خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3273 - 2011 / 2 / 10 - 15:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس كل انتفاض شعبي ثورة, فالثورة تاتي نتيجة تناقض بين تغير موضوعي في اسلوب الانتاج تتغير معه البنية التحتية الاقتصادية الاجتماعية, وتبقى مقيدة بمنظومة العلاقات السياسية الاجتماعية القديمة, وحين تنتصر الثورة فانها تلغي منظومة العلاقات السياسية الاجتماعية هذه وترسخ محلها منظومة علاقات اسلوب الانتاج الحديث.
ان الثورة, وبمعناها السياسي الحديث هي عملية توجه جماهيري سياسي منظم واضح الادراك والاهداف, ولا يندرج تحت هذا التعريف ما يحدث في مصر او ما حدث في تونس, إلا من حيث شكل وجود انتفاضة شعبية فحسب,
فالنظام في كلا الموقعين هو نظام انتاج راسمالي الطابع والمحتوى, والعلاقات بغض النظر عن مستوى حداثته ورقيه, لذلك لا نجد للانتفاضة الشعبية فيه محاولة للخروج من نظام الاقتصاد الحر الى نظام اخر,
ان المواقع الاقليمية انتقلت موضوعيا الى اسلوب الانتاج الراسمالي في ظل السيطرة الاستعمارية عليها, وفي كثير منها تلازم وتساوق التخلص من النظام الاقطاعي القديم الذي كان يقيدها مع التخلص من السيطرة الاستعمارية, ودخلت مسار _ تحولات ثورية _ في ظل سيطرة المؤسسة العسكرية على نظام الحكم, الامر الذي افرز منهاج الديكتاتورية, ومنحى انتقاله وتحوله من ديكتاتورية المؤسسسة العسكرية الى ديكتاتوريات المؤسسة المدنية في صورة الحزب الواحد واعلى تجلياته في صورة الديكتاتور الفرد الابوي.
خصوصية الوضع الاردني, ولاسباب متعددة , ابتعدت بالتحولات فيه عن نمط الانتفاض الثوري, وطبعته بطابع التحولات السلمية الليبرالية, وفي مقدمة هذه الاسباب التقاطع شديد الترابط والتفاعل بين العاملين الخارجي والداخلي, وفي مقدمتها ترابط الوضع الاردني بالوضع الفلسطيني, ولا يقل عن ذلك اهمية الطابع الليبرالي الذي اتسم به نهج حكم المؤسسة الملكية الاردنية واستعدادها نسبيا للتساوق مع التحولات الاجتماعية. الامر الذي ابقى _ حتى الان _ نهج الاصلاح شرطا للعلاقة بين مؤسسة الحكم والشعب, غير البعيد بالطبع عن توظيف العوامل الاجتماعية الخاصة لصالحها
فالاردن الان ينقسم الى ثلاث تكتلات ومواقف تعبر عنها ثلاث اسئلة رئيسية تمنع طرح الثورة كمسالة رئيسية ناظمة لحركة المجتمع الاردني,
السؤال الاول هو الاردن الى اين؟ وهو السؤال الذي يطرحه التحالف بين مؤسسة الحكم والشرائح الاجتماعية المستفيدة بصورة رئيسية من مردود العملية الاقتصادية الاردنية, وهي تطرح الاصلاح والتحديث والتنمية اجابة لهذا السؤال, والذي يستهدف زيادة حجم مردودها الاقتصادي وتنمية ثرواتها بصورة رئيسية, وفي هذا الاطار كان تاريخ تكليف التشكيل الحكومي الاردني بصورة عامة مع استثناء لحظات التكليف الحكومي السياسي والامني. وضمن هذا الاطار ياتي ايضا تكليف السيد معروف البخيت والحكومة التي قبل تشكيلها جلالة الملك بالامس. وسنعود لهذه الحكومة لاحقا في هذا المقال
السؤال الثاني: هو الاردن لمن؟ الذي تتكتل خلفه العقلية والتركيبة العشائرية, ولا يزال يشكل معيقا استراتيجيا امام عملية الانصهار الاجتماعي الاردني قوميا, وهو ايضا يتعلق بالموقع من عملية توزيع المردود القومي لعملية الاقتصاد ونسبة محاصصة هذا التكتل بها, والتي باتت تتطلع الى اكثر مما يؤمنه لها احتكارها الوظيفة الرسمية البيروقراطية, فقد بدأت نظرتها تتجه الى مطلب المشاركة في مردود القطاع الخاص
السؤال الثالث: من نحن؟ الذي تطرحه الاكثرية الصامتة من الاصول الفلسطينية والذين يكتفون بالواقع بالسيطرة على القطاع الخاص من الاقتصاد الاردني, ولا يتعدى طموح مشاركتهم المطلب الديموقراطي والاقتصادي سوى تكافؤ المواطنة وتخفيف العبيء الضريبي, لذلك يتوقف طموحهم عند حد مطلب المشاركة البرلمانية, لا اكثر, لكن ذلك لا يعني ان تساؤلهم حول من نحن لا يستجيب بصورة خاطئة ايضا للحوار مع تكتل السؤال الثاني.
إن الصورة السابقة توضح ان لا ائتلاف سياسي اجتماعي اردني على مطلب الثورة, وإن المطلب الاقتصادي الديموقراطي هو قاعدة ائتلافهم الوحيدة والذي يحفظ لكل منهم ان يغني على ليلاه, لذلك فان اقصى ما يمكن توقعه في الاردن هو اضطرابات شعبية يرى النظام انه يستطيع حتى الان السيطرة عليها بخسائر قليلة,
هنا قد يطرح البعض تساؤلا حول _ قوى المعارضة الاردنية _ وموقعها من هذه الصورة, لكن كل مواطن اردني وفي قرارة نفسه يعرف ان هذه المعارضة من اقصى الموجود يسارا او يمينا ليست في الحقيقة سوى ذيل للنهج السياسي الرسمي وانها غير مؤهلة لتكون نهج سياسي ثوري منتظم وملتزم, ولذلك عدمنا الاشارة اليها في هذا المقال.
ان تقديم العصير والماء للمتظاهرين, واقالة حكومة سمير الرفاعي, ومحاولة تشكيل حكومة اجماع ثقافي, وقبول اعادة النظر في مشاريع القوانين. لا تعني ولا تحمل اختلافا في نهج السياسة الرسمية الاردنية, فقد اجادت مؤسسة الحكم تاريخيا تاكتيك التراجع خطوة دون التفريط بنهج التعامل الاستراتيجي, مع الواقع الاردني, لذلك لم يكن غريبا ان يحمل سلوك القصر الملكي رسائل متعددة يوم امس الى المجتمع الاردني
الرسالة الاولى كانت في قبول التشكيل الحكومي, والذي حمل رسالة ان القصر على استعداد للاستجابة للطلبات الشعبية طالما ان هذه الطلبات بقيت في حدود المعقول ويمكن الاستجابة لها دون المساس بالخطوط الحمر التي رسمها
الرسالة الثانية حملها طبيعة تشكيل الحكومة نفسها, والمكونة من عقليات قديمة غير قادرة فعليا على التعامل مع نهج التحديث والتطوير من منظور جذري, ولا نعني هنا الموقف من النظام بل الموقف من الاصول السياسية للنهج المتبعة في المعالجة
الرسالة الثالثة ان السياسة المالية والامنية والعلاقات الخارجية’ هي من ثوابت النهج الرسمي غير القابلة للتعديل وتبعا لذلك فقد بقيت نفس الرموز في نفس المواقع
الرسالة الرابعة زيارة جلالة الملك لوحدة عسكرية والصورة الاحتفالية التي عرضتها مؤسسة الاعلام الرسمي, والتي تحمل اشارة ولاء المؤسسة العسكرية لمؤسسة الحكم, وتطرح بذلك صورة استقرار العلاقة بينهما الامر الذي يحمل ايحاء ضرورة ان يقبل الموقف الشعبي وموقف المعارضة حجم الاصلاحات التي تعرضها عليها مؤسسة الحكم.
لا جديد اذن يحمله التغيير الحكومي في الاردن سوى هامش ثانوي من الاصلاح الاقتصادي الديموقراطي, المظلل بمقولة الحوار الشامل, مما يطرح عن حكومة السيد البخيت صفة الاستثنائية القادرة على ان تستجيب للحظة استثنائية, اقليمية لا اردنية, في حين ان الاردن بازمته الاقتصادية السياسية يعيش فعلا حالة استثنائية خاصة.
ان محاولة الظهور بمظهر تطهري تعففي الذي اظهره السيد البخيت في اول تصريحاته الاعلامية ايضا لم يكن موفقا ابدا حين دعى الى التقشف الوزاري, والدعوة الى عدم الترحيب بالوزارة الجديدة بالاعلانات الصحفية وباقات الزهور, فهذه جميعا تصب باتجاه تباطؤ سرعة حركة الدينار بالسوق, في لحظة نجد معها مؤسسات اقتصادية غير قادرة على دفع رواتب موظفيها. الى جانب انه في رده على كتاب التكليف السامي اشار الى امكانية العودة الى نظام الخدمة العسكرية الالزامية التي تعني تحميل الميزانية العامة نفقات اعلى ستضطر الى ان تحملها الى الجباية الضريبية
ان النقد الذي وجهه السيد البخيت الى الحكومات السابقة سرعان ما سيرتد عليه, فالقاسم المشترك بين كل هذه الحكومات واحد, وهو عدم الالتفات الى الاسس السياسية للنهج الحياتي الاردني في مختلف المجالات,
ان سياسة تقصير الارجل دون تغيير اللحاف الذي يستمر في الانكماش هو اساس ازمة الاردن, فالاردن لا يحتاج في الواقع الى سياسة دفاعية بل الى سياسة هجومية, ولذلك فانني اقترح ان تضع مؤسسة الحكم والسيد البخيت امامهما رقمين لا اكثر للمقارنة, الاول حجم التحويلات النقدية لعملية الاستيراد, والاخر حجم التحويلات النقدية لعملية التصدير, ففي الفرق بينهما يكمن جذر الازمة الاقتصادية الاردنية, وبوضع مخطط استراتيجي لتصويب هذا الوضع يمكن للاردن لا ان يجبي ضريبيا اكثر فحسب, بل ان يخلق فرص العمل ويزيد الدخل.....الخ.
ان المعنى الذي يحمله كتاب الرد الوزاري على كتاب التكليف السامي هو معنى ليبرالي لا يحمل التزاما وطنيا اردنيا, طالما ان الدورة الاقتصادية الاردنية الراهنة هي التي ستفسره عمليا على ارض الواقع, وهو الامر الذي سيبقي السلوكية الاجتماعية الاردنية سلوكية مطلبية تعتصر الانفاق الحكومي, وستمنع حتما هدف التنمية السياسية الاجتماعية الاردنية التي تستهدف بالضبط التخلص من هذه النفسية, ولا داعي هنا للتعرض مع السياسة التعليمية التي لا تتطلع الى بناء اجيال قيادية بل تستمر في انتاج اجيال تنفيذية مطلبية ذات فكر معوي فحسب
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