|
المشاركة السياسية في تصور جماعة العدل والإحسان (3) .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 3275 - 2011 / 2 / 12 - 15:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
موقف الجماعة من الأحزاب السياسية . لمعرفة موقف مرشد الجماعة من الأحزاب ينبغي التمييز بين مرحلتين أساسيتين : مرحلة القومة ضد "دولة السلطان" ، ومرحلة ما بعد قيام "دولة القرآن" التي تكون الهيمنة فيها للدعوة (= أي الجماعة ) على الدولة . في هذه المرحلة يصنف المرشد الأحزاب إلى صنفين اثنين : حزب الله وحزب الشيطان . ويكون تصنيفه على أساس الولاية له ولجماعته كالتالي ( فيكون الولاء للكافرين والتحيز إليهم الصفة الواحدة الكافية لتعريف حزب الشيطان ، والولاء للمؤمنين والتحيز إليهم صفة حزب الله )(ص 133 العدل ) . أما خلال مرحلة القومة فإن الشيخ ياسين يميز بين الأحزاب الليبرالية والأحزاب اليسارية . فالأولى ــ أي الليبرالية ــ يمد الشيخ يد التعاون معها باعتبارها لا تمثل خطرا أو تهديدا لمشروعه المجتمعي . فهذه الأحزاب يرى فيه الشيخ تسامحها وقابليتها للتعايش مع الأطراف المختلفة لأن هدفها الرئيسي هو الربح وجمع المال. بمعنى أنها لن تعارض سيطرته على الحكم مادامت لا ترى فيه تهديدا لمصالحها . أما الأحزاب اليسارية فهي عدو للشيخ لسببين : الأول أنها تحمل إيديولوجيا تناقض العقائد التي تتأسس عليها الجماعة ، بل يتهمها الشيخ بأنها كافرة و"رائدة" الفسوق ، مما يجعله يرفض قبول توبتها يوم يتمكن من الحكم ( دعوتنا إلى ميثاق إسلامي يستظل بحقه كل التائبين من هذه الأحزاب مهما كان بالأمس اقترافها ما لم تكن رائدة الفسوق والعصيان والكذب على الله وعلى الناس )( ص 571 العدل ) . أما السبب الثاني يعود إلى كون هذه الأحزاب لها مشروع مجتمعي نقيض للذي يحمله الشيخ ياسين . فمشروعها مجتمع حداثي ديمقراطي منفتح على قيم العصر وثقافة حقوق الإنسان . بينما الشيخ يرفض الإقرار بحقوق الإنسان وقيم العصر التي تقوم على احترام الاختلاف والمساواة في الحقوق والواجبات خاصة ما يتعلق منها بحقوق المواطنة . إذ يقول جازما ( القانون المسوِّي تسوية ديمقراطية في الحقوق والواجبات لا يمكن أن يكون إلا لاييكيا ، بمعنى لا دينيا )(ص 113 الشورى والديمقراطية) . والشيخ يريد من الأحزاب من يقر له بالمشيخة الربانية وولاية الأمر السياسية ، في حين أن هذه الأحزاب اليسارية لا تقر بما يريده الشيخ ويطمح إليه من سلطات دينية وسياسية مطلقة تجعله فوق كل مراقبة شعبية أو مؤسساتية . لكن الظروف السياسية الحالية التي تتميز بحالة التوتر بين النظام والجماعة التي تسعى لإسقاطه ، جعلت الشيخ يتطلع إلى تشكيل تحالف مع كل الأحزاب ، ليبرالية ويسارية ، هدفه تطويق النظام وإضعافه كمقدمة لإسقاطه . وحاول الشيخ استغلال حالة الصراع بين الملك الراحل الحسن الثاني والمعارضة الديمقراطية بأن دعا مكوناتها في خاتمة كتابه ( الشورى والديمقراطية ) إلى توحيد الجهود مع الإسلاميين كالتالي ( إنه لا بد أن يتكلم الفضلاء الديمقراطيون مع الإسلاميين . إن لم يكن بدافع حب الحقيقة والانصياع للكلمة السواء فلا أقل من مد جسور التواصل والتفاهم لإحباط سياسية " فرق تسد " التي تُحَيِّدُ قوة سياسية بقوة لتبقى الأمة المسلمة ممزقة الجهود حائرة متفرجة على ما يتجاذب ويتقارب .. إنكم ، معشر الفضلاء الديمقراطيين ، مقتنعون كما نحن مقتنعون بأن خلاص هذه الأمة من القبضة السيطرية التي تؤبِّد في أعناقنا أغلال التخلف وذلة التزلف إنما يقوينا عليه إعمالنا لقدرة العقل في زمن العقول فيه هي ثروة الشعوب ) . وسبق للشيخ أن دعا الأحزاب إلى التحالف معه في إطار وشروط حددهما ضمن ما سماه "الميثاق الإسلامي" . إلا أن هذه الأحزاب ظلت ترفض الانخراط في أي تنسيق سياسي مع الجماعة لما يشكله من مخاطر على الأحزاب نفسها وعلى النظام والدولة والمجتمع . ويعيب الشيخ على الأحزاب انشغالها عن دعوته كالتالي ( دعونا في كتاب " حوار مع الفضلاء الديمقراطيين " إلى ميثاق إسلامي يدخل فيه الصادقون اقتناعا لأن الإسلام هو الجامع لا الوهم التاريخي المبثوث الذي يحاول الحكام أن يجعلوا منه المقدّس الأعظم . ما فهمني كثيرون يعيشون الفترة الراهنة منغمسين في الهموم السياسية للساعة ، من قبيل التداول على السلطة ، وتقوية معارضة برلمانية ، والتنديد بالتزييف الانتخابي ، والمطالبة بمراجعة الدستور )(ص 31 الشورى والديمقراطية ) . والشيخ يطلب من الأحزاب التحالف معه وهو في نفس الوقت يقرر عدم التنازل أمام مطالبها أو شروطها ، لأنه يسحب عليها حكم "الجاهلية" الذي أفتى به المودودي حين نقل عنه قوله ( وأنها هوة فاصلة لا يُقام فوقَها معبر للالتقاء في منتصَف الطريق، ولكن ليَنتقل عليه أهل الجاهلية إلى الإسلام، سواءً كانوا ممن يعيشون فيما يُسمى الوطن الإسلامي ويزعمون أنهم مسلمون، أو كانوا يعيشون في غير "الوطن الإسلامي".قلتُ: رحمك الله من مفاصل مواصل.)(548 العدل ) . ولا يكتفي الشيخ بتبني حكم المودودي في الأحزاب الديمقراطية ، بل يقرر ألا تنازل أمام مطالبها في حالة استجابتها للدعوة إلى الحوار ( فكيف بالحل الوسط بين الزور ساعيا بخطى سريعة إلى الهاوية السياسية وبين حركة شابة فتحت عينيها على الصدق فهي أهل للثقة لا غيرها )( ص 78 ، 79 حوار مع الفضلاء الديمقراطيين) . إن هذه الأحزاب ، في نظر الشيخ ، فقدت زخمها الشعبي وتخلت عنها قواعدها وغدت معزولة عن الشعب (أمامنا يومئذ أنظمة في موقع اليأس ونُخَبٌ متطلعة إلى الديمقراطية لكنها معزولة عن الشعب تُعاني كمَدَها. فيكفيها ذلك عُنْفا على نفسها. حاولَتْ وستحاول استِنبات الديمقراطية في أرض الإسلام، لكنَّ أرض الإسلام لا تنبت إلا زرُوع الإسلام ) . وهذا الموقف يسقط الشيخ في تناقض مريع ، إذ كيف له أن يدعو إلى التحالف مع قوى سياسية معزولة عن الشعب ولا قواعد لها ؟ بل كيف له يدعو إلى التعاون مع أحزاب ونخب يتهمها في دينها ويرفض مشروعها الديمقراطي ؟ انطلاقا من القناعة التي تكونت لدى الشيخ عن الأحزاب الديمقراطية فيما يتعلق بوضعيتها التنظيمية والجماهيرية ، يقرر أن تكون جماعته هي محور كل تحالف وحولها تتجمع باقي القوى السياسية . وموقف الشيخ هذا يستند إلى مبررين : الأول يحدده الشيخ في قوة جماعته وامتدادها الشعبي مقابل عزلة الأحزاب الأخرى ؛ الأمر الذي يؤهلها لقيادة التحالف لا الانقياد له ( ومتى كنا بجنبكم ، نواة شعبية موجَّهة ، فقد اكتملت لكم بالقوة العضلية الإسلامية مقومات الحركة السياسية التي تخرجكم من عزلتكم وتعيدكم من منفاكم )(ص531 العدل). المبرر الثاني يتمثل في اعتبار الشيخ جماعته على الهدى والصلاح ، بينما غيرها من الأحزاب على ضلال وتيه . ومن ثم يقرر بشكل قطعي ( ونرفض أن نكون لهم قاعدة لجبهة تسير بالمسلمين في درب التيه )(ص 533 العدل). وهذا أمر منطقي بالنسبة للشيخ إذ كيف له أن يوفر قاعدة شعبية لمن يناضلون من أجل تطبيق الديمقراطية في بلد إسلامي ، وهو يقيم مشروعه السياسي وبرنامجه الحركي على تكفير الديمقراطية ومحاربة الديمقراطيين والتصدي لبرامجهم . بل كيف له أن يساعد الديمقراطيين على تثبيت جذورهم بعد أن صاروا في زعمه نخبا معزولة ( الديمقراطية في بلاد المسلمين قضية نخب معزولة تبحث عن قاعدة شعبية )(ص 539 العدل) . لكن الخطورة التي تمثلها الجماعة على الأحزاب اليسارية لا تنحصر في وضعية التهميش والتبعية التي تفرضها الجماعة عليها في حال تشكيل أي تحالف أو تكتل سياسي ، وإنما تكمن في الإجراءات العقابية التي أعدها الشيخ لهذه الأحزاب عند قيام "دولة القرآن" وزوال "دولة السلطان" . وتتدرج الإجراءات الانتقامية ، كما حددها الشيخ ياسين كالتالي . 