|
قامت الثورة المصرية لكي تستمر وتتخطى كل الحواجز 1
سامي المصري
الحوار المتمدن-العدد: 3279 - 2011 / 2 / 16 - 10:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن الحواجز والمعوقات أمام الثورة الفتية قائمة وعنيفة مستندة لقوى كثيرة وعملاقة في الداخل والخارج، فهل تقوى تلك العقبات على الثورة؟ وهل تستطيع الالتفاف عليها واحتواءها؟ أم ستجتاز الثورة كل العقبات بقوة ونجاح؟!!!
أسئلة كثيرة تدور في الشارع المصري يتردد صداها ما بين التخوف والأمل. أنا أرى أن الإجابة على كل تلك الأسئلة تتأكد يما حققته الثورة من قيم على الساحة المصرية العريضة. إن ما حققته الثورة المصرية العملاقة قد أذهل العالم كله وكان مثارا لتعليق الإعلام العالمي وكل رؤساء العالم. تقول الـ CNN »لأول مرة في التاريخ نرى شعبا يقوم بثورة ثم ينظف الشوارع بعدها« . ويقول رئيس النرويج، »اليوم كلنا مصريون«.
أتذكر تماما مثل تلك التعليقات عقب ثورة جمال عبد الناصر البيضاء التي هزت العالم. عبد الناصر قام بالثورة وقوات الإستعمار البريطاني تربض في الإسماعيلية. صحيح كان من المستحيل على تلك القوات سرعة التحرك إلي الإسكندرية بمدرعاتها الثقيلة، بينما كانت المدة القصيرة -ثلاثة أيام فقط- التي حققت فيها الثورة كل أهدافها بطرد الملك من مصر أمرا مفاجئا ومذهلا للعالم. وأكثر ما أثار التعجب وتعليق الإعلام العالمي هو أن الثورة كانت أول ثورة بيضاء في التاريخ حيث لم تراق فيها نقطة دم واحدة. كما أن الموقف المتحضر جدا للثورة في وداع الملك بالتحية العسكرية وتحيته بإطلاق المدفعية كالتقاليد العسكرية، مما كان مثارا للإعجاب الشديد والإشادة بالتحضر المصري، الذي لم ترقأ إليه أي ثورة في التاريخ. الثورات الأوربية ذات التاريخ الدموي البشع كانت تتمثل أمام العالم بالمقارنة مع الثورة المصرية المتحضرة . وبالرغم من عدم إخفاء عداء الثورة لدولة إسرائيل التي كانت ترتكز على القوتين العظميان اللتان فرضتا وجودهما على العالم بعد الحرب العالمية الثانية. كما أن من أولويات أهداف الثورة هو تحقيق آمال الشعب في تحرير مصر من الاستعمار البريطاني، لكن المفاجأة المذهلة للثورة عقدت الألسن فلم تملك قوى العالم إلا الإشادة والتعبير عن الإعجاب الشديد. في نفس الوقت الذي بدأت فيه القوى المعادية تدبير كل الوسائل لمحاربة الثورة واحتوائها. لذلك أرى أن هناك ضرورة لدراسة ظروف ثورة 1952 والعقبات التي واجهتها والاستفادة من عبرة التاريخ حتى يمكن تخطي تلك العقبات. لذلك أعرض أمامكم أولا ما واجه ثورة 1952 من مصاعب.
تتلخص العقبات التي واجهت ثورة 1952 فيما يلي:
• من أول وأخطر المشاكل أن مجلس قيادة الثورة نفسه كان يتكون من مجموعة غير متجانسة على الإطلاق فمنهم الشيوعي ومنهم من ينتمي للإخوان المسلمين ومنهم الأمريكي الرأسمالي ومنهم عضو حزب مصر الفتاة سيء السمعة. الخطورة أن جميعهم ضباط بالقوات المسلحة لهم نفوذ عسكري مما يهدد بإمكان قيام حرب أهلية بينهم مما يحتاج لحكمة بالغة وحنكة في قيادتهم لتجنب الصدام المسلح. وذلك ما دعي جمال عبد الناصر لاختيار اللواء محمد نجيب من خارج التنظيم لرئاسة الحكومة حتى يحقق شكلا من التوازن.
