أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاهر أحمد نصر - ولادة التاريخ















المزيد.....

ولادة التاريخ


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 3276 - 2011 / 2 / 13 - 00:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حدث أكبر من أي كلام...

إنّها ثورة شباب وشعب مصر في 25 يناير (كانون الثاني) 2011، بعد ثورة شباب وشعب تونس... ثورة أعادت الثقة بالإنسان... فبعد انتصار الرأسمالية على الاشتراكية، التي لم تستطع أن تجدد نفسها، في نهاية القرن العشرين نعى المفكرون الرأسماليون التاريخ، وكأنّهم ينعون الإنسان... وكادت الثقة تفقد بالإنسان... إذ حاول أتباع الفكر المتوحش المنتصر أن يستبدلوا القيم الإنسانية النبيلة، بقيم المنفعة المادية البراغماتية المتوحشة الضيقة، وأن يستبدلوا قيم الروح الإنسانية الجماعية والمحبة بقيم الأنانية الفردية الضيقة المنعزلة، فوجهت ضربة إلى الفكر الإنساني السليم، وزاد ذلك الانتصار اتباعه غطرسة وعنجهية وتكبراً، وبدا وكأنّ البشرية أصيبت بالخبل... ولم تكن البلدان العربية بعيدة عن هذا الأمر، بل يمكن القول إنّ غطرسة الرأسماليين المحدثين الفاسدين العرب ازدادت بفضل دعم الصهيونية العالمية ومركزها الأساسي في الولايات المتحدة الأمريكية لهم، فنشأ تحالف غير معلن بين الطرفين... ويبين تطور الأحداث في مصر، أن مفكري وممولي المشروع الصهيوني في المنطقة سعوا تاريخياً لإقامة ومساندة أنظمة أساسها تحالف طغم عسكرية ورأسمالية فاسدة، تفرض هيمنتها في ظل حالة الطوارئ والأحكام العرفية ترعب بواسطتها شعوبها، في محاولة للقضاء على أية جذوة مناهضة للصهيونية في داخلها، ووجدوا في مثل تلك الأنظمة خير وسيلة لحماية إسرائيل من غضب الشعوب العربية وثوراتها... في الوقت الذي تحارب فيه إسرائيل الدول العربية مجتمعة من دون أن تعلن حالة طوارئ، لتبدو وكأنّها البلد الديموقراطي (الوحيد)، كما يزعمون، وسط حشد من ديكتاتوريات قوانين الطوارئ، ومع أنّ عفونة وعنصرية الديكتاتورية السائدة في إسرائيل والتي تفوق الديكتاتوريات الفاشية بشاعة ونتانة، بادية للعيان، فإنّها تتستر بعيوب العرب، وتسعى جاهدة لتثبيتها في واقعهم الأليم... ومع هيمنة وطغيان الأجهزة الفاسدة في هذه البلدان ازداد الرأسماليون الجدد غنى، وزادهم دعم وتحالف العسكر والقوى الرأسمالية الخارجية غطرسة واستكباراً وتعنتاً، كما بينا، وازدادت، في الوقت نفسه الفروقات الطبقية حدة، وأخذت البطالة تزداد في صفوف الشباب... وساهم التطور التكنولوجي العالمي، وانتشار شبكة الانترنت الدولية في تشكل ثقافة جديدة في صفوف الشباب تتجاوز ثقافة الخنوع، وساهمت حالة البطالة وهذه الثقافة في تشكل فئات جديدة في المجتمعات العربية ذات ثقافة جديدة عالية، ولا تملك شيئاً، وبالتالي لا يوجد لديها إن ثارت ما تفقده، مما جعلها من حيث لا تدري فئة ثورية بامتياز، أشبه بنوع جديد من بروليتاريا ماركس الثورية... وأدى تعنت وفساد الطبقات الغنية الفاسدة الحاكمة، وانفصالها عن أحوال شعوبها، وعدم قبولها أية نصيحة للقيام بالإصلاحات السياسية الضرورية لمواكبة متطلبات العصر، وازدياد الفروقات الطبقية حدة، وانسداد الأفق السياسي والاقتصادي إلى خلق حالة ثورية حاملها الأساسي شبيبة مثقفة متنورة ثورية تدعو الى العدالة الاجتماعية، ومكافحة الفساد والمفسدين، وحرية الرأي والتعددية السياسية الفعلية، وبناء المجتمع على أسس متحضرة سليمة... وأدى تجاهل الحكومات الفاسدة لدعوات ونصائح الغيورين على الوطن لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية، إلى اندلاع لهيب الثورة... فكان للشبيبة العربية في تونس ومصر شرف تدشين الثورات الحديثة في القرن الواحد والعشرين، وجعل شباب مصر من يوم 25 يناير 2011 يوماً فاصلاً في تاريخ العرب الحديث، بل وفي تاريخ الشعوب المعاصر...

أجل لقد أعاد الشباب، والشعب التونسي، والشباب والشعب المصري ثقة البشرية بالإنسان الحي عاشق الحرية... وبمتعة وأهمية الثورة السلمية، كلحظة مضيئة من لحظات الحرية، التي تصبو إليها دائماً روح الإنسان، فالحرية قمة تناغم الإنسان مع روحه، وذاته، وواقعه...

من ميزات هذه الثورة الداعية إلى العدالة الاجتماعية والمحبة والقيم الإنسانية السامية، ومكافحة الفساد وكل ما هو قبيح متوحش، أنّها كانت أكبر من جميع الأحزاب والأطر والقادة، وهذه ميزة عصرية تمتاز بها عن بقية الثورات التي عرفتها شعوب العالم، ولعلّ من أفضالها أنّها لم تستسلم لقيادة شخص محدد، يقوم بذبح الثوريين الذين ناضلوا ضد الأنظمة البائدة وساندوه وهو سجيناً بعد انتصار الثورة واستلامه قيادتها، كما حصل في ثورات سابقة...

ومن أهمية هذه الثورة أنّها لم تنل مباركة القوى الصهيونية وحماتها وآلتها الإعلامية... ومن المهم والملفت للانتباه أن تلك القوى، حاولت جاهدة، لإفشال الثورة، وستبذل كل ما في وسعها لإجهاضها، أو التقليل قدر ما تستطيع من إنجازاتها... ويكمن السبب الجوهري لذلك في أنّ بناء المجتمعات العربية على أسس ديمقراطية حضارية متطورة سيفقد إسرائيل بعض حماتها، ويخلق حالة جديدة تسرع في نهايتها المحتومة... ولما كانت هذه الثورات تهدد الرأسماليين المحدثين الفاسدين أيضاً، فقد أخذوا الضوء الأخضر من قبل سادتهم في الداخل والخارج لسحقها، فسارعوا لرشوة الجيوش والأجهزة للإجهاز على الثورة، ولتبرير فعلتهم استأجروا خدماً لضرب الثوريين الشرفاء، والجديد الذي فاجأنا به الرأسماليون المحدثون الفاسدون استئجارهم الجمال لمواجهة الشعب!!!

لقد أثبت ممولو الأنظمة الفاسدة وجود ثقافتين متناقضتين؛ ثقافة الجمل وثقافة الحضارة والحرية والتقدم، وبينوا أن ثقافة الجمل لا تقتصر على الخنوع، بل ويمكن أن تهيج، ولكنّها مهما هاجت لن تصل إلى مستوى ثقافة الحضارة والحرية والتقدم، قد تفّر وتثير هلعاً إلى حين، لكنّها لا يمكن أن تنتصر ولا تسود. وكم هو مؤسف أن يقف بعض المثقفين في صفوف ثقافة الجمل طمعاً في منصب أو مال، أو نتيجة غشاوة في الذهن.

لقد أصبح معروفاً من يقف وراء ثقافة الانترنت، وثقافة التمدن والحضارة، ومن يقف وراء ثقافة الجمل...ولن يكلّ الفاسدون، وأعداء التقدم، وحماتهم من تسويق ثقافة الجمل... وستبقى مهمة أساسية أمام الشعوب الإجابة عن سؤال: ما العمل كيلا تنتصر ثقافة الجمل؟

لا شك في أن ثورة الشعب المصري ستقدم دروساً تستفيد منها جميع شعوب العالم، جوهرها أنّ التغيير سيأتي لا محالة، وهو قادم من خارج الأحزاب والبنى التقليدية العجوز، سواء الحاكمة أم المعارضة التي أثبتت أنّها عاجزة عن التجديد، ومن خارج عقول المفكرين العجزة، والمفكرين ذوي الأفكار العجوز... ومن هنا نجد أنّه من المفيد أن يحاسب أولئك المفكرون الذين يزينون لبعض الحكام أحوالهم، مبينين أنّهم أبطالاً مقاومين خاضوا الحروب دفاعاً عن الوطن، مما يعفيهم من إصلاح شؤون حكمهم، ويجعلهم محصنين عن المساءلة، ويضللونهم، جاهدين للبرهان أن نظاماً بعيداً عن رياح التغيير... لقد أثبتت الثورة أنّه لا يوجد شخص ولا حزب مهما كان تاريخه مجيداً محصن عن المساءلة، إن أساء أو أخطأ... فلا مشاركة هذا القائد أو الحزب في التحرير يبرر له أن يخطئ أو يقتل أو يسيء، ولن يمر ذلك من غير عقاب... كما أثبتت ثورة الشعب التونسي والمصري أن جميع أشكال الدعم الخارجي سواء من الصهيونية، أو من أكبر الاحتكارات الرأسمالية لن تجدي نفعاً عندما تحلّ لحظة الحقيقة، والحرية...

وأثبت هذه الثورة ضرورة فهم التطور الذي تشهده البشرية، وضرورة معالجة الشؤون التي أدت إليها، وأساسها استيعاب وتيرة وآلية التطور الإنساني المعاصر، ومكافحة الفساد خاصة في أوساط الفئات الحاكمة وأسرها، وعدم استثنائهم من المحاسبة القانونية، ووضع ضوابط تمنع انخراطهم في الفساد، وضوابط تحفز نشاط الرساميل، وتحد في الوقت نفسه من الاستغلال والفروقات الطبقية، واعتماد آلية ضرائب تصاعدية تساهم في إيجاد صناديق للتنمية الاقتصادية، وإيجاد فرص عمل تغطي عرض قوة العمل، وبناء المجتمع على أسس جديدة بعيدة عن حالة الطوارئ وصيغ الحكم التي تجاوزها الزمن كصيغة حكم الحزب قائد الدولة والمجتمع إلى الأبد... كما أن طرق مقاربة ومعالجة مطالب الثوار الشباب، وبقية فئات الشعب ومعالجة مهام هذه الثورة ستقدم خبرة نفيسة للشعوب العربية كافة، بل ولجميع شعوب العالم...



كم هو مفيد استيعاب تجارب التاريخ والاستماع إلى نصائحه والاستفادة منها، لبناء مجتمعاتنا على أسس ديموقراطية حرة تعددية تداولية سليمة... وسعداء أولئك الحكام الذين يبنون مجتمعاتهم على أسس ديمقراطية تداولية عصرية متجنبين ومجنبين شعوبهم مرارة الكأس التي شربها من استكبر وعاند مواجهاً متطلبات التطور السليم وعصر المعلوماتية بثقافة الجمل... ونؤكد مجدداً أن من أهم دروس هاتين الثورتين ضرورة الإصلاح السياسي والاقتصادي المستمرين وضرورة التعددية والتداولية السياسية على أساس قانون أحزاب وقانون انتخاب ودستور عصري، أساسه التداول السلمي للسلطة وعدم جواز احتكارها من قبل أي حزب...

شكراً للشعب التونسي، وللشعب المصري والقوى الثورية في العالم العربي الذين قدموا أفضل صورة للشعوب العربية في العالم، والذين جعلونا نفتخر كبقية شعوب العالم بأننا شعوب حية قادرة على خلق الثورات. وتحية لأرواح شهداء الثورة ولذويهم... وسعيد كل حر عاش هذه اللحظة التاريخية التي دشن فيها شباب وشعب تونس ومصر أول وأعظم ثورة في القرن الواحد والعشرين، والتي تعادل الثورتين الفرنسية والبلشفية أهمية في التاريخ الإنساني، وتتفوق عليهما في الأسلوب، والوسيلة... إنّها ولادة جديدة للتاريخ.



طرطوس ـ شباط ـ 2011 ـ شاهر أحمد نصر



#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جولة في الأدب الروسي في بداية الألفية الثالثة
- الحزب الشيوعي السوري بين الأحلام الرومانسية والجمود الكلاسيك ...
- تحتاج روسيا إلى أناس عظماء
- من المستفيد من التفجيرات في روسيا؟!
- رسالة إلى كل الأمهات في عيد المرأة العالمي وعيد الأم
- بلا معنى
- المبدعون الروس والنبي العربي
- تحية إلى الصديق الأديب مالك صقور في يوم تكريمه
- سعد الله ونوس مبدع مسرح المستقبل
- رواية: (على صدري) تحية لحماة، وللحبّ، والحياة
- أفضل خمسين كتاباً روسياً في القرن العشرين
- ضرورة إدخال المبادئ الاشتراكية ضمن شرائع الأمم المتحدة
- في -السور والعتبات- علم الدين عبد اللطيف يعرف ماذا يريد
- صداقة الشعب الروسي في صالح العرب والروس معاً!
- الشعب الروسي يستحق المحبة والمساندة
- شعاع قبل الفجر مذكرات أحمد نهاد السياف
- الجواب الاشتراكي على العولمة الليبرالية
- ثمن الحماقة الاحتلال.. والثمن الذي تدفعه إسرائيل
- نصوص من وراء الجدران تداعيات عقل وقلب مضنيين قراءة في رواية ...
- السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاهر أحمد نصر - ولادة التاريخ