1ـ إقصاء هذه الأحزاب من المشاركة في إدارة الشأن العام كإجراء أولي يتخذه الشيخ بقوله ( لا أقول بفائدة تعود على المسلمين بنصب المشانق ، ولا نصبها من شريعة الرحمة . بل الإقصاء من الوظيفة العمومية )(ص481 العدل). والسبب هو أن ( أبناء الدنيا لا يصلحون لنَظْم أمر المسلمين في غد الخلافة الثانية )( ص 120 العدل ) . وهذا الموقف أخذه الشيخ عن المودودي الذي سبق وقرر ( وبالجملة ، فإن كل من أُعِدَّ لإدارة الدولة اللادينية ورُبِّيَ تربية خلقية وفكرية ملائمة لطبيعتها ، لا يصلح لشيء من أمر الدولة الإسلامية . فإنها ( أي الدولة الإسلامية ) تتطلب وتقتضي أن يكون كل أجزاء حياتها الاجتماعية ، وجميع مقومات بنيتها الإدارية من الرعية والمنتخبين والنواب والموظفين والقضاة والحكام وقواد العساكر والوزراء والسفراء ونظار مختلف الدوائر والمصالح ، من الطراز الخاص والمنهاج الفذ المبتكر ) . 2 ـ نفي أعضاء هذه الأحزاب خارج الوطن حين تستقر أوضاع "دولة القرآن" ، ثم تقتيلهم وتقطيع أطرافهم لما تثبت أركان الدولة . وباعتبار الشيخ ياسين يتطلع إلى ممارسة مهام الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه يقرر أن يكون عقابه لهذه الأحزاب من جنس عقاب الرسول لقوم عُكل كالتالي ( كانت شدة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعداء الله بعد أن ثبتت أركان دولته في المدينة شدة بالغة . فقد غدر ناس من عُكْـل بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم ، وعطَّـشهم حتى ماتوا عطشا . ذلك جزاء وفاق كما قال الله تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقـتَّـلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا في الأرض ) . ومن ثم يتوعد الشيخ خصومه بالمثل ( وإن لنا في قوله وهو أرحم الراحمين ( أو ينفوا في الأرض ) خيار ومندوحة عن البأس الشديد قبل أن نتمكن )(ص149 الإحسان2 ). وبالتأكيد حين يتمكن الشيخ وجماعته من الدولة والمجتمع ، سينتقل إلى مرحلة "البأس الشديد" .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المشاركة السياسية من منظور مكونات الحركة الإسلامية في المغرب
...
-
المشاركة السياسية من منظور مكونات الحركة الإسلامية في المغرب
...
-
-بابا نويل- لا يقلك تهَجُّمُهم فهم قوم يكرهون الحب ويحرّمُون
...
-
تبرئة العدليين كرامة إلهية أم إرادة سياسية ؟
-
الخطاب المزدوج لجماعة العدل والإحسان .
-
العنف ضد النساء ثقافة وتربية قبل أن يكون سلوكا وممارسة .
-
ليكن لمسيرة الدار البيضاء ما بعدها .
-
الوجه الإرهابي للبوليساريو .
-
ومكر أعداء المغرب يبور .
-
ليكن الحكم الذاتي خيارا وليس فقط حلا .
-
السعودية وجدية الانخراط في محاربة الإرهاب .
-
هل يفلح الحوار الموريتاني في القضاء على خطر الإرهاب ؟
-
ساحلستان : إمارة الإرهاب والتهريب .
-
وضعية المرأة تعكس مدى نضج المجتمع ووعي نُخَبِه .
-
حزب العدالة والتنمية ولعبة الاستفزاز التي لا تنتهي .
-
منطقة الساحل والصحراء على خطى الصوملة والأفغنة .
-
ولد سلمى القيادي الصحراوي الذي تمرد على عصابة الانفصال .
-
من يزرع فقه التكفير يحصد قنابل التفجير .
-
من يلعب بنار التطرف تحرقه .
-
الحرب الشاملة ضد الإرهاب هي الخيار الوحيد لدحر خطره .
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|