• أحزاب سياسية فاسدة تماما أكثر من الأحزاب القائمة اليوم معظمها أقامها الإنجليز لمحاربة حزب الوفد الممثل للحركة الوطنية والحائز على الأغلبية الشعبية نتيجة لتاريخه العريق. المشكلة الأكبر هي أن حزب الوفد نفسه كان قد فسد تماما بعد أن قامت ثلاثة عائلات من الإقطاعيين بغزوه هم عائلة الوكيل وهي عائلة زوجة النحاس باشا (كانت في سن حفيدته تزوجها عندما كان عمره 58 عاما) أما العائلة الثانية فهي عائلة سراج الدين الإقطاعية الإخوانية بقيادة فؤاد سراج الدين، والتي دخلت الوفد بتشجيع ونفوذ عائلة الوكيل، ثم عائلة البدراوي عاشور الإقطاعي المشهور. وترتب على ذلك أن الأحرار في حزب الوفد بعد أن فشلوا تماما في محاولاتهم لإنقاذ الحزب تركوه وكان على رأسهم مكرم عبيد وإبراهيم العشماوي وغيرهم من الأحرار. واستمر صبري أبو علم باشا الوفدي الأصيل في حزب الوفد محاولا إنقاذه لكنه مات حزينا يائسا تماما بعد أن تفشى في الحزب الفساد والرشوة والمحسوبية، التي صارت أهم موضوع لنكت الكاريكاتير.
• خزينة الدولة كانت فارغة تماما لدرجة أن نجيب الهلالي باشا عندما كُلِف بتشكيل الحكومة، وبعد محاولاته لمدة ثلاثة أيام، رجع يعتذر للملك عن عدم إمكانه تشكيل حكومة جديدة، وكان من أهم الأسباب هو العجز المالي بخزانة الدولة، لقد كان نصف في المائة من المصريين يملكون أكثر من خمسة وتسعين في المائة من ثروة مصر. المشكلة أن الكثير من الأموال مهرب للخارج، ولم تكن هناك أي اتفاقيات دولية تسمح بالحجر أو إعادة الأموال المهربة.
• كان يسيطر على الشارع المصري قوتان سياسيتان متصارعتان هما الإخوان المسلمين والشيوعيين وكلاهما يستندان للاستعمار البريطاني حيث كلاهما يعاديان الفكر القومي وذلك بهدف إضعاف الروح الوطنية المصرية. الأحزاب الشيوعية بدأت بقيادات من اليهود المصريين الذين كانوا يتبعون للحزب الشيوعي البريطاني (كانت روسيا تحت الستار الحديدي) من أمثال روزنتال وهنري كورييل, ومارسيل اسرائيل، وهليل شوارت. وقد اجتذبوا الكثير من المثقفين والمفكرين المصريين رفيعي المستوى مما جعل من الأحزاب الشيوعية المعادية للملك قوة جاذبة للشباب وأساتذة وطلبة الجامعة خاصة كليات الهندسة والعلوم.
• أهم مرحلتين في عصر الملك فاروق هما فترة الحرب العالمية الثانية ثم السبع سنوات التالية حتى قيام الثورة. فترة الحرب العالمية عاشت فيها مصر في ظلام دامس ليلا وفي رعب وفقر وقلق نهارا. كانت كل إمكانيات مصر مسخرة تماما لخدمة قوات الاحتلال البريطاني المقاتلة، والشعب في حالة مذرية من العوز الشديد في المواد التموينية والملابس. مثلا كان محصول البطاطس يذهب بالكامل لقوات الاحتلال البريطاني وكانت تعتبر جريمة من يضبط عنده بطاطس، وأذكر أن أول مرة تظهر البطاطس في السوق عام 1946 كان سعرها 17 قرش. لم يكن الخبز يباع في الأسواق بل كان كل فرد يخصص له كمية من الدقيق تصرف بالبطاقة شهريا ويتم إعداد الخبز في البيوت. بدأنا نشعر بالحرية بعد 7 سنوات من الضنك في عام 1946 حيث بدأت الحالة تنفرج بشكل تدريجي بطيء للغاية. الضغط النفسي الشديد والشعور بالإحباط تحول بعد الحرب إلى طاقة ثورة عارمة ورغبة في الحياة بالتخلص من الاستعمار البريطاني. وفي عام 1947 هاجم مصر مرض الكوليرا الذي حصد مئات الألوف من الشعب المصري، حيث كانت نشرة أعداد المصابين الجدد والموتى كل يوم هي أهم خبر يفجعنا كل صباح. توقفت المواصلات بين المحافظات ووضعت كردونات على الطرق لتمنع الانتقال إلا في أضيق الحدود وبتصريح خاص. انتشر المرض من التل الكبير حيث سكنات الجيش البريطاني وأشيع أن القوات البريطانية قد نشرت المرض للرد على المظاهرات التي تطالب بالجلاء. ولم يكد تخف حدة المرض حتى أعلنت مصر الحرب على فلول العصابات الصهيونية التي تريد أن تقيم دولتها في فلسطين عام 1948. فعدنا مرة أخرى لحالة الحرب بظلمتها. صفارات الإنذار تثير الهلع، وعاد مرة أخرى دوي المدفعية المتعقبة لطائرات العدو تهز المباني بصوتها المرعب في هجعة الليل فتحيل الحياة لجحيم. عادت بطاقات التموين لتمن علينا بالكفاف من أجل الحياة، حيث كل التموين مخصص للمجهود الحربي. انتهى الأمن تماما في الشارع المصري حيث الاغتيالات لسياسية والقنابل توضع في كل مكان. لم أنسى ذلك اليوم المشهود حين عثر على قنبلة في مدرستنا، وأبطل مفعولها بعد فترة من الهلع لا تنسى. الخطر الأعظم كان يهدد الأقباط حيث تم وضع علامة صليب أسود على كل بيت فيه مسيحيين وتحت العلامة عدد المطلوب قتلهم. أذكر كان عدد 8 موضوع على بيتنا، وكنت أعرف من هم، مما كان يثير الهلع في رواحنا وغدونا. الملك أطلق لحيته وأعلن أته من الأشراف ونسب للرسول. وفي ليلة عيد القيامة المرتقبة لذبح المسيحيين، تم القبض على الإخوان المسلمين حيث اكتشف أن الخطة تبدأ بنسف الكنائس ليلة العيد، ثم ذبح المسيحيين في بيوتهم، ثم قلب نظام الحكم وخلع الملك. لكن كشفت الخطة في اللحظات الأخيرة، وتم إحباطها، والقبض على الأسلحة والذخيرة بمغارات جبل المقطم. ثم حلق الملك ذقنه وقتل حسن البنا، ومع ذلك لم يتوقف حرق الكنائس. تزايدت الفوضى والمظاهرات بعد ذلك حتى أصبحت بشكل مستمر في العامين الأخيرين قبل الثورة، وحدث حريق القاهرة الشهير في يناير ثم قامت الثورة في يوليو 1952، وكان هناك انفلات أمني خطير. أردت أن أعطي صورة على أيام الملك الوردي كما عايشتها بنفسي والتي يتشدق بجمالها كل مكابر يردد أقوالا ببغائية دون أن يعايش الواقع المرير الذي عشته. قصدت ذلك قبل أن أتعرض للعقبات الخارجية التي واجهت ثورة جمال عبد الناصر.
• رغم أن العوامل الخارجية كانت تشكل أخطر العقبات لقيام أي ثورة في مصر لكني فضلت أن أشرح الوضع الداخلي المذري أولا. كان الاستعمار البريطاني جاسم بأنفاسه على الشعب المصري الصابر الثائر، يحرك كل الأمور لحسابه، لكن الشعب الممزق لم يكن له أي قدرة على عمل أي شيء. مظاهرات مستمرة والشارع فاقد للأمن والشباب منقسم بين إخوان وشيوعيين يعتدون على بعض بكل قسوة بالكرابيج. والدولة تكمل العمل بترويع المتظاهرين بالرصاص وجمعهم في منتصف الليالي لتملأ بهم السجون. كل ذلك يضمن للمستعمر بقاءً واستمرارا حيث لا يبغي أحد وجوده.
• الخطر الآخر أن السيد المستعمر لم يكتفي بوجوده، لكنه أقام لنا جارا إرهابيا مخيفا، استحوز على أرض جارنا بعد أن طرده، ويعلن بلا حياء خريطته من النيل للفرات دون خجل، يهدد وجودنا وكياننا وأمننا ويُحجِم من انطلاقنا الحر نحو العمل والنمو الاجتماعي والاقتصادي بكل سلطان المستعمر الغادر.
كان لا بد من ثورة لإيقاف ذلك الجحيم. إنه نفس الموقف الذي مرت به مصر في نهاية عصر مبارك الأسود مع التشابه الدقيق. كان لا بد من ثورة لا يقدر عليها الشعب فقام بها الجيش لحساب الشعب، وهذا ما أكده عبد الناصر من اليوم الأول للثورة. وكانت معجزة بكل المقاييس انتزعت اعتراف وإعجاب العالم كله. وسارت الأيام بالثورة تحوطها قوات معادية متعددة، تدفعها رياح عاتية من داخل ومن خارج ترفعها تارة لتنزل بها مرات.... لا شك أن ثورة اللوتس الجميلة حققت الكثير حتى اِلآن. فهل ما حققته يضمن استمرارها وتخطيها لكل العقبات على ذلك المستوى العنيف؟ هل يتصور أحد ماذا سيحكي التاريخ عنها ويقول بعد خمسين أو ستين سنة من المعاناة. لقد حققت تلك الثورة الكثير، لكن أمامها ما هو أكثر وأضخم. أنا أرى أن أهم ما حققته يضمن لها تخطي كل العقبات؛
وللحديث بقية لمناقشة ما حققته ثورة اللوتس والعقبات التي أمامها؛
#سامي_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
«مبارك رجل الفتنة» ... خطاب مبارك مراوغ حقيرة وعار تاريخي
-
مصر تتحدث عن نفسها من»ميدان التحرير«
-
المصاعب أمام تداول السلطة في مصر... والإسلاميون
-
شهداء كوبري عباس يحيون شهداء ميدان التحرير
-
مبارك يستقوى بالخارج ضد الوطنية المصرية
-
سحب الأمن من شوارع مصر لنشر الفوضى هي آخر جريمة لعصر مبارك
-
الغضب الساطع آتى ... يا مبارك
-
عار العمرانية (1) «إذا لم تستحي فافعل ما شئت»
-
التطرف الديني الإسلامي المسيحي يذبح مصر
-
رسالة الأخت فاديا سعيد والتعقيب عليها
-
لكل مجال مقال
-
الأنبا شنودة عطَّل الكتاب المقدس بثلاث عبارات
-
لائحة 1938 والأنبا شنودة -3 دور حبيب باشا المصري
-
لائحة 1938 والأنبا شنودة -2 رد على رسالة
-
لائحة 1938 والأنبا شنودة -1 تاريخ ظهور اللائحة
-
الأنبا شنودة وحافة الكارثة 5- التعاون الحكومي مع البابا لذبح
...
-
الأنبا شنودة وحافة الكارثة ... 4- الدولة المدنية والزواج الم
...
-
الأنبا شنودة وحافة الكارثة (3)
-
الأنبا شنودة وحافة الكارثة (2)
-
الحاجة الإنسانية المُلحَّة للدين
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|