أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - مثل المصريين والتونسيين تماما، لسنا خارج الأمر!















المزيد.....

مثل المصريين والتونسيين تماما، لسنا خارج الأمر!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3276 - 2011 / 2 / 13 - 14:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كانت سياسة الإنكار هي أولى استجابات سلطات عربية للانتفاضتين المصرية والتونسية. نحن خارج الأمر، أو نحن لسنا مثلهم، قال متكلمو أهل الحكم. وتاليا لن نواجَه بانتفاضات شعبية مثلما واجه النظامان التونسي والمصري. لكن في الوقت نفسه بادرت السلطات نفسها إلى إجراءات اجتماعية وقانونية وسياسية وأمنية، تقول بالضبط إننا مثلهم، ونخشى مثلهم تفجر انتفاضات شعبية. سارع الرئيس اليمني إلى إعلان أنه لن يجدد لنفسه، ولن يورث الحكم لنجله. ووجه الرئيس بوتفليقة في الجزائر إلى إطلاق إجراءات قانونية تضع حدا لحالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ 20 عاما. وفي الأردن جرى تغيير حكومي، موجّهٌ فيما يبدو نحو اهتمام أكبر بالمسالة الاجتماعية. وفي سورية جمعت السلطات بين استنفار أمني واسع وبين بادرة انفتاحية بالغة التواضع، تمثلت في رفع الحجب عن مواقع مثل الفيسبوك واليوتيوب. ويحتمل أن "صندوق المعنونة الاجتماعية" الذي أعلن مؤخرا عنه مؤخرا يتصل، في توقيته إن لم يكن بإنشائه، بالتفاعل مع الوقائع المصرية والتونسية. وأعلن رئيس الوزراء العراقي عن خفض راتبه إلى النصف. وسارعت الكويت إلى منح مواطنيها مبلغا ماليا.
وما كان للعالم العربي أن يظهر موحدا بهذا القدر لولا أن الانتفاضتين استهدفتا مركب السلطة - المال الحاكم في بلداننا، والطابع الطغموي والعائلي للحكم، ونمط ممارسة السلطة العدواني والمهين. في هذا الشأن الفروق محدودة بين البلدان العربية. تعرض جميعها عوزا شديدا في الكرامة الفردية والجمعية، المواطنية والوطنية. ويحتمل أنها تندرج ضمن دول العالم الأدنى عدلا بالمعاني الاجتماعية والسياسية والحقوقية للكلمة. "الدولة" تعمل على إثراء الحبايب والقرايب والمحاسيب، وهو ما يسير يدا بيد مع ظواهر إفقار فاحشة، وارتفاع نسب البطالة، في أوساط الجيل الشاب بخاصة، واتساع ظواهر التهميش وتشكل مجتمعات موازية خارج الدولة، ولا وطن لها بالفعل. ولا ريب أن البلدان العربية هي الأقل عدلا من الناحية السياسية في العالم، حتى لقد شاع في العقدين الأخيرين الكلام على استثناء عربي من الديمقراطية، يتواتر الكلام اليوم على أن الانتفاضتين التونسية والمصرية قوضتاه. ومثل ذلك يصح على العدل القانوني. الاعتباط والتعسف وقوانين الاستثناء وتفصيل القوانين على مقاس طغمة الحكم، والتعديلات الدستورية لمصلحة حكام مطلقين، سمات مشتركة للحال القانونية في بلداننا.
جملة هذه الظواهر تفسر ضيق السلطات في مجالنا إزاء الانتفاضة المصري المستمرة. بعضها عدائية على نحو ظاهر. بعضها تتأول. تقترح تأويلا "قوميا" أو ممانعا للانتفاضة، يردها إلى علاقة النظام بأميركا وإسرائيل، لا إلى علاقة السلطة الثروة، ولا إلى قضايا العدالة والكرامة. والخلاص دوما هي سياسة الإنكار: نحن مختلفون عنهم! لكن ليس بين جمعها من لا تشعر في قرارتها أن مبارك هو خط دفاعها الأول، وأن من شأن انهياره أن يضعفها جميعا ويضطرها إلى ما لا تحب، أو ربما يطلق شرارة احتجاجات مماثلة. يستوي في ذلك أصحاب أميركا وخصومها المفترضون.
