شوان زنكنة
الحوار المتمدن-العدد: 3277 - 2011 / 2 / 14 - 13:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حرية الرأى وحماية المستقبل الديمقراطي
د. شوان زنكنة
يجب منع التنظيمات الدينية من المشاركة في الانتخابات ان لم يقروا بحق الجميع بالتمتع الكامل بحرية الفكر والنشر
تشهد مصر ودول اخرى في الشرق الاوسط حالة انتقالية تستدعي تنظيما وادراكا عاليين اذ ان الاخفاق الان سيجلب خيبة امل لربما ستكون حتى اكثر ايلاما من سابقاتها.
ان المشكلة الرئيسية في العالم الاسلامي هي انه عالم اسلامي. والمشكلة في الاسلام ليست في الاحزاب بشكل رئيسي وانما في عامة الناس قبل غيرهم. انهم اؤلئك الذين يتغنى بهم الكثير من الشعراء واصحاب الاقلام الحالمة, مشيدين بطيبتهم واصالتهم وما الى ذلك.
ولكن معظم هؤلاء هم من سيثورون عليك وستقدح اعينهم شزرا وشررا ان ظنوك تخالف الاسلام. ان هؤلاء هم من يقيدون حريتنا قبل ان يتطلب الامر تدخل الاخوانجية واقرانهم في الامور.
ولذلك فلن يقدر لنا التمتع بالحرية من غير تغيير هذا الواقع المؤلم. ولربما سيقال "ولكنهم ضحايا ولقد تحولوا الى جلادين". ذلك صحيح. ولكن لا يعني ان امرهم لا يعنينا. بل هؤلاء هم من قد يلعبون الدور الحاسم ضد العلمانيين. لانهم القوة الشعبية التي تتخوف منها السياسيون سواء اكانوا في السلطة او خارجها. واذا كان للاحزاب الدينية اي ثقل فذلك يعود لهؤلاء العامة من الناس.
ولكن ماهو الحل؟ فكرة الحل بسيطة ولكن العملية ليست كذلك. انها تتلخص في التأكيد على احترام حق كل من يرغب بالاعتراض على الخطاب الديني اوحتى المطالبة بنبذها من دون التفات الى ادعاءات القدسية. اي يجب ان يتم التعامل مع الدين وكأنه واحدة من الايدلوجيات ان كانت فاشية او ليبرالية. هذا لا يعنى ان لا يحق للاخرين بمعاملة الدين بقدسية ان ارادوا ذلك, ولكن بشرط ان لا يفرضوا تقديسه على الاخرين, كما هو دارج حاليا.
تترتب على هذه النقطة الاولية خطوات اخرى. فان من يعترض على مثل هذا الاقتراح يعكس اما سوء نية لان يستخدمها للاخناق على المعارضين او المنافسين – ومن المتوقع ان الاخوان سيعترضون على رفع القدسية عن الدين. او انه واحد من السذج وهؤلاء يجب ان لا يتولوا امور الاخرين. اما بالنسبة الى الفئة الاولى فيجب العمل على استثنائهم من الانتخابات او بمعنى اخر من الحقوق الديموقراطية. لان عدم تمكن العلمانين من تفنيد الادعاءات الدينية يعنى التقهقر المتواصل امام القوى الدينية وفرض الحصار ذاتي على النفس من قبلهم, وهذا ما كان يميز عمل معظم العلمانين خلال اكثر من نصف قرن والنتيجة هي كما نراها في تحول العالم الاسلامي الى عالم الظلم, البؤٍس, التخلف والقسوة, (هناك من يجب استثنائهم من بين العلمانين وفي مقدمتهم ابطال من امثال السيد القمنى). ان السماح للوضع الحالى بالاستمرار يعنى اننا سنشهد دورة جديدة من وقوع السلطة تحت ضغط الاسلاميين وثم تخوف الحكام المحق من ان يسمحوا للديموقراطية غير مشروطة ويخسروا السلطة نهائيا.
والنقطة الثانىة هي ان علينا وعي حقيقة مرة جدا, وهي اننا (سمنا مثقفين او علمانين او ليبراليين) لا نمثل القدوة لشعوبنا. القدوة هم الاسلاميون وشيوخ الدين. اننا غالبا ما نتعامل مع اناس تستهجننا وتنبذنا. سوف لن يكون هناك بديل عن العمل الشاق والمتواصل وذلك لتوعية العامة من الشعب من ان معتقداتهم الحالية هي من اهم اسباب تخلفنا وبؤسنا. وان الانفتاح على العلم والثقافة العالمية, ونبذ العنف وقبول ومساواة بين الناس وخاصة بين الجنسين هو الطريق الوحيد للخلاص.
ان ما ادعوا اليه يستند على مبدأ المساواة. الدينيون يتمتعون بكل الحريات ليدعوا لدينهم الا انهم لا يمنحون الاخرين نفس الحقوق. ان الوضع الحالي ينم على اشكالية محزنة: اذ ان الدينين, في الحقيقة يتمتعون حتى بحق قتل الاخرين, حيث ان هناك آيات في القرآن يمكن تفسيرها على انها ليست فقط تسمح بذلك وانما تفرضه. ولكن ما هو غريب هو ان الضحايا لا يرون في ذلك غرابة.
ان ما اكتبه هنا ضروري للفترة الحالية, لانه يبدو ان مصر مقبلة على الانتخابات ويبدو ان الاخوان سيسمح لهم بالمشاركة وقد يفوزوا ولكن اذا حصل ذلك من غير تأمين الحرية الفكرية وحرية التعبير, فان فوزهم قد يعنى خسارة الديمقراطية لحقبة جديدة وهذه المرة للاسلاميين التي قد تكون امر مما كان عليه ابان المبارك.
يجب ان لا يغرنا ان ثورتا مصر وتونس انتصرتا. يجب ان ندرك ان سببا من اسباب النجاح يعود في الحقيقة الى الديمقراطية الجزئية للنظامين البائدين. ونفس الشئ لايحدث في دولة مثل السعودية بالرغم من القمع الكلي والفساد الذي جعل واردات الدولة تابعة للعائلة.
ولذلك يجب على القوى الديقراطية ان لا يستغفلوا انفسهم لحد المطالبة بحق الاخوان او الاسلاميين الاخرين بالمشاركث الديمقراطية, قبل ان يستحصلوا منهم على الاقرار التام بانهم سوف لن يحاولوا ارغام الاخرين على اضفاء القدسية على الاسلام بأي شكل من الاشكال.
الديمقراطي الذي لا يريد ان يخدع نفسه سيطالب بالديمقراطية للذين يؤمنون بالليبرالية (بالاخص الايمان بحق التفكير الحر والنشر بعيدا عن العنف). فغير ذلك سيكون خطأ قاتلا ولا يغتفر.
وعلى الديمقراطي الذي لايريد ان يخدع نفسه ان يعلم ان الدين هو اداة سلطة دائما وليس فقط في بعض الاحيان وليس فقط على يد بعض المتعطشين للسلطة. فعندما تقول اية "ان الرجال قوامون على النساء" فانها في الحقيقة تطالب بسلطة الرجل على المراة. "وخير امة اخرجت للناس" تعنى اعطاء الحق للمسلمين على اعتلاء غير المسلمين. ولذلك علينا وعلى المسلمين ايضا ان نتقبل الصراع ضد كل مقولة وفكرة. ولكن لكي نتجنب الوحشية والهمجية فيجب ان يكون الصراع فكريا فقط. ولندع للحكم ان يحكم لصالح من يقنعه. والحكم هنا هم المنتخبون. هذه هي طريقة الليبرالية الديموقراطية.
ان التخلى عن حقنا في المعارضة للافكار الدينية (وفيها الكثير من افكار غير حضارية) يمكن تشبيهها بحالة شخص قد تخلى عن الدفاع عن نفسه في المحكمة, وكانه يعط انطباعا من ان قضيته خاسرة او حتى لا تستحق النجاح. ولكن مع ذلك تملوءه الامال بان الحاكم والمحلفين سيعملون العقل ويكونون اكثر وعيا ويدركون ان صاحبنا هو على اتم الحق رغم عدم اكتراثه هو بقضيته.
ان العلمانين بحكم موقعهم هم اكثر ثقافة لانهم قد ساروا ضد التيار ولكن قضيتهم تحتاج الى المزيد. فعليهم ان يتبنوا قضيتهم بانفسهم. لكي نتمكن من ضمان مستقبلا ديموقراطيا علينا قبل كل شئ ان احتلال مركز القدوة لشعوبنا, لنكون روادا ومصدر للالهام والعمل لمستقبل معطاء وزاخر. ولكي نحوز بتلك الثقة والمكانة فعلينا ان نكشف عيوب الذين يحتلون الموقع حاليا ونبين ان خطاباتهم هي مصدر البلاء فعلا وليس الدواء, كما هي في الحقيقة.
شوان زنكنة استاذ جامعي ويحمل الدكتوراة في النظريات السياسية.
#شوان_زنكنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