|
كيف تصنع إرهابياً ..؟
كامل السعدون
الحوار المتمدن-العدد: 981 - 2004 / 10 / 9 - 14:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نعم … كيف تصنع إرهابيا … المسألة بسيطة … وصفةٍ أبسط من صنع المكبوس أو البرياني ، ولكنها قد تستغرق وقتاً أطول …! لا عليك ، فقط ضعها على النار وأتركها ، لا تشغل نفسك بالمتابعة ، فهي ستتابع نفسها بنفسها ، أو بالأحرى هناك من يتابعها …! لن تعدم من يتابعها لك ، فالكثيرُ الكثير من المتطوعين الراغبين بالثواب ، سيتعهدون طبختك حتى تنضج فيقدموها لك …! إنما ، هل ستجرؤ على تناولها … هذا هو السؤال …! هل ستجرؤ على التهام لحم ابنك أو أبنتك …! أو لحم أبن جارك أو أبنته …! هذا هو المشكل الأكبر في الطبخة ، وهو ذاته ما سيجعلك تشيح بوجهك عن طبختي ، وليتك تفعل …! حسناً … ما علينا … رسالتي أن أدلك على وصفة طبخٍ قديمةٍ متجددة … حية … منذ أيام الفاتيكان ، أيام مجده … منذ أيام محاكم التفتيش في إسبانيا … منذ عصر حرق الساحرات … منذ أيام الأسلاف العظام بنو العباس وبنو أمية وآل عثمان ، وانتهاء بأيام الفتى العربي النجيب التقي بن لادن وصحبه الكرام الذين هدموا المعبد على رؤوسنا ورؤوس الكفار من يهودٍ ونصارى في مركز التجارة العالمي …! الوصفة كما أسلفت بسيطةٍ غاية البساطة …! خُذ عشرون كيل وغراما أو أكثر بقليل من اللحم الآدمي !!! يمكنك أن تجده في بيتك … ولدك مثلاً أو أبن أختك أو أبن جارتك … هذا إذا كان لديها أكثر من أبن أو ابنة ومستعدة للتضحية بها أو به …! ( لا أظن أنها لن تفعل ، فأنت موثوقٌ بتقواك وصلاحك …! ) ركز عينيك في عينيه ، أبسط له يديك ، أهمس في أذنه كلمتين فقط ، الجنة والنار ، ولا خيار ثالث …! وأتركه يمضي إلى شأنه ، سيعود ربما ليسألك عن التفاصيل ، أو ربما سيتطوع غيرك للتفصيل …! هكذا ، وانتهت الطبخة ، أذهب إلى سريرك وأنتظر ، فستأتيك الجثة لاحقاً مغلفةٍ بالكفن الرخيص …! *********
فكرة الجنة والنار ، فكرة خالدةٌ في الفكر الديني المسيحي واليهودي والإسلامي ، بل وحتى في كثيرٍ من الأديان الوثنية القديمة …! ولهذه الفكرة بالذات من مجمل النصوص والأفكار والطروحات الدينية ، أهميةٌ بالغةٌ لدى قطاع كبير جداً من الناس ، آباءٌ ورجال دولة ، ورجالات دين …! إنها كما السلاح النووي في عصرنا ، أداة ردعٍ وابتزاز وهيمنة ، وهي عماد قوة الأقوياء البالغين المتعلمين أو أنصاف المتعلمين ، وسط جموع الصبية وغير الناضجين عقلياً ، وغير المتعلمين ، وغير المستقلين في معاشهم وقرارهم …! إنها أداة هيمنةٍ وابتزاز وتشويه وتدجين وتسلط …! وهي … أداةٌ لتخريب المجتمعات وتعطيلها وسلبها إرادة الحياة والبقاء والتقدم …! هذا المخلوق العظيم ، الذي عايش الأسود والدببة والديناصورات والأوبئة ، وأفلت منها حتى وصل إلينا وأوصلنا إلى ما نحن ( أو بالأحرى هم عليه ، أعني أهل الغرب ) ، هذا الإنسان غلب كل شيء ، ووصل إلينا نحن أهل الشرق ، فتلقفه بعض الوعاظ ، وما أكثرهم ، ليذلّه ويستلب إرادته ويخدر عقله ويكبل يديه ، بفكرة الطريقين الأوحدين الذين لا ثالث لهما … أما الجنة أو النار .. ! ( مع الاعتذار للغالي الفقيد المبدع … نزار ….! )
