|
الماوية: نظرية و ممارسة 2 - عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله!!!
شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 3272 - 2011 / 2 / 9 - 18:16
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الماوية : نظرية و ممارسة - 2 - عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله!!!
بقلم : شادي الشماوي
فهرس " عالم آخر، أفضل ضروري و ممكن، عالم شيوعي ... فلنناضل من أجله!!!" - مقدمة - الفصل الأول : عالم آخر ، أفضل ضروري 1- عبودية القرن الواحد والعشرين . 2- بيع النساء : تجارة البشر العالمية. 3- الإمبريالية و الأيدز فى أفريقيا. 4- كوكبنا يصرخ من أجل الثورة . - الفصل الثانى : عالم آخر، أفضل ممكن: عالم شيوعي. 1- الشيوعية تصوروها بألوان حقيقية . 2- تعتقدون أن الشيوعية فكرة جيدة لكنها غير قابلة للتطبيق؟ قوموا بهذا الإختبار القصير و أعيدوا التفكير . 3- ما هي الشيوعية ؟ ما هو تاريخها الحقيقي؟ ما هي علاقتها بعالم اليوم ؟ 4- الشيوعية ليست إيديولوجيا "أوروبية" و إنما هي إيديولوجيا البروليتاريا العالمية. 5- مقياس من مقاييس تقدم المجتمع : من تجارب دكتاتورية البروليتاريا بصدد تحرير المرأة . - الفصل الثالث: الإشتراكية أفضل من الرأسمالية و الشيوعية ستكون أفضل حتى ! مقدمة الفصل 1- الإشتراكية و الشيوعية. 2- الثورة التى هزت العالم بأسره هزا. 3- تجربة أولى فى بناء الإشتراكية . 4- الثورة الصينية تنجز إختراقا آخر . 5- القطع مع النموذج السوفياتي. 6- الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى صراع بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي. 7- هزيمة الصين الإشتراكية و الدروس المستخلصة للمستقبل. 8- البناء على أساس الموجة الأولى من الثورات الإشتراكية . خاتمة : - هدف الماركسية هو الشيوعية. -------------------------------- ملاحظة : المقدّمة العامة و الخاتمة العامّة وملحق الفصل الأوّل بقلم المترجم. و نصوص الفصلين الأوّل و الثاني مقالات وردت فى "الثورة" لسان حال الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية أمّا الفصل الثالث فهو محاضرة لريموند لوتا نشرت فى "الثورة" و ترجمها إلى الفرنسية و نشرها رفاق الكندا على حلقات فى "الأرسنال أكسبريس".
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- " و يترفع الشيوعيون عن إخفاء آراءهم و مقاصدهم ،و يعلنون صراحة أن أهدافهم لا يمكن بلوغها و تحقيقها إلا بدكّ كل النظام الإجتماعي القائم بالعنف. فلترتعش الطبقات الحاكمة أمام الثورة الشيوعية. فليس للبروليتاريا ما تفقده فيها سوى قيودها و أغلالها ،و تربح من وراءها عالما بأسره."
- ماركس و إنجلز "بيان الحزب الشيوعي "
" …بين المجتمع الرأسمالي و المجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحول المجتمع الرأسمالي تحوّلا ثوريا إلى المجتمع الشيوعي . و تناسبها مرحلة إنتقال سياسية ، لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا …" - ماركس ، ذكره لينين فى "الدولة و الثورة ".
" إن حصر الماركسية فى التعاليم بشأن النضال الطبقي يعنى بتر الماركسية و تشويهها و قصرها على ما تقبله البرجوازية . ليس بماركسي غير الذى يعمم إعترافه بالنضال الطبقي على الإعتراف بدكتاتورية البروليتاريا " . - لينين "الدولة و الثورة " .
"… فى الطور الأعلى من المجتمع الشيوعي ، بعد أن يزول خضوع الأفراد المذل لتقسيم العمل و يزول معه التضاد بين العمل الفكري و العمل الجسدي ، و حين يصبح العمل لا وسيلة للعيش و حسب ، بل الحاجة الأولى للحياة أيضا ، و حين تتنامى القوى المنتجة مع تطور الأفراد فى جميع النواحي ، و حين تتدفق جميع ينابيع الثروة الجماعية بفيض و غزارة – حينذاك فقط ، يصبح بالإمكان تجاوز الأفق الضيق للحق البرجوازي تجاوزا تاما ، و يصبح بإمكان المجتمع أن يسجل على رايته : من كل حسب كفاءاته ، و لكل حسب حاجياته !" - ماركس، ذكره لينين فى"الدولة و الثورة ".
" فى المجتمع الشيوعي فقط ، عندما تحطم مقاومة الرأسماليين بصورة نهائية ،عندما يتلاشى الرأسماليون ، عندما تنعدم الطبقات ( أي عندما ينعدم التباين بين أعضاء المجتمع من حيث علاقتهم بوسائل الإنتاج الإجتماعية ) ، عندئذ فقط " تزول الدولة و يصبح بالإمكان الحديث عن الحرّية ". عندئذ فقط تصبح فى الإمكان و تحقق الديمقراطية الكاملة حقا ، الديمقراطية الخالية حقا من كل قيد . و عندئذ فقط تأخذ الديمقراطية بالإضمحلال بحكم ظرف بسيط هو واقع أن الناس عندما يتخلصون من العبودية الرأسمالية و مما لا يحصى من أهوال الإستثمار الرأسمالي و فظاعاته ، وحماقاته و سفالاته يعتادون شيئا فشيئا مراعاة القواعد الأولية للحياة فى المجتمع ، القواعد المعروفة منذ قرون و التى كررت ألوف السنين فى جميع الكتب ، يعتادون مراعاتها دونما عنف ، دونما قسر ، دونما خضوع ، بدون هذا الجهاز المعد خصيصا للقسر و المسمى بالدولة " - لينين "الدولة و الثورة " .
" الشيوعية هي نظام كامل للإيديولوجيا البروليتارية وهي فى نفس الوقت نظام إجتماعي جديد و هذا النظام الإيديولوجي و الإجتماعي يختلف عن أي نظام إيديولوجي و إجتماعي آخر ، وهو أكثر النظم كمالا و تقدمية و ثورية و منطقية فى التاريخ الإنساني ".
- ماو تسى تونغ ، "حول الديمقراطية الجديدة " /1940
" إن الصراع الطبقي و النضال فى سبيل الإنتاج و التجربة العلمية هي الحركات الثورية الثلاث العظمى لبناء بلد إشتراكي قوي …وهي ضمان أكيد لتجنيب الشيوعيين النزعة البيروقراطية و تحصينهم ضد التحريفية و الجمود العقائدي …كما أنها ضمان أكيد لتمكين البروليتاريا من ممارسة الدكتاتورية الديمقراطية بالإتحاد مع الجماهير الغفيرة من الكادحين …إذا غفلنا عن ذلك فإنه لن يمضي وقت طويل ، قد يكون بضع سنين أو بضع عشرة سنة أو بضعة عقود على الأكثر ، حتى تحدث حتما ردة معادية للثورة على نطاق البلاد ، و عندها سيصبح الحزب الماركسي اللينيني بالتأكيد حزبا تحريفيا ، سيصبح حزبا فاشستيا ، و يتغير لون الصين بأسرها ."
- ماو تسى تونغ"حول شيوعية خروتشوف المزيفة و الدروس التاريخية التى تقدمها للعالم " 1964.
" بالتأكيد ، المرور من الإشتراكية إلى الشيوعية لا يعنى قلب طبقة لطبقة أخرى . لكن ليس بوسعنا أن نقول أنه ليس ثورة إجتماعية لأن تعويض علاقات إنتاج بعلاقات إنتاج أخرى قفزة نوعية أي ثورة ."
- ماو تسي تونغ صفحة 96 من " ماو تسى تونغ و بناء الإشتراكية " نشر سوي ، باريس 1975 ---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- مقدمة : الثورة كلمة غالبا ما تستعملها قوى طبقية مختلفة و كل منها تعطيها المضمون الذى تريد لتخدم بها مصالحها الآنية و البعيدة المدى . و قد تم بالتالي تشويه هذا المفهوم إلى درجة صار معها الرجعيون و الإمبرياليون يستعملونها ليشحنوها بدلالات معادية للثورة أصلا و صار معها من يدعون الثورية يعلنون الثورة فى خطاباتهم الشفوية و المكتوبة و يمارسون على أرض الواقع الإصلاحية و الإنتهازية اليمينية و اليسارية .و من هنا يتعيّن أن نعيد لهذا المصطلح بريقه بإعتباره إرتبط فى عصرنا هذا أساسا بالشيوعية و بإعتباره تغييرا جذريا لمجتمع ما – تشكيلة إقتصادية إجتماعية – تقوده القوى و الطبقات الثورية نحو مجتمع بديل أرقى بالنسبة لتاريخ الإنسانية . " و يترفع الشيوعيون عن إخفاء آراءهم و مقاصدهم ،و يعلنون صراحة أن أهدافهم لا يمكن بلوغها و تحقيقها إلا بدكّ كل النظام الإجتماعي القائم بالعنف .فلترتعش الطبقات الحاكمة أمام الثورة الشيوعية . فليس للبروليتاريا ما تفقده فيها سوى قيودها و أغلالها ، و تربح من وراءها عالما بأسره . " ( ماركس و إنجلز " بيان الحزب الشيوعي "). فى عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية تفيد الثورة تغييرا شاملا راديكاليا يدحر الإمبريالية و عملائها و يشيّد الإشتراكية أو دولة بقيادة البروليتاريا تفسح المجال لاحقا لتشييد الإشتراكية و يجرى التغيير عبر العنف الثوري الشعبي الجماهيري ، لا عبر الطريق السلمي الإصلاحي فى إطار النظام القائم . و فى عصرنا هذا ليس بمستطاع أية طبقة بإستثناء البروليتاريا أن تقود هذه الثورة و أن تكون حفارة قبر أشكال الإستغلال و الإضطهاد جميعها . و فى هذا العالم الذى تهيمن عليه الإمبريالية ثمة الآن تناقضات أساسية ثلاث تحكم هذا النظام العالمي : تناقض شعوب و أمم مضطهَدة من جهة و الإمبريالية من جهة ثانية و تناقض رأسمال / عمل و تناقض ما بين الإمبرياليات و التناقض الأول من هذه التناقضات الأساسية الثلاث هو التناقض الرئيسي أما التناقض بلدان إشتراكية / بلدان إمبريالية فقد زال مؤقتا بموجب إستيلاء البرجوازية الجديدة على السلطة فى البلدان الإشتراكية السابقة و إعادة تركيز الرأسمالية فيها . و من هنا تتخذ الثورة البروليتارية العالمية شكل تيارين إثنين ، تيار الثورة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية المعبدة لطريق الثورة الإشتراكية فى المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات و تيار الثورة الإشتراكية فى البلدان الرأسمالية -الإمبريالية . و لا يمكن لكلا الثورتين الظفر إلا بقيادة البروليتاريا لمختلف القوى الطبقية المعنية بالثورة من خلال حزبها الشيوعي المتسلح بعلم الثورة البروليتارية العالمية ،الماركسية –اللينينية –الماوية . و قد تعرّض هذا المشروع الشيوعي الوحيد الثوري حقا و فعلا و القادر على القطع مع الإمبريالية العالمية و نظامها العالمي و فتح آفاق نمط تطور جديد للإنسانية بعيدا عن الإستغلال و الإضطهاد القومي و الطبقي و الجندري لهزّات و تراجعات لا سيما بعد إستيلاء التحريفية / البرجوازية الجديدة سنة 1956 إثر وفاة الرفيق ستالين على سلطة الحزب الشيوعي و الدولة فى الإتحاد السوفياتي محوّلة إياهما إلى حزب و دولة برجوازيين راسماليين، و بعد إستيلاء البرجوازية الجديدة الصينية سنة 1976 على مقاليد الحكم و إعادة تركيزها للرأسمالية على أنقاض قمة ما بلغته الثورة البروليتارية العالمية فى إتجاهها نحو الشيوعية و نقصد الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى1966-1976 فى الصين الماوية بما جعل المرحلة/ الموجة الأولى من الثورة البروليتارية العالمية تنتهى لتحل محلّها بداية مرحلة/ موجةجديدة ثانية فى طور الإعداد و النهوض تتراءى فى الأفق. و مذّاك لم تدّخر الإمبريالية جهدا للهجوم هجوما مسعورا على الشيوعية قصد قبرها كمشروع بديل للعالم الإمبريالي مستغلّة الأزمة التى عمّقتها الإنقسامات داخل الحركة الماركسية-اللينينية –الماوية بعد وفاة ماو تسى تونغ و الهجوم الخوجي الدغمائي التحريفي على أرقى ما بلغته الثورة الماوية فى الصين و عالميا . فكانت الإمبريالية لا سيما منذ نهاية ثمانينات القرن الماضى و إنهيار الإتحاد السوفياتي و كتلته تكرّر على مسامع شعوب العالم بان الشيوعية ماتت و بأن التاريخ إنتهى وحطّ رحاله و أنه بالتالي لا بديل عن الرأسمالية -الإمبريالية و التأقلم معها . غير أن الشيوعيين الثوريين الماويين ما إنفكوا يثبتون نظريا و عمليا فى الصراع الفكري و الصراع الطبقي و منذ أواخر السبعينات و بداية الثمانينات أن دعاية الإمبريالية و الرجعية قائمة على الكذب و الترهات لا غير . و أتت العقود التالية لتدلّل حتى أكثر عن إنصهار الماوية بوجه خاص فى أمريكا اللاتينية و آسيا فى صفوف القوى المعنية بالثورة و قيادتها فى التقدّم على درب إنجاز الثورة البروليتارية العالمية بتياريها . و أخيرا جاءت الأزمة المالية الحادّة لتعيد إلى أذهان الكثيرين من جهة شبح أزمة 1929 و من جهة ثانية شبح الشيوعية بخاصة فى البلدان الرأسمالية -الإمبريالية و لتفسح المجال لمزيد تقدّم النضال الشيوعي والقوى الشيوعية الماوية فى تطوير حرب الشعب الماوية فى أشباه المستعمرات والإعداد و إنجاز الثورة الإشتراكية عندما يظهر وضع ثوري مستقبلا داخل الحصون الإمبريالية . إن المشروع الإمبريالي لم يوفّر للبروليتاريا و شعوب العالم و حتى الكرة الأرضية إلا الإستغلال و الإضطهاد والآفات و التفقير و المجاعات و الإبادة الجماعية و تلويث المحيط و نحوها وهو يفتضح يوما فيوما مما جعل قادة إمبرياليين فى محاولة منهم لمغالطة الشعوب يتقمصون دور الدعاة إلى التغيير و أحيانا الثورة بمعنى تغيير الوجوه القيادية للبرجوازية ليس إلاّ . و لكن الإمبريالية خدمة لمصالحها و مخططاتها فى النهب و السلب و الإستغلال و الإضطهاد لا تظهر سلطتها و دولتها بوجه واحد و إنما تلبس لبوسا متنوعة . ففى الدول الرأسمالية - الإمبريالية أقامت نظام التداول الحزبي بين أحزاب هي أصلا أحزاب برجوازية رأسمالية- إمبريالية ذات إختلافات طفيفة بالكاد لها مغزى و إن حملت أسماءا متباينة بغرض مغالطة و خداع و تضليل الجماهير و جعلها تعتقد فى إمكانية التغيير السلمي و الإصلاح من الداخل . و فى أشباه المستعمرات أقامت القوى الإمبريالية فى تحالف مع البرجوازية الكمبرادورية و الإقطاع أنظمة عميلة لها معتمدة بالأساس على دول بوليسية وعسكرية و إن إفتضح أمرها شعبيا و شارفت حكومات الدول العميلة على السقوط لجأت الإمبريالية إلى بدائل أخرى أعدّتها موهمة بالتغيير و مدخلة بضعة إصلاحات شكلية لتعيد الحياة للدولة المتداعية و تمدّها بنفس جديد. و تاريخ القرن العشرين يزخر بالأمثلة على ذلك . و فى إرتباط وثيق بهذا و لمحاربة القوى التقدمية و الشيوعية خاصة ، عمدت الإمبريالية و عملاؤها إلى إنشاء و دعم الجماعات الأصولية السلفية لا فى الولايات المتحدة فحسب و لكن أيضا و بالخصوص فى أشباه المستعمرات و منها طبعا البلدان العربية . ووقوف وكالة المخابرات الأمريكية وراء تشكل الجماعات التى تحولت إلى القاعدة فى أفغانستان لقتال السوفيات و الشيوعيين الحقيقيين هناك ( فى أفغانستان) أمر لا غبار عليه و حقيقة أقرّها الكثيرون . و لئن حاربت الإمبريالية الأمريكية القاعدة لاحقا فخدمة لمصالحها مجدّدا و الخلاف بينهما ليس سوى خلاف بين أصحاب مشروع إطاره و حدوده العالم الإمبريالي لا أكثر و لا أقلّ . و كلّ من الإمبريالية و الأصولية السلفية يدعم الواحد منهما الآخر بحيث توفّر التيارات الأصولية السلفية الجهادية تعلّة لحرب لا نهاية لها على شعوب العالم و للحرب الإستباقية للإمبريالية الأمريكية و توفّر الإمبريالية تعلّة للتيارات الأصولية السلفية الجهادية لتحرف الصراعات الطبقية عن وجهتها الصحيحة فتحولها إلى صراعات أديان و فرق و شيع و "حضارات" و أحيانا لا تخفى التيارات الأصولية السلفية الأخرى تعاونها مع الإمبريالية الأمريكية ضد الشيوعيين و حركات التحرر الوطني عامة. و عند هذا الحدّ يثار سؤال ما قدّمته للجماهير الشعبية القوى الأصولية السلفية الجهادية منها و غير الجهادية و إن كانا يلتقيان فى الهدف و يتكاملان بإستمرار و يتعاونان؟ بداية ، نذكّر أن القاعدة و طالبان و أرهاطهما من صنائع الإمبريالية لم يفعلا سوى خدمة الإمبريالية الأمريكية فى أفغانستان أولا و على نطاق المنطقة و عالميا لا تفعل القاعدة سوى إحداث تفجيرات هنا و هناك لا تميّز فيها بين أعدائها والجماهير الشعبية متسببة فى قتل آلاف الأبرياء و محوّلة الصراع إلى صراع ديني يفرّق صفوف الجماهير و يشوّه و يطمس الصراع الحقيقي و أساليبه ضد العدو الإمبريالي و عملائه و ناشرة الأفكار و الممارسات القروسطية و لن ينجرّ عن كلّ هذا إلا المساهمة فى تأبيد النظام الإمبريالي العالمي السائد و ليس تقويضه و يكفى فى هذا الغرض أن نشير إلى المجازر و الإغتيلات التى نفذتها الأصوليون السلفيون الجهاديون و غيرهم فى القرى و المدن الجزائرية مثلا ذابحين الأطفال و النساء و عائلات برمتها . و أما السلفية غير الجهادية التى هي مكملة للسلفية الجهادية غالبا تمدّها بالقوة البشرية و المادية و الفكرية و تلتحق بها كليا أحيانا حتى و لو أبدت وجها ترغب فى جعله مقبولا عبر مراجعاتها إلخ فهي لا تزال تحمل ذات المشروع الرجعي و ما يظهر على أنه خلاف تكتيكي يدور حول إستعمال العنف أو طرق أخرى فى الواقع الراهن لتوسيع نطاق التأثير و التأطير . و الوجه الديمقراطي الذى تودّ الظهور به ، و يساعدها فى ذلك الإمبرياليون و عملاؤهم و الإنتهازيون فى صفوف القوى التقدمية وتلك التى تدعى الشيوعية ليس إلا قناعا مؤقتا لعدائها السافر لأبسط قواعد حتى الديمقراطية البرجوازية فهي تدافع عن مشروع تيوقراطي و دولة دينية جوهريا تضرب فى الصميم الدولة المدنية فالحكم لله أو الحاكمية لله ركيزة من أهمّ ركائز مشروع السلفيين سواء كانوا جهاديين أو غير جهاديين وهي ركيزة تتناقض تماما و بصورة عدائية مع مفهوم الحكم للشعب او حاكمية البشر. و هذه القوى و إن بدت معارضة لبعض الحكومات السائدة فى الدول العربية فهي دعم و سند لها فى أوقات الشدّة عليها تعوّل و إليها تسند وظيفة رجال المطافى ،هذا فضلا عن كون هذه القوى تشارك فى السلطة و تتقاسمها أحيانا مع القوى العميلة الأخرى و من موقعها هذا كذلك تغالط الجماهير و تموّه عليها لتأبّد الإستغلال و الإضطهاد و لتساهم فى تمرير المشاريع الرجعية المملاة من الدوائر الإمبريالية و الإخوان المسلمون و أشباههم فى مصر خير مثال على خدمتهم تاريخيا لدولة الإستعمار و دولة الإستعمار الجديد و من ذلك تقديمهم الدعم الفكري و المادي لإفتكاك الأراضي من الفلاحين الصغار ، أراضي الإصلاح الزراعي الناصري- المحدود و غير الثوري-، لإعادتها إلى الإقطاعيين . و المجتمعات التى حكمها السلفيون فى القرن العشرين أفضل دليل على مدى رجعية مشروعهم و قبرها لتطلعات الجماهير و قيامها على الإستغلال والإضطهاد الطبقي والقومي و الجندري . إن إيران مثلما أوضحنا فى مجالات أخرى لم توفّر للشيوعيين سوى المذابح الجماعية و للشعب سوى التفقير و التجويع و التجهيل و لم توفّر إقتصاديا سوى نموذج إقتصاد عموده تصدير النفط فى تشابك مصالح الكمبرادور و الإقطاع مع الإمبريالية لا فى قطيعة معها و إن كان النفط لا يباع للأمريكان فهو يباع لحلفائهم من القوى الإمبريالية الأخرى . و مع إفتضاح تكديس الثروة و الأموال لدى الحكام و الطبقات السائدة عبر الفساد وعلى حساب الطبقات الشعبية و إفتضاح الروابط بالإمبريالية للقادة الخمينيين منذ 1979 إلى "إيران قايت" و بعدها ، تجرى نضالات محلية و عالمية لمزيد فضح أسّ من أسس النظام التيوقراطي ألا وهو إضطهاد المرأة و تشييئها و إفقادها إنسانيتها و تحويلها إلى لعبة جنسية لا غير . و عن السودان و الآمال العريضة التى علّقت عليها على أنها فى عشرية ستصبح فى مستوى " نمور آسيا " إن لم يكن أفضل فنقول إنّ المشروع السلفي الرجعي تكشّف عن تكديس الثروات فى يد حفنة و تفقير و تجويع جماهير الشعب و عن حروب دينية دفع فيها أبناء الشعب دمهم خدمة لأمراء الحرب و الكمبرادور و الإقطاع . و لم تخرج هذه التجربة التى إعترف بفشلها حسن الترابي نفسه عن نطاق العالم الإمبريالي و خدمته و لم تقطع معه رغم الجعجعة المصمّة للآذان بصدد معاداة الإمبريالية شأنها فى ذلك شأن إيران . و ماذا عن المشروع القومي ؟ إن هذا المشروع الذى جلب إليه الجماهير بالملايين أواسط القرن العشرين فى الوطن العربي آل إلى الفشل الذريع و لأن مجال هذه المقدمة لا يسمح بالدخول فى التفاصيل و التعمق فيها ( وهو أمر ضروري يترتب أن يبحث فى أعمال أخرى ) فإننا سنكتفى هنا بصورة مقتضبة بقول إن المشروع الناصري لم يحدث ثورة فى مصر بمعنى التغيير الجذري فالإصلاح الزراعي نفسه الذى مرّ بنا أعلاه كان فى إطار الحفاظ على و التعايش مع الإقطاع لا القضاء عليه و التصنيع بانت هشاشته بشكل فاضح و لم يشهد مسك الجماهير الشعبية بمصيرها و بمقاليد السلطة التى كانت مركزة بأيدى مجموعة قليلة من القادة و أحيانا فرد فقط و لم تتحرّر المرأة و طاقاتها الثورية و لم تحارب الأفكار السلفية الرجعية فقد جرى التعايش معها و أحيانا التحالف مع التيارات التى تمثلها . و بالطبع لقي الشيوعيون ما لقوا من العسف و التنكيل بهم . و لم تقطع مصر الناصرية مع الإمبريالية حيث غدت فى فترة معينة تابعة للإمبريالية الإشتراكية السوفياتية و عندما تسلّم نائب جمال عبد الناصر ، أنور السادات السلطة كخلف له ، حوّل الوجهة إلى الركوع للإمبريالية الأمريكية . و لئن قبل عبد الناصر رغم رفعه اللاءات الثلاث – لا صلح لا تفاوض لا إستسلام- بمشروع رودجيرس و السلام مع الكيان الصهيوني فإن خليفته ذهب إلى أبعد من ذلك عاقدا صفقة كامب دافيد الإستسلامية . و العراق و بعثه أظهرا طبلا يحدث أصواتا عالية من بعيد و خاوي الوفاض من الداخل . فملايين المنخرطين فى الحزب الحاكم لم يقفوا لأيام فى وجه الغزو الأنقلوأمريكي لبغداد التى كان صدام يهدّد بأن يجعلها ستالينغراد الثانية – من أين له بذلك ؟!- تهاوت كما تتهاوى قطع النرد بسرعة فاقت كل التصورات بما كشف هشاشة القاعدة الشعبية للنظام الذى نكّل أيما تنكيل بكل من يشتم أنه يعارضه و حكم الجماهير بالحديد و النار و جعلها تدفع ثمنا غاليا هو حياة أبناءها و بناتها فى حروب تخدم مصالح زمرة الماسكين بالسلطة أو مصالح الإمبريالية و تستنزف ثروة البلاد بينما ظلت طبقات الشعب و فئاته فى فقر مدقع ينهشها التخلف الفكري و السلفية المنتشرة و التى فى سنوات حكم البعثيين الأخيرة شجعوا عليها و ما إضافة "الله أكبر " للعلم إلا أبرز دليل على ذلك . و نال الشيوعيون العراقيون قسطا وفيرا من سياط السلطة الفاشستية فقتل من قُتل و شرّد من شرّد و فُقد من فقد . و كما نال أكراد العراق كقومية مضطهدَة الإضطهاد القومي و المجازر بالأسلحة الكيميائية بضوء أخضر من القوى الإمبريالية . و تأكّد لمتابعي شؤون العراق عبر العالم أن القومية مثلت لا أكثر من غطاء سرعان ما تمزق ليكشف عورة أن المجتمع العراقي متفكك تفككا هائلا تسوده العشائرية و القبلية و الفكر الذكوري المهين للمرأة . و بدوره فشل النظام الليبي فى إقامة مشروع مجتمعي يقطع مع الإمبريالية فالإقتصاد الليبي عاموده الفقري تزويد السوق الإمبريالية العالمية بالنفط و إستيراد حاجيات الليبيين تقريبا كليا. و الخطاب المعادي للإمبريالية الأمريكية و آلاف بل ملايين " الطز فى أمريكا " تبخرت و إنتهت إلى توافق ظاهر معها و مع كلب حراستها فى الشرق الأوسط ، الكيان الصهيوني و عملية التطبيع جارية على قدم و ساق و ما لقاءات سيف القذافي مع الصهاينة فى أكثر من مناسبة إلا مؤشرات ساطعة على ذلك . و آلت النزعة القومية إلى التبخّر أيضا مع شعوره بإنسداد أفقها فتوجه القذافي ذاته منذ سنوات إلى محاولة تزعّم أفريقيا منفقا أموالا طائلة لتحقيق مآربه. و المجتمع الليبي كما المجتمع العراقي راضخ بعد تحت وطأة قيم العشائرية و القبلية و أحكامهما . و سوريا التى طالما نعتها البعض بقائدة جبهة الصمود و التصدى و الممانعة و ما إلى ذلك أماطت اللثام عن وجهها الحقيقي بأكثر وضوح تحت وطأة تطوّر الصراع الطبقي المحلي و عالميا فرأينا مشاركتها القوى الإمبريالية غزو العراق بعدما إقترفت مجازر تل الزعتر فى حق الفلسطينيين و رأينا سيرها الحثيث نحو عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني الذى لعقود إدعت أن الصراع معه صراع وجود لا صراع حدود و أنها تعدّ العدّة لإيجاد توازن إستراتيجي –مستحيل واقعيا فى هذا العالم الإمبريالي – لمحاربتها بما خوّل لها التهرّب من إطلاق و لو طلقة واحدة لتحرير الجولان منذ السبعينات رغم الإعتداءات عليها تكرارا من قبل الآلة الحربية الصهيونية . و لمسنا الطبيعة الحقة لديمقراطية التوريث فى الجمهورية البعثية كما لمسنا مدى تخلف الإقتصاد الذى كان تابعا للإمبريالية الإشتراكية السوفياتية و أيضا لاحظنا منذ السبعينات مرورا بالتسعينات إلى بدايات هذا القرن مدى تدخّل سوريا فى شؤون لبنان و دائما لقمع القوى الوطنية الفلسطينية و اللبنانية خدمة لمصالحها الإقليمية و تعهداتها الدولية و تحالفها مع إيران . فحق عليها شعار رفع فى مظاهرات الحرب ضد العراق " أسد أسد فى لبنان ، أرنب أرنب فى الجولان". و طال القمع الوحشي الشيوعيين المناهضين للنظام الحاكم فكان مآلهم السجون و العدّ ضمن المفقودين إن لم يقع إغتيالهم . و هكذا و لو بصورة عامة و سريعة يتضح بجلاء أن المشاريع القومية و السلفية لم تحدث و لا تحدث قطيعة جذرية مع النظام الإمبريالي العالمي بل هي بدائله ( الأصوليون السلفيون ) أو هي قوى تتحوّل تحت الضغط الإمبريالي و تصاعد النضال الشعبي من قوى وطنية إلى قوى برجوازية كمبرادورية تصبح جزءا لا يتجزأ من دولة الإستعمار الجديد فى أشباه المستعمرات . و مرة أخرى تسطع حقيقة شدّد عليها ماو تسى تونغ منذ1939هي أن " الثورة البرجوازية القديمة قد دخلت حقيبة التاريخ " . قال فى "حول الديمقراطية الجديدة " : "هنالك نوعين من الثورة العالمية : النوع الأول ينتسب إلى الثورة العالمية من النمط البرجوازي أو الرأسمالي . ولقد إنقضى عهده منذ زمن طويل ، إذ إنتهى حين إندلعت الحرب الإمبريالية العالمية الأولى عام 1914 ، و على وجه الدقة منذ ثورة أكتوبر الروسية عام 1917 و حينذاك بدأ النوع الثاني ، ألا وهو الثورة العالمية الإشتراكية البروليتارية ." إن الإنسانية فى مفترق طرق أو منعرج تاريخي و من جديد تصحّ مقولة إما االشيوعية أو البربرية .إذ البديل الواقعي و الموضوعي والعلمي الوحيد للعالم الإمبريالي هو الثورة البروليتارية العالمية من أجل عالم آخر، أفضل ممكن ،عالم شيوعي. و إن هذه الإمكانية واردة جدا و من الوارد جدا تحويلها من عالم الممكن إلى عالم الواقع إنطلاقا من معطيات ثلاث هي أنه موضوعيا هنالك قوى إنتاج تسمح بإنتقال الإنسانية من مملكة الضرورة إلى مملكة الحرية و الوفرة و أنه توجد قوى إجتماعية ، البروليتاريا و حلفاؤها ، يقع على عاتقها النهوض بهذه المهمة التاريخية و أن القوى الشيوعية الماوية و الجماهير الثورية تملك سلاحا جبارا لأنه صحيح هو علم الثورة البروليتارية العالمية ، الماركسية –اللينينية –الماوية الذى ينير لها سبيل الثورة و مواصلتها حتى بلوغ المجتمع الشيوعي عالميا و يتطوّر كعلم بفضل تطوّر الممارسة و التنظير الثوريين بصورة شاملة. و العمل الذى نضع بين أيديكم و القائم أساسا على ترجمات لنصوص صدرت فى أوقات متباعدة بجريدة " الثورة " ، لسان الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية، ما أردناه أن يغوص فى كافة جوانب الموضوع الذى نحن بصدده، تلك الجوانب المتعلقة باٍستغلال الطبقة العاملة و الشعوب و التى تناولها البعض فى مقالات و كتب مفصّلة و مختصّة و إنما أردناه إثارة لمسائل حيوية ساخنة لم تلق حضّها من العناية و الإهتمام اللازم و تبيّن من ناحية ضرورة إيجاد عالم آخر ، أفضل و من ناحية ثانية أن هذا العالم الآخر أثبتت الوقائع و التجارب الإشتراكية البروليتارية أنه ممكن . و عليه إنتقينا جملة من النصوص الشيوعية الماوية التى تتطرّق للمسائل التى قلّما تمّ فى السنوات الأخيرة تناولها من منظور بروليتاري ثوري بالبحث بإسهاب قطريا و عربيا و لذلك جاء عنوان هذا العمل شعارا من شعارات المرحلة الراهنة ألا وهو " عالم آخر ، أفضل ، ضروري و ممكن، عالم شيوعي، فلنناضل من أجله !!!" . --------------------------------------------------------------------------------
الفصل الأول : عالم آخر، أفضل ضروري: ------------------------------------------------------- 1 / عبودية القرن الواحد والعشرين. 2 / بيع النساء : تجارة البشر العالمية . 3 / الإمبريالية و الأيدز فى أفريقيا . 4 / كوكبنا ينادي بالثورة : أ- إرتفاع حرارة الكوكب : الأرض تصرخ من أجل الثورة . ب- الرأسمالية ، البيئة و حماية البيئة فى ظل الإشتراكية .
ما إنفكّت الإمبريالية و الرجعية و من لف لفهما يعلنون أنه ليس بإمكان الإنسانية أن تحقق أفضل من عالم اليوم ، عالم " السوق الحرة " و" الديمقراطية " البرجوازية . و علا صوتهم بالصراخ و التهليل مع إنحلال البلدان الإشتراكية سابقا و إدعوا بأن الشيوعية قد ماتت و أن التاريخ قد إنتهى إلى عالم اليوم و طبلوا للنظام العالمي الجديد ثم للعولمة .على أن الواقع لم يفتأ يكذّب مزاعمهم تكذيبا جعل الكثير من أبواق دعايتهم تخفف من نبرتها الإنتصارية فمن جهة أثبتت الشيوعية و بوجه خاص الماركسية –اللينينية –الماوية عدم موتها و حيويتها و تحقيقها مكاسبا و تقدما لا سيما فى آسيا و أمريكا اللاتينية و تكفى نظرة على النيبال و الهند و البيرو للتأكد من هذه الحقيقة الدامغة . و من جهة ثانية ، أضحت حقيقة ساطعة حقيقة أن الإمبريالية و الرجعية غير قادرتين على معالجة مشاكل الشعوب وهي بالفعل تعمقها و لا تفعل سوى تكديس الثورة فى أيدى حفنة من الشركات و العائلات و حتى المكاسب التى حققتها الأجيال السابقة ، ضمن أشياء أخرى و أساسا بفضل نضالات الشيوعيين و الشيوعيات و البروليتاريا و الشعوب عالميا ، أخذت تتآكل بفعل الهجمة الإمبريالية على الشعوب فى البلدان الإمبريالية و بخاصة فى المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات و ظل خطاب "السوق الحرة"و" الديمقراطية " البرجوازية فضفاضا شرعت الجماهير المناضلة فى وعي مدى خداعه لآمالها و طموحاتها . و بإختصار ما يميّز عالم اليوم الإمبريالي هو إستفحال اللامساواة و إنعدام العدالة داخل البلدان الإمبريالية و بصورة أقسى حتى داخل المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات و قلة قليلة من الشركات و العائلات ضمن الطبقات الحاكمة هي المستفيدة بينما ينجم عن هذا النظام الإمبريالي العالمي البؤس و العسف كلهما للكادحين و الشعوب لا سيما فى المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات فنرى الملايين و الملايين يعيشون عيشة لا تطاق تحت تهديد الجوع و الأمراض المعدية و الجهل و الفقر وحتى العبودية و ما إلى ذلك إلى جانب الإضطهاد والقتل و التعذيب و الترهيب إلخ. 1- عبودية القرن الواحد و العشرين فى ظل العولمة الرأسمالية : يقدّر اليوم أن 27 مليون إنسان فى أفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية يعملون دون أجر ، إنهم عبيد عصرنا . و يتم شراء و بيع النساء فى تجارة عبيد جنسية . و يجبر العمال على الكدح دون أجر و لا حقوق لدفع الديون . و يعمل الأطفال دون أجر و يباعون فى سوق العبودية الجنسية . و إذا كانت الأشياء قادرة على الكلام ...فإن ثيابكم و سياراتكم و غذاءكم إلخ ستخبركم أنها صنعت بإستعمال العمل العبودي المعاصر . الصيد فى بحيرة فلتا ، غانا : يستخدم أطفال لم يتجازوا الثلاث سنوات فى وضع الشباك و إستخراجها .و فى تنظيف السمك . و يربطون إلى أثقال لكي ينزلوا بأسرع ما أمكن حين يرمون فى البحيرة لإستعادة الشباك العالقة . و يتم ذلك كثيرا فى الليل و فى الأعماق المظلمة و يقع الأطفال أنفسهم فى الشباك و يغرقون . و أجسادهم تغسل على ضفاف البحيرة . و الذين يظلون على قيد الحياة يحصلون على القليل من الغذاء . قال طفلان أنهما حين يأكلان البعض من السمك الذى يصطادان يضربهما سادتهما بالقصب. مصانع الأجر فى الباكستان : يغرر بأفراد عائلات بأكملها للعمل مقابل وعود بأجر جيد إلا أنهم ينتهون فى أحبولة لتجد العائلة نفسها تشتغل مجانا لدفع ديونها . و بقسوة يعاقب حراس مسلحون أي عامل لا يخضع إلى الأوامر. على جسد رجل يبلغ من العمر الثلاثين آثار جروح قديمة و حديثة نتيجة مثل هذه المعاملة .و حدث أن تعرض للضرب وهو مغمى عليه . ثم أغلقت عليه زنزانة ضيقة . و بعد ثلاثة أيام جُلب ليعرض أمام العمال الآخرين و علق لينال مزيدا من الضرب. مدينة منجمية على نهر الأمزون : يحمّل الذهب من الأمزون إلى أكبر البنوك فى العالم . ولما هواماتى كاكسى تصرخ عندما تتذكر إبنها ،لويس ألبرتو ، الذى لم يعرف عيد ميلاده الثاني . مع جميع العمال كانت تعيش فى أتعس الظروف غير الصحية و كانت تحصل على القليل القليل من الأكل تعرض إبنها للمرض نتيجة عدوة فطلبت ولما من العرف نقودا لتتوجه إلى مصحة و لكنه أمرها بالعودة إلى الشغل . حاملة إبنها مشت ولما إلى أقرب المصحات على بعد 14 كلم . و قال لها الطبيب هناك أن عليها إدخال الطفل إلى المستشفى . فإضطرت إلى التسول فى الطرقات لتوفر المال للسفر غير أن إبنها كان قد توفي عندما حصلت هي على المال اللازم . ما هي طبيعة النظام الذى يولد مثل هذه الفظاعات ؟ إنه نظام رأسمالي –إمبريالي حيث يعمل أصحاب المؤسسات دوما على إيجاد أكثر الطرق ربحا لصناعة منتوجاتهم . و بالطبع مربح للغاية هو العمل بلا أجر. -------------------------------------------- على طول نهر الأمازون فى البرازيل ، ينتج آلاف العمال فحما بحرق الخشب . و يستهدف المكلفون بالإنتداب الناس الذين يبدو عليهم اليأس فى المدن المفقرة و يعدونهم بعمل مقابل أجر. لكن هؤلاء الناس يجدون أنفسهم على بعد آلاف الكيلومترات داخل الغابات يعملون دون أجر و لا حقوق بسبب ديون لا تنتهى بفعل مقتنيات من دكان الشركة كالغذاء و الثياب و المؤن و حتى أدوات العمل و الأحذية و القفازات التى يحتاجونها للعمل . يعمل العبيد فى ظروف 95 درجة من الحرارة و يعانون من الملاريا و الأمراض الناجمة عن النزلة المزمنة . و يعيشون فى أكواخ مصنوعة من البلاستيك . يتغذون بلحوم فاسدة . و الماء الذى يشربون غير نقي . و المراحيض حفر فى الأرض . عميقا فى الغابة لا يستطيعون أن يغادروا حتى و إن أرادوا إذ لا يملكون المال للسفر و العودة لمنازلهم و يهددهم حراس مسلحون إذا سعوا للهرب. الفحم المنتج فى هذه المعسكرات يستعمل فى إنتاج حديد السكب الذى تقتنيه واحدة من أكبر الشركات العالمية لصناعة أشياء كالسيارات و الجرارات و مغاسل المطابخ و الثلاجات . شركات كشركة نيكور كورب ، ثانى أضخم شركة حديد فى الولايات المتحدة . و كذلك تستعمله مصانع سيارات فورد و جنرال موتورد و نيسان و تويوتا و مصانع الأجهزة المنزلية ويربول و كوهلار . إن أكثر أشكال العمل البدائية و البربرية تخدم مصالح أعظم و أحدث الشركات الرأسمالية فى الولايات المتحدة و حول العالم و هذه الشركات مدفوعة بالحاجة إلى أقصى الربح و إلى أن تكون فى قمة قائمة التنافس فى قطع الرقاب مع الرأسماليين الآخرين . تقوم الحكومة البرازيلية بحملات على معسكرات العمل العبودي و تحرر العاملين و لكن طالما أن البرازيل مرتبطة بالإمبريالية ، لا يمكنها أن تتحرر من منطق راس المال . و مهما كان عدد معسكرات العمل العبودي التى تغلق فإنها ستظل تظهر من جديد لأن هذا النظام سيستمر فى إنتاج أناس يائسين ليست لديهم وسيلة للبقاء قيد الحياة تتربص بهم كواسر الرأسمالية الباحثة على أقصى الربح و باقصى الإستغلال الممكن . -------------------------------------------------------- إن إيديولوجيو العولمة يشيدون بالتعاقد الفرعي لإستخراج المواد الأولية .لكن ما يوفره هذا للرأسماليين هما أمرين إثنين : الأول هو الخفض من تكاليف الإنتاج إلى حدود لا تقدر و ثانيا توفر لهم إنكارا سهلا لتورطهم فى سيرورة الإنتاج القسرية و اللاإنسانية و القاتلة التى تسحق خلالها مئات آلاف البشر سحقا. و يحصل كل هذا برعاية الإمبريالية الأمريكية و مشاركة الشركات العالمية الكبرى بصورة مباشرة أو غير مباشرة و بضغط من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي . وهكذا نكشف عن حقيقة تقدم نظام القرن الواحد و العشرين إذ نشهد المعرفة الأكثر تقنية عالية وقدرة صناعية جنبا إلى جنب مع ظروف العمل الأكثر بربرية و بدائية و لاإنسانية المشابهة لظروف العبودية ؟ يبرزان كعالمين منفصلين لكنهما فى الواقع نظاما واحدا مندمجا من الرأمالية المعولمة المعاصرة وهو نظام فات أوانه و غير ضروري كليا .
2 - بيع النساء : تجارة البشر العالمية ------------------------------------------ إن البغاء أحد أسرع ظواهر الإقتصاد العالمي نموّا . و يحلو لبعض المنظمات غير الحكومية و الوكالات العالمية أن تسمى النساء اللاتي تعمل فى البغاء ب "عاملات الجنس " و تحيل على "صناعة الجنس " كما لو أن البغاء ببساطة شغل آخر كالعمل فى مصنع غذاء أو مصنع نسيج أو فى مركز إتصالات هاتفية لكن فى الواقع غالبيتهن نساء شابات و أطفال و أكثر بقليل من عبيد معاصرين . يصنع العمال سلعا لكن هذه النساء العبيد القدماء هن أنفسهن سلع تباع و تشترى كما لو كانت أشياء، سلعا و ليست بشرا . يُبعث كسلع بمئات الآلاف من النساء سنويا من أكثر مناطق العالم فقرا إلى غربي أوروبا و أستراليا و إسرائيل و اليابان و الولايات المتحدة و دول الخليج العربي و بلدان أخرى . و تدرّ تجارة العبيد المعاصرة هذه مليارات الدولارات سنويا. هنالك 400 ألف إلى 500 ألف طفل فى البغاء بالهند . كثيرون منهم جلبوا من النيبال و بنغلاداش . و يقع ما يقدر ب200 ألف إمرأة و طفل ضحية تجارة البشر جنوبي آسيا وحدها كل سنة . لقد أفرغت عديد قرى جنوب شرقي آسيا من الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 13 و 19 سنة. و تجارة السياحة فى عديد هذه البلدان تدور حول البغاء إلى حد بعيد . وأجبرت ما يناهز 800 ألف شابة و مراهقة فى تيلندا على البغاء . و يقدّر أن "صناعة الجنس " تساهم ب 10 إلى 14 بالمائة فى الدخل القومي الخام للبلاد . و بينما تيلندا هي الأسوأ وفق تقرير منظمة العمل العالمية ، فإن الإحصائيات الخاصة بالفيليبين و ماليزيا و أندونيسيا مشابهة . جنوب شرقي أسيا : لا تشجع بلدان جنوب شرقى آسيا البغاء بصفة مفضوحة و إنما إقتصادياتها مرتبطة به إلى درجة معينة و فى كافة سياساتها تأخذه بعين الإعتبار . تعلم هذه البلدان ما يجلب عديد السياح و الغاية من بعث النساء الشابات إلى الخارج . إن العملة الصعبة تساعد على دفع ديونها لصندوق النقد الدولي و البنك العالمي الذى بهذا المعنى يمكن أن يعتبر أكبر قواّد عالمي . تزدهر الحكومات على الأداءات الرسمية و غير الرسمية (رشاوى) المتأتية من إصدار تراخيص للحانات و المطاعم و النزل و المراكز الأخرى التى تستعمل لتغطية دور الدعارة و المداخيل التى تكسبها هذه الأماكن تستثمر فى جملة من التجارات و الصناعات الأخرى . و بالفعل البغاء مكوّن من مكوّنات إقتصاد هذه البلدان . نشأت و ترعرعت شريحة كاملة من الرأسماليين المستثمرين مباشرة فى هذه التجارة أو المستفيدين منها بصفة غير مباشرة . و بالرغم من بعض الحديث عن مكافحة سياسة الجنس من قبل الحكومات فى المنطقة ، فإنها لم تفعل أية شيئ يذكر لتضع لها حدا. فى تيلندا و كمبوديا ، يُقال إن مسؤولين حكوميين يشاركون مباشرة فى هذه التجارة و لكن حتى إن لم يفعلوا فإن أي هجوم جدي على البغاء سيقوّض الإقتصاد الذى وعد هؤلاء المسؤولين بتطويره . غالبية النساء العاملات فى البغاء أجبرهن على ذلك الفقر وخلل إقتصاد بلدانها. و الأزمة الإقتصادية التى عصفت بجنوب آسيا أواخر التسعينات جعلت الوضع أسوأ فتزايد عدد النساء المدفوعات إلى البغاء بصورة مثيرة ودفعت بلدان لم تشهد بغاءا على نطاق واسع إلى ذلك دفعا. فتنام و كمبوديا اللذان كانا مغلقين إنغلاقا كبيرا أمام السياح قبل عقد فقط يوجدان الآن قاب قوسين من التحول إلى محطات سياحية معترف بها مثل تايلندا و سيريلنكا و الفيليبين . إن نمط التطور الذى يُشجع عليه الرأسمال الإمبريالي فى هذه البلدان يفرز المزيد من البغاء و لا يقلصه . لنضرب مثالا على ذلك . بينما طوّرت الصناعات الرأسمالية بما فيه الكفاية فى مناطق من تيلندا لتحويل ذلك البلد "نمرا" باهرا بنموّه الإقتصادي ، جعل تداعى الإقتصاد فى المناطق الريفية الذى رافق هذا الحياة فى القرى القريبة غير ممكنة نظرا لقلة فرص حصول الفلاحين على عمل يؤمّن بقاءهم قيد الحياة . و فى كمبوديا 98 بالمائة من الفتيات فى البغاء هن القائمات بإعالة أسرهن . و فى دراسة إستطلاعية أنجزتها إسكايب وهي منظمة غير حكومية نقل عن نساء كثيرات أنه إذا تخلت عن البغاء فإن أوليائهن و أطفالهن سيواجهون الجوع. بلدان الكتلة السوفياتية السابقة : نجم عن إنهيار الكتلة السوفياتية مصدرا آخر من الفوائد الضخمة للذين يتاجرون بهذا البؤس الإنساني. و ألبانيا و أوكرانيا و رومانيا و ملديفيا أفقر بلدان أوروبا هي أهم المصادر و ليست الوحيدة التى تقاد أو تخدع منها نساء نحو العبودية فى الغرب . و كل سنة تصدّر بلدان الكتلة السوفياتية السابقة مثل سلوفاكيا و روسيا و جورجيا و أرمينيا و غيرها التى إنفجرت فيها الهياكل الإجتماعية تصدّر عديد النساء إلى غربي أوروبا و الولايات المتحدة . و أضحت هذه التجارة جزءا لا يتجزأ من إقتصاديات هذه البلدان كذلك – عادة الحافة الأمامية للسوق الإقتصادية الظاهرة . ودرّ بغاء النساء و الأطفال المال الوفير على كتلة أبراج ملموسة فى تيرانا بألبانيا أو شيزنياو بملدافيا . ورد فى تقرير اليونيسيف " يقدر أن خلال العقد الماضي ، وقع الإتجار فى مائة ألف إمرأة و فتاة ألبانية إلى أوروبا الغربية و بلدان البلقان الأخرى " . وجاء فيه أن 30 ألف باغية من ألبانيا " تعمل "فى الوقت الحاضر غربي أوروبا . و بينت وثائق اليونيسيف و ووثائق منظمة " أنقذوا الأطفال " أن "ما يناهز الثمانين بالمائة من هؤلاء المتاجر بهم من بعض أنحاء ألبانيا و ملدافيا هم أطفال ،إضافة إلى أنها بينت تناقصا فى معدل عمر الأطفال و النساء الذين يتم الإتجار بهم لأجل البغاء ". تصطاد العصابات الشباب و المراهقين عبر الإتصال المباشر مع قريب أو صديق أو صديق صديق و كذلك عبر بعث إعلانات إشهارية تقترح أشغالا مزيفة كنادلات، رقّابات أو طباخات وهي أعمال للنساء بلا إستثناء . ويتم الإتجار فى غالبيتهم عن طريق عصابات إجرامية أو مقاولين فرادى يعدونهم بحياة أفضل و فرصة كسب مال وفير . و عندما يوجدون خلف الحدود يتم بيعهم بالمزاد لمالكهم التالي . عندئذ يكونون مدينين بقدر كبير من المال للمهرب ل "تسهيله" سفرهم و سيعملون لخلاص ديونهم بخدمة ما يناهز العشرة حرفاء فى اليوم الواحد كامل أيام الأسبوع . و ديونهم لا تخلص أبدا لأنه عليهم أن يدفعوا نصف جميع ما يكسبونه لأصحاب دور الدعارة و البقية للمهربين. ويُهَدَّدون بأنه إن إستنجدوا بالشرطة سيتم إيقافهم و ستدفع أسرهم الثمن . و عادة ما يهددون أيضا بالتعذيب و الموت إذا حاولوا الفرار و بالنسبة لغالبيتهم ، ستكون عودتهم لمنازلهم مجددا غير ممكنة على أي حال . و بعض الذين يتجرأون على الفرار يقع الإتجار بهم من جديد بسرعة . تجارة عالمية : فى حين أن جنوب شرقي آسيا و شرقي أوروبا هما أهم موفرى الفتيات فى سن المراهقة للمستهلكين الغربيين ، الآن تقريبا كافة مناطق العالم الفقيرة هدف لهذه التجارة المربحة إذ يهرّب تقريبا ألف موزنبيقية سنها بين 14 و 24 سنويا نحو جوهانزبورغ حيث تجبر على العمل فى المطاعم أو كعاهرات . و تقدّر الأمم المتحدة أن فى البرازيل مليوني شابة سنهن أقل من 18 سنة تعمل فى البغاء . و آلاف النساء الكولومبيات يغرّر بهن نحو اليابان بمطالب عمل زائفة. ولا تعرف النساء ما ينتظرهن عند الوصول و لكن الحكومة اليابانية تعلم جيدا ما سيحصل حينما تصدر لهن تأشيرات على أنهن "مؤانسات". و حتى بلدان إسلامية مثل إيران و المغرب و تونس ،حيث إبقاء النساء مغطات الرأس أكثر التعابير المفضوحة الشائعة لإضطهادهن و الهيمنة عليهن ، قد إلتحقت أخيرا بالبغاء العالمي بطرق خفية أكثر . تستعمل غالبية النساء المجبرات على البغاء للإستغلال المحلي لكن البعض تصدّر إلى دول الخليج العربي . وفق وكالة الطلبة الإيرانية إلنا ، يتاجر كل يوم بمعدل 4/5 فتيات إيرانية سنها بين 16 و 25 فى كاراشى ، الباكستان ، أساسا لإعادة تصديرها . و من العسير تقدير المدى العالمي لهذه الجريمة . قال قسم الدولة الأمريكية فى السنة الفارطة إنه يعتقد أن بين 600 ألف و 800 ألف إنسانة يتم الإتجار بها عبر الحدود سنويا . و تقدّر الأرباح بمليارات الدولارات . و فى ندوة فى آثينا باليونان جرى كشف أن حوالي 20 ألف إمرأة من بلدان أجنبية ، غالبيتهن من الكتلة السوفياتية السابقة ، تعمل كعبيد جنس فى صناعة بمليار دولار تقدم خدمات لأكثر من مليون رجل عبر اليونان . و " ثمة اليوم عدد يبلغ 80 ألف إمرأة تعمل كعاهرات فى إنقلترا . و فى لندن وحدها كشفت دراسة آكاديمية أن رجالا أنفقوا مبلغ 200 مليون ليرة إسترلينية سنويا على الجنس ، و تقريبا نصف المبلغ فى صالونات التمسيد و الحمامات . عبر انقلترا ، يُعتقد أن هذه" الصناعة" تقدّر بحوالي 770 مليون ليرة أسترلينية سنويا ، مع أن بغاء الشوارع لا يعدّ سوى حوالي 5 بالمائة . و يدخل حولي 600 ألف إنسان بصورة لاقانونية إلى الولايات المتحدة الأمريكية كل سنة ، غالبيتهم للإستغلال الجنسي " ( " الأبسرفر" 18 أفريل 2004 ) . " فى السنة الفارطة ، شرطة العاصمة لندن المختصة فى النوادي و الوحدة التابعة لها قبضت على 300 فتاة و إمرأة بما فى ذلك 10 أطفال خارج دور الدعارة و فقط 19 بالمائة منهم كانوا بريطانيين و البقية كانوا من أوروبا الشرقية (25 بالمائة) و جنوب شرقي آسيا (13 بالمائة ) و غربي أوروبا ( 12 بالمائة) و أفريقيا (02 بالمائة ). تباعا ، بلدا تلو الآخر ، أكبر عدد ورد من تيلندا ثم روسيا ثم البرازيل فكوسوفو . قال الرقيب كريس برادفورد :" كأنه سوق عبيد " (الغوارديان ، 19 أوت 2004 ) . و ليس الوضع أفضل فى فرنسا و إيطاليا و سويسرا و هولندا و ألمانيا و السويد . و البرنوغرافيا شقيقة البغاء فى تعاملها مع النساء و يمكن إعتبارها جزءا من "صناعة الجنس" بالمعنى الأشمل . فى الولايات المتحدة ، تقدّر بحوالي 10 مليار دولار سنويا و عائدات أفلام البرنوغرافيا أكبر من عائدات شبابيك سينما هوليود المحلية و المكاسب أرفع بفضل فى جزء كبير منها النساء المورّدات من أوروبا الشرقية . فى أنقلترا ، وصفت الب ب س الرئيس التنفيذي لأحد ناشري المجلات البرنوغرافية القانونية العديدة فى البلاد بأنه أحد أكبر المساهمين فى مالية حزب عمل بلار. العولمة و التقسيم العالمي للعمل : هذا هو واقع عالم اليوم . من هذه الأمور الفظيعة تبرز خاصيتين . قبل كل شيئ ، سيرورة العولمة التى تفجرت بعد إنهيار الكتلة السوفياتية هي أحد أسباب الإرتفاع الجديد و غير المسبوق فى الإتجار بالنساء . و البطالة و الفقر و الإقتصاد المفلس و هيكلة إجتماعية ممزقة جزء من نتاج واقعي لإقتصاد عالمي تقوده أكثر فأكثر قوانين السوق لا سيما بالنسبة لبلدان ما يسمى بالعالم الثالث. فى هذه الهيكلة المشوهة فقر الغالبية و بؤسها منبع غني لمراكمة رأس المال بأيدى أقلية . و ضمن هذا نجد النساء ضحايا هذه الظاهرة الرأسمالية الجديدة . لقد تم وضع ملايين الأطفال و النساء الشابات فى وضع عبيد و تمت سرقة حياتهن لأجل أن يتمكن المستثمرون فى"صناعة الجنس "المرتكزين فى الولايات المتحدة و إنقلترا و هولندا و ألمانيا و فرنسا و اليابان إلخ من مراكمة رأسمال أكبر فأكبر . و الميزة الأخرى للعالم الرأسمالي التى كشفتها "صناعة الجنس" هو التقسيم العالمي للعمل . توظّف بعض البلدان فى توفير بعض السلع خدمة لرأس المال المالي العالمي , عديد البلدان التى تختص فى توفير المادة الإنسانية لما يسمى " صناعة الجنس" فى السوق العالمي هي البلدان الفقيرة التى تفتقد إلى "الموارد الطبيعية " الأخرى أو التى لها سلع أخرى ليس عليها طلب كاف عالميا أو ببساطة بلدان سلبها حد الخراب الإمبرياليون و الإستعماريون و أفلستها سنوات الحرب . هذا ليس مسألة مآمرة واعية ، ما يحدث هو ان بعض البلدان قد وُظفت لتوفير "أفضل" ما يمكن أن تنتجه ( أكثر منافسة فى السوق العالمية ) . ضمن العمل الموضوعي لرأس المال الإمبريالي ، يفعل الناس ما يقدرون عليه للعيش صلب هذا الإطار. لا مجال للشك فى أن الإمبريالية تخلق البغاء العالمي على نطاق لم يسبق له مثيل فى التاريخ . و الإمبرياليون غير قادرين على وضع حدّ للإتجار بالنساء حتى و إن أرادوا ذلك ، وهو أمر مشكوك فيه ، و لو أنهم يمكن أن يودوا إبقاءه أكثر تخفيا، لأن نظامهم قائم على إضطهاد النساء و إستغلالهن . و لا يمكن القضاء علي البغاء أبدا طالما بقي نظامهم قائما ... تمزج عولمة البغاء بين اللامساواة بين الأمم و اللامساواة بين المرأة و الرجل فى ظاهرة بشعة . أي عالم هو هذا العالم حيث بقدر ما تنتج خيرات أوفر بقدر ما ينحدر العالم إلى الهاوية و عوض التقدم الإنساني النتيجة مأساة أكبر يشهدها الملايين ؟ إن إنفجار التجارة فى الإناث من البشر يدفعها إلتقاء أمرين إثنين واحد منهما حديث و الآخر قديم جدا : التحطيم و الخراب الذى يتسبب فيه التطور غير المسبوق للرأسمالية العالمية و المتحكم بعمق فى البلدان المتخلفة و الأنظمة الإجتماعية ما قبل الرأسمالية محولا كل شيئ فى العالم إلى شيئ ، سلعة ، يباع و يشترى ، من جهة و من الجهة الثانية إضطهاد المرأة و جذوره تعود إلى التطور البدائي للملكية الفردية و تقسيم المجتمع إلى طبقات . /. --------------------------------------------------------- 3 /: الإمبريالية و الأيدز فى أفريقيا ---------------------------------- " عمرى 14 سنة و لدي أربعة إخوة و ثلاث أخوات أصغر منى . أنا من أوغندا . أدرس فى السنة السادسة من التتعليم الإبتدائي و أتيت إلى هنا لقول شيئ عن الإيدز و مشاكله. الأيدز يعنى مرض نقص المناعة المكتسبة وهو مرض فظيع فقد تسبب فى وفاة أمى و أبى فى 1992 و قتل كافة إخوة و أخوات أبى كما قتل الكثير من الرجال و النساء فى أوغندا . لقد أغلقت بعض البيوت لكن بيتنا لم يُغلق لأن أبى و أمى تركانى بمعية أربعة إخوة و أختين أعتنى بهم و أعتنى بجدّى كذلك إذ هو يعيش بقربنا و زوجته قد توفيت و ما من أحد يوليه العناية التى يستحق وهو طاعن فى السن له من العمر 84 سنة . فقد زوجته سنة 1992 وهو إلى ذلك كفيف و أنا الذى أعتنى بالعائلة . الأيتام الآخرون يعيشون الحياة ذاتها حيث لا يملكون أغطية و لا يأكلون اللحم و لا يحصلون على السكر و ينامون فى الأكواخ . البعض يذهب للأكل لدى الجيران أو يحصل على وجبة طعام واحدة فى اليوم . المعلّمون يدعوننا بالأيتام لكننى لا أريد ذلك الإسم . و أطفال آخرون أيضا لا يريدونه . إنهم يعتقدون أننا حيوانات ." يتيم الأيدز من أوغندا [...] لقد حرّفت أجهزة الإعلام الغربية وجهات النظر التى إقترحت بأن الشروط الإجتماعية السائدة لعبت دورا ضخما فى إنتشار وباء الأيدز .[ ...] و إنه لأمر مخزي أن نرى الشركات الصيدلية العملاقة التى سجلت خلال العقد الماضي أرباحا قياسية تعدّ ببلايين الدولارات بينما تمنع عن الملايين من البشر المساعدة و الحصول على علاج فعلي ينقذ حياتهم ، تقدم نفسها على أنها منقذة أفريقيا . على ما يبدو ليس للنفاق الإمبريالي حدود . ) HIV تبيّن الأدلّة الثابتة بأن فيروس إتش أي فى( هو العامل المعدي الذى يسبب العدوى من فرد لآخر . بيد أن وجود وباء حول العالم –خصوصا فى القارة الأفريقية – سبب بالأساس الأوضاع الإجتماعية و ضمنها الفاقة و الإدمان على المخدرات و أفكار و ممارسات دينية رجعية و التفوّق الذكوري و ما يفرزه من ممارسات جنسية و الإضطهاد القومي و اللامبالاة المتعمدة للمؤسسات الطبية الرأسمالية حيال المرض المنتشر فى الأوساط الفقيرة . بإختصار ينتقل المرض عبر الفيروس لكن الوباء ناجم عن النظام ، عن المجتمع الطبقي و العلاقات الإجتماعية الرجعية و فقر الناس . و الظروف التى أدت إلى إستشراء وباء الأيدز فى القارة الأفريقية مرتبطة بألف خيط بالإمبريالية و الإستعمار الجديد و الميز العنصري. و هذا المقال سيتفحص بعض السياسات الإمبريالية ذات الصلة التى وفرت الظروف لوباء الأيدز فى أفريقيا . كابوس أفريقي : حول العالم، ثمة ما يقدّر ب 34.3 مليون شخص يحمل الأيدز الآن ، أكثر من 27.6 مليون فى السنة الماضية بزيادة اكثر من 16 ألف شخص مصاب فى اليوم الواحد . أفريقيا و بوجه خاص أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ، تعانى أكثر من غيرها من مناطق العالم من فيروس الأيدز . فسبعون بالمائة من الإصابات الجديدة توجد بأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بالرغم من أن هذه المنطقة يقطنها فقط 10 بالمائة من سكان العالم . و من ضمن الأطفال الذين سنهم أقل من 15 سنة المصابين بفيروس الأيدز ، تسعة من عشرة يوجدون بأفريقيا جنوب الصحراء . منذ بداية الوباء ، يقدّر أن 34 مليون شخص من المنطقة أصابهم الفيروس و 11.6 مليون منهم قد لقوا حتفهم بعدُ و منهم الربع من الأطفال . فى 1998 فقط ، مات مليونا أفريقي ،رجالا و نساء و أطفال بفعل أمراض متصلة بالأيدز . لقد أعلن فى مؤتمر ديربان بجنوب أفريقيا سنة 2000 بأن فى السنوات العشر التالية ، يتوقع أن يتراجع متوسط العمر فى بوتسوانا إلى 29 و 30 سنة فى سوازيلاند و 33 سنة فى ناميبيا و زمبابوى . بدون الأيدز كان متوسط العمر سيكون حوالي 70 سنة فى تلك البلدان . و فى هذه البلدان الأربعة أكثر من ربع البالغين يحملون الفيروس . و فى بعض المناطق النسب أعلى حتى ففى دراسة سُجّل أن 59 بالمائة من النساء اللواتى يحضرن عيادات ما قبل الولادة فى ريف بايتبريدج بزمبابوى مصابات بالفيروس . عبر العالم ، يتّمت الأيدز بعدُ 13.2 مليون طفل و 12.1 مليون منهم بأفريقيا جنوب الصحراء . لقد مرّت فقط 17 سنة منذ إكتشاف الأيدز بأفريقيا و بعدُ قتل الفيروس أكثر من 11 مليون أفريقي جنوب الصحراء و أصاب أكثر من 22 مليون آخرين . و الفيروس يضرب بشدّة القطاع المنتج من سكان أفريقيا، شباب و كهول تتراوح أعمارهم بين 15 و 49 سنة و يحذّر الخبراء من أن الوباء لا يزال في مراحله المبكرة الأولى فحسب.
الإمبريالية و أفريقيا : ليس الأمر عرضيا كون أفريقيا أول المتضررين بالأيدز / الأتش أي في . ذلك أن قرونا من الإستعمار و الإمبريالية دمرت القارة و لعبت سرقة الأرض و العمل و المعادن و الثروات الأخرى للقارة الأفريقية دورا حاسما فى التنمية الإقتصادية لأوروبا و الولايات المتحدة. فأثناء تجارة العبيد جرى إختطاف ملايين الرجال و النساء و الأطفال و إقتيدوا إلى الولايات المتحدة حيث شكّل عملهم الإجباري العمود الفقري للإقتصاد الأمريكي فى بداياته . فى ندوة برلين فى 1884-1885 تمّ تقسيم أفريقيا كلّها بين القوى الأوروبية . و الندوة لم يحضرها و لو أفريقيا واحدا. و على الرغم من المقاومة الشرسة ، مع بدايات القرن العشرين فقط بلدان هما أثيوبيا و ليبيريا لم يكونا مستعمرتين بشكل تام . و قد جرت مصادرة الأرض لإقامة المزارع و إستغلال المناجم و أجبر الأفريقيون على العمل بأجور زهيدة للغاية و فى ظروف عمل تبعث على الحزن . و لقي أكثر من 10 ملايين شخص فى الكنغو حتفهم أثناء عهد الملك ليوبولد عاهل بلجيكا و ظل العديد مقطوعي الأيدي عقابا لهم على إخفاقهم فى توفير الحصص المحددة لإنتاج المطاط . و رغم إدعاءات الإمبرياليين بأنهم كانوا يطوّرون أفريقيا ، فإن مؤشرات صحّة الأفريقيين زمن الإستعمار الأوروبي تراجعت و تناقص عدد سكان العديد من البلدان فى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بين 1890 إلى نهاية الحرب العالمية الثانية . و مع أواسط السبعينات من القرن العشرين ، حصلت أغلب البلدان الأفريقية على إستقلال شكلي إذ إستمرت الهيمنة الإقتصادية للقوى الغربية . و عندما عارض زعماء وطنيون مصالح إقتصادية إمبريالية جرى القضاء عليهم . و فى الكنغو على سبيل المثال ، إغتالت وكالة المخابرات المركزية السي آي آي عهد كندى الزعيم الوطني باتريس لوممبا فى أوائل الستينات. وخلال هذه الفترة تحصلت العديد من المستعمرات الجديدة "الحديثة الإستقلال " على ديون كبيرة من القوى الإمبريالية . و لم يُستعمل المال المستعار لمساعدة شعوب تلك البلدان بل بالعكس إستُغلت القروض لإقامة البناء التحتي الضروري للإمبرياليين كي يتمكنوا من مزيد نهب ثروات البلدان و تنظيم جيوش تقمع الجماهير و تفرض الحكم الإستعماري الجديد و تملأ جيوب عملاء الإمبريالية . و الآن ، مع بداية القرن الحادي و العشرين ، يعيش نصف الأفريقيين فى صراع مع الفاقة المطلقة ببساطة للحصول على الغذاء الكافي للبقاء قيد الحياة ليوم آخر . و يفتقر أكثر من نصف سكان أفريقيا إلى الماء الصالح للشراب و 70 بالمائة منهم لا يملكون مجاري تصريف صحية . برامج الإصلاح الهيكلي و الأيدز : فى العقود القليلة الماضية فرضت المؤسسات المالية العالمية مثل البنك العالمي و صندوق النقد الدولي برامج الإصلاح الهيكلي على بلدان افريقيا . و فى ظل هذه البرامج ، كان شرط القروض الجديدة أو إعادة جدولة القروض الحالية هو أن تلتزم البلدان بتخفيض الإنفاق الحكومي بشدّة و إدخال التغييرات الأخرى لكي يوجّه مزيدا من المال نحو دفع الديون . فى الثمانينات و التسعينات ، أُمليت برامج الإصلاح الهيكلي على 42 حكومة فى أفريقيا جنوب الصحراء . و مع نهاية الثمانينات إستعملت جلّ البلدان غير المنتجة للنفط فى أفريقيا 30 إلى 70 بالمائة من عائدات صادراتها لدفع فوائد ديونها . و خلال الثمانينات خرج رأس المال بحجم أكبر من أفريقيا من رأس المال الذى دخلها . و فى إطار هذه البرامج ، بين 1960 و 1990 ، تراجع معدل دخل الفرد السنوي فى أفريقيا تقريبا ب 25 بالمائة ، من 850 دولار إلى 645 دولار . و فى الوقت الذى يعانى فيه إلى 70 بالمائة من البالغين فى المستشفيات من الأيدز و الأمراض المرتبطة به ، كان على عديد البلدان الأفريقية أن تلتزم بقطع الإنفاق على الصحّة لكي تستجيب لشروط صندوق النقد الدولي . و فى هذه الظروف يضحى شبه مستحيل علاج المصابين بالفيروس عمليا و إنجاز حملات فعالة لتحديد السلوك الخطر جدا أو لتوفير المصادر المالية الضرورية لخوض حملة ضد إنتشار الفيروس مثل إستعمال الواقيات الجنسية أو الإبر المعقمة . و على سبيل المثال ، فى تنزانيا – حيث نصف مليون طفل يتيم نتيجة للأيدز- تقدّر مصاريف الحكومة على الرعاية الصحية بفقط 3.20 دولار للشخص الواحد سنويا فى حين تنفق تانزانيا أكثر من ذلك بثلاث مرات على تسديد الديون كل سنة . و خلال السنوات الخمس الماضية ، تراجع الإنفاق العام على الرعاية الصحية و التعليم بحوالي 40 بالمائة فى الظروف الحقيقية فى جزء كبير منه كنتيجة لضغوطات صندوق النقد الدولي . و قد كان لهذه التخفيضات المالية المخصصة للرعاية الصحية الأثر المدمّر حيث أدت إلى جعل المراكز الصحية و المستشفيات تفتقد مقوماتها فلا تمتلك إلا بضعة عقاقير و أجهزة تعقيم قليلة كما تفتقد إلى الورق لتسجيل نتائج البحوث و الكشوفات و صارت المستشفيات غير قادرة على توفير الغذاء و ما إلى ذلك . كان للتخفيضات فى الإنفاق على الرعاية الصحية أعظم الأثر فى المناطق الريفية البعيدة .فقد أجبر برنامج الإصلاح الهيكلي زمبابوى على تخفيض المنح الحكومية للمستشفيات الصحية الريفية و بالتالى لم يكن موظفو مستشفى موسامى قادرين إلا على زيارة نصف القرى التى كانوا يزورونها قبل التخفيضات فى المنح الحكومية . و تراجع عدد الذين تقدّم إليهم خدمات فى تلك المستشفيات ب 25 بالمائة . فى البلدان الأفريقية فى ظل برامج الإصلاح الهيكلي يتمتع عمال الصحة أو بالكاد بالقليل من ضمان الشغل أو لا يتمتعون به والعديد منهم لم يحصلوا على أجورهم لأشهر متتالية . و لتغذية عائلاتهم على الكثير منهم اللجوء ببساطة إلى عمل ثان و هكذا تظلّ عديد الوظائف شاغرة و هنالك "هجرة أدمغة " لبلدان أخرى أين يحصل الأخصائيون فى الصحّة على أجور أفضل . و فى غانا ، سجّل نقص فى عدد الأطباء الذى تراجع من1782 طبيب سنة 1985 إلى 956 طبيب سنة 1991 . و فى الكوت ديفوار/ ساحل العاج تقلصت نسبة الحضور إلى دروس مستشفى البلاد ب 50 بالمائة بعد تخفيض عُملة البلاد فى 1994 بينما إرتفعت أسعار الإستطباب من 30 إلى 70 بالمائة . وصفت ممرضة من السينغال الأوضاع فى مركز صحي جهوي أين تعمل فقالت إن المركز يفتقر إلى الأدوية و التجهيزات الأكثر أساسية و ضمنها المطهرات و الأقنعة و القفازات و الحقن التى يُلقى بها بعد إستعمالها . و صرّح ممرّض آخر يعمل لجزء من الوقت طبيب بأنه يقدّم الخدمات لأ كثر من 150 ألف شخص . وهو يفحص أكثر من 70 شخصا فى اليوم و العديد منهم يموتون بسبب أمراض يمكن علاجها لو توفرت الأدوية و التجهيزات الضرورية . و أضاف " عملي إحباط تلو الإحباط " و " فى ظل هذه الظروف ببساطة لا أستطيع تزويد مرضاي بنوع الرعاية الصحية التى يحتاجونها و بالسرعة المطلوبة " . بين 1980 و 1993 ، إرتفع عدد الناس الذين على كل ممرض الإعتناء بهم فى السينغال لما يفوق الست مرات من 1931 فى 1980 إلى 13174 فى 1993 . و ذكرت العديد من البلدان الأفريقية الأخرى تراجعات كبرى مماثلة أو مساوية فى عدد الممرضات أثناء الفترة نفسها . إن تخفيض قيمة العُملة الذى يهدف لجعل الصادرات أرخص سياسة مركزية من سياسات صندوق النقد الدولي و برامج الإصلاح الهيكلي . و قد ترتب عن مثل هذه التخفيضات زيادة هائلة فى كلفة السلع المستوردة كالتجهيزات الصيدلية التى تسعّر بحيث تكون بعيدة المنال أكثر فأكثر بالنسبة لغالبية الأفريقيين . لقد أمرت المؤسسات المالية العالمية بأن تفرض "إسترجاع كلفة " الرعاية الصحية وهو ما يتخذ شكل تحمّل المستعمل الأتعاب . و بذلك أضحت الرعاية الصحية الأساسية بعيدة المنال بالنسبة لعديد الفقراء و المرضى فى أفريقيا . فعلى المرضى أن يدفعوا ثمن الفحوص الطبية و الأدوية و أحيانا كثيرة يطالبون بتوفير حقنهم الخاصة و القطرة و الإبر عندما يعالجون فى المستشفيات . و ينجم عن دفع ثمن الفحوص الطبية و الأدوية تأخير فى تقديم الرعاية الطبية و تقويض الحصول على العلاج فى مستشفى مروى موسامى و مستشفى هراري المركزي تراجع ب 25 بالمائة فى جانفي 1992 بعد إرتفاع تكاليف المستشفى.و لمّا إرتفعت كلفة العلاج الخارجي من 1.50 دولار زمباوي إلى 17 فى 1994 ، إنخفضت نسبة العلاج الخارجي و غير الإستعجالي مجددا و بصورة ملموسة. و قد لعب عدم التمتّع بالعناية الطبية دورا رئيسيا فى إنتشار الفيروس فى أفريقيا . فمثلا ، أمراض ( الأس تى دي إس ) قابلة للعلاج بسهولة شأنها شأن قروح تناسلية تضاعف إمكانيات الإصابة بالأيدز . و قد أثبتت دراسة فى تنزانيا أن علاج بعض الأمراض ( الأس تى دى آس ) تكلّف 2.11 دولار للشخص الواحد و بإمكانها أن تخفض عدد المصابين بالفيروس أتش أي في بنسبة 42 بالمائة . و عندما نصح البنك العالمي كينيا بإعتماد ثمن العلاج ب 2.15 دولار للقبول فى المستشفيات ( أس تـي دى آس) هبط عدد الزوار بنسبة 35 إلى 60 بالمائة . و فى زمبابوى ، أجبر جعل تكاليف الواقيات الجنسية على كاهل المستهلك فى أكتوبر1992 فى إطار برنامج الإصلاح الهيكلي ، العديد من البلدان الأفريقية على سحب الدعم المالي مما أدى إلى مضاعفة أسعار المواد الغذائية وفى زمبابوى ، إثر إلغاء التحكّم فى الأسعار فى مارس 1993 ، إرتفع سعر الخبز من 1.63 دولار زمبابوى إلى 2.20 دولار فى يوم و ليلة . فتراجعت مبيعات المخابر فورا ب 50 بالمائة . و يتعرّض ثلث أطفال أفريقيا لسوء التغذية إلى حدّ كبير إذ يذكر تقرير لليونيسيف بان برامج الإصلاح الهيكلي ساهمت فى التدهور الواسع النطاق لتغذية الأطفال و النساء الحوامل و النساء العائلات للأطفال .
الإمبرياليون يهملون الأيدز فى أفريقيا : تتصرّف الولايات المتحدة و قوى إمبريالية أخرى كما لو أنها أدركت للتوّ وباء الأيدز فى أفريقيا . و فى الحقيقة ، كانت هذه القوى على علم بتطوّر الأزمة منذ سنوات عدّة و تجاهلتها فى وقت كان يمكن فيه لمساعداتها أن تحدّ كثيرا من تداعياتها . فى مقال صدر أخيرا فى الواشنطن بوست ، إقتبس الكاتب من تقرير وكالة المخابرات المركزي فقرات حول وباء الأيدز فى أفريقيا . لقد توقّع التقرير المسار الذى سيتخذه الوباء فى التسعينات . قال الكاتب إن زميلا له عسكري يعمل فى مجلس الإستخبار الوطني صرح له : " أوه ، سيكون ذلك جيدا لأن أفريقيا مزدحمة بالسكان ". و ركّز خبراء عسكريون آخرون إطلعوا على تقرير وكالة المخابرات المركزية لسنة 1991 و علقوا عليه فقط على الضرر المحتمل الذى يمكن أن يلحق بالقوات العسكرية الحليفة . و ذكرت الواشنطن بوست بان قائدا عسكريا واحدا إستنتج بأنه حتى إذا أخذ عدد واسع من الضباط فى الموت بسبب المرض ذلك "أن ذلك سيرفع الروح المعنوية لأن هنالك مجال أكبر للتقدّم ". و أظهرت مؤسسات إمبريالية أخرى قلّة إكتراث بوباء الأيدز المنتشر فى أفريقيا . فبعد مقارنة إمكانية الموت من وباء الأيدز فى أفريقيا بالطاعون الدبلي الذى ضرب أوروبا فى القرن الرابع عشر ، جاء فى تقرير قسم السكان و الموارد البشرية التابع للبنك العالمي أن الأيدز قد تفيد أفريقيا إقتصاديا : " إذا كان التأثير الوحيد لوباء الأيدز خفض معدل نمو السكان فإنه سيزيد نمو معدّل دخل الفرد فى أي نموذج إقتصادي معقول ." و فى الولايات المتحدة ، دافع مركز مكافحة الأمراض و الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لسنوات عن عدم دفع ثمن إختبارات الأيدز فى الخارج . و فى الولايات المتحدة كان هذا النوع من الإختبارات فعالا إلى حدّ كبير بتخفيض إنتشار الأيدز ." الحجة كانت أن ذلك الإختبار كان مكلفا للغاية و أدى إلى ما هو أوفر كلفة ". قال غريغوري باباس وهو طبيب مسؤول عن الخدمات الصحية الإنسانية للواشنطن بوست : " فلسفة تطوّر الدوائر كانت عدم خلق مطالب . إنعكاسات معرفة الكثير من الناس بأنهم مصابون بالفيروس ، عوض الموت به فقط ، هي خلق مطالب لوكالات مساعدة التطوير ". و دوف جيلابسى الذى أشرف على مساعدة المصابين بالأيدز كمدير لبرامج الولايات المتحدة للأيدز و تأثيرها على السكان و الصحة و التغذية ، جادل بأن الفائض السكاني و ليس الأيدز هو أهم مشكل فى أفريقيا . و قال مايكل مرسون ، المسؤول الأول السابق عن برنامج الأيدز التابع لمنظمة الصحة العالمية للواشنطن بوست " كان دوف قلقا جدا بشأن عدم السماح بإستعمال ميزانية السكان للأيدز ". و فى اليوم الأول من ندوة ديربان سنة 2000 قام أكثر من ألفي محتج بمسيرة للمطالبة بأن تجعل الشركات الصيدلية الأدوية متوفرة بأسعار رخيصة بالنسبة للبلدان الفقيرة . و رفع العديد من المتظاهرين يافطات بصور المدراء التنفيذيين الصيدليين ، ناعتينهم بمستغلي الأدوية . و خلال المظاهرات بمناسبة الندوة ، إعتصم المتظاهرون بأكشاك عرض المنتجين الصيدليين مثل فايزر و مارك. لقد جعلت الأدوية الجديدة ممكنا للعديد من الناس الذين يعيشون بفيروس أتش أي في أو الذين يعانون من الأيدز فى الولايات المتحدة أن يتابعوا حياة صحية نسبيا . لكن علاج المكونات الثلاث الجديد الذى ينقذ الحياة فى الولايات المتحدة يكلّف أكثر من 12 ألف دولار سنويا لكلّ مريض . وهو على الأرجح غير معروف فى البلدان الفقيرة حيث يضرب وباء الأيدز بقوة كبيرة ز فمثلا بالأسعار الحالية ، لا يمكن لزمبيا أن توفّر علاج الأيدز الثلاثي المكونات لسكانها حتى و لو صرفت دخلها القومي باكمله على أدوية الأيدز ! حيال وباء الأيدز المتزايد الإنتشار ، سعت الحكومة الأمريكية و المنتجون الصيادلة إلى منع بلدان فى أفريقيا من إستيراد هذه الأدوية من البلدان الأخرى حيث يبيعون نفس الدواء بنسبة من السعر أو من تصنيع أدوية جنيسة رخيصة . و هدّدت الحكومة الأمريكية جنوب أفريقيا بعقوبات تجارية عندما شرعت فى التفكير فى هذه الطرق لتوفير أدوية تنقذ الحياة . كرئيس للجنة الولايات المتحدة /جنوب أفريقيا ، قاد نائب الرئيس غور التهديدات التجارية ضد جنوب أفريقيا . فى جوان 1999 ، جلبت مجموعة نشطاء الأيدز الإنتباه إلى الأعمال الشنيعة للولايات المتحدة بالتظاهر فى عديد المحطات الخاصة بحملة غور و عرقلت إعلانه بأنه مرشح للرئاسة. و تقدّم المتظاهرون بتأطير من "آكت آب " و "أدوية أيدز من أجل أفريقيا " إلى حدّ بضعة أقدام من غور رافعين أعلاما و صارخين " جشع غور قاتل " . و أطلق النشطاء على حملة غور "التفرقة العنصرية لسنة 2000". و يبدو أن الولايات المتحدة هدأت من تهديداتها العلنية أمام فضحها عالميا . لكن كم عدد الناس الذين يموتون دون داع بينما ترفع الولايات المتحدة سيفها التجاري مهدّدة البلدان الفقيرة التى حاولت توفير الطبّ للمرضى و المحتضرين ؟ و تواصل شركات صيدلية أمريكية و أوروبية منع التوفير الواسع النطاق لهذه الأدوية الضرورية بالتصريح بأنه لن يسمح بصناعتها إلا لأصحاب براءات الإختراع . فى الأشهر التى سبقت ندوة ديربان و أثناءها صدرت إعلانات عن مختلف منتجى الأدوية بأنهم سيجعلون أدويتهم متوفرة للناس الفقراء فى بعض البلدان بأسعار رخيصة أو مجانا . و مع ذلك نظرة عن قرب تكشف بأن العديد من هذه العروض ترسم للحيلولة دون صناعة أدوية جنيسة و التوفير الواسع النطاق للأدوية المطلوبة بصورة إستعجالية . و نضرب مثالا على ذلك : أعلنت "بفايزر" مأخرا بانها ستصنع الفليكوتازول ( الإسم التجاري للديفلوكان) وهو عقار لعلاج إلتهاب سحايا الكريبتوكوكال ، مجانا فى جنوب أفريقيا . و إلتهاب سحايا الكريبتوكوكال عدوى فطرية تصيب الدماغ وهي واحدة من الإصابات التى تضرب المصابين بالأيدز . و بدون الفليوكونازول عادة ما يموت المصابون بالأيدز فى غضون شهرين إذا أصيبوا بهذا الإلتهاب . تبيع بفايزر الدواء فى جنوب أفريقيا ب 4.15 دولار للجرعة اليومية . و دواء جنيس يصنّع فى تيلندا ب 29 سنتا من الدولار . و هكذا حققت مبيعات الديفلوكان أكثر من بليون دولار سنة 1999. نشطاء فى مجموعات مثل أطباء بلا حدود فضحوا جملة من الشروط التى فرضتها بفايزر على هذا العرض . " إن الشروط المتبعة التى تفرضها بفايزر على عرضها المشهور جدا للتزويد المجاني بالفلوكانازول للمصابين بالأيدز تخيب الآمال ". هذا ما قاله إيريك غوماري من الأطباء بلا حدود ، فى جنوب أفريقيا . "و الأشنع هو أن محاولة بفايزر لتنظيم هذا التبرع تمثل تجربة طيبة ، مضيفة متطلبات مكلفة لإعداد التقارير و التدريب . أطباء أفريقيا الجنوبية محترفون و بفايزر تطالب بتدريب خاص لعلاج روتيني." فضلا عن ذلك ، لن توفّر بفايزر الدواء مجانا فى بلدان أخرى عدا جنوب أفريقيا لا تقدر هي الأخرى على دفع ثمن ذلك الدواء. سوف توفّر فقط دواء لإلتهاب سحايا الكريبوكوكال و ليس لعلاج الإصابات القاتلة . و الشركة رفضت التخفيض فى سعر الأدوية التى لا يشملها عرضها هذا . " تواجه جنوب أفريقيا وباء من أشدّ الأوبئة فى العالم بأكثر من 10 بالمائة من المصابين بفيروس أتش أي في . مات أكثر من 100 ألف شخص هنا بسبب الأيدز فى السنة الماضية ". هذا ماصرّح به الدكتور جيومايرى . و " من غير المقبول أن تظلّ بفايزر ترفض أن تبيع هذا المنتج بسعر رخيص فى البلدان الفقيرة أو السماح للآخرين بالحق القانوني للقيام بذلك ". فى 11 ماي "الخمس " شركات الكبرى للأدوية أعلنت أنها توصلت إلى إتفاق مع منظمة الأيدز التابعة للأمم المتحدة للتزويد بأدوية الأيدز ذات الأسعارالمنخفضة فى بلدان ما يسمى بالعالم الثالث. و مع ذلك يدعى الأم أس أف بأن التسوق فى الأسواق العالمية للأدوية الجنيسة يمكن الدول النامية من أن تخفض الكلفة السنوية لعلاج الدواء الثلاثي المكونات من المستوى الأمريكي ل15 ألف دولار إلى 200 دولار فحسب – أقل بكثير من المستويات التى وعد بها "الخمس الكبار " الذين يرون أرخص نسبة ستتراجع إلى حوالي ألفي دولار. دانيال برمان من حملة الأم أس أف للحصول على الأدوية الضرورية قال :" القليل من الدول النامية التى حققت توفير الأدوية للمصابين بالأيدز بصورة هامة أنجزت ذلك بإتباع إستراتيجيات الأدوية الجنيسة . و الأعداد غير مستقرّة ففى البرازيل عولج 80 ألف شخص بإستعمال الأدوية الجنيسة الرخيصة التى أدخلت علاج دواء المكونات الثلاثة و جعلت كلفته تقريبا ألف دولار سنويا . لكن فى أوغندا حيث كانت الحكومة تعمل وفق أدوية ذات علامة تجارية بمبادرة من برنامج الأيدز التابع للأمم المتحدة ، أقل من ألف شخص تلقوا العلاج ." -------------------
" إذا كان المرء واعيا بحقيقة أن الإمبريالية تسيطر على العالم و إذا كان المرء مدركا لنتائج هذا على الغالبية العظمى من شعوب العالم ، فبالتالي يجب عليه أن يشعر بضرورة المساعدة على القضاء على النظام الإمبريالي باسره و إطاره كله و بضرورة إعادة تشكيل العلاقات الإجتماعية على النطاق العالمي".
---------------------------------------------------------------- 4 - كوكبنا يصرخ من أجل الثورة ----------------------------------- أ- إرتفاع حرارة الكوكب : الأرض تصرخ من أجل الثورة يواجه مئات الملايين من الناس نقصا فى الماء و الغذاء ...و إندثار ثلث الأنواع من على وجه الكوكب ... و فياضانات فى المناطق الساحلية الكثيفة السكان ... و زوال الجبال الجليدية ...هذه بعض تبعات إرتفاع حرارة الكوكب التى يتوقع حدوثها العلماء إلا إذا إتخذت إجراءات بالغة الأثر ، وهي تبعات قد أثرت بعدُ على شعوب الكوكب.و تواجه الأرض تحطيما ضخما له إنعكاسات تخريبية على كافة البشر و الوسط الطبيعي . ... وفق ملتقى الحكومات حول التغير المناخي ( إ ب س س ) لم يعد يوجد أدنى ظل من الشك فى أن إرتفاع حرارة الكوكب أمر واقع و من الأكيد أن غالبية إرتفاع الحرارة تعزى لغاز تبثه "الغرينهاوس" الناجم عن النشاط الإنساني . ( "الغرينهاوس" مثل غاز الديوكسيد الذى يطلق حين يتم حرق الوقود المستحاثى ( كالفحم و النفط من الأرض) و هذه الغازات تحبس حرارة الشمس بما يرفع من حرارة الكوكب) . و إستنتجت إب س س كذلك أن إرتفاع الحرارة و مستوى البحار "سيتواصل لقرون" حتى و إن جدّ إستقرار فى مستوى غازات ال"غرينهاوس" . من نواحي عدّة الولايات المتحدة هي جوهر المشكل . بفقط 5 بالمائة من سكان العالم ، تطلق الولايات المتحدة 25 بالمائة من هذه الغازات عالميا ... ... لكي يُفهموننا مدي القطع المطلوب لبث الغازات بشكل أساسي ، جاء فى موقف إتحاد العلماء المعنيين :" لتكون لدينا فرصة النضال و إبقاء إرتفاع حرارة الكوكب فى مستويات بعيدة عن المخاطر ، على بلدان مثل الولايات المتحدة أن تقلّص من إطلاق كربون الديوكسيد ب80 بالمائة أقل من مستويات سنة 2000 مع بلوغ سنة 2050 و عليها أن تشرع فى القيام بذلك على الفور." لكن هذا النظام الرأسمالي /الإمبريالي الذى نعيش فى ظله اليوم غير قادر جوهريا على معالجة قضايا البيئة و حل مشكل إرتفاع حرارة الكوكب ...لقد أفرزت الإمبريالية شكلا مبذرا و هداما من التطور الصناعي و النشاط الإقتصادي ف 80 بالمائة من ثروات العالم الطبيعية تستهلكها البلدان الرأسمالية المتقدمة التى يقطنها فقط 15 بالمائة فحسب من سكان العالم . لا مجال لمعالجة مشكل إرتفاع حرارة الكوكب دون كسر الإطار الرأسمالي /الإمبريالي و إستحواذه غير العادل على الثروات و المقدرات الطبيعية العالمية .نحتاج إلى مبادرات فردية للمحافظة على الطاقة ، مثل إستعمال الدراجات و الفوانيس ذات الإستهلاك الضعيف للكهرباء بيد أنه طالما لم تندرج هذه الأشياء فى إطار تغييرات أشمل و أوسع مدى فى المجتمع ، فإنها ببساطة لن تعالج المشكل . ما يستدعيه الوضع الملح هو التغيير الكلي فى العلاقات الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية عبر الثورة . لقد جعل النظام الرأسمالي /الإمبريالي القدرات الإنتاجية للشعوب تعمل ضد الكوكب و الإنسانية ذاتها . والوضع من الجدية بمكان غير أنه لم يبلغ حد التحول إلى وضع ميؤوس منه. من الوارد أن تحطم الأرض و من الوارد أيضا أن يتحقق تغيير راديكالي فى مستوى التحديات التى نواجه. فالأرض نفسها تصرخ من أجل الثورة . زوال الجبال الجليدية : لقد توصلت دراسة حديثة إلى أن حجم الجبال الجليدية تقلّص بأكثر من 20 بالمائة فى منطقة الهيمالايا بين 1962 و 2001 . و تراجع حجم جبل الجليد المسمى برباتي ، أحد أعظم الجبال فى المنطقة ، بما يقدر ب170 قدما سنويا خلال تسعينات القرن العشرين و تسجل خسائر مشابهة حول العالم ...و لا يعنى زوال الجبال الجليدية فقط أن الأجيال القادمة يمكن ألا تشاهد هذه التشكيلات الجميلة فالجبال الجليدية بالهيمالايا توفر أكثر من نصف ماء الشراب لأربعين بالمائة من سكان العالم . فى غضون ال50 سنة القادمة يمكن أن يواجه هؤلاء السكان نقصا جسيما فى الماء الصالح للشراب و كذلك نقصا فى الغذاء . ذوبان الجليد القطبي : أفزعت سرعة ذوبان جليد منطقة القطب الشمالي عديد علماء المناخ . فالجليد ينحل بمعدل 10 بالمائة فى العقد أو 28 ألف كيلومتر ا مكعبا سنويا . يقول مارك سيسير من المركز الوطني للثلج و المعلومات الخاصة بالجليد : " تتراجع المساحة التى يغطيها الجليد بشكل لولبي متجه نحو الأسفل و ربما قد تجاوزت نقطة اللاعودة ."
إرتفاع مستوى مياه البحار : يساهم ذوبان الجبال الجليدية و جليد منطقة القطب الشمالي فى إرتفاع مستوى مياه البحار الذى قد شهد بعدُ إرتفاعا بحوالي 7 بوصات خلال المائة سنة الماضية . وورد بتقرير لل إ ب سس أن " من المتوقع أن تغمر مياه البحار عدة ملايين أخرى من الناس سنويا نظرا لإرتفاع مستوى مياه البحار و ذلك مع حلول سنة 2080". و المناطق الأكثر تأثرا ستكون مناطق دلتا الأنهار فى آسيا و أفريقيا حيث يعيش مئات الملايين من البشر . و بعدُ قد إنعكس إرتفاع مستوى مياه البحار بصفة خاصة على البشر المقيمين فى جزر المحيط الهادى التى دمرتها الفياضانات و الإعصارات و الإنجرافات و غيرها من المخاطر الساحلية . و قد صادقت حكومة بابوا بغينيا الجديدة على تمويل إعادة بناء مساكن ال2000 مقيم فى جزر كرتارات التى يقول الأخصائيون أنها يمكن أن تختفي تماما بحلول سنة 2015. و يتم إخلاء المناطق القليلة الإرتفاع فى فنواتو وهي جزيرة جنوبى المحيط الهادى . الإنقراض الضخم لأنواع من الكائنات الحية : وفق دراسة حديثة فى جريدة "الطبيعة" ، مع حلول 2050 بين 15 و 35 بالمائة من جميع أنواع الكائنات الحية – أكثر من مليون نوع- يضمحل نتيجة إرتفاع حرارة الكوكب . و قال تعليق مرافق للدراسة : " تهديد إنقراض الحياة على الأرض ليس مشكلا مستقبليا و إنما هو مشكل الآن و هنا ". فالمحيطات تزداد حموضة بسبب إرتفاع نسبة غاز الديوكسيد فى الهواء و من المتوقع أن يتسبب هذا فى تحطيم واسع النطاق لشُعب المرجان و أنواع الكائنات الحية التى ترتبط حياتها بها . و يتقلص عدد الدببة القطبية لكون عليها أن تسبح مسافات أطول لتبلغ الطوف الجليدي . و توقع مركز المراقبة الجيولوجية للولايات المتحدة أن تضمحل ثلثي الدببة القطبية بحلول منتصف القرن نظرا لذوبان جليد منطقة القطب الشمالي. أفريقيا أكثر مناطق العالم عرضة للتقلبات المناخية : حوّل الفقر الذى تتسبب به الهيمنة الإمبريالية و العوامل الجغرافية الخاصة أفريقيا إلى أكثر مناطق العالم عرضة للتقلبات المناخية . فحسب تقرير إ ب س س ، مع حلول سنة 2020 يتوقع أن يتعرض بين 75 مليون و 250 مليون نسمة فى أفريقيا إلى نقص فى المياه . فى قارة تعانى بعدُ من نقص فى الغذاء و من مجاعات واسعة ، يمكن لمحصول الفلاحة المعتمدة على الأمطار أن يتقلص ب80 بالمائة . أخطار على صحة الإنسان : ويتوقع أن يساهم إرتفاع حرارة الكوكب فى أكثر من 150 ألف وفاة و 5 ملايين مريض سنويا ،حسب منظمة الصحة العالمية وهو حد يمكن أن يتضاعف مع حلول سنة 2030 . و تشير المعلومات المنشورة فى "الطبيعة" أن التغير المناخي يرفع من نسق إنتشار المالاريا و سوء التغذية و الإسهال عبر العالم . و ستصبح موجات الحرارة مثل الموجة التى إجتاحت غربي أوروبا فى 2003 و التى تسببت فى وفاة أكثر من 30 ألف شخص ، أقسى و ستدوم لفترات زمنية أطول . الإعصارات و تقلبات الطقس القصوى : يمكن أن تزداد قوة الإعصارات بفعل حرارة مياه المحيطات إذ تبين بحوث حديثة أن عدد الإعصارات الهدامة أكثر – صنف 4 و 5 – حول العالم تضاعف خلال ال35 سنة الماضية . و يرتبط هذا بإرتفاع حرارة سطح البحر الناشئة عن إرتفاع حرارة الكوكب. و ستشمل الظاهرة مناطق لم تكن تُعد قبلا ضمن مناطق الإعصارات. .. و يتوقع أحد السيناريوهات أنه بحلول سنة 2080 ستحدث العواصف التى تصيب نيويورك كل مائة سنة كل أربع سنوات . و مع درجات حرارة أعلى ، من المرجح أكثر أن تنزل التساقطات التى كانت عادة تسقط فى شكل ثلوج كأمطار ، منمية خطر فيضانات هائلة . الحرائق : ... بينت البحوث أن ظروف الجفاف القاسي صارت أكثر إنتشارا بما يتسبب فى مزيد الحرائق... ب: الرأسمالية ، البيئة و حماية البيئة فى ظل الإشتراكية تثار مسائل هامة حول الوضع الفظيع للنظام البيئي على كوكبنا . و نود أن نؤكد هنا على عدة نقاط تتعلق بكيفية معالجة المشاكل البيئية بشكل مختلف من قبل الإشتراكية . من الضروري أن يكون لدينا أفق شامل و فهم للثورة و التغيير الثوري كسيرورة عالمية . و ينبغى أن تعالج القضايا الإيكولوجية جوهريا من منظور عالمي . لكن هذه المعالجة لا يمكن إلا أن تتم على قاعدة نظام إجتماعي و إقتصادي –الإشتراكية- لا يتعامل مع البيئة فقط كوسيلة لمراكمة الثروة . فثمانون بالمائة من الموارد العالمية تستهلكها البلدان الرأسمالية المتقدمة التى تشكل 15 بالمائة من سكان العالم . لقد أنتجت الإمبريالية نمطا تبذيريا و هداما من النشاط الإقتصادي و التطور الصناعي . و قضية " ثقب الأوزون " هي قبل كل شيئ إفراز للتطور الرأسمالي- الإمبريالي. لذا على الثورة البروليتارية أن تعنى بمسألة كبرى هي المركزة غير العادلة للثروة وإستهلاك البلدان الإمبريالية لموارد العالم . و لكن علينا كذلك أن ننظر إلى هذه القضايا البيئية من منظور شامل . و فقط الإشتراكية و الشيوعية بإمكانهما أن تعالجا حقا هذا القضايا . لا يمكن فصل التطور الإقتصادي عن القضايا الإيكولوجية . و من ثمة يتعين قلب علاقات القوى الإمبريالية و كذلك و فى نفس الوقت الإعتراف بشكل أعمق بأنه علينا أن نطور إقتصاديات إشتراكية قابلة للإستمرار و حساسة إزاء هذه المسائل البيئية . و هذا تحدى جديد هام للغاية أماننا فى القرن الواحد و العشرين. ليس بإمكان الرأسمالية أن تعالج البيئة بطريقة معقولة مستمرة و إقتصادية لأسباب ثلاث أساسية هي : أولا، منطقها هو "التوسع أو الموت " : التقليص فى سعر الكلفة و التوسع بغاية خوض معركة المنافسة و كسب حصة من السوق . و الإنتاج غير المخطط له و الواسع النطاق و المترابط عالميا يتمخض عن تهديدات خطيرة للبيئة . ثانيا ، تتجه آفاق الرأسمالية نحو أن تكون المدى القصير . فالرأسماليون يبحثون عن أقصى العائدات فى أقصر وقت و لا يفكرون فى التبعات بعد 10 أو 20 أو 30 سنة . ثالثا ، الإنتاج الرأسمالي بطبيعته إنتاج خاص فالإقتصاد متشكل من وحدات متنافسة على السيطرة على رأس المال و على ملكية وسائل الإنتاج . و كل وحدة تعنى جوهريا بذاتها و بتوسعها و بربحها . الإقتصاد و البيئة الإصطناعية و الطبيعية و المجتمع لا يمكن معالجتهم ككل إجتماعي فى ظل الرأسمالية . كل شيئ مجزء . و كل جزء ينظر إلى ما يوجد خارجه على أنه "مكان حر للنزهة " . يمكن أن يمول رأسمالي مصنع حديد و يهتم بتكلفته . و لكن ما يلوثه هذا المصنع من هواء ليس ضمن "الكلفة" لأنه ليس جزءا من مجال ملكيته. تطلق النظرية الإقتصادية التقليدية على هذا "تكلفة المظاهر الخارجية " . لهذا الرأسمالية غير قادرة على حل المعضلات البيئية الواقعة خارج إطار الملكية الخاصة و إنتاج الربح و منطق التوسع الأعمى . و على النطاق العالمي ، نشهد إنعكاسات ذلك . لكن الإشتراكية يمكن أن تحل القضايا البيئية بطريقة مستمرة و معقولة و عادلة إجتماعيا لأن ملكية وسائل الإنتاج ملكية مشتركة مثلما يجرى التعبير عنها عبر الدولة البروليتارية و هذا يجعل من الممكن أن نخطط بوعي للتطور و كذلك أن الحسابات الإقتصادية مغايرة راديكاليا. فالحسابات الإقتصادية فى ظل الإشتراكية لا يقودها الربح و إنما تقودها الحاجة الإجتماعية و بلوغ توازن معقول بين الصناعة و الفلاحة و تقليص البون بين المدن و الأرياف و التصنيع على المدى القصير و المتوسط و الطويل إلخ . و التخطيط الإشتراكي قادر على أن يأخذ بعين النظر العوامل غير الإقتصادية، على غرار الصحة و البيئة و الإغتراب الذى يمكن أن يعيشه الناس فى العمل . و على كل هذا أن يخدم بوعي تقدم الثورة العالمية صوب العالم الشيوعي./. ---------------------------------------------------------------------------------------------------------------- ملحق الفصل الأول: ----------------------- من المعطيات الإحصائية عن فظاعة العالم الإمبريالي : و لإلقاء الضوء عن فظاعة هذا العالم الذى تحكمه الإمبريالية و الرجعية نقدم لكم هنا فى شكل برقي نبذة من معطيات إحصائية ذات دلالة و معبرة للغاية مؤكدين أنها لا تمثل البتة جردا شاملا و عميقا ليس هذا مجاله و إنما مجرد تلميحات إستقيناها من قراءة سريعة لتقارير لمنظمات عالمية و لجرائد و موسوعات علها تفى بالغرض .
عن اللامساواة : - نحيا فى عالم يتميز باللامساواة الفظيعة حيث فى البلدان الغنية يقطن 20 بالمائة من سكان العالم و يستهلكون 80 بالمائة من ثرواته بينما فى البلدان الأكثر فقرا يعيش 20 بالمائة من السكان على 3 بالمائة من ثروات العالم الذى يعاني من الأمراض و سوء التغذية و الفقر القاتل ف2.6 مليار إنسان أي حوالي 40 بالمائة من سكان العالم يعيشون على أقل من دولار فى اليوم و يشكو 850 مليون من الفقر و سوء التغذية . - يتقاسم 76 بالمائة من سكان العالم 16بالمائة فقط من الثروة العالمية . - تراجعت مساهمة القارة الأفريقية إلى 1.5 بالمائة من المبادلات التجارية العالمية بينما كانت فى 1990، 2.7 كما تراجعت مصاريف إستهلاك العائلات ب 20 بالمائة نسبة إلى ما كانت عليه فى 1975 . - تضاعف البون الشاسع فى مداخيل الأفراد المقدر ب 20 بالمائة بين البلدان الأشد فقرا و البلدان الأغنى بين 1960 و 1990 . فى 1996 ، يحصل ساكن من سكان البلدان الغنية على دخل أرفع ب 18 مرة مقارنة بساكن بلد من البلدان الفقيرة علما وان البلدان الأشد فقرا هي تلك التى يكون فيها دخل الفرد السنوي أقل من 675 دولار ( فى 1996). - و قدرت منظمة التعاون و التطور الإقتصادي سنة 1995 الديون الخارجية للبلدان النامية ( لنقرأ المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات ) ب1940 مليار دولار و إرتفعت نسبة الديون خلال النصف الثاني من تسعينات القرن العشرين بما عرقل تطور إقتصاديات أشباه المستعمرات و المستعمرات الجديدة جراء تحويل الإقتصاديات نحو القطاعات الموجهة للتصدير. عن الأطفال : - حسب مكتب الشغل العالمي التابع للأمم المتحدة ، يضطر للعمل فى جميع المجالات و أحيانا طوال 15 ساعة يوميا و فى ظروف فى منتهى القساوة 250مليون طفل سنهم بين 4 و 15 سنة و غالبيتهم من البلدان " النامية "و هكذا طفل1من 2 فى أسيا يعمل و فى أفريقيا طفل 1من 3 و فى أمريكا اللاتينية طفل 1 من 5 و عدد الأطفال المضطرين للعمل فى أوروبا مليونان. - يستغل الأطفال كجنود و يقضى عدد كبير منهم حياته فى الشوارع و يتعرضون للعنف و الإختطاف و المتاجرة بأعضائهم و للإستغلال الجنسي ... عن النساء : - تتعرض النساء إلى شتى أصناف الإستغلال و الإضطهاد المركبين – جندري و طبقى و قومي ( فى المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات ) . - و لا تزال تحصل حتى فى البلدان الإمبريالية على أجر أدنى من أجر الرجل فعلى سبيل المثال ، فى فرنسا أجر النساء أقل ب25 بالمائة من أجر الرجال و نسبة البطالة ضمن النساء أعلى منها ضمن الرجال ( موسوعة "أنكرتا " 2008). عن البطالة : - 75 بالمائة من ال150 مليون إنسان المعطلين عن العمل عبر العالم لا يتمتعون بأية حماية و لامنحة بطالة ، هذا ما يشير إليه تقرير مكتب الشغل العالمي . - فى جويلية 2005 ، قدرت نسبة البطالة بين 6 إلى 8 بالمائة فى منطقة اليورو و فى الولايات المتحدة ب 5 بالمائة و اليابان ب4.4 بالمائة . - أما فى المستعمرات الجديدة و اشباه المستعمرات فلكم فكرة عن هذه النسب ...
عن العمل السرى : - يقدر عدد العاملين فى العمل السرى بفرنسا ب 2.5 مليون عامل و عاملة . و قد ساهم الإقتصاد السرى بنسبة 4.5 بالمائة فى الإنتاج الداخلي الخام الفرنسي . و فى بلدان أوروبية أخرى تتراوح هذه النسبة بين 2 بالمائة فى ألمانيا و 6 بالمائة فى السويد و أنجلترا و تبلغ 18 بالمائة فى إيطاليا و 20 بالمائة فى اليونان و ضحايا هذا العمل السري جلهم من المهاجرين ... عن الفقر المستحكم : - وفق تقرير البنك العالمي لسنة 1990 ، ساكن 1 من 3 أي مليار إنسان يعيش فى حالة فقر مطلق و هذا يعنى أنه يحصل على دخل أقل من 370 دولار سنويا و 1 من 5 يحصل فقط على أقل من 200 دولار . - عن التعليم : - اليونسكو ، بيان صحفي رقم 74-2008 : و اليوم ، ما زال حوالي 744 مليون شخص ، أي ما يقارب خُمس عدد البالغين فى العالم ، لا يجيدون القراءة أو الكتابة ، و 75 مليون طفل مستثنين من النظام المدرسي . و بالتالى فإن بلدانا عديدة بعيدة كل البعد عن تحقيق الهدف الرامي إلى خفض عدد الأميين فى العالم إلى النصف بحلول 2015 وهو أحد أهداف برنامج التعليم للجميع الستة التى حددتها البلدان خلال المنتدى العالمي للتربية عام 2000 فى داكار . عن الصحة : - فى تقريرها المنشور فى اوت 2007 أشارت منظمة الصحة العالمية بالخصوص إلى كون أمراض معدية جديدة تظهر و تنتشر بنسق غير مسبوق وهي تصف الوضع الصحى فى العالم بأنه الأسوأ تاريخيا ( "لومند " 23 أوت 2007). - تعدّ أفريقيا حوالي 30 مليون مصاب بالسيدا و فى الزنبابوى تتسبب السيدا فى تقلص اليد العاملة النشيطة ذلك أن 34 بالمائة من الكهول مصابون بالمرض و جراء ذلك تراجعت ب 9 بالمائة نسبة اليد العاملة الفلاحية . - تقدر المسافة بين أمل الحياة فى البلدان المتقدمة و البلدان النامية ( لنقرأ المستعمرات الجديدة و أشباه المستعمرات ) ب 30 سنة . - نسبة وفايات الأطفال فى أوروبا الغربية و الشمالية 3 إلى 6 بالألف بينما فى أفريقيا 100 بالألف . عن الجوع : - من أجل أن يعيش الإنسان بحياة نشيطة فى صحة جيدة ، يحتاج إلى 2400 من الحريرات يوميا . إنتاج الفلاحة العالمية يسمح بتوفير 2700 من الحريرات يوميا لجميع سكان كوكبنا . - يعاني حوالي 800 مليون شخص اليوم من الجوع فى العالم .75 بالمائة منهم من الريفيين فى البلدان "النامية ". - و لاينتج 86 بلدا بنفسها ما تغذى به سكانها و لا تملك المال الضروري لتوريد الغذاء . - و نصف هذه البلدان من أفريقيا . - يطال الجوع حتى أوروبا حيث يحتاج مليوني إنسان من يوغسلافيا السابقة إلى إعانة غذائية و حتى بفرنسا ثمة مليونا شخص يشكون من سوء التغذية . - يتعرض 9 ملايين ساكن من البلدان الصناعية إلى سوء التغذية . - الجوع أول سبب فى الوفايات حيث يموت طفل كل 5 دقائق و يعانى 850 مليون شخص من سوء التغذية . ( "ليبراسيون " 16 أكتوبر 2006) . - يقتل الجوع 100 ألف شخص يوميا . - الغذاء المنتج عالميا يكفى ل12 مليار إنسان فى حين أننا اليوم نعدّ 6 مليارات فقط !!! ========================================================================================== الفصل الثانى: عالم آخر، أفضل ممكن: عالم شيوعي ------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------ 1- الشيوعية تصوروها بألوان حقيقية. 2- تعتقدون أن الشيوعية فكرة جيدة لكنها غير قابلة للتطبيق؟ قوموا بهذا الإختبار القصير و أعيدوا التفكير . 3- ما هي الشيوعية ؟ ما هو تاريخها الحقيقي؟ ما هي علاقتها بعالم اليوم ؟ 4- الشيوعية ليست إيديولوجيا " أوروبية" و إنما هي إيديولوجيا البروليتاريا العالمية. 5- مقياس من مقاييس تقدم المجتمع : من تجارب دكتاتورية البروليتاريا بصدد تحرير المرأة . ---------------------------------------------------------------------------------- 1 / الشيوعية تصوروها بألوان حقيقية ---------------------------------------- -- تصوّروا أن الناس غير منقسمين إلى طبقات مختلفة ، إلى أغنياء و فقراء أو إلى من تلقوا تعليما و من حرموا منه . -- تصوروا أن لا إنسان مستعبد من إنسان آخر و أن الجميع يعملون فى تعاون ليساهموا بأقصى ما عندهم فى خدمة المجتمع و يحصل كل إنسان على ما يحتاج إليه ليعيش حياة لائقة . تصوروا حتى أكثر من ذلك أن لا أحد يمضى حياته فى مهنة واحدة و إنما يتعلم كل فرد القيام بأنواع شتى من المهن . تصوروا أن كل فرد يقضى جزءا من وقته فى الشغل ( بأنواعه المتمايزة ) و جزءا آخر فى الراحة و الفن و الترفيه عن النفس و جزءا آخر فى التفكير و نقاش و جدال قضايا إجتماعية و عالمية و جزءا آخر فى المساعدة على العناية بتسيير المجتمع . -- تصوروا أن التعليم يعلم الناس فعلا التاريخ الحقيقي للعالم و شعوبه و يساعد الناس فعلا على تعلم كيف أن الطبيعة و المجتمع يسيران فعليا و كيف أن الشعوب تؤثر فى الطبيعة و تتأثر بها و تؤثر فى بعضها البعض فى مصلحة الإنسانية جمعاء ، ليس فقط من أجل الأجيال الحالية و لكن أيضا فى مصلحة الأجيال المستقبلية . تصوروا أن التعليم و الشغل منتجين و خلاقين و يساعدان الشعب على التطور بطريقة شاملة جسمانيا و كذلك عقليا . -- تصوروا أن الفن و الثقافة ليسا شيئا يكدر و يفسد الناس بل بالعكس شيئا يرفع مستوى خيالهم و إتقاده و يساعدهم على رؤية آفاق أبعد و النظر إلى الأشياء القديمة بطرق جديدة و فى نفس الوقت يلهمهم بالعمل على تغيير العالم خدمة للشعب . و تصوروا أن مجال الفن و الثقافة لا يحتكره عدد صغير من المهنيين و إنما تشارك فيه الجماهير الشعبية فى إبداع الفن و الثقافة و كذلك فى تذوقه. -- تصوروا عدم وجود بلدان و حدود و حراس حدود. تصوروا أن الناس لا يعيشون فى مكان فحسب أو فى جزء من العالم طوال حياتهم بل يستطيعون الحياة فى شتى مناطق العالم طوال حياتهم. -- تصوروا أنكم تعيشون فى عالم لا توجد فيه هجمات أو شتائم عنصرية ، عالم غير منقسم إلى أمم متنوعة و لا تتحكم فيه أمة فى أمم أخرى ، عالم دون عنصرية أو أي شيئ مشابه و دون مفاهيم سخيفة لمجموعة من الناس تعتقد أنها أفضل من غيرها ، عالم فيه يرى الناس فعلا لأول مرة أنفسهم و يعملون كجزء من المجتمع البشري العالمي . -- تصوروا النساء شأنهم شأن الرجال تتجول فى جميع الأماكن و الأوقات التى تريد دون خوف من التعرض للهجوم . تصوروا عالما لا وجود فيه لأشياء مثل الإستغلال الجنسي و الإغتصاب و ما شابه ، عالما أين كلمات "رجال" و " نساء" لا تولّد أية مفاهيم سخيفة تبعث على السخرية عن إنسان قوي و إنسان ضعيف ، إنسان يتصرف فى الأشياء و إنسان آخر لا يفعل سوى مساندته ، عالما دون هيمنة و تمييز عنصري و لامساواة و إضطهاد و حطّ من قيمة النساء على أيدي الرجال و مجتمع يكرّس العلوية الذكورية . تصوروا عالما تنعدم فيه مثل هذه الأشياء . -- تصوروا وضعا أين يعالج المسؤولون حقيقة عن الصحة بعناية و إحترام المرضى، عالما أين يتطوّر العلم و تتطور التكنولوجيا و يطبقان وفق مبدأ خدمة الشعب و أين ينهض الناس جماعيا وبصورة مشتركة بمسؤولية العلم و التكنولوجيا مثلما ينهضون بمسؤولية بقية شؤون المجتمع .
-- تصوروا عالما لا مجاعة فيه و لا إعتقادات مبنية على الخوف و الجهل و تخلف العلم . لا حرب فيه و لا جيوش و لا أسلحة يستعملها البشر ضد بعضهم البعض . عالم مصير الإنسانية فيه ليس بايدى حفنة من المضطهِدين المجرمين و إنما هو بأيدى شعوب العالم المجتهدة و المناضلة اليد فى اليد فى سبيل خدمة المصالح العليا للإنسانية . نعم ، تصوروا ! لكن ما هو أهمّ من ذلك و أقوى ليس إمكانية تصور عالم كهذا فالقوي و الأكثر تحررا هو أن عالما كهذا يمكن فعلا أن نصنعه . إن الماركسية –اللينينية –الماوية تجعل ممكنا بالنسبة لنا أن نتخطى مجرد تصور عالم أفضل و الحلم به و تمنى وجوده يوما ما . إنها تشير إلى طريق المستقبل و طرق ووسائل النضال من أجل تحقيقه . إنها تبين أن الخطوة الأولى فى التقدم فى إتجاه المستقبل هي إستنهاض الجماهير و الإطاحة بالنظام الإمبريالي الذى يحكمنا و تحطيم القوة العسكرية للإمبرياليين و تعويضها بسلطة الجماهير الثورية ، دكتاتورية البروليتاريا [ مباشرة نتيجة للثورة الإشتراكية فى البلدان الإمبريالية و بعد المرور بمرحلة الديمقراطية الجديدة / الوطنية الديمقراطية فى المستعمرات و المستعمرات الجديدة أو أشباه المستعمرات بقيادة البروليتاريا ] . و هذا سيكون بعدً تغيرا كبيرا يفتح الباب إلى تغييرات أعظم حتى . و الخطوة الكبرى التالية هي مواصلة الجماهير الثورة فى ظل دكتاتورية البروليتاريا و إستعمالها لسلطتها لتغيير راديكالي للعلاقات بين الناس فى كافة نواحي المجتمع و تثوير طريقة تفكير الناس و التحرر من" سلاسل التقاليد"و المضي قدما تماما صوب مستقبل الإنسانية ./. تعتقدون أن الشيوعية فكرة جيدة لكنها غير قابلة للتطبيق؟ /2 قوموا بهذا الإختبار القصير و أعيدوا التفكير . 1- إبان سنوات ماو من 1949 إلى 1976 ، أمل الحياة : أ/ صار أسوأ، متراجعا من 58 سنة إلى 52 سنة. ب/ تحسّن بصورة كبيرة فتضاعف من 32 إلى 65 سنة . ت/ بقي دون تغيّر فى حدود 58 سنة . ث/ لا وجود لإحصائيات . 2- فى 1949 ، حين إنتصرت الثورة الصينية ، فقط 15 بالمائة من الصينيين كان بمقدورهم القراءة و الكتابة . و لما توفي ماو فى 1976 ، كان معدل التمدرس حوالي : أ/ 80 بالمائة. ب/ 60 بالمائة. ت/ 40 بالمائة. ث- كان ماو معاديا للتعليم و لم يكن يهتمّ بما إذا كان الناس يستطيعون القراءة أو الكتابة . 3- لقد حدثت إحتجاجات جماهيرية فى الستينات . ما هي الحكومة الوحيدة التى شجعت النقد و الثورة ضد أصحاب السلطة الذين يمارسون سياسات إضطهادية و فئوية ؟ أ / الولايات المتحدة. ب/ فرنسا . ت/ الصين. ث/ أستراليا.
4- كانت نسبة وفايات الأطفال فى شنغاي فى 1975 : أ/ أتعس من تلك النسبة المسجلة فى مدينة نيويورك. ب/ نفس نسبة مدينة نيويورك. ت/ أفضل من النسبة المسجلة بنيويورك. ث/ الشيوعية لا تعتني بحياة البشر و أتلفت الإحصائيات . 5- في الخمسينات ، في أي بلد من البلدان التالية كان الدور الاجتماعي المفترض للنساء هو أن تكون أمهات تعتني بالأعمال المنزلية و ملحقة بالرجال ؟ (ملاحظة : ثمة أكثر من إجابة صحيحة): أ/ الهند. ب/اليابان . ت/ الولايات المتحدة. ث/ الصين. 6- منذ الإطاحة بحكم البروليتاريا و إعادة تركيز الرأسمالية فى 1976 ، نسبة سكان الصين الذين يتمتعون ببرامج التغطية الصحّية الإجتماعية : أ/ قد نمت من 50 بالمائة إلى 70 بالمائة. ب/ بقيت هي ذاتها في حدود 50 بالمائة . ت/ لم يعد يوجد نظام صحي إجماعي في الصين . ث/ تهاوت من 90 بالمائة إلى 4 بالمائة. ---------------------------------- الأجوبة -------------------------- 1) – ب- كتاب باني كلين ، البليون الثاني ، ( نيويورك : بنغوان 1987 ، الفصل 5 ) 2)- أ – كتاب راث كمبارغ ، أحمر و خبير (نيويورك :شوكن ،1977 ، ص 41) . 3) –ت- فى بداية الثورة الثقافية ، رفع ماو شعار " من حقّنا أن نثور ضد الرجعيين " و دعا الشعب إلى "الهجوم على مركز قيادة " أتباع الطريق الرأسمالي الذين كانوا يكرسون سياسات فئوية و إضطهادية . و كان توفير لوازم المعلقات و الجرائد و الإستعمال الحر للقطارات من طرف الطلبة و التشجيع فى الصحافة ، كانت من الوسائل الأساسية التي شجعت النقد و الصراع الجماهيريين . أنظروا " قراراللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بصدد الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى " (المصادق عليه فى 8 أوت 1966) ضمن "وثائق هامة حول الثورة الثقافية فى الصين " (بيكين ، منشورات باللغات الأجنبية ، 1970). 4) –ت- كتاب راث و فكتور سيدال ، خدمة الشعب : ملاحظات حول الطب فى جمهورية الصين الشعبية ( نيويورك : جوزيا ماسى ، جمعية ج أر ، 1973 ، ص 255-256). 5) –أ، ب، ت- كانت النساء فى الصين الإشتراكية تتلقى تشجيعا على المشاركة و بالفعل شاركت على كافة المستويات ، فى الحكومة و فى النظام التعليمي و الإقتصاد و الجوانب الأخرى من الحياة الإجتماعية . و قاد الماويون النضال من أجل مزيد القطع مع إرث المجتمع القديم المضطهِد للنساء و مع سلاسل التقاليد . 6) – ث- إستنادا إلى إحصائيات الحكومة و منظمة الصحة العالمية ، المذكورة فى مقال آفا تشنغ :" الصين : هل أن إعادة تركيز الرأسمالية أمر حتمي ؟" فى مجلة "لينكس " عدد11(جانفى – أفريل 1999) ،ص 62-63 . حسب منظمة الصحة العالمية ، تعد الصين الآن الأخيرة ضمن البلدان النامية في ما يتعلق بتوفر العدالة في الحصول على الرعاية الصحية. أنظروا مقال آليزابيت روزنثال : " دون " الأطباء ذوى الأقدام الحافية "العائلات الريفية الصينية تعانى " ، نيويورك تايمز ، 14 مارس2001 ./. 3/ ما هي الشيوعية ؟ ما هو تاريخها الحقيقي؟ ما هي علاقتها بعالم اليوم؟ سؤال1: ما هي الشيوعية ؟ جواب1: الشيوعية مجتمع عالمي يتم فيه تجاوز كافة الطبقات و كافة الإختلافات الطبقية ، و يتم فيه القضاء على كافة الأنظمة و العلاقات الإستغلالية و يتم فيه وضع حد لجميع المؤسسات الإجتماعية الإضطهادية و علاقات اللامساواة الإفجتماعية مثل التمييز العنصري و هيمنة الرجال على النساء ، و يتم فيه نبذ الأفكار و القيم الإضطهادية و المتخلفة . الشيوعية عالم الوفرة حيث يسيّر الناس معا و بصورة مشتركة موارد المجتمع . و الشيوعية تعود كذلك على النظرة الشاملة و المنهج العلمي للبروليتاريا فى فهم العالم و تغييره. سؤال 2 : لكنى غالبا ما أسمع أن الشيوعية مملّة و تبعث على الكآبة. الجواب2: تصوروا مجتمعا حيث يدرس الناس بوعي العالم و تغييره ، وحيث لم يعد الناس سجناء سلاسل التقاليد و الجهل و حيث لا يعمل الناس من أجل إنتاج ضرورات الحياة فحسب و إنما يعتنون بالفن و الثقافة و العلم و يمرحون و هم يقومون بذلك و حيث تعزز النظرة العلمية و شرود الخيال و يُلهم أحدهما الآخر ... حيث توجد وحدة و تنوع و نقاش لا ينقطع و نضال إيديولوجي حول توجه المجتمع و تقدمه لكن النقاش و النضال الإيديولوجي غير مطبوعين بالعداء الإجتماعي ، و حيث يتعامل الناس معا على أساس الإحترام و العناية و حبّ البشرية المتبادلين .عالم يعتنى بالبيئة . هذه هي الشيوعية . سؤال3 : فيما تختلف الإشتراكية عن الشيوعية ؟ جواب3 : الإشتراكية مرحلة حيوية فى التقدّم نحو الشيوعية ،ينبغي بلوغها بعدُ فى العالم . تطيح الثورة الإشتراكية بالطبقة الرأسمالية و تركز نظام حكم سياسي للطبقة العاملة هو دكتاتورية البروليتاريا . و تشرع البروليتاريا سويّة مع حلفاءها المكونين للأغلبية الساحقة للمجتمع فى تحويل المجتمع . و تشيد الثورة الإشتراكية إقتصادا معتمدا على الملكية الإشتراكية و تلبية الحاجيات الإجتماعية . بيد أن الإشتراكية ترث اللامساواة الإجتماعية و الإقتصادية من الرأسمالية و خلالها تبقى موجودة طبقات و يوجد بعدُ صراع طبقي حول قيادة المجتمع. و لبعض الوقت ، ستواجه المجتمعات الإشتراكية القوى الرأسمالية المعادية لها . و الإشتراكية مرحلة تاريخية من مواصلة الثورة و التقدم العالمي نحو الشيوعية معقّد و سيرورة طويلة الأمد من الثورة و الثورة المضادة . سؤال 4 : ألم تخلق الحركة الشيوعية وجوها دكتاتورية مثل ستالين ؟ جواب 4: إن التشويه و الأكاذيب الواسعة المنتشرة حول ستالين تقف حجر عثرة أمام الحصول على الفهم الحقيقي للدور التاريخي الذى لعبه و للمكاسب الكبرى للإتحاد السوفياتي . إثر وفاة لينين فى 1924 ، نهض ستالين بالقيادة و فى العقد اللاحق صار الإتحاد السوفياتي مجتمعا مثيرا و تحرريا . و قاد ستالين نضالات إنجاز مشركة الفلاحة و مشركة ملكية الصناعة . و ركزت الثورة إقتصادا إشتراكيا معتمدا على ملكية الدولة العامة و التعاون الإشتراكي و التخطيط الواعي . و هذا لم يحدث من قبل أبدا. خلال قيادة ستالين ، تعرض الإتحاد السوفياتي إلى ضغوطات لا تتصور : الثورة المضادة و محاصرة القوى الإمبريالية المعادية و الغزو النازي إبان الحرب العالمية الثانية . و قاد ستالين الشعب ليواجه كل هذا . إلا أنه كانت لستالين كذلك نواقص حقيقية . مثلا ، حينما تعرضت الثورة إلى ضغط أكبر فى الثلاثينات ، عوّل أقل فأقل على النشاط الواعي للجماهير و أكثر فأكثر على الإجراءات الإدارية . وقد كان من الضروري قمع القوى المعادية للثورة لكن مع تنامي التهديدات فى الثلاثينات إضطهد ستالين أناسا كانوا فقط يعبرون عن إختلافات فى الرأي و معارضة... يدافع الثوريون عن ستالين و فى الوقت نفسه ينقدونه و يتعلمون من أخطاءه أيضا. سؤال 5 : ماذا عن ثورة ماو الثقافية ؟ جواب 5 : لقد كان ماو يعالج مشكل ظهور فئة برجوازية جديدة فى صفوف الحزب أرادت إعادة الرأسمالية معمّقة المظاهر البرجوازية فى المجتمع. و على سبيل المثال ، غداة الثورة الثقافية ، كانت عديد المصانع تسيّر حسب الإدارة الفردية و أنظمة العلاوات التنافسية التى كانت تضرب العمال بعضهم ببعض و كانت الموارد التعليمية و الصحية متمركزة فى المدن. فدعا ماو الشعب للنهوض ضد القادة و الهياكل النظامية الإضطهادية . و أخذ مئات ملايين العمال و الفلاحين يناقشون مسائل إتجاه المجتمع و ينقدون الموظفين السامين و يبدعون أشكالا مساهمة فى الإدارة و التصرف و دخول مجالات العلم و الثقافة. و شُرع فى الإطاحة بالإنقسامات بين العمل الفكري و العمل اليدوي و بين المناطق المدينية و الريفية و إرتفع عدد المسجلين فى المعاهد الوسطى فى الريف من 15 مليون إلى 58 مليون ! و كانت للثورة الثقافية أهدافا منسجمة و تحررية هي تثوير مؤسسات المجتمع بما فى ذلك الحزب الشيوعي و تحدى الطرق القديمة فى التفكير و بإختصار المضي قدما بالثورة الإشتراكية و تعميقها . سؤال 6 : ألم يحدث عنف كبير و تعسف على المثقفين و الفنانين ؟ جواب 6 : لم يكن العنف المظهر الأساسي للثورة الثقافية التى كانت بالأساس صراعا سياسيا و إيديولوجيا . و الكثير من العنف الذى حدث دفع إليه فعلا معارضو الثورة الثقافية . و لم يجرى التعسف على المثقفين كفئة إجتماعية لقد جرت دعوتهم للإندماج فى صفوف الجماهير الكادحة لا سيما بالريف و التعلم منها . و قد بذلت جهود مثيرة لإبداع ثقافة و أعمال فنية ثورية يمكن أن تستعمل كنماذج يحتذى بها . و ثانويا وجدت نواقص و أخطاء فى كيفية التعاطى مع الفنانين و المثقفين و هذه المسائل ينبغى الإمساك بها بشكل أفضل فى المجتمعات الإشتراكية المستقبلية . سؤال 7 : أين يمكن أن نجد الإشتراكية فى عالم اليوم ؟ جواب 7 : لم تعد توجد أية بلدان إشتراكية اليوم فقد جرى الإنقلاب على الثورتين السوفياتية و الصينية و هزمهما حراس النظام القديم غير أنه هنالك أحزاب و منظمات ماركسية –لينينية – ماوية فى العديد من أنحاء العالم ملتزمة بمبادئ الشيوعية و تبنى على أساس "الموجة الأولى " من الثورات الإشتراكية فى القرن العشرين ... سؤال 8 : أليست الماركسية دوغما ؟ جواب 8 : الماركسية علم خلاّق ، ناقد لنفسه و متطوّر. على الناس أن يدرسوا كتابات الماويين التى تلخص بصورة نقدية الدروس العميقة للمجتمعات الإشتراكية الماضية و تحلّل التغييرات الكبيرة فى العالم مّذاك و توسّع آفاق الماركسية . إنها تطوّر نموذجا من الإشتراكية و الشيوعية النابضة للقرن 21. سؤال 9 : لكن ألم ينقض عهد الشيوعية مع العولمة و التكنولوجيا الجديدة التى سوّت الإختلافات الإجتماعية و إضمحلت الطبقة العاملة ؟ جواب 9 : إن الحاجة إلى الثورة الشيوعية و أساسها أكبر من أي وقت مضى . إذ إتّسع البون بين الأغنياء و الفقراء فى العالم بصورة ضخمة منذ كتابة ماركس و إنجلز "بيان الحزب الشيوعي". يملك الثلاثة الأمريكيين الأغنى ثروات تتجاوز مجمل الإنتاج القومي الخام ل 48 دولة أقل تطوّرا . و يموت عشرة ملايين طفل سنويا من أمراض يمكن الوقاية منها و من سوء التغذية . و مرض نقص المناعة [الأيدز ] يضجر العالم بينما تحتفظ الشركات الصيدلية بحقوق الملكية الفكرية و فوائدها . و الطبقة العاملة لم تضمحل يتاتا بما فى ذلك فى الولايات المتحدة الأمريكية . أنظروا إلى العلامات على أحذيتكم الرياضية و قمصانكم أو إلى مكونات حواسيبكم. إنها نتاج العمل المستغَل إستغلالا هائلا عبر أنحاء العالم . سؤال 10 : كيف يمكن للشيوعية أن تكون لازمة لمجتمع غني و متقدم تكنولوجيا مثل الولايات المتحدة الأمريكية ؟ جواب 10 : بالولايات المتحدة هنالك طبقة وسطى عريضة . إلا أن العديد يعيشون حياة إغتراب و النظام يمنع الناس من تطبيق مهاراتهم و خبراتهم ليستفيد المجتمع و تستفيد الإنسانية و قد كشف إعصار كاترينا المظاهر العميقة للإستغلال الطبقي و التمييز العنصري فى الولايات المتحدة . يتضمن المجتمع الأمريكي عددا من المفقرين (40 مليون ) و عمالا فقراء ... الرعاية الصحية فى المجتمع غير مناسبة و غير متساوية بشكل فظيع ...مجتمع نظامه يقبع فى سجونه عدد ضخم من الشباب السود و رجال من أصل أمريكي لاتيني . و رغم تطوره التكنولوجي و مراكمته للمعرفة ، لا يستطيع النظام أن يستنهض الشعب لمعالجة المشاكل الأساسية مثل الإسعافات إبان كارثة الإعصار . و رئيس الولايات المتحدة لا يقبل حتى بالتطوّر كحقيقة علمية !
سؤال 11 : الإشتراكية يمكن أن تكون فكرة جيدة لكن هل نجحت فعلا فى التطبيق؟ جواب 11 : أنجزت الثورات الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي ( 1917-1956) و الصين (1949-1976) خطوات ضخمة نحو تحرير العالم . ماسكين بسلطة الدولة ، سيّر المعدَمون المجتمع و غيروه . فجرى القضاء على حكم الربح و الإستغلال . و تمت تلبية الحاجيات الإجتماعية الأساسية . و تضاعف أمل الحياة فى الصين الماوية بين 1949 و 1976 ، من 32 إلى 65 سنة . و حدثت خطوات غير مسبوقة فى إجتثاث إضطهاد النساء و الأقليات القومية من الجذور . هذه الثورات لم تخفق و إنما هزمتها القوى البرجوازية الرجعية . سؤال 12 : أليست الإشتراكية و الشيوعية ضد طبيعة الإنسان و الأنانية ؟ جواب 12: لا وجود "لطبيعة إنسانية " فطرية أو غير متحوّلة . إن تفكير الناس و سلوكهم و قيمهم تشكلها الهيكلة الإقتصادية و المؤسسات و الثقافة المناسبة لمجتمع ما . فقد كان المجتمع اليوناني القديم و "الآباء المؤسسون " للولايات المتحدة الأمريكية يعتبرون العبودية "طبيعية " تماما. و تقوم الرأسمالية على المراكمة الفردية للربح و على التنافس الإقتصادي . الأنانية و الجشع و الفردية تكافؤهم الرأسمالية و تشجعهم مؤسسات المجتمع الرأسمالي . إنها ليست "مزروعة " فى جيناتنا لا هي و لا العنصرية و لا التفوّق الذكوري. سؤال 13 : فى ظلّ الإشتراكية ، هل سيتمكّن الناس من ممارسة الدين ؟ جواب 13: نعم . سيتمتع الناس بحق العبادة و القيام بالطقوس الدينية ( و كذلك بحق عدم الإيمان بإلاه) . إلا أن المعاهد و الحكومة عموما سيشجعون فهما علميا – ماديا لطبيعة العالم و المجتمع الإنساني . و لن يجبر الناس على التخلي عن الدين و إنما سيخاض صراع إيديولوجيا عبر المجتمع بأسره لمساعدة الناس على نبذ الإعتقاد الديني الإستعبادي. سؤال 14 : فى ظلّ الإشتراكية ، هل ستكون للناس ممتلكات شخصية ؟ جواب 14 : نعم . لكن الإشتراكية لن تشبه نوع " المجتمع الإستهلاكي " الذى نعيش فيه اليوم . مثلا ، سيقع تجاوز " ثقافة السيارات " المحطّمة للبيئة . و سيكون للناس فى الطبقات العاملة و الوسطى حق العيش فى المساكن التى يقطنونها فى الوقت الحاضر . غير أنه سيتم القضاء على أسواق العقارات و السمسرة و المضاربة و ستعطى الأولوية للمسكن الصحي للذين يوجدون فى أسفل السلم الإجتماعي . سؤال 15 : فى ظلّ الإشتراكية، هل ستوجد ديمقراطية و إنتخابات و هل سيسمح بالمعارضة؟ جواب 15 : ستوجد ديمقراطية حقيقية لم يسبق لها مثيل بالنسبة للجماهير الشعبية . و ستمارس الدكتاتورية على المستغٍلين القدامى و الذين يُعدّون للإطاحة بالنظام الجديد . للجماهير توفر دكتاتورية البروليتاريا الحق و القدرة على تغيير العالم و المساهمة فى المجتمع بصورة شاملة . ستحرر القيادة الشيوعية التفكير و النشاط المختلفين من الأسفل إلى الأعلى و فى كل مكان آخر. و ستشجع أيضا المعارضة بما فى ذلك معارضة الحكومة ذاتها و ستوفر وسائل و تدابير سماع وجهات النظر هذه . و ستكون للإنتخابات دور وسيلة إختيار و تطوير القيادة و إبقاءها خاضعة لمحاسبة الجماهير . بيد أنه ثمة شأن لن يكون خاضعا للإنتخابات هو عودة المجتمع إلى الرأسمالية . و يتطلب التغيير الشامل للمجتمع قيادة صلبة و حالمة تسمح للجماهير بأن تمسك السلطة و تقودها فى صراع تحدّى و تحرير لبلوغ عالم شيوعي أين سيتم نهائيا تخطى إنقسام الناس على حاكم و محكوم و قادة و مقودين . /.
4/ الشيوعية ليست إيديولوجيا "أوروبية" و إنما هي إيديولوجيا البروليتاريا العالمية ---------------------------------------------------------------------------------------- غالبا ما يدعى لا سيما القوميون من مختلف المشارب بأن الشيوعية "إيديولوجيا أوروبية " ...و بأنه ينبغى علينا أن نتبع إيديولوجيا نصيغها بأنفسنا " . أولا ، قبل البحث العميق فى جذور هذه المقولة ، الشيوعية ليست إيديولوجيا أي جزء من العالم ، أو أية شعب أو أمة ( أو عنصر بشري ) . إنها إيديولوجيا البروليتاريا التى تتضمن عمالا من كافة المناطق و الأمم . ففى الولايات المتحدة الأمريكية ، مثلا ، تتشكل البروليتاريا من عمال من أمم شتى بما فيهم السود و ذوى الأصل الأمريكي اللاتيني و الآسوي و السكان الأصليين الهنود الحمر و كذلك البيض . و أكثر من ذلك ، البروليتاريا طبقة عالمية فهي تتكون من عمال كل البلدان ، من كل أنحاء العالم و من كل الأجناس . و الشيوعية إيديولوجيا هذه الطبقة العالمية . لكن لنتعمق أكثر فى هذه المسألة . التطور التاريخي للإيديولوجيا الشيوعية : من الصحيح أن الإيديولوجيا الشيوعية تطوّرت بداية فى أوروبا على أيدى كارل ماركس ( و رفيقه فريديريك إنجلز) ، فى أواسط القرن التاسع عشر . لماذا كان ذلك كذلك؟ عصرذاك كانت الثورة الصناعية المرفوقة بالتطوّر السريع للمجتمع الرأسمالي فى أوجها فى أجزاء من أوروبا و حصلت تغيرات تكنولوجية ضخمة و تطوّرات علمية كبرى دفعت نحو هذه الإنجازات الرأسمالية . إلى جانب هذا التطوّر السريع للتصنيع الرأسمالي ، أضحت العلاقات الإجتماعية الرأسمالية أوضح فأوضح . و أضحى بالخصوص أجلى أن مصالح الطبقتين الأساسيتين فى المجتمع الرأسمالي – البرجوازية (المستغٍلون الرأسماليون ) و البروليتاريا (الطبقة العاملة المستغَلة من طرف الرأسماليين ) دخلتا فى صدام جوهري . على هذا الأساس كلّه أسّس ماركس الإيديولوجيا الشيوعية . بيد أن ماركس لم يقم بهذا بالمعنى الضيق إذ هو إستقاها من سلسلة عريضة من التجربة و المعرفة الإنسانيتين بما فى ذلك الفلسفة و العلم و كذلك الإقتصاد و السياسة . لقد دقّق فى تاريخ تطوّر المجتمع الإنساني و عاين المجال الشاسع للتجربة الإنسانية العالمية . لم يكشف ماركس أن الرأسمالية تعنى الإستغلال القاسى للعمال من طرف الرأسماليين فى أوروبا ذاتها فحسب بل كشف أيضا أنه منذ البداية الأولى قامت الرأسمالية على العبودية و على حتى إجتثاث الناس و إقتلاعهم من أفريقيا و نقلهم عنوة إلى القارة الأمريكية . و كشف و عارض القوى الإستعمارية حينذاك فى إضطهادها للشعوب عبر العالم ، من إيرلندا إلى مصر إلى الهند و الصين . صحيح أن ماركس كان يتوقّع أن تحدث الثورة الشيوعية أولا فى أوروبا حيث كانت الرأسمالية متطوّرة أكثر و أن ذلك سيبيّن الطريق لبقية العالم . لكن فى أواخر حياته عندما لاحظ أن هذه الثورة لم تحدث بعدُ فى أوروبا ، غيّر ماركس بعض نظرياته الخاصة وفق الواقع الجديد فمثلا ، مثلما صرّح بذلك هو نفسه ، إتخذ موقف أن ثورة عمالية للإطاحة بالرأسمالية فى أنجلترا ستقود إلى تحرير إيرلندا من الهيمنة الأنجليزية بيد أنه لاحقا توصّل إلى رؤية أن الأشياء كانت حقا على خلاف ذلك تماما و أنه إذا لم يناضل العمال الإنجليز من أجل تحرير المستعمرات البريطانية مثل إيرلندا ، فإن هؤلاء العمال لن يستطيعوا أبدا إنجاز ثورة بقيادة شيوعية .و إتخذ ذات النوع من المواقف تجاه العبودية فى الولايات المتحدة الأمريكية ذلك أن ماركس لم يساند بنشاط النضال فى سبيل إلغاء العبودية فحسب و إنما أشار إلى أن الطبقة العاملة فى الولايات المتحدة لن يمكنها أبدا التحرر من عبودية الأجر الرأسمالية طالما أن نصفها يرزح تحت قيود العبودية تماما . الثورة الروسية جسر للشرق : مع ذلك ، رغم توقعات ماركس و رغم نشاطه العملي ، فى كل من النظرية و الممارسة لم تحدث ثورة بقيادة شيوعية أولا في أوروبا . عوض ذلك، حصلت فى روسيا أو بالأحرى فى ما كان يسمى الإمبراطورية الروسية التى كانت تغطى مساحة ضخمة تشمل ليس روسيا ذاتها فحسب و إنما تشمل أيضا عديد الأمم الأخرى كذلك و معظم هذه المنطقة لم تكن بأوروبا بل بآسيا . و بالفعل كانت هذه الإمبراطورية الروسية نوعا من الجسر بين الغرب و الشرق فكانت الثورة البروليتارية التى تحققت هنالك فى أكتوبر 1917 جسرا بين الغرب و الشرق . و لم تأت هذه الثورة بتحرير العمال من الإستغلال فقط بل أتت كذلك بتحرير أكثر من مائة أمة أو أقلية قومية كانت مضطهدة بقسوة فى ظل الإمبراطورية الروسية . قبل الثورة البروليتارية كانت هذه الإمبراطورية معروفة ب"سجن الأمم" و لكن نتيجة لثورة أكتوبر تم تعويض "سجن الأمم " بالإتحاد السوفياتي . و لعقود ، بداية تحت قيادة لينين ثم ستالين ، كان الإتحاد السوفياتي إتحاد شعوب ثوري حقيقي قائم على المساواة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا الماسكة بالسلطة السياسية . و تعلّمنا الماركسية أن النظرية تتطوّر فى علاقة و فى النهاية على أساس الممارسة . و فعلا قادت تجربة ثورة أكتوبر و الوضع الشامل الذى تمت فيه إلى مزيد تطوير النظرية الشيوعية . فقد تحققت هذه الثورة مع نهاية الحرب العالمية الأولى التى نشأت هي بدورها عن تعمّق تطور الرأسمالية إلى نظام عالمي للإستغلال و الإضطهاد و الإمبريالية . لينين أكثر من غيره هو الذى قاد نهج تحليل هذه التطورات الجديدة و نهج إستغلال الوضع لكسر سلسلة الإمبريالية و إنجاز الثورة البروليتارية . و لم يقد لينين الثورة فى الإمبراطورية الروسية فحسب بل بذل قصارى جهده لتعميق هذا النضال الثوري ذاته فى البلدان الأخرى و ليس فقط فى أوروبا بل عبر العالم . و على قاعدة كل هذا طوّر لينين الماركسية إلى مرحلة جديدة و أرقى فغدت الماركسية ماركسية- لينينية . و بالرغم من أن محاولات الثورة البروليتارية فى بلدان أخرى حينها لقيت الهزيمة سواء بسبب قيادة ضلّت الطريق أو بسبب قمعها قمعا لا رحمة فيه ، فإن الثورة التى قادها لينين غيّرت وجه العالم برمّته . وواحد من أهمّ ما أنجزته هو نشر الشيوعية فى الشرق رابطة إياها بنضالات الشعوب المستعمرة من أجل تحريرها من الإمبريالية . و مثلما عبّر عن ذلك ماو تسى تونغ بصورة قوية ، جلبت طلقات مدافع ثورة أكتوبر الماركسية –اللينينية إلى الصين و بمجرد إكتشاف الثوريين الصينيين هذه الإيديولوجيا و تمكّنهم منها إستطاعوا فى الأخير إتباع الطريق المؤدى إلى التحرير الشامل . مذاك باتت الشيوعية حتى أكثر حركة عالمية تماما . و بصورة خاصة تضاعف إرتباطها بنضالات تحرر الشعوب المضطهَدة لما يسمى اليوم عادة بالعالم الثالث . حينما يقود شيوعيون ثوريون هذه النضالات ، من الممكن ليس فقط إنجاز المرحلة الأولى الكبرى أي الإطاحة بالهيمنة الإمبريالية و القوى الرجعية المحلية حليفة الإمبريالية و إنما أبعد من ذلك، من الممكن إنجاز الخطوة التالية و الأعظم حتى ألا وهي المضي قدما فى النضال الثوري نحو المرحلة الإشتراكية . و الإشتراكية فى حدّ ذاتها نظام سياسي إقتصادي تحكمه البروليتاريا وهي مرحلة إنتقالية من الرأسمالثية إلى الشيوعية التى تعنى إلغاء الطبقات جميعها و معها نهاية كافة أشكال الإضطهاد و الإستغلال . الماركسية- اللينينية – الماوية : فى الصين ، بلد من العالم الثالث عدد سكانه ربع سكان العالم ، بلغت الثورة أعلى قممها ، فى ظل قيادة الحزب الشيوعي بزعامة ماو تسى تونغ . و بالفعل ، فى ظل قيادته لم تحرر جماهير الشعب الصيني بلادها فحسب فى 1949 و إنما تقدمت أيضا صوب المرحلة الإشتراكية ثم أنجزت ثورة أعمق فى ظلّ الإشتراكية هي الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. و كان هدف الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى إحداث تغييرات راديكالية أعمق فى العلاقات بين الناس و فى تفكيرهم . و فى ذات الوقت إستهدفت الحيلولة دون صعود قوى رأسمالية جديدة إلى السلطة واضعة قناع الشيوعية لكنها تبحث عن إعادة تركيز الرأسمالية أي إعادة النظام القديم للإستغلال و الإضطهاد . و قد حصلت مثل هذه الإعادة لتركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي و كذلك على أساس التحليل الدقيق للوضع العالمي ، أطلق ماو و قاد الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين بداية من أواسط الستينات . و لعقد وقف هذا النضال الثوري العظيم سدا فى وجه مساعى الشيوعيين المزيفين للعودة بالصين إلى الطريق الرأسمالي. إلا أنه إثر وفاة ماو فى 1976 ، أفلح فى النهاية " أتباع الطريق الرأسمالي " بقيادة دنك سياو بينغ فى إفتكاك السلطة من أيدى البروليتاريا و الإنقلاب على الثورة فى الصين . و رغم هذا التراجع ، يظل صحيحا أن الثورة فى الصين لا سيما الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى أرقى ما بلغته إلى الآن البروليتاريا و الإنسانية جمعاء فى تقدمها نحو مجتمع شيوعي خال من الطبقات . وفى سيرورة قيادة النضال الثوري ،عبر عديد المراحل المختلفة ، و فى نفس الوقت منتبها إلى و قائما بمساهمات فى النضال الثوري عالميا ، رفع ماو تسى تونغ الإيديولوجيا الشيوعية إلى مرحلة جديدة و أرقى فتطوّرت الماركسية –اللينينية إلى ماركسية-لينينية – ماوية. شعوب العالم مرتبطة ببعضها البعض : من كل ما سبق ينبغى أن يكون جليا للغاية اليوم أنه من العبث إعتبار أن الشيوعية نوعا من "الإيديولوجيا الأوروبية " . فالإيديولوجيا الشيوعية اليوم ، الماركسية-اللينينية - اللماوية أكثر من أي زمن مضى إيديولوجيا عالمية و أممية ، إنها إيديولوجيا البروليتاريا العالمية فى نضالها العالمي- التاريخي لأجل تحرير نفسها و الإنسانية قاطبة من براثن الإستغلال و الإضطهاد و تقسيم المجتمع عينه إلى طبقات مختلفة . لكن أكثر من ذلك ، سيكون من غير الممكن بالنسبة للماركسية أن تكون نوعا من " الإيديولوجيا الأوروبية " بأي معنى مجرد . بهذا نقصد أن أوروبا و الشعوب الأوروبية الإنحدار هي ذاتها نتاج خليط و تأثيرات متنوعة سواء أكان ذلك بيولوجيا أو ثقافيا . و فى الواقع ، نهضت شعوب من أفريقيا بدور له دلالته فى هذا التطوّر بما أن عديد المفكرين السود ساعدوا على توضيح و تبيان كيف أن الحضارات و الإمبراطوريات من مصر القديمة إلى العرب الأكثر معاصرة أثرت فى أوروبا أو أجزاء منها و تفاعلت معها و أحيانا هيمنت عليها. و سيكون من العسير جدا ، إن لم يكن من المستحيل أن نحدّد أية أفكار بأنها أفكار "أوروبية " لا نجد عليها بطريقة ما بصمات تأثيرات من أفريقيا و كذلك من أجزاء أخرى من العالم . و فى ذات الوقت ، لا توجد و لا يمكن أن توجد " إيديولوجيا أفريقية [أو عربية ] صرفة " . فأفريقيا [و العرب هم أيضا ] هي أيضا قد تأثرت مباشرة أو بصورة غير مباشرة بعديد الشعوب و الثقافات المتباينة . و كثيرا من هذا جاء طبعا من خلال الغزو و الهيمنة من قبل الإمبراطورية الإسلامية و كذلك من قبل المستعمرين الأوربيين و غير الأوروبيين . فكلا من المسيحية و الإسلام فرضا فرضا على شعوب أفريقيا بالسيف [و البندقية ]. أو لنأخذ مثالا آخر: لقد جلبت فعليا بعض المواد الغذائية التى تمثل اليوم جزءا هاما من مأكولات شعوب أفريقيا ( على غرار الفول و الذرة و القريسة ) إلى أفريقيا من القارة الأمريكية و أخذ الغزات و المستعمرون الأوروبيون عديد المواد الغذائية عن شعوب القارة الأمريكية الأصليين و نقلوها ليس فحسب إلى أوروبا بل أيضا إلى عديد أنحاء العالم بما فى ذلك آسيا و أفريقيا . ( و فى المقابل يبدو أن الشعوب "الأصلية " للقارة الأمريكية واقعيا شعوب جذورها أسيوية إلتحقت بالقارة الأمريكية قبل آلاف السنين عبر مضيق أرض غطاها المحيط بعدئذ. ) . ما هو مصدر الأفكار ؟ حتى و إن وجد فى مناطق معزولة من أفريقيا ( أو أي جزء من العالم ) أناس لم يلتقوا البتة بأجانب فإن أجزاءا من طريقة تفكيرهم ستكون مشتركة مع كافة البشرية - عاكسة التجربة البشرية عموما – و ستعكس أجزاء فقط تجربتها المحلية و الخاصة . لكن هذه الأجزاء المحلية و الخاصة ، لا يمكن أن تكون فى حدّ ذاتها أساس أي نوع من الإيديولوجيا العالمية – إيديولوجيا تعكس تجربة كافة شعوب أفريقيا ( أو العالم ) ككل . فمصدر المعرفة جميعها هو التجربة ، المباشرة منها و غير المباشرة أي التجربة التى عاشها شخص ( او مجموعة أشخاص ) أو تجربة الآخرين التى يطلعون عليها . و بقدر ما تكون التجربة ضيقة بقدر ما تكون المعرفة محدودة و من جهة أخرى ، بقدر ما تكون التجربة أوسع بقدر ما يكون مصدر المعرفة أغنى . فى عالم اليوم ، بوجه خاص ، تمارس كل إيديولوجيا تأثيرا على مجموعات واسعة من الناس لا يمكن أن تكون "بنقاء" إيديولوجيا أمة ( أو عنصر بشري ) واحد . و إذا كانت الإيديولوجيا تعكس التجربة الخاصة لأمة ( أو عنصر بشري ) فبالتالي المسألة الجوهرية هي: كيف تعكس تلك التجربة و مدى دقتها و تمامها و صحة ربطها تلك التجربة بتجربة البشرية ومجتمعها ككل ، تاريخيا و عالميا ؟ فى عالم اليوم ، كافة الإيديولوجيات إيديولوجيات طبقية . اليوم بصورة شاملة ، المجتمعات التى تعيش فيها الشعوب الأفريقية والآسيوية [ وغيرها] مجتمعات منقسمة إلى طبقات مختلفة . ( وهو بالتأكيد أمر صحيح كذلك و ينطبق على الحضارات الكبرى فى أفريقيا فى الماضى ، مثل الحضارة المصرية القديمة التى قامت على العبودية ) . و مثلما لخص ذلك ماو تسى تونغ: " فى المجتمع الطبقي يعيش كل إنسان كفرد من أفراد طبقة معينة ، و يحمل كل نوع من أنواع التفكير دون إستثناء طابع طبقة معينة . " ( مقتطفات من أقوال الرئيس ماوتسى تونغ ، ص 9-10) . و فضلا عن ذلك أوضح ماو أنه بما أن البروليتاريا هي الطبقة الوحيدة فى التاريخ التى ليس بمقدورها أن تحرر نفسها سوى بتحريرالبشرية جمعاء لأن الغاية التاريخية للبروليتاريا هي وضع حدّ لتقسيم المجتمع إلى طبقات مختلفة . لهذا فإن إيديولوجيا البروليتاريا هي الإيديولوجيا الوحيدة التى تملك فى آن معا موقفا طبقيا محددا و هي صحيحة علميا . و بالعودة إلى فكرة أنه ..." ينبغى أن يتبعوا إيديولوجيا يصوغونها بأنفسهم " نقول إن طريقة التفكير هذه بوضوح "موسومة بميسم طبقي ليس ميسم البروليتاريا . إنها تحمل طابع الطبقة الوسطى ( أو طابع البرجوازية الصغيرة ...) لكن مثلما تمت الإشارة إليه أعلاه ينم هذا النمط من التفكير هو أيضا عن موقف و وجهة نظر برجوازية ... فما يشغل بال أي برجوازية هو أن تتحكم فى شؤون أمت"ها "و يفيد هذا جوهريا التحكم فى الإقتصاد كما يفيد التحكم فى السياسة و الثقافة و الإيديولوجيا . فحينما ترفع برجوازية أمة مضطهدة مطلب استقلال أمتها فهذا يعنى الإستقلال تحت قيادة البرجوازية و خدمة لمصلحتها الطبقية . تتوافق فكرة صياغة رهط من " الإيديولوجيا القومية المستقلة " مع مصالح ووجهة نظر ...برجوازية الأمة المضطهَدة . بالطبع ، بإمكان التفكير بهذه الطريقة الحامل لطابع البرجوازية الصغيرة و برجوازية [الأمة المضطهَدة ] أن يمارس و يمارس تأثيرا على عناصر الطبقات الأخرى بما فى ذلك عناصر البروليتاريا . و يمارس هذا النمط من القومية تأثيرا على البروليتاريين ...بالخصوص لأنهم عرضة للإضطهاد [القومي] و يقفون ضد القومية الرجعية المتسلطة للأمم الأوروبية و الأمريكية المهيمنة ... و من الضروري إقامة وحدة مع البرجوازية الصغيرة و بقدر الإمكان وحدة مع برجوازية [الأمم المضطهدة ] فى النضال ضد المضطهِد المشترك : الطبقات الحاكمة و الإمبريالية و لكن فى ذات الوقت من اللازم خوض صراع ضد كافة أشكال الإيديولوجيا القومية و إعلاء راية الإيديولوجيا البروليتارية الأممية بصلابة . هذا جزء هام من الصراع الإيديولوجي الشامل الذى ينبغى خوضه فى الآن نفسه مع خوض النضال ضد الطبقات السائدة فى المجال العملي . و من الحيوي أن نكسب الجماهير للإيديولوجيا البروليتارية ، فى معارضة إيديولوجيا الطبقات الحاكمة و فى معارضة لإيديولوجيا جميع الطبقات الأخرى كذلك . بهذه الطريقة و هذه الطريقة وحدها تستطيع البروليتاريا و جماهير الشعب أن تخوض نضالا ثوريا خدمة لمصالحها العليا و فى النهاية أن تكسب تحررها الخاص . و نخلص إلى أن أهم شيئ نثيره بصدد أي طريقة تفكير و أي إيديولوجيا هو سؤال أي طبقة يمثل هذا التفكير ؟ فهنالك إيديولوجيا واحدة بإمكانها أن تقود إلى التحرير الشامل . هنالك إيديولوجيا واحدة هي فى آن متحزبة – تقف بوضوح فى جانب معين فى الصراع الطبقي – و صحيحة – قادرة على أن تعكس على الوجه الصحيح الواقع و تلخص التجربة بطريقة شاملة و عميقة . إنها الإيديولوجيا التى تمثل أكثر الطبقات ثورية فى العالم – الطبقة التى تكمن مصالحها فى إعادة صياغة المجتمع صياغة راديكالية للتخلص من كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد و كافة طرق التفكير المتخلفة ، عالميا . إيديولوجيا البروليتاريا العالمية هي الماركسية-اللينينية –الماوية . /. 5 / مقياس من مقاييس تقدم المجتمع : ------------------------------------ من تجارب دكتاتورية البروليتاريا بصدد تحرير المرأة (التجربة الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي و الصين بصدد تحرير المرأة) الإتحاد السوفياتي من 1917 إلى 1956: إفتكت البروليتاريا السلطة فى [ ما صار لاحقا يسمى ب] الإتحاد السوفياتي فى 1917 و شرعت فى بناء مجتمع إشتراكي جديد . قبل الثورة ، واجهت النساء إضطهادا واسعا و فظيعا . و كانت النساء عادة تباع و تشترى كعرائس و خادمات تعامل كحيوانات حمل أثقال فى المزارع و فى أعمال معامل مجهدة و مهينة . مع إنتصار الثورة ، جاءت فى الحال تغييرات فى حياة النساء فأزالت القوانين الجديدة سلطة الرجال على النساء و الأطفال و ضمنت حق الطلاق و أمرت بالأجر المتساوي بين النساء و الرجال . و بات الزواج زواجا مدنيا و لم يعد الإحتفال يتطلب موافقة الكنيسة . و صارت العناية بالأم فى المستشفيات مجانية و فى الحال نزعت صيغة إعتبار الإجهاض جريمة و بعد ذلك فى 1920 جرى تقنين الإجهاض . و لم تعد العاهرات تتعرض للعقوبة و ألغي فى النهاية البغاء . و تم القضاء على زواج الأطفال و كذلك على بيع النساء . كما وفرت أماكن العمل عطل الأمومة و الإجهاض . قال لينين قائد الثورة الروسية : " بيّنت تجربة كافة حركات التحرر أن الثورة مرهونة بمدى مشاركة النساء." فى الإتحاد السوفياتي الإشتراكي الجديد ، جرت نقاشات و صراعات واسعة بشأن تحرير المرأة . وجد نقاش حي فى الجرائد و المجلات النسائية و المعاهد و مراكز العمل حول الجنس و الزواج و العائلة و دور المرأة فى الثورة . ووقع نقد العادