إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 980 - 2004 / 10 / 8 - 09:23
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
بعيداً عن الاحتكام إلى الأرقام الغينيسية , يمكن الاعتراف , و باطمئنان كبير , أن المواطن السوري – و من أية شريحة , أو فئة , أو طبقة كان , ليشكل ظاهرة متفردة , على صعيد علاقته بالسياسة , و ليس أدل على مثل هذا الكلام , ان أية أسرة سورية , تدور في ما بينها نقاشات سياسية , رفيعة المستوى , من أصغر ناطق فيها – تقريباً – إلى عجوزها , مرورا ًبكافة الفئات العمرية , ذكوراً و إناثاً على حد سواء .
وإذا بحثتا ، في جذور مثل هذه الظاهرة ، لوقعنا – بلا ريب –على دواع ، وأسباب كثيرة ، منها ما يتعلّق بدرجة وعي هذا المواطن ، ومنها ما يتعلّق بمدى حاجته اليومية إلىالسياسة ، كمشكاة حلم ، ومتنفّس ، يمني عبرها النفس بغد أفضل على الدوام ، كمؤشر على الضغط اليومي عليه ، في ميادين كثيرة ، بدءاً باللقمة ، وانتهاءً بامّحاق صوته ، وصدى وجوده ، خارج داره ، وهو بدوره نتاج نمط علاقته بالسلطة السياسية التي تفكّر ، وتقرّر بالنيابة عنه ....!.
وحقّا ً ،إن الحياة السياسية في سوريا جدّ عريقة ، فهي انبنت منذ بداية انبناء الدولة السوريّّة الحديثة نفسها ، وكانت السياسة منذئذ – وسيلة –لدى أبنائها لمواجهة تحديات المرحلة ،من استعمار ذي أطماع معروفة في المنطقة ، وفي المقابل :صراع ، واضح ، على أشدّه ، بين القاع الاجتماعي الذي يتوق إلى حياة كريمة ، سعيدة ، من جهة ، وفئات ذات أطماع طبقية معروفة – من جهة أخرى –في الداخل ، لايتورع بعضها – وبحكم مصالحه- من خدمة أعتى القوى الطامعة نفسها ، مفكّرة بخلاصها الفردي ّ، حتى وإن تمكّنت – من خلال علاقاتها في ظل ّظرف معيّن تخوين سواها –حيث يتمّ طلاء ملامحها ، عبر ادراجها- الملفّق –في خانة البرجوازية الوطنية ،رغم تمايزهما الواضح ، بحسب المعيار الوطني ، ما دام ، وللأسف الشديد –لم يتم بعد –تأريخ تلك المرحلة ، بل والحاضر –بنزاهة –من خلا ل التفاصيل الصغيرة ، والخطوط العامة ،الّتي تظل ّ تردّد – شفاها ً – ضمن عمر أقصى محدّد ، لدرجة التعتيم ، وابتلاع حقوق أبطال فعليين ،كثيرين ، دافعوا عن أرض و إنسان البلاد ، مقابل امتطاء- آخرين ممن لم يفكّروا خارج دوائر ذواتهم رابطين في حالات كثيرة مصالحهم بمصالح قوى خارجية- امتطاء ظهر كل ّموجة مستحدثة ، طارئة ،بذاكرة" حجلية " موقوتة ، ممقوتة ،ليكونوا ضمن عداد كلّ طليعة ،مقبلة ، مرددين شعاراتها ، و"هوساتها "وفي غياب مثل هذا الفرز المطلوب .....!.
وإزاء تحليل مثل هذه اللّوحة ، يمكن معرفة أن السياسة ، هي حالة أصيلة في البلاد ، رغم أن- كلاً- سيترجمها وفق مصلحته ، ومفهومه الخاصين ، حيث أن للناهب سياسته ، وللغاصب سياسته ، وللسلطوي ّ سياسته ، كما أن لرافض الظلم سياسته ، وللتائق إلى أفياء الحرية ، والمستقبل الأفضل سياسته ، وللذائد عن تراب وطنه سياسته ....وهلمّ دواليك ....
ولعل ّعفة السياسة ،تفتقد في كلّ بيت –تقريباً-منذأن تعلّم أية أسرة أبناءها ، بأن ما يقال في المنزل أ بخصوص شرطي المخفر ، أو مختار الحي ، وسواهما من هذا القبيل، لايقال خارج المنزل – المحمي ضمن حدود معينة من الآذان –لنكون بهذا أمام "غراس" ازدواجية سياسية ، تنشأ مع المواطن, منذ بداية وعيه وتؤثر سلباً على مساره السياسي ,لئلا يستطيع التخلص من مثل هذا التأثيرات إلاّ بعد لأي ,ومعاناة,فلا يكون موقفه المعلن,حمّال أوجه,بّيناً لا بينياً، مراوغاً ، مهادناً مداهناً لامداهما ً، مخاتلا ًلاصريحاً كحدّ السيف.......،وهو ما سينسحب – تاليا ً –على ساسة ، وأحزاب سياسية ، لم تعد تحظى باحترام الجماهير ، رغم عراقة بعضها أحيانا ً ، في البسالة ، والمبدأية ، والالتصاق بالجماهير ، حيت ستنشغل –لوقت طويل –في التفكير بتسويغاتها ، عبر الانهيارات العامودية ، والأفقية ، وانحداراتها المتتالية في خطّها البياني ،متذرّعة بذرائع تقليدية،أو مستحدثة ، دون أن تكون صادقة في الصميم البتة ......
وإذا كانت العلاقة بين المواطن السوري ، والسياسة ،أصيلة ، على هذا الشكل ، وإلى حد يكاد يكون مبالغاً فيه ، فهو في بعده المرئي و اللامرئية لهذا الشخص أو تلك المؤسسة ، وانتهاء بالسياسة الداخلية أو الخارجية للسلطة موطن حوار يومي لدى المواطن ، وإن اتخذ ولفترة عقود متتالية طابع الممارسة السرية الصرفة ، عندما كان يحاسب على النوايا المبيتة أو المفترضة ، على حد سواء ، لتنتزع في ما بعد الشكل شبه الطبيعي ، ضمن المؤسّسة الحزبية ، أو في البيت ، أو في الشارع ، من خلال : إسقاط" ثقافة الخوف" ـ على نحو تدريجي ، وذلك بالتوافق مع : سيرورة الحياة ، لأن آلة القمع ـ أينما كانت ـ لا تستطيع ضمان ديمومتها ، خارج مصلحة العامة ـ الجماهير ـ مهما أمعنت في استخدام أدوات فرض هيمنتها الاحترازية ، ذلك لأن لهذه الأدوات عمرها ، الذي لا يمكن إطالته دون بثّ روح حقيقية تنبض بكل حيوية لم توفرها من قبل ، وهو ما أشار إليه إبن خلدون ـ في مقدمته ـ و باتت تجارب الشعوب تؤكده عبر مسيرتها ، أيضاً ...
أمام حالة علاقة المواطن السوري بالسياسة ، يمكن التوقف عند بعد آخر في المقابل يتعلق بالناظم الإكراهي في العلاقة نفسها ، لتكون السياسة ، بهذا خياراً إلزامياً ، وأسلوب مواجهة لقساوة الواقع ، والقهر ، والاستلاب من الداخل ، وانطلاقا ً من هذا ، فالطفل الذي يرث من أبويه نزعات سياسية ، أولى ، مرغم على أن يقتحم حقلاً ملغّماً ، ليس أهلاً له ، في الوقت الذي ينبغي أن يعيش فيه ـ طفولته ـ وما تتطلبه من الدفء و مفردات الحنان ، بيد ان حاجته إلى لعبة ، أو ثمن حذاء ، أو رغيف ، أو مسكن ملائم ، وسوى ذلك ، تزجّ به في دهاليز هذا العالم الحافل بالتوترات ، بل والمهالك التي لاتناسبه ، ولا يتحمّل أوزارها ، وتبعاتها، ومتاعبها البتة ...، فيغدو بهذا ـ ضحية سياسة ، وواقع ، وان خيل إلى حين إنه عكس ذلك ...!.
أجل ، إن السياسة هي حالة وعي راقية ، ونبيلة ، لاسيّما عندما يكون الدافع للانخراط في لجتها ، و تجوهرها في خدمة الفرد والمجتمع ، والتقدّم به ، لتلبية حاجاتهما ، المختلفة ، والضرورية ،وتهيئة الأجواء للإبداع ودفع دفة التطور إلى أمام ، وهو ما يضمن في المحصلة رقي الفرد والمجتمع في آنٍ واحد ...!.
ومن هنا ، فإن السياسة ، ليست عبارة عن حالة واحدة ، يمكن تأطيرها ، بل ان لها استخدامات هائلة ، في ميادين كثيرة ، وإن كنا نستطيع الحديث عن سياستين : إحداهما توضع ، وتتطور ، بحسب احتياجات كل مرحلة من أجل الإجابة عن أسئلة المواطن والوطن .
والثانية : توضع ـ وتتطور وفق مصالح فئة استبدادية ، ضمن أسرة ما ، أو حزب ما ، أو سلطة ما ، غرضها قمع تطلعات المواطن ، و إجهاض أسئلته ، وفي ذلك انتهاك صارخ لمصلحة المجتمع والوطن ، وخدمة لأعدائه قبل كل شيء ...
ولعلّ كثيرين من الساسة دأبوا على الكذب على قواعدهم أو مواطنيهم من خلال تلقينهم دروساً كاذبة في الطاعة الحزبية ، والولاء ، والوطنية ، لتلويث منظومة المفاهيم لدى هؤلاء بوباء الخنوع ، والذود عن آلة الخطأ ، وهو كل ما يكفل إبقاء تلك الهوة السحيقة بين من يملك كل شيء ، ومن يفتقد كل شيء بما في ذلك نفسه ، وحريته ، في فضح آلياته ، من خلال الانسحاق الحضيضي الذي ينبغي عدم التلكؤ ، أو التهاون في فضح آ لياته ، من خلال الانسكان بالمصلحة الكبرى التي فيها ضمانة لمصلحة الفرد ، كما هي ضمان لمصلحة الوطن ، أولاً ، وأخيراً.
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