**********
_ حسناً يا شيخي ، كيف لي بالجنة …! - - الأمر سهلٌ يا بني ، أعتزل الحياة الدنيا ، أزهد بطعامك وشرابك ولباسك ، أطلق لحيتك ، أمتنع عن قراءة - كتب الكفار ، إمتنع عن تصديق نظرياتهم ، ربّي أبنائك على الخشونة والزهد والشجاعة في مقارعة الكفار ، ربّي بناتك على العفة والركون في الدار بالانتظار …! - ثم ماذا يا شيخي …؟ - جاهد الكفار والمشركين بيدك أو بلسانك أو بقلبك وهذا أضعف الأيمان …! - ومن هم المشركون يا شيخي الجليل …؟ - كثار يا بني …كثار … " قالها وهو يستعيذ … ويده تمسد لحيته باضطراب … ثم عقب …" - اليهود والنصارى والمجوس والبوذيون والرافضة وأهل البدع و…و…و….! أي كُل سكان المعمورة تقريباً …! ثم عكف شيخي الجليل على البكاء …! - ما يبكيك يا شيخي …! - أكاد أرى لظاها يا ولدي يلسع وجهي وظهري وصدري … النار … النار يا ولدي …! كيف تتخيلون حال المواطن البريء الساذج قليل التعليم ضعيف الحجة قليل الخبرة والقدرة على التحليل والتمحيص والاستنباط … ذلك الذي بالكاد خرج من مدينته الصغيرة أو قريته أو مضارب قبيلته إلى قرية أو مدينة أخرى أو بالكاد إلى العاصمة ذاتها في ذات البلد المبتلى بمثل هذا الشيخ الجليل …! كم سيكون حجم عطاءه لمجتمعه وأهله والبشرية جمعاء …؟ كيف سيكون أداءه الاجتماعي ؟ هل مثل هذا سيعزز فرص التقدم والبناء والديمومة والسمو لمجتمعاتنا ، والسلام للبشرية ، والحرص على كوكبنا الجميل الصغير ….؟ هل يمكن أن يكون مثل هذا ، فناناً مبدعاً أو شاعراً عظيماً أو عالماً جليلاً يغني الفتوح العلمية ، أو أباً صالحاً أو أماً رؤومٌ متوازنة السلوك ، منسجمة الأخلاق رضية النفس …! لا يمكن قطعاً أن يكون كذلك …! بل … كائنٌ منعزلٌ مغتربٌ عدوانيُ السلوك عنصري النظرة ناقمٌ على الحياة والأحياء ، ميتٌ يسير بيننا ، منّا وليس بمنتمٍ إلينا …! كائنٌ يسبح خياله بين ضفاف الجنة وحواف النار ، مضطربٌ لا يدري إلى أيهما سيذهب ، يعيش في الانتظار القلق للموت حتى يتسنى له معرفة النتيجة …! وغالباً يسارع إلى الموت برجليه …وهذا ما نسميه الإرهابي …! وفي أحايين كثيرةٍ ، يظل مراوحاً بين الموت والحياة ، فلا هو من أهل الموت فنبكيه وننساه ونستمر في صيرورتنا الحياتية ، ولا هو من أهل الحياة فينفعنا ويتفاعل معنا ويغنينا ونغنيه ، بالحب والعطاء …! ومثل هؤلاء الكثير … الكثير من الشباب …! شواظ النار الربانية المزعومة ، لم تعفي أحداً منّا … هي موجودةٌ بقوة في عقلنا الجمعي …! حتى أولئك الذين لم يتلقوا تربيةٍ نارية ، هم في واقع الحال قريبون إلى حد كبير من لظاها ، فزميلٌ في العمل ، أو أبن في المدرسة أو زوجةٌ عاجزة مترددةٌ تعيش على فتات مائدة علم أباها النارية أو موظفٌ مسؤول مترددٌ متعكز المزاج من ذكريات وصور الجنة أو …..