|
هل هي صخوة عربية فعلا؟
عزيز العرباوي
الحوار المتمدن-العدد: 3273 - 2011 / 2 / 10 - 17:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل يمكننا الحديث عن صحوة شعبية عربية على غرار الانتفاضات الشعبية التي تعيشها وعاشتها العديد من البلدان العربية؟ فكل الأحداث الأخيرة التي وقعت ببعض الدول العربية كتونس والجزائر والسودان ومصر والمغرب ... وغيرها، تنذر بحدوث أحداث أخرى مماثلة في هذه البلدان وفي غيرها. وإذا ما تتبعنا خيوط هذه الأحداث فإننا نجد أغلبها ينحو نحو المطالب الاجتماعية التي تأتي بعد معاناة واضحة في مجال السكن والعيش الكريم والشغل و الشغل كحق إنساني تكفله جميع الدساتير. وبالتالي فهذه الأحداث تكون بمثابة إجابة واضحة عن التساؤل أعلاه، فالشعوب العربية أو بعضها على الأقل بدأت تشكل النواة الأولى لبناء ثقافة جديدة تكرس الإيمان بالحق والمطالبة به، وهذا شيء جديد في عالمنا العربي وأسلوب حديث سنته الشعوب العربية المقهورة للمطالبة بحقوقها الاجتماعية المشروعة . إذن، نستطيع أن نقول إن هذه الصحوة الشعبية بدأت تمثل رؤية جديدة للانتماء الوطني، فالوطن الذي تعاني فيه أغلب الطبقات الاجتماعية من كل أنواع الفقر والذل والإهانة بينما تنعم طبقات قليلة فيه بالخير وتستحوذ على النسبة الكبيرة من ثرواته وخيراته لا يمكنه أن يستمر في السلم والأمان كثيرا من الوقت، ولذلك على الحكام أن يفكروا جديا من اليوم فصاعدا في كيفية التقليل من حدة هذه المعاناة التي تعانيها كثيرة من هذا الشعب العربي أو ذاك . إن التساؤل الصائب لحل هذه الأزمة الجديدة والتي تتمثل في انتفاضات شعبية سلمية للمطالبة بالحقوق المشروعة هو إعادة النظر في توزيع الثروة الوطنية وتطبيق القانون على الفاسدين والمفسدين، ومحاسبة لصوص المال العام وإجبارهم على رده إلى خزينة الدولة، أما مواجهتها بالعنف فهو حل خطير وغير صائب، لأنه لا محالة سيقود إلى إنتاج عنف مضاد تكون نتائجه خطيرة على المجتمع والدولة معاً . إذا كانت كل التجارب القديمة مع مواجهة الانتفاضات الشعبية بتجلياتها المتعددة قد استقطبت اهتمام فئات جديدة من الشعوب، ولم تعد تقتصر على فئات خاصة مثل المعطلين والمعارضين السياسيين، وبقدر ما تتعرض هذه الانتفاضات للعنف والاستنكار من طرف الحكومات، فإن النقاط الإيجابية فيها تتجلى في هذه الصحوة الجديدة للشعوب المقهورة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا في العالم العربي بالذات، وكذلك في تلك القدرة على التحمل والتجلد على تحمل العواقب التي تنتج عن الخروج إلى الشارع والتظاهر ضد الحكومات التي كان مجرد انتقادها في الصحف يجر المرء إلى السجن أو أكثر من ذلك. إن هذه الصحوة الجديدة لشعوبنا، ورغم قلتها وضعف التأطير الذي تعاني منه، فهي قادرة على تحقيق الأهداف مها وهي الضغط على الحكومات لحل المشاكل الاجتماعية والاهتمام بالفئات الفقيرة والهشة داخل كل دولة على حدة، وكذلك الرفع من معنويات فئات أخرى لازالت تخاف من المطالبة بحقوقها ومواجهة الحكومات بمطالبها المشروعة . إن الوعي بحقوقنا وواجباتنا هو أجمل مظهر في إنسانيتنا، وإن تحرير هذا الوعي وتنشيطه داخل المجتمع هو من وظائف أصحاب الفكر والقلم، خاصة وأن الهمم مشحوذة وتحتاج فقط إلى تأطيرها وتنظيمها وجعلها في خدمة الإنسان كفاعل داخل المجتمع. فبقدر ما ينعتق الإنسان من عبودية الخوف والتراجع عن المطالبة بحقوقه ويتخفف الوعي الإنساني من الضغط والمع، فإنه يصبح في مكانة هي أقرب إلى خلق مجتمع مثقف واعٍ بحقوقه وواجباته وقادر على تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي . إن سلطة المجتمع (الشعب) بعلاقاته وثرواته وتنظيماته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية هي شديدة الصراع مع السلطة السياسية المتحكمة، وتحاول فرض إيديولوجيتها على كل الوسائل المتاحة. وهي وإن كانت تقدم مساحة واسعة لاختلاف الاجتهادات والآراء والحلول المقترحة، إلا أن الإطار الجامع الذي تخرج منه وعنه، هو اعتبار حقوق الإنسان والحريات بكل تجلياتها العامة والخاصة من القضايا المهمة، يليها كل ما يتعلق بالعلاقات الإنسانية داخل المجتمع من عدل ومساواة وتكافؤ للفرص وتحرير للطاقات الإنتاجية والإبداعية وتوزيع عادل للثروة الوطنية بين مختلف شرائح المجتمع.... يبدو من الأحداث الأخيرة داخل العديد من البلدان العربية أن عمليات التواصل بين الشعوب والحكومات أصبحت مغيبة وأنه لا يمكن بالمطلق إنتاج أنماط جديدة للتواصل المثمر بين الطرفين، لأن أغلب المتدخلين من هذا الطرف أو ذاك يبحث عن تحقيق الحد الأدنى من الاختراق داخل منظومة الطرف الآخر للحد من الهيمنة على القرار، فالحكومات تحاول جاهدة ممارسة كل أشكال التدخل العنيفة منها والسلمية لكي تحدث شرخا داخل المجموعات الاحتجاجية وتضرب تكتلها في مقتل عوض الدخول معها في حوار لحل المشاكل العالقة، بينما هذه المجموعات الاحتجاجية بدورها تحاول تعطيل الحوار مع الحكومات للضغط عليها للتنازل أكثر وتحقيق أكبر قدر من الأهداف والمطالب . إن مثل هذه الحركات الاحتجاجية تعمل على تحرير الوعي الشعبي في بلداننا من سيطرة الثقافة السلبية والجهل بالحقوق والخوف من النظام السياسي الذي أصبح يتقوى يوما بعد يوم بفعل وعي شعبي مغيب أو ميت في أغلب الأحيان. وبالتالي فهذه الحركات الاحتجاجية تحتفظ بقدر كبير من قدسيتها الأصيلة أو سحرها الذي يجعلها بإمكانها أن تثير ردا عاطفيا عميق الجذور لدى الكثير من فئات كل مجتمع، صانعة بذلك شحنة نفسية جماعية، هذه الأخيرة تصبح بمثابة تلك الرجة القوية لمجتمع يعيش على إيقاع التخاذل والبحث عن الطريق السهل للحياة دون تضحيات ممكنة . لا يمكن أن يتحقق إنجاز فلي على أرض الواقع من وراء أي حركة احتجاجية بدون حرية وتأطير ووعي حقيقي بالحقوق والواجبات. فأبرز السبل التي تضمن نجاح حركة احتجاجية هي تأطيرها وتنظيمها وليس تركها مجرد حركة عفوية تقود إلى ما تحمد عقباه. فالسيطرة على الناس وتنظيم احتجاجاتهم يحول دون إيذاء الآخرين والاعتداء على ممتلكات الشعب والأفراد، وبالتالي الحفاظ على السلم الاجتماعي ضمن رؤية جديدة للاحتجاج على الحكومات التي تنهج سياسات اقتصادية واجتماعية تكرس الفقر والهشاشة الاجتماعية . وليس من حق أي حكومة أن تحاكم الشعب على احتجاجه السلمي أو تتدخل بعنف للحد من حركاته الاحتجاجية التي من خلالها يوصل صوته ويطالب بحقوقه المهضومة ...وليس من الحكمة أن تصم الحكومات آذانها عن مطالب الناس الاجتماعية والاقتصادية، وإذا ما فعلت فإنها ستحصد نتائج خطيرة لا تحمد عقباها. ولعل ما وقع بتونس والجزائر من احتجاجات اجتماعية دفعت حكومتا البلدين إلى التدخل لتفريقها بالقوة دون فتح حوار مع المحتجين، فكانت نتائج هذه السياسة غير السليمة العديد من الضحايا وزيادة الاحتقان الشعبي وخلق توتر كبير بين النظام السياسي الحاكم وبين الشعب المقهور الذي انتصر في الأخير بتونس بإبعاد الرئيس نهائيا عن الحكم وعن الوطن. إن التفكير الملي في معالجة المطالب الاجتماعية لفئات الشعب المتذمر من السياسات غير المضبوطة وغير المشروعة لأقطاب الحكم في أي بلد عربي سوف تقود إلى الكثير من الاحتجاجات في دول المنطقة واستنزاف الطاقات في التظاهر والعنف والمواجهة غير السلمية بين الطرفين ولذلك نتمنى أن يعيد كل حكام منطقتنا العربية النظر في سياساتهم غير الوطنية ومحاولة رأب الصدع الذي بدأ ينخر المجتمعات العربية التي تقف على شفا حفرة من الانهيار السلمي....
عزيز العرباوي كاتب وباحث
#عزيز_العرباوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرية: رؤية نقدية :
-
قراءة في كتاب --- العراق في القلب--- للدكتور علي القاسمي
-
السينما المغربية والرداءة الفنية :
-
محاكمة غير منحازة للإعلام الحديث : عزيز العرباوي
-
التعليم طريق نحو تحقيق الشغل :
-
كتاب جديد للدكتور علي القاسمي--- لغة الطفل العربي ---
-
حوار مع المفكر والمبدع الدكتور علي القاسمي : أجراه عزيز العر
...
-
حكاية من خشب : قصة قصيرة
-
حرام عليهم ...: قصة قصيرة
-
اختطاف مصطفى ولد سلمى عملية مفضوحة :
-
أسرار الطقوس -- قصة قصيرة -- عزيز العرباوي
-
بساتين الصمت : قصة
-
وجوه الألم ....: قصة قصيرة
-
الحاقدون.....: قصة قصيرة
-
لقاء محزن ....: قصة قصيرة
-
الكتابة لعنة ونقمة...: ق.ق.ج
-
نفس القصة : قصة قصيرة
-
فشل.....: قصة) قصيرة جدا
-
محمد الماغوط رائد قصيدة النثر ومبدعها الكبير :
-
إنسان = قصة قصيرة
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|