مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3282 - 2011 / 2 / 19 - 06:32
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الثورة في الممارسة
إيريكو مالاتيستا *
7 أكتوبر تشرين الأول 1922
ترجمة : مازن كم الماز
إننا نريد أن نصنع ثورة بأسرع ما يمكن , مستفيدين من كل فرصة قد تلوح .
باستثناء عدد قليل من "التعليميين" الذين يعتقدون بإمكانية النهوض بالجماهير إلى فكرة الأناركية قبل أن تتغير الظروف المادية و الأخلاقية التي يعيشونها , و بالتالي تأخير الثورة إلى الوقت الذي يستطيع فيه الجميع أن يعيشوا وفقا للأناركية , يتفق كل الأناركيين على هذه الرغبة بالإطاحة بالأنظمة القائمة بأقرب وقت ممكن : في الواقع , إنهم في أغلب الأحوال الوحيدون الذين يبدون رغبة صادقة في فعل ذلك .
لكن الثورات وقعت , و تقع و ستقع بشكل مستقل عن رغبة و فعل الأناركيين , و بما أن الأناركيين هم أقلية صغيرة فقط من مجموع السكان و أنه لا يمكن تحقيق الأناركية بالقوة و أو بفرضها بالعنف من قبل أقلية , فمن الواضح أن الثورات الماضية و المستقبلية لم تكن و لن تكون ثورات أناركية .
في إيطاليا قبل سنتين كانت الثورة على وشك أن تندلع و قد قمنا بكل شيء يمكننا لجعلها تحدث . لقد عاملنا كخونة كلا من الاشتراكيين و قادة النقابات الذين أوقفوا زخم الجماهير و أنقذوا النظام الملكي المتهالك عندما اندلعت الاضطرابات ضد تكاليف المعيشة المرتفعة , و في مناسبة الإضراب في بيدمونت , و انتفاضة أنكونا , و عندما وقع احتلال المصانع .
ماذا كنا سنفعل لو أن الثورة كانت قد اندلعت بالفعل ؟
ماذا سنفعل لو أن الثورة وقعت في الغد ؟
ما الذي فعله رفاقنا , و ما الذي كان بمقدورهم أن يفعلوه و الذي كان عليهم أن يفعلوه في الثورات الأخيرة التي وقعت في روسيا , بافاريا , هنغاريا و في أماكن أخرى ؟
لا يمكننا أن نحقق الأناركية , على الأقل ليس في كل مكان و لا في كل العلاقات الاجتماعية , لأن الناس ليسوا أناركيين في كل مكان بعد , بينما لا يمكننا في نفس الوقت أن نقبل نظاما آخر دون أن نتخلى عن أهدافنا و أن نخسر أي سبب لوجودنا كأناركيين . إذن ما الذي يمكننا و ما الذي علينا أن نفعله ؟
كانت هذه هي المشكلة التي نوقشت في باين , و هذه هي المشكلة التي تستقطب أكبر اهتمام في الوقت الحاضر , المليء بمثل هذه الفرص , عندما نواجه فجأة مواقف تتطلب منا إما أن نتصرف على الفور و دون تردد , أو أن نختفي من ساحة المعركة بعد أن نجعل انتصار الآخرين أسهل .
إنها ليست قضية تصوير الثورة كما نريدها , أي كثورة أناركية حقيقية كما قد تكون لو كان كل أو معظم الناس الذين يعيشون في منطقة ما أناركيين . إنها مسألة البحث عن أفضل ما يمكن فعله لصالح القضية الأناركية في ثورة اجتماعية ما يمكن أن تحدث في الوضع الحاضر .
للأحزاب السلطوية برامج محددة و هي تريد أن تفرضه بالقوة , لذلك فإنها ترغب في الاستيلاء على السلطة , سواء بالطرق القانونية أو الغير قانونية , و أن يغيروا المجتمع على طريقتهم من خلال فرض قوانين جديدة . هذا يفسر لماذا هم ثوريون بالكلام و غالبا حتى في نواياهم , لكنهم في نفس الوقت يترددون في صنع الثورة عندما تتاح الفرصة , إنهم غير واثقين من قبول الأكثرية , حتى السلبي , و لا يملكون قوة عسكرية كافية لفرض تنفيذ أوامرهم في كل أنحاء البلد , و ينقصهم أشخاص مخلصين و مؤهلين في كل فروع النشاط الاجتماعي التي لا حصر لها ... لذلك فإنهم يجبرون دائما على تأجيل العمل , حتى يجري دفعهم و هم مترددون إلى الحكم من قبل الانتفاضة الشعبية . لكن ما أن يبلغوا السلطة حتى يعملوا على أن يبقوا هناك إلى أجل غير مسمى , ّلذلك فإنهم يحاولون أن يبطئوا , يحرفوا و يوقفوا الثورة التي صعدت بهم .
على العكس من ذلك , لدينا بالفعل أهداف نقاتل في سبيلها و نريد أن تتحقق , لكننا لا نعتقد أن غايات مثل الحرية , العدالة , و الحب يمكن أن تتحقق بواسطة عنف الحكومة .
إننا لا نريد أن نمارس السلطة و لا نريد لأي كان أن يفعل . إذا لم يكن بإمكاننا أن نمنع ظهور الحكومات و أن تقام , بسبب ضعف قوتنا , فإننا نسعى و سنسعى دائما لأن نبقي هذه الحكومات أضعف ما يمكن . لذلك فإننا مستعدون دوما لنعمل فيم يتعلق بالإطاحة أو إضعاف بالحكومة ( 1 ) , دون أن نقلق كثيرا ( أقول "كثيرا" و ليس على الإطلاق ) بخصوص ما سيحدث بعد ذلك .
