|
مرافعة ضد البنى الإبستمولوجية
روجيه عوطة
الحوار المتمدن-العدد: 3273 - 2011 / 2 / 10 - 17:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد رفض جمهورية تركيا لقرار إعادة محاكمته الذي أصدرته محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، وزًجِه في سجن إمرالي- بورصا الإنفرادي، بدأ عبدالله أوجلان بكتابة نص مرافعته ضد كل الأفعال الغير قانونية والظالمة التي ارتكبتها المدنية الأوروبية، بوجهيها السلطوي القامع والديمقراطي الناعم، خلال محاكمته المستمرة حتى اليوم. بمشروعه السوسيولوجي التحرري يقف أوجلان موقف الناظر الناقد والناقض الى كل ما يحاك ضد قضيته كشخصية تاريخية أرادت في يوم ٍ من الأيام خلع دور ضحية القدر المأساوي التاريخي عن نفسها، وإستبداله بمقولة تخفي التاريخ في شخصية تُعلن أن الحرية ستنتصر بعد إتمام التطبيق الميداني للفكر المضاد للفكر الناشئ، والضارب بسيفه المقدوني على حلقات سلاسل الهيمنة العالمية المتشابكة في ماضيها وحاضرها ومستقبلها. لا يخفى على أحد الأزمة التي تعيشها أجهزة السلطة والإنتاج-الإدخار للنظام الرأسمالي العالمي التي تنطبق على حالة البنية المعرفية لهذا السيستيم والذي ككل نظام لا يستمر إلا بتحقيق شرعيته في ميدان المعرفة الشاهد على الكثير من صراعات الهيمنة فيه. حتى وقت قريب، بسطت العلوم الوضعية سيادتها الإبستمولوجية بإحتواءها بعدا ً دينيا ً وميتافيزيقياً كانت العلوم الطبيعية قد انتصرت عليه بتوجيهها ضربات شديدة ضد مفاهيمها التقدمية المستقيمة وثنائيتها التقليدية الملاحَظة-الملاحَظ الموجودة بشكلها الأوضح في علم الإجتماع ذا البنية المعرفية الأوروبية المركز المتجرأة على تشييء المجتمعات البشرية المختلفة حسب منطق وثنية عصر التنوير الأكثر ضحالة من ما سبقها في شرعنة أجهزة السلطة ورأس المال والإدخار للدولة القومية المستندة على فسلفات وإيديولوجيات ونظريات إقتصادية وإجتماعية مازالت تُشكل البنى المعرفية للنظام العالمي. هذا البراديغم الإبستمولوجي يُنتج مضاده ولكن هذا لا يعني أنه يُنتج نهايته أبدا ً، فسوسيولوجيا ماركس-أنجلز المناهضة للرأسمالية، لا يمكننا، حسب أوجلان، إلا إعتبارها جزء لا يتجزء من هذا البراديغم المتسلسل تاريخيا ً بنقاط ضعفه وبفداحة أخطاءه، فرغم مساهمة الماركسية- الأنجلزية في إيضاح حركة التاريخ والمجتمع من حيث البنى التحتية الإقتصادية والطبقية إلا أن هذه النظرية بتطبيقاتها الخاطئة مهَّدت الطريق للإختزالية الإقتصادوية، كذا النظريات النسبية المفرطة في خدمة الفردانية الرأسمالية، والتيارات الفوضوية التي بترويجها العداء ضد الرأسمالية تلعب دورا ً في تقديرها هذا النظام العالمي. تعريف هذه المواقف التاريخانية للمجتمع لا يخدم سوى سوسيولوجيا السلطة، فالمجتمع ليس حالة من التطورات العلائقية الإنفرادية اللانهائية الغير مقيدة بقواعد، وليس ببضعة قوانين سطحية تتحكم ببناه على أساس تصويري شمولي، وحتى الليبرالية التوفيقية الجامعة بين الجوانب الصحيحة لكل نظرية تستعمر الذاكرة الإجتماعية لتمارس هيمنتها الأيديولوجية. كل النماذج الإجتماعية تتصف بعيوب وأخطاء إن كان على صعيد الممارسة أو على الصعيد النظري البحت، وحتى نموذج آندريه غوندر فرانك "النظام العالمي" يجد فيه أوجلان بعض الشوائب التي لا يمكن غض النظر عنها لا سيما في تناوله مفهوم السلطة بشكل دائري كالقدر المحتوم دون وضع اليد على سُبل التحرر منها ديالكتيكيا ً. تعجز البنى الإبستمولوجية الموجودة عالميا ً عن إنقاذ نفسها لأنها جزءا ً من أجهزة السلطة لذا لا بُد من بديل لنظام المدنية العالمية المركزية يُفسِر واقعنا التاريخي، فمن ضرورة الطبيعة الإجتماعية البحث عن نظام يقاوم تكديس رأس المال وتكديس السلطة أيضاً، وهذا ما يحققه خيار الحضارة الديمقراطية أو حضارة الحرية، المستوعبة لمختلف أشكال تكديس رأسمال والسلطة في المسطحات الإجتماعية والإقتصادية وذلك ببنية معرفية لا تتموقع في بوتقة بنى المعرفة السلطوية، ولا