ساطع هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 3275 - 2011 / 2 / 12 - 01:04
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تناقلت وكالات الانباء قبل عدة ايام اخبارا عن بداية الحركات الاحتاجية المنظمة في العراق ضد حكومة رجال الدين ومنطقتهم الخضراء واعلامهم السوداء , وقد رفع المتظاهرون في البصرة اعلاما وكارتات صفراء كتحذير للطغاة المتدينين اللصوص , بينما بدات حملة اخرى في مواقع الانترنيت سميت بالثورة العراقية الزرقاء , وهم يستعدون الان للتظاهر في انحاء العراق يوم 25-شباط-2010 , وكلا اللونين الاصفر والازرق من اقدم رموز الحضارات العراقية القديمة . لذا لابد للجيل الجديد من ربطها في نضالهم للخلاص الشامل بروح وطنية حقيقية, تعالج مشاكلنا الان هذا اليوم , وتضع خططا واهدافا للمستقبل , يكون فيها العلم الحديث والمعارف الانسانية الجديدة وقيم الانسان المعاصر شكلها ومحتواها , هذا اذا اراد حقا هذا الجيل التغيير , لينتقل مرة واحدة والى الابد الى قلب المستقبل وحركته النابضة , فيترك الاديان للمتدينين ودور العبادة , ويفتح طريق الحاضر والمستقبل امامه وللاجيال الصاعدة بمضامين ومعاني جديدة .
واللون ظاهرة ثقافية تاريخية , استعمله الانسان منذ القدم كوسيلة اتصال بصرية فعالة وكحامل للمعاني والافكار والرموز , والرمز هو اختيار نماذج ملموسة تتطابق مع فكرة مجردة (شعلة تمثل الحرية , بومة تمثل الحكمة, شجرة تمثل الاله) او الباس الفكرة المجردة هيئة من شكل ولون , وهذه هي اكثر تعريفاته شيوعا , وللعادات والتقاليد المحلية التي ترسخت عبر الاف السنين ,وللحاجات البيولوجية للانسان , تاثيرات حاسمة على مستوى ادراكانا واستعمالنا وحساسيتنا للالوان ورمزيتها , فالناس بحاجة الى الملابس والطعام والشراب والسكن اولا وهي الحاجات الاربعة الاساسية التي ينبغي لكل ادمي ان يحصل عليها قبل ان يعتنق اية فكرة او ديانة او عقيدة , وجميعها تتكون من اشكال والوان ويمكن ترميزها للتعبير والنضال .
اول استعمال للاصباغ الزرقاء بالتاريخ كان في بلاد سومر (راجع مقالنا موجز تاريخ اللون الازرق ) وهذا اختراع عراقي قديم لاغبار عليه , وهو الاكثر تمثيلا للروح العراقية من بين الالوان الاخرى لكونه تقليد قديم كقيمة رمزية للتعبير عن افكار ايجابية مجردة , فهو لون التفاؤل والسماء المشتركة لبلادنا التي تغطي جميع القوميات والاجناس البشرية . اما الاصفر فهو من الالوان السائدة والمنتشرة بكثرة في الشرق , لكنه قليل – الجماهيرية او الشعبية – عند الكثير من شعوب الغرب , ونسبة وجوده بالضوء قليلة فهو يمتد لمسافة قصيرة نسبيا من 580 نانومتر وحتى 610 نانومتر في احسن ظروف القياس , واعلام جميع الدول العربية (الطغاة العرب) خالية من هذين اللونين , وفي العراق نقول -ابو وجه الاصفر- دليلا على اللؤم والحقارة , ووجوده بالطبيعة علامة على الجدب ويرمز الى موت الاخضرار , وهذا ينطبق تماما على عراق اليوم تحت رحمة حكامنا الاميين الجدد ذو الوجوه الصفراء الذين يصبغون جباههم بالاسود دليلا على الورع والتدين زورا وبهتانا , والمعروف ان الجمع بين اللونين الاسود والاصفر تحديدا في توليفة واحدة هو علامة تحذيرية تعني خطر او لاتقترب في العديد من الحشرات اللاسعة وبعض الحيوانات البرية والاسماك (ينحدر الانسان من عالم الاسماك قبل اكثر من 400 مليون سنة ) , والاصفر في القطط البرية يساعدها على التمويه والاختفاء وهذا ماتعلمه منها المهندسين العسكريين لاخفاء معالم الثكنات . وفي القرون الوسطى الاوربية ربطت الرمزية الدينية المسيحية بين الاصفر والعدوانية وذلك لاحتقاره تاريخيا من قبل الكنيسة رغم اعتبارهم الذهب من المعادن