أو صحفيٌ خائفٌ خجل الكلمات مسرفٌ في المجاملة والكذب ، أو كتابٌ يصفعك عنوانه الناري فيجعلك تلعن اليوم الذي ولدت فيه …! وبالتالي ، حتى وإن نأيت بنفسك عن المنطق الأثنوي ( الجنة والنار ) ، فإنك ملزمٌ بقوة سوط الواعظ والذي يدعمه المجتمع غالباً ( أما نفاقاً أو حياءٍ أو عن إيمان ) ، ملزمٌ أن تطوي لسانك في جوف فمك ، وتطيل لحيتك ، وتتعبد زيفاً أو تنافق في قولك وفعلك . وتعتمد التقية ، والتقية تعني أن تعيش بنصف رجولة ، أو نصف أنوثة ، أو النصفين معاً في واحد…! بل حتى الفاسق الفاسد الذي لا تردعه حرمةٌ أو حياء ، هو مسرفٌ في فسقه ، لأن غير مؤمنٍ بالخيارين أو أحدهما ، ولم يتلقى تربيةٍ بديلة لا في البيت ولا في المدرسة ولا في الشارع ، ونعني هنا التربية القائمة على المنطق والعقل والعلم والقانون واحترام الخصوصية الفردية …!
*********
أبنائنا …. تلك البراعم الصغيرة الواعدة …. كيف نربيها على الحب والخير والجمال والعدل وحب الإنسانية جمعاء ، وهم مهددون في أول يومٍ من أيام المدرسة ، بسوط المعلم وناره ، وذقنه النارية الشعثاء …! من الطريف أن أورد هنا طرفةٌ حدثت معي ، وأفلت منها بأعجوبة بفضل حيوية ومرونة في الفكر ، لا زلت أردها لأبٍ مذهل في نبله وعلمه …!
في اليوم الأول من السنة الأولى من مشوار ابنتي الصغيرة في المدرسة ، وكانت للتو قد ولجت السادسة ، وحيث كنت وأمها في الانتظار المتلهف لما ستخبرنا به من هذه التجربة الرائعة المثيرة الجديدة ، وإذ عادت ابنتي … عادت ويا عجبي مذهولةٍ مشدوهة الفكر …!! - ماذا يا بنيتي … لا أراك على ما يرام …! - لا بابا … لا شيء …!
هنيهةٌ وعادت بنيتي لي …ترددت برهةٍ ثم انفجرت بالبكاء - بابا لا أريد أن أذهب إلى النار …! - - ماذا … أي نار يا صغيرتي …! - نار الله …! يا إلهي الرحيم … نار الله لوليدة لم تتجاوز بعد السادسة …! شعرت بالرعب والأسى وغصة في الصدر أوشكت أن تخنقني … تأملت قليلاً … وبدأت أقص نسختي الشخصية من العقاب الإلهي …! نسخةٌ لا أدري أهي من إبداعي أم إن غيري قد أبدعها …! - بنيتي ، ليس هناك نارٌ على الإطلاق فاطمئني …! - كيف …" هتفت وهي تكاد تقفز من الفرح "… وأين يذهب السيئون بعد الموت …! - سؤال وجيه يا بنيتي " هتفت بلغة وعظيةً أين منها لغة أشياخنا النجباء المبجلين " … الأشرار سيذهبون إلى مكانٍ أقل منزلةٍ من المكان الذي ستحلين فيه ، لن ينالوا النعم التي ستنالين ، ولكنهم سيستمرون بالعيش وسيضحكون ويحزنون ويعملون و….و…. و…! - يعني تماماً مثل حياتنا هنا …؟ - بلا … مثلها بكل أحزانها وأتراحها ، أما أهل الجنة ، فلا حزن يرون ولا ألم … وبالمناسبة ، فمن الممكن لأهل …أعني للناس الذين يعيشون بمستوى أقل من أهل الجنة ، من الممكن لهم إذا حسنوا سلوكهم وطوروا أنفسهم ، من الممكن أن يرتقوا إلى الجنة فينعمون بما ستنعمين به أنتِ …! - صحيح بابا …" قالت وهي تكاد تفيض حبوراً " …! - طبعاً … وتابعت خذي على سبيل المثال جارنا الطبيب أبا عامر ، إنه واسع العلم …نال من الحياة نعماً لم ننلها نحن ، وذلك بفضل علمه واجتهاده ، أنا لم يتسنى لي ما تسنى له من فرص ، قطعاً لا يمكن أن أحرق أو أقتل لأني لم أنل من العلم إلا قليلا…! - كذلك أهل الدارين ، الجنة وما دونها ، هؤلاء اجتهدوا في الخير فنالوا من الرب المكافأة العظمى وأولئك لم يجتهدوا فكانت لهم نعمٌ أقل ، وأمامهم كما أمامي أنا الآن فرصٌ لتحسين الحال من خلال العلم والعمل …! - هذا معقول يا أبي …! - طبعاً هذا هو الصحيح ، ولا تهتمي بما يقوله الآخرون …! - وتركتني ابنتي وهي أكثر قوةٍ وثقةٍ وسعادة …! ماذا لو أننا جميعا فعلنا الأمر ذاته ، وابتدعنا لأبنائنا الحلول المنطقية المعقولة ، وحررناهم من الخوف والوهم والاستلاب الفكري الذي يمكن أن يتعرضوا له ، فيتحلون لا سمح الله إلى مطايا للإرهاب والعنصرية …! إن تلبك مسؤوليةٌ الجميع ، المعلمون والآباء والمثقفون ورجال الدين المتنورون …. ولو إننا نجحنا في هذه المهمة الخطيرة ، لأمكن لأمتنا أن تنبؤ مكانةٍ طيبةٍ مرموقةٍ وسمعةٍ محترمة بين الأمم ….!
#كامل_السعدون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرثية لشهدائنا صغار حي العامل - شعر
-
زائر الكنيسة - قصة مترجمة عن النرويجية - تأليف تور بريكفيند
-
تضامناً مع الحوار المتمدن …تضامناً مع شعبنا العربي في نجد وا
...
-
قالت أنها تعرف أسرار روعتها ...
-
نظرة الإسلام للمرأة - قراءة في بعض أحاديث الرسول
-
الأسئلة القديمة المتجددة ...!!
-
المزيد من متناقضات الكتاب العتيد
-
ليتنا نغلق الكتاب فإنه مثقلٌ بالإضطراب ...!
-
لا ليست إسرائيل عدونا الأول
-
يمكنك أن تطيل عمرك البيولوجي وتجدد شبابك من خلال المحافظة عل
...
-
قوة بلا حدود - الجزء الأول -الفصل السادس
-
أحاديث محمد ...هل تصلح أن تكون مرجعاً سلوكياً أو دينياً ...؟
-
لماذا نتأمل ...؟ - دراسة في التأمل وتقنياته - الفصل الرابع
-
قوانين النجاح الروحية السبع - القانون السابع والأخير
-
تجوالٌ في عوالم أخرى خفية - قراءات باراسيكولوجية
-
أسباب ضعف وتشتت حركة اليسار والقوى العلمانية في العالم العرب
...
-
لن يشفى العراق وليلى مريضةٌ ...!
-
قوة بلا حدود - الفصل الرابع
-
حرائرنا النبيلات ...سارعن لأنتزاع حقوقكن في العراق الديموقرا
...
-
عن الإسلام والأرهاب ثانيةٍ
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
-
قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود
...
-
قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|