جملة ظواهر التماثل بين البلدان العربية تفسر كذلك مزاج الاستبشار والتفاؤل المنتشر في أوساط جمهور عربي واسع. لسان الحال يقول إننا مثلهم، ويحتمل لانقلاب عظيم في أحوالهم، المصريين بخاصة، أن يكون بشارة انقلاب مأمول في أحوالنا. ولعل من شأن نجاح الثورة المصرية، وتمكِّنها من تغيير النظام، أن يطلق موجة نهوض شعبي عربية بصورة ربما تحاكي "ربيع الشعوب" أو "ربيع الأمم" الذي عرفته أوربا عام 1848. قد يستغرق الأمر وقتا يطول أو يقصر، يتحقق عبر احتجاجات شعبية مماثلة أو بدونها، يمر بدروب متعرجة وبتضحيات إضافية أليمة، لكن تغير مصر سوف يؤدي إلى تغير العالم العربي. كان الأمر كذلك دوما، وهو اليوم كذلك. هذا بفضل التكنولوجيا، لكن أكثر بفضل الطابع الإنساني العميق للتغير المصري والتونسي: احتجاجه على ما هو غير إنساني فعلا في أوضاعنا، ومخاطبته أرقى النوازع البشرية، حس العدل والكرامة عند الناس، فضلا عن ما يبدو من عموميته وامتناعه على الاندراج ضمن أي إطار إيديولوجي محدد.
منذ الآن الفاعلية المحررة للانتفاضة المصرية تتجاوز الميدان السياسي إلى الميدان الثقافي والأخلاقي والروحي. وإذا كان من المهم أن تستمر حتى تحقق أهدافها، فليس فقط لأن نصف ثورة قد تكون كارثة كاملة، تفتح الباب لتحطيم القوى الشعبية وتصفيتها وتجدد عمر الاستبداد والخراب جيلا آخر، ولكن بالضبط من أجل التحرر الثقافي والأخلاقي المتناسب طردا مع استمرارها ومشاركة قطاعات أوسع من المصريين فيها. ليس أكثر من المصريين حاجة إلى استعادة الكرامة واحترام النفس، فرديا ووطنيا. لكن ليس أحد منا بعيد عنهم كثيرا.
أن لا يشاهد تحرش بالنساء في مصر المنتفضة، أن يتضاءل كثيرا جدا مفعول الفوارق الدينية، أن ينخرط عدد كبير من المصريين في أنشطة تطوعية... كل ذلك مؤشر على ارتفاع في تقدير الذات يعادل ثورة نفسية. لذلك استمراره مهم بصرف النظر عن النتائج السياسية، ولذلك استمراره مهم من أجل النتائج السياسية التي من شأنها أن تحصنه.
أما الواقعة الأكثف دلالة على الفاعلية المحررة للانتفاضة فهي الفتاة التي خلعت حجابها كي تضمد جرح محتج مصاب من مواطنيها. هنا إعادة ترتيب لعالم الروح بصورة أكثر سواء وإنسانية. لم تسفر الفتاة عما يفترض حجبه من جسدها، بل أسفرت عن كيانها الإنساني والوطني النبيل، وأظهرت أن شرفها يتمثل في مساعدة مواطنها المصاب، وأنها أقوى حصانة وأرفع كرامة، وأقوى دينا، وهي مكشوفة الرأس بين إخوتها، من أن تكون متحجبة ومنعزلة عنهم أو غير مبالية بهم. ولعله من هذا الباب تبدو الانتفاضة المصرية متمردة على الإسلاميين، أو على الأقل ليست موافقة لهواهم. حساسيتها العامة أكثر تحررا من أن تنضبط بأي إطار إيديولوجي أو ديني محدد، بل هي خطرة على هذه الأطر جميعا. ولعل موقف الإسلاميين المتذبذب من الانتفاضة يتصل بهذا الواقع الذي لا يفوتهم إدراكه.
وهي خطرة على نظم سلطة محلية وإقليمية تحوز سلطة مطلقة، لكنها تبدو سيئة التأهيل لمواجهة احتجاجات بلا سلاح من النوع التونسي والمصري، يصعب التنبؤ بانفجارها، كما يصعب ضبطها إذا انفجرت.
لذلك هم مرتبكون.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حركات التحرر المواطني...
- ثورات الكرامة
- من يتضرر من الثورة التونسية؟
- مغتسلا بالنار، المغمورُ بطلا
- في تونس ثورة... مفتوحة الآفاق
- من نزاعات الهوية إلى الاحتجاج الاجتماعي
- مناقشة لكتاب -السلفي اليتيم- لحازم الأمين
- الماهية والكراهية: الأديب الفصيح ضد -الرعاعة الأمة-
- خاووس
- يتغير السودان، المهم ألا يتغير النظام
- المرض بالإسلام...
- عرض نقدي لكتاب جلبير الأشقر: العرب والمحرقة النازية، حرب الم ...
- ويكيليكس والدول
- الحلول بخير في مصر، والمشكلات أيضا!
- في الكاريزما وصناعتها وأطوارها وتوابعها الإيديولوجية
- هذا الفصام الكردي المستمر...
- عدمية فيض المعنى: نظرات في أصول العنف الإسلامي
- من العداء للغرب (والتمركز حوله) إلى إصلاح العالم
- إيران وتركيا وتحولاتهما الامبراطورية
- حوار هادئ في قضايا راهنة


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - مثل المصريين والتونسيين تماما، لسنا خارج الأمر!