بالنسبة لنا يمكن استخدام العنف فقط و فقط في دفع عنف مضاد . ما عدا ذلك , فعندما يجري استخدامه لتحقيق أهداف إيجابية , إما أنه يفشل تماما , أو أنه ينجح فقط بخلق اضطهاد و استغلال البعض للآخرين .
إن إقامة مجتمع من البشر الأحرار و تطوره التقدمي يمكن أن يكون فقط نتيجة ثورة حرة , إن مهمتنا كأناركيين هي بالتحديد أن ندافع عن و أن نضمن حرية هذا التطور .
هذه هي مهمتنا : تهديم أو المشاركة في تهديم أية سلطة سياسية أيا تكن , مع كل القوى القمعية التي تدعمها , و منع أو محاولة منع حكومات جديدة و قوى قمعية جديدة من أن تنشأ , في كل حالة , أن نمتنع من الإقرار بأية حكومة , و نستمر دوما بالنضال ضدها , معلنين و مطالبين , بحقنا في أن نعيش و ننظم حياتنا كما نريد , حتى بالقوة عند الضرورة , و أن نجرب أشكال المجتمع التي تبدو الأفضل لنا , طالما أنها لا تنتقص من الحرية المساوية للآخرين بالطبع .
أبعد من هذا النضال ضد إكراه الحكومة الذي ينتج الاستغلال الرأسمالي و يجعله ممكنا , ما أن نحفز الجماهير و نساعدها في الاستيلاء على الثروة الموجودة و خاصة وسائل الإنتاج , ما أن يصل الوضع إلى حيث لا يستطيع أي كان أن يفرض إرادته على الآخرين بالقوة , و لا أن ينتزع من أي إنسان نتاج عمله , يمكننا عندها أن نعمل من خلال الدعاية و بقوة المثال .
تدمير المؤسسات و ماكينة التنظيم الاجتماعي القائم ؟ نعم , بالطبع , إذا كانت القضية تتعلق بالمؤسسات القمعية , لكن هذه , مع ذلك , جزء صغير فقط من مركب الحياة الاجتماعية . الشرطة , الجيش , السجون , و القضاء هي مؤسسات مهمة للشر ( الاجتماعي ) , و هي تمارس فقط وظيفة طفيلية . أما بقية المؤسسات و التنظيمات فإنها تتولى تأمين حياة البشرية , سواء للأفضل أو للأسوأ , و هذه المؤسسات لا يمكن تدميرها عمليا دون أن يجري ( على الفور ) استبدالها بمؤسسات أفضل .
تبادل المواد الخام و البضائع , توزيع الغذاء , السكك الحديدية , خدمات البريد , و كل الخدمات العامة التي تديرها الدولة أو الشركات الخاصة , كلها قد نظمت لتخدم المصالح الاحتكارية و الرأسمالية , لكنها أيضا تخدم الحاجات الفعلية للناس . و لا يمكننا أن نلغيها ( و في كل حالة لن يكون في مصلحة الناس أن يسمحوا لنا بذلك ) دون أن ننظمها بطريقة أفضل .
نقلا عن //dwardmac.pitzer.edu/Anarchist_Archives/malatesta/Malatestaarchive.htm
( 1 ) قال الكاتب الأناركي المسيحي الروسي ليو تولستوي في عام 1886 : "أنا أجلس على ظهر الرجل , أخنقه , أجعله يحملني , و مع ذلك أؤكد لنفسي و للآخرين أنني آسف جدا لما يعانيه و أنني أرغب أن أخفف من معاناته بأية وسيلة ممكنة إلا أن أنزل عن ظهره .
الشكل و المحتوى المتغير للقانون هو أشبه بما قد يفعله السجان الذي قد يريد تغيير قيود سجينه ... أو أن يستبدلها بمزلاج و قضبان .
يجب على الروسي أن يشعر بالسرور إذا انفصلت بولندا , مقاطعات البلطيق , فنلندا , أرمينيا , إذا تحررت من روسيا , و كذلك على الانكليزي فيما يتعلق بإيرلندا , و الهند و بقية ممتلكات انكلترا , و يجب على كل إنسان أن يساعد في حدوث هذا , لأنه كلما كانت الدولة أعظم , كلما كانت وطنيتها أكثر قسوة و لا أخلاقية , و كلما كانت أكبر محصلة المعاناة التي تقوم عليها سلطتها . لذلك إذا كنا نرغب بالفعل أن نكون كما نريد , لا يتوجب علينا فقط أن نتوقف عن رغبتنا الحالية بنمو الدولة , بل علينا أن نتمنى تراجعها , ضعفها و أن نساعد في حدوث هذا بكل قوتنا" . ( هذا الهامش غير موجود في النص الأصلي و قد جرت إضافته من قبل المترجم )
نقلا عن //dwarmac.pitzer.edu/Anarchist_Archives/bright/tolstoy/tolstoy.htm
* إيريكو ماتاليستا : أناركي إيطالي ( 1853 – 1932 ) . قابل باكونين عام 1872 , و كان صديقا لكروبوتكين منذ التقاه في جنيف 1877 , شارك في العديد من الانتفاضات و الاحتجاجات ( منها انتفاضة الفلاحين في 1897 و انتفاضة أنكونا عام 1898 و مظاهرات أنكونا عام 1913 و الإضراب العام عام 1914 و ثورة تورينو عام 1920 التي أحبطها الحزب الاشتراكي و النقابة الرئيسية في البلاد ) و اعتقل مرارا و هرب من سجنه مرارا .
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