكلة التي تقتضي الحل أو التحدي الذي يواجه الإنسان)
ممارسة التفرقة والتقسيم: "فرق تسد" هي قاعدة كل القاهرين. فذلك يسهل الحفاظ على الهيمنة.
التفرقة، العزل، الإغراق في رؤية تجزيئية للمشكلات. وبالنسبة لفريري، يشكل الإبراز والتثمين المنافق للمطالب الجماعاتية لدى بعض القادة نموذجا لممارسة التفرقة.
التلاعب: إنه سعي إلى إخضاع الآخر للأهداف الخاصة بالحصول على انخراطه بوسائل غير بريئة. وحين يكون الآخر ضعيفا، فإنه يستسلم لذلك التلاعب بكل سهولة. ويمكن الاعتماد في ذلك على الأساطير، والعهود، وكذا على الوعود.
ويسعى التلاعب إلى نوع من التخدير، إلى منع الآخر من التفكير لوحده، ودفعه بطريقة سيئة إلى تبني فكر المتلاعب.

 العملية الحوارية
يأتي هذا النمط كنقيض للأطروحة السابقة.
فحيث يمارس القاهر الغزو، سيبحث القائد الثوري والشعب عن ممارسات للتعاون. وتنبني هذه العلاقة على لقاء ذاتين على قاعدة المشاركة الفاعلة لكل منهما في تحررها.
وحيث يؤسس القاهر التفرقة، سيسعى العمل الحواري إلى بناء الوحدة؛
وبعيدا عن التلاعب بالشعب ، سيدفع القادة الشعب إلى الانتظام من أجل مهمة مشتركة؛
وحيث كان الغزو الثقافي، سنجد موقفا ثقافيا آخر، حيث يأتي أولئك الذين يصلون إلى العالم الشعبي لكي يكتشفوا العالم مع الشعب، وليس من أجل تلقينه، من أجل اكتشاف الاختلافات، والارتكاز عليها من أجل أن يبدعوا مجتمعين ثقافة جديدة من دون أي فرض من أي من الطرفين، بلوغا إلى ما يسميه الكاتب "التوليفة الثقافية"
ويقف الكاتب طويلا على مسؤولية الذين يمارسون فعل التربية. وينبههم إلى أن الفعل الحواري ليس بالضرورة فعلا طبيعيا. إنه يقتضي تغييرا عميقا في أنماط الفعل المعتادة، والتخلي عن الأساطير التي نتغذى عليها منذ طفولتنا والتي تترسب بشكل قوي في دواخلنا، وهو ما لا يتم دوما بشكل سهل، إذ يجب بالفعل أن نتوقف عن أن نكون "فوق" أو "داخل" مثل أجانب، لنصير "مع، كمواكبين". ويؤكد أيضا على مخاطر الوقوع فريسة للخوف من الحرية، من الجديد، ومن المخاطرة.


استخلاصات مؤقتة
على سبيل الاستخلاص، ما هي المبادئ التي يمكن الاحتفاظ بها كمبادئ مؤسسة لهذه البيداغوجيا؟
 اعتبار الآخر ذاتا قرينة: ويفترض ذلك الأخذ في الاعتبار معارفه، وتجربته ورؤيته للعالم. الحوار أساس كل تربية محررة، بدءا من البناء وحتى الإنجاز.
 الوعي بالذات، بالوضع الخاص الموضوعي، بالثقافة الخاصة، وبالتوجهات الخاصة ضمن العلاقة.
 ليس هناك من تضامن حقيقي مع المقهورين بدون تغيير عميق لدى القاهرين: في نمط وجوده ضمن العالم، في علاقته بتطوره الخاص ورفاهه، في نظرته للآخر( وبالخصوص الأجنبي، الفقير ...)
 الفعل التربوي أولا فعل علاقة وحوار. ولا يمكن تصور محتويات التربية في استقلال عن هذه العلاقة. إذ أن طرائق التبليغ تكشف للمحتويات معناها.
 لا يمكن أن نتعلم إلا إذا كنا فاعلين في تعلمنا، لا يكفي أن نستهلك أفكارا، بل أن ننتجها ونحولها بفضل الفعل والحوار، ليس هناك مبلغ ومستقبل ومحتوى خارجي يلزم وضعه. هناك ذوات تتربى بشكل مشترك وتغير وعيها بواسطة منهج فهم العالم.

" ليس بإمكاني التفكير لأجل الآخرين، ولا بواسطة الاخرين، ولا من دون الآخرين"




Anne Minot*: شبكة مدارس المواطنين (RECIT) فرنسا
**محمد المديوني: مفتش التوجيه التربوي- المغرب



#محمد_المديوني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن ...
- مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد ...
- لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟ ...
- إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا ...
- مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان ...
- لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال ...
- ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
- كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟ ...
- الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
- مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد المديوني - بيداغوجيا المقهورين لباولو فريري- ترجمة تلخيص آن مينو