تخضع لمذاهب متحجرة عاجزة عن تحديد مواقفها العلمية وخياراتها السياسية والإستيطقية بشكل مستقل ومنفصل عن البنيان المعرفي المهيمن، وبتحقيق إنتقال علمي جذري بمعنى آخر ثورة في السوسيولوجيا، حيث تأخذ الحقيقة الإجتماعية نسقا ً تتداخل فيه الميثولوجيا والدين والفلسفة والعلم الوضعي مع التاريخ التراكمي لفائض الإنتاج وفائض القيمة، مما يسمح للسلطة شرعنة وجودها بحجج أسطورية دينية كالإعتقاد بقدرية المهمشين في التاريخ كالبرابرة، حثالات الشرائح، القبائل، الكومونات، المذاهب المنحرفة، المشعوذات، العاطلين عن العمل والفقراء، أي رد مشاكلهم الحياتية الى حتمية القدر. في نظام الحضارة الديمقراطية يتطور عنصري المدينة والصناعة دون إفساح المجال لتراكمات رأس المال والسلطة والدولة المفرطة، التي تؤدي دور الخلايا السرطانية ضمن المجتمع إعتمادا ً على الطبقة الوسطى، بعكس النظام المتسرطن بفعل هذه التراكمات في أجهزة المدينة والطبقة الوسطى ورأس المال والسلطة والدولة والمواصلات، إذ يكفي رصد الدمار البيئي، الوضع القائم للمرأة، الفقر، البطالة للتأكد أن الخطر يحدق بواقعنا الأيكولوجي والإجتماعي الراهن، الغير مفهوم إلا على ضوء التاريخ الكوني الشامل الذي يجعل من الحاضر تاريخا ً والتاريخ حاضرا ً، مع إضافة أن اللحظة التاريخية لا تُدخل التاريخ في التكرار بل تلعب دورا ً هاما ً في تراكم فوارقه وخصوصياته في كل مكان وزمان، فالتطور يعني التباين، فعندما "يصبح الواحد اثنين، لا يتكون عندئذ تراكم كمي بسيط فقط، بل، وبالإضافة الى ذلك، يتحقق الإثنان بإعتباره مختلفا ً عن الواحد في كل وقت". الماهية التحكمية لنظام المدنية المركزية تفرض أولوية ميزة الحرية للحضارة الديمقراطية، وميزة المساواة مع إحترام فوارق الطبيعة الإجتماعية، وذلك بربط الميزتين مع علاقة نظام التراكم الرأسمالي بالعقل الإجتماعي ضمن أبعاده النظرية-العملية والتحليلية-العاطفية، وبتسليط الضوء على قدرة العقل على حل المشاكل الإجتماعية الحاضرة على طول السياق التاريخي، وبالأخص معضلة رأس المال والسلطة، فبتفكيكها يصبح بالإمكان إعادة تصميم التاريخ على هيئة التاريخ الإجتماعي الغير سائر على خط قدري مستقيم، ولا متقدم من ذاته نحو هدف مرتقب، فتاريخ المجتمع منبع للحل المعاصر تكنسب العصرانية الديمقراطية وجودها منه بالتأسيس على الكومونيالية الديمقراطية والصناعة الأيكولوجية والأمة الديمقراطية التي تملك قدرة على توحيد تجارب مناهضي النظام القائم في عهد الحدائة. العصرانية الديمقراطية نظام يميل بكل عناصره نحو السلام الحقيقي، ومفهوم الأمة الديمقراطية يطرح حلولا ً منفتحة ً أمام الغير بدءا ً من أصغر جماعة قومية وصولا ً الى أمة عالمية تكون القضايا الإجتماعية فيه على درب الحل، أما عنصر الكومونيالية الديمقراطية فيعرض خيار كينونة المجتمع الأخلاقي والسياسي بالنسبة لكل وحدة إجتماعية، وبالتالي تحيا الأخيرة في ظل نظام قائم على السلام، لأن بنيته السوسيولوجية تنشط في حل المعضلات وتأمين إدراك الحياة. بهذا المعنى تشكل المدنية الديمقراطية بسوسيولوجيتها الجديدة- سوسيولوجيا الحرية- نموذج إجتماعي داخل البنى المعرفية للسطة المهيمنة وخارجها في الوقت نفسه.
#روجيه_عوطة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عزيزنا الديكتاتور، ليس لك منا تحية ولا راتب تقاعدي
-
خواء في بوخاريست
-
ريجيم عاطفي بحبوب الليكزوتانيل
-
إنطباع بزوغ الغثيان
-
تحية من غرفة العناية المشددة
-
دائرة الممكن، عمودية الإستعارة وبرج بابل لا يسقط في الآنية
-
تسوّل شعري
-
المعنى: هدية البحار العجوز
-
بورتريه مائي فارغ
-
مرآة الدين الضائعة (لا بد للجسد أن يعود الى القبر ليرى مرآته
...
-
لن يُستهلك ماركس بعد الآن
-
الوجه: نرسيس بلا مرآة
-
رحم الأم...بيت الزوج...القبر
-
ثنائية لحظة الذروة
-
مفتاح السجن في يد السجين
-
الماركسية والدين
-
هل من سبب للطائفية في لبنان؟
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|