السامية والالهية وفي نفس الوقت علامة على الجشع والطمع , وصور يهوذا دائما في الاعمال الفنية بثياب صفراء , وكانت قوانين الدول الاوربية تجبر اليهود على ارتداء ملابس وطاقيات صفراء (في زمن النازيين الالمان كان على اليهود وضع اساور صفراء في اياديهم لتمييزهم عن بقية الشعب ) , وبعد سقوط الاندلس واندلاع حركة الاصلاح الديني استعمل الكاثوليك الاسبان الملابس الصفراء للمحكومين بالاعدام والهراطقة الذين احرقوا وهم احياء . وبسبب لمعانه الشديد فهو مع الاسود علامة تحذير شديدة توضع بشكل خاص على السيارات ذات الحمولة الثقيلة او الاماكن الخطرة جدا مثل محطات توليد الطاقة وماشابه , وقد استعمله البحارة في بواخر النقل كاشارة على الحجر الصحي , وعليه فلابد ان يكون المواطن العراقي قد طور نوع من انواع الحذر واليقظة اتجاه المتدينين اصحاب اللحى والجباه السوداء والوجوه الصفراء والنفاق , و بكل من يحاول الاضرار به منهم بشكل عام , و شم رائحة خطرهم من بعيد , رغم ان الصفات الايجابية للاصفر في معتقدات العراقيين اكثر من السلبية , فمنذ القدم كان رمزا لاله الشمس التي قدسها الاجداد , ومنهم تعلمت الاجيال الحديثة على جعلها رمزا للحرية والنضال , وبعد ان سيطرت طبقة رجال الدين الفاسدة وسدت اشرعة الاسلاميين وراياتهم السوداء وجه الافق , وحجبت انوار الحرية والخلاص وملئت العراق بجورهم وبظلامهم الدامس , وغدى مرتعا للصوص والقتلة , ضاع الامل في ايجاد مكان لنا تحت تلك الشمس , لكن الثورة على الابواب وبدا الوعي العراقي ينهض من جديد لشق هذا الحجاب وتمزيقه ولتسفر بلادنا للناس بصبح زاهر , وسماءا زرقاء بعد ليل وخيم .
حتى بداية القرن الثامن عشر , ونشوء علم الكيمياء الحديثة , لم يعرف الانسان اكثر من خمسة عشر عنصرا من العناصر التي تتكون منها الطبيعة , والتي تم تصنيفها في جدول موحد يعرف ومنذ سنة 1869 باسم جدول مندليف (نسبة للعالم الروسي مندليف الذي بوبها في نسق علمي مازال يتطور الى الان ) او جدول العناصر الذي يحتوي حاليا على 117 عنصرا . فلم يكن انسان العصور الحجرية الثلاثة – القديم والوسيط والحديث – على دراية وتمكن الا من استعمال عنصرين اساسيين من تلك العناصر فقط , هما الكاربون والكبريت , وفي نهاية العصر الحجري الحديث ومع اكتشاف الزراعة واستيطان الانسان بالمدن وبحدود سنة 5000 قبل الميلاد اكتشف بعض هؤلاء المزارعين او الفلاحيين الاوائل عنصرا اخر غيّر مجرى التاريخ البشري برمته لاحقا , ووضع الحضارة في طور جديد ارقى , فكان هذا الاكتشاف هو لعنصر النحاس ومنه صنعت سبيكة البرونز (يسمى بالعراق الصفر- ومنه سوق الصفافير) , وسمي تاريخ الانسان ومنذ اقدم استعمال له لهذه المادة وحتى سنوات 1250- 1200 قبل الميلاد بالعصور البرونزية للشعوب , حيث اعقبه عصر الحديد , رغم ان الحديد قد اكتشف واستعمل في مناطق الاناضول (تركيا حاليا) قبل هذا التاريخ باكثر من الف عام , لكنه لم يدخل الحياة الاقتصادية والاجتماعية للناس الا عند الحثيون حوالي 1550 قبل الميلاد الذين احتكروا طريقة تصنيعه حتى انهيار دولتهم بحدود 1200 قبل الميلاد وهجرة الحرفيين العارفين بالصنعة الى الدول المجاورة , وخاصة الى بلاد اشور الصاعدة والتي تعتبر اول امبراطورية في العالم عرفت كيف تستفيد من تلك الخبرات ومن ذلك الاكتشاف ومارافقه من اختراعات اخرى لبناء مجدها وقوتها العسكرية الخارقة باسلحة مصنوعة من الحديد , ولتستعمر باسلحتها وعرباتها الحديدية غالبية بلدان الشرق الاوسط المحيطة ذات الاسلحة البرونزية الضعيفة , وصولا الى جنوب مصر , وحتى انهيارها سنة 612 قبل الميلاد على يد الفرس والبابليين الذين تعلموا منهم طرق استخراجه وصناعته .
وفي منتصف العصر البرونزي – قبل او بعد سنة 3000- قبل الميلاد تم اكتشاف الفضة ثم الذهب في مكان ما من الشرق الاوسط , ومنذ ذلك الحين والى الان فان هذا العنصر الاصفر (الذهب) من عناصر الطبيعة يشكل العمود الفقري لكل التبادلات الاقتصادية والتجارية الهامة وعند كل الشعوب تقريبا , وبريقه اللماع العجيب لم يخفت ابدا لا في رموز الروح ولا في اغطية الجسد .
وقبل اكتشاف الذهب باكثر من اربعين الف سنة , كان اللون الاصفر والاصباغ الصفراء معروفة للانسان , واستعملت جنبا الى جنب مع الاسود والاحمر والابيض بكثرة في رسوم انسان مرحلة الصيد وفي ادواته التطبيقية , لكنه لم يكن يحمل رموزا ومعاني ذات اهمية اجتماعية وسحرية كبيرة مقارنة بمعاني ورموز الاسود والاحمر ذات الدلالات المختلفة , وقد بقي لونا تابعا او مساعدا في احسن الاحوال , لكنه ومع دخول الانسان في العصور التاريخية وتطور المدن والحضارات وزيادة انتاج واستعمال الذهب فيها , فقد قفز الاصفر وفي كلتا الحضارتين الاساسيتين من حضارات العالم القديم , العراقية والمصرية الى قمة الهرم , واصبح واحدا من اهم الالوان في الرمزية الدينية لتلك العصور .
واشتهرت الحضارة المصرية القديمة خاصة , في البراعة في انتاج انواع متعددة وتدرجات لونية جميلة كثيرة للاصفر , عرفت في تاريخ الفن باسم -الالوان المصرية الصفراء- او اختصارا -الاصفر المصري- , وظلت هذه الالوان الصفراء تحديدا لغزا محيرا للكثير من الاثاريين , نظرا لبراعة الحرفيين المصريين القدماء في خلط النسب الكيميائية المكونة لاصباغهم وعدم قدرة الاخرين على تقليدها , ولعدم وجود شبيه لها خاصة في الغرب حتى العصور الحديثة . وهذا الاهتمام بالاصفر والتعقيد في صناعته , يعود بالدرجة الاولى الى طبيعة الديانة المصرية نفسها , ومبادئها الفكرية العامة, والتي كان الفن المصري برمته ومنذ بداية العصر البرونزي وحتى افوله الاخير في منتصف القرن الرابع الميلادي (بحدود سنة 325 ميلادية اصبحت مصر تابعة الى الدولة البيزنطينية وفرضت النصرانية فيها) يقوم على تجسيده لها , كفكرة دينية واحدة قائمة على اساس انبعاث الروح , وترتكز بالاساس على ثلاثة مبادئ , يمكن اختصارها بالشكل التالي :
الاول : كا- وهو قسم من قوة الحياة الكونية , ترافق الجسد في الحياة والموت , رغم ان امكانياته وقوتها الحقيقية تنبثق بعد الموت .
الثاني : خا – وهو الشخصية المؤثرة للفرد او الانسان وللروح والتي تغادر الجسد عند الموت لتسكن بيت الاخرة
الثالث : با – وهو شئ يشبه الشبح الى حدما , يستطيع الانتقال من والى الجسد الميت .
هذه باختصار المعتقدات التي كانت سائدة في كل نواحي حياة المصريين والتي دارت حولها الاساطير والرموز والرسوم والتي جسدت بصريا بالرسم والنحت والمعمار فكرة الموت والحياة والخلود (مثل قدماء العراقيين) التي كانت شغلهم الشاغل لالاف السنين , وقد انعكس من خلالها ايضا حرص قدماء المصريين على الروح المحافظة والاستمرارية والثبات على نمط واحد والمناعة ضد التغيير , رغم الاختراعات التكنلوجية العديدة الهامة التي ابتكروها ومنها النوعيات المتميزة للاصباغ الصفراء , وهذه صفات اثارت حتى ملاحظة الاقدمين لها , ففي مكان ما من مؤلفاته يقول افلاطون بان الفن المصري لم يتغير منذ عشرة الاف سنة , ويستطيع حتى المشاهد العادي اليوم للاثار المصرية من تلمس مغزى هذه المبالغة بسهولة.
وتختلف المبادئ الدينية للمصريين كثيرا في فهمها للاله والملك (الفرعون) ووظيفتهما ورموزها عن نظيرتها العراقية مثلا , رغم وجود الكثير من التفاصيل الصغيرة والثانوية المشتركة بينهما (هناك تشابه في رواية الاساطير بين اوزيريس المصري وتموز العراقي) , فالفرعون عند المصريين هو ليس ممثلا عن الاله كما في سومر بل هو نفسه الاله , وايضا فقد عبدت كلتا الحضارتين وفي وقت واحد تقريبا اله الشمس , وكان له رمزا تصويريا خاصا به لدى الاثنين , لكنه يختلف ليس فقط في طريقة التعبير البصري الرمزي عنه فقط , ولكن في الوظيفة الاجتماعية والفكرية ودوره التعبدي ايضا ومكانته في سلم الالهة , وهذا الاختلاف الجوهري الفكري العميق بين العقيدتين جعل القيمة الرمزية للالوان عامة وتسلسلها الهرمي مختلف ايضا . فبينما كان ثنائي الاسود والاخضر/الازرق ( الفيروزي) منتشرا بالعراق , كان ثنائي الاصفر والازرق اكثر انتشارا في العقائد في مصر , فغالبية القطع الاثرية المصرية الهامة والتي تعود الى الفراعنة والملوك ومن مختلف المراحل التاريخية مليئة بالذهب ومزينة بانوع متعددة من الاصفر الى جانب نسبة اقل من الوان اخرى , زرقاء على الاغلب او حمراء او احجار كريمة من العقيق الاحمر والاخضر . فقد مجد المصريون اللون الاصفر واعتبروه رمزا للخلود لانه لون الشمس ولون الذهب وكلاهما لايصيبه التلف او الموت او البلاء , فكل شئ لوّن بالاصفر انذاك يحمل هذا المعنى (نفس هذا المضمون ولكن بدرجة اقل عند العراقيين) , وقد تم تصويره بطرق مختلفة , فجسد الالهة طليت بالاصفر , وعظامهم صنعت من الذهب وتوابيت مومياء الفراعنة غالبا ماتكون مكسية بالذهب اما الوجوه او الاقنعة التي توضع عليها فهي مصنوعة اصلا من الذهب , حيث يتحول الفرعون نفسه بعد الموت الى اوزيريس ثانٍ (اله الشمس في معتقداتهم) ويرتبط به وبعالم الاخرة والحياة الذهبية الدائمة . غير ان هذا النوع الملكي من الاصفر يختلف عن الانواع الاخرى فهو هنا مصنوع وبعناية من مواد خاصة بالفراعنة والطبقات العليا الاخرى بالمجتمع , بينما هناك انواع اخرى من الاصفر مخصصة لتصوير طبقات اخرى بالمجتمع اقل اهمية , وهذا مالاحظه وكتب عنه خبراء المصريات مثلا عن الاعمال التي تصور مشاهد من الحياة الدنيوية او تصوير الاجانب غير المصريين مثل البدو والليبيين والحثيين والسوريين وغيرهم .
وربما لايوجد شعب بالعالم ارتبط اسمه باللون الاصفر مثل الشعب الصيني , فهو الجنس الاصفر (لايوجد تعليل علمي متفق عليه عن سبب ميل لون اجسادهم نحو الاصفر) الذي يعيش على سواحل البحر الاصفر , والذي اسس حضاراته على ضفاف النهر الاصفر , التي من حكامها الامبراطور الاصفر (اسطوري) والذي يعزى اليه انشاء الطب الصيني وزرق الابر .
والحضارة الصينية هي الوحيدة من بين جميع الحضارات التي ظهرت في العصر البرونزي والتي مازالت باقية الى الان ويمكن تميزها بوضوح على اساس سماتها الاساسية واشكالها ونوعية انتاجها الفني , التي حافظت عليه وطورته في عملية تحول ثقافي مستمر وبدون انقطاعات طويلة هامة رغم الثورات الداخلية و الاضطرابات و الاحتلالات الاجنبية , ومنذ اول استقرار للانسان هناك بحدود 3500 سنة قبل الميلاد والى اليوم , وطوال هذا التاريخ كان الاصفر من الالوان المقدسة وذات الخصوصية عندهم ., وقد ازدهرت الحضارة الصينية وبلغت مراحلها المتقدمة منذ سلالة –هان 221 قبل الميلاد وحتى 220 ميلادية , حيث تحققت خلال هذه الفترة الكثير من الانجازات الثقافية والتكنلوجية الهامة والتي انتشرت عالميا بعد ذلك بقرون منها مثلا صناعة الورق , والحرير (يقول بعض المثقفين الصينين القوميين حاليا بانهم ابناء هان) , والازدهار الثاني في التاريخ الصيني كان تحت حكم سلالة سنج في القرن العاشر الميلادي , التي كان شعارها العلم الاصفر وهو لون ثياب الامبراطور وحاشيته ايضا .
لقد دخل الانسان العصر الصناعي الحديث منذ مئتين سنة فقط عندما تحركت اول قاطرة بخارية سنة 1804 وجرت الانسانية ورائها بدخانها , وقبلها اندلعت الثورة الفرنسية سنة 1789 ونقلت البشر الى عصر المثل الديمقراطية والتحررية في النظم السياسية والاجتماعية وايضا عمقت العلاقة بعصر العلوم والتكنلوجيا والفنون والصور والافلام والتماثيل والرموز الدنيوية والنظر الى المستقبل اينما وجد الانسان على الارض , واستخدم الفن برمته منذ ذلك الحين كوسيلة اتصال عابرة للازمنة وللقارات والاديان واللغات والقوميات , وليس كادوات ودوغما دينية كما كان سائدا , واعتبره الفلاسفة تفكير بالصور والرموز والتماثيل والمعمار والالوان , وبسبب قوته وتاثيره على البشر فقد اصبح وسيلة الطبقات المتصارعة وغايتها (احيانا) في التعبير عن الذات , لانه وجد اصلا (بايولوجيا – كما يقول علماء الدماغ ) لاثارة التفكير وامتدادا لعمل الدماغ نفسه في سبيل البقاء وللامتاع وتالف الناس .
وفي العراق اليوم وبسبب طبقة رجال الدين الطفيلية واحزابها الرجعية اللصوصية , فان جميع مبادئ الحضارة المعاصرة قد تم تدميرها في وعي الناس , والطبقات المتنورة والعقلاء قد قتلهم او اسرهم السفاحين والمجرمين من كل حدب وصوب , وتحولوا الى طاقات عاطلة عن العمل ومن ثم عن الامل والتفكيرلان كل اجهزة الدولة ووزاراتها واموالها في قبضة هراطقة الدين , و (يتفنن) اصحاب المال والسلطة الاوباش الفقهاء والواعظين وخطباء الجوامع وكل من لف لفهم من اصحاب المهن المنقرضة , في قتل النفس البشرية المفكرة والمبدعة في العراق , ونشر امراضهم النفسية وعبادتهم للاسلاف والموتى وهوسهم بالسلطة وسرقة المال العام في كل مكان , ورفض الانصياع الى عالم التجديد والمدنية , وتحريم وتجريم كل من يعمل على تحرير الفرد العراقي من الامية والجهل والخرافات التي يعج بها دماغه وعموم الاكثرية المسحوقة والضعيفة , هذا الدور الذي عمل الالاف من المربين المحررين والمنوريين والفنانين العراقيين عليه طوال القرن العشرين , لهذا فقد ان الاوان لاقتلاع هذه الشراذم الممثلة باحزاب الدين من عراق اليوم والمستقبل وانشاء مجتمع العدالة والسلام والحرية للانسجام مع بقية شعوب العالم المتمدنة , ولن يتم ذلك الا اذا وعت الشبيبة العراقية بان مستقبلها في خطر وانهم حاليا ليسوا اكثر من اسرى للدجالين , ويقترن انعتاقهم وتحررهم بصحوتهم ويقظة عقولهم الذي تدمره يوميا احزاب الدين ورجالها الفاسدين المجرمين .
#ساطع_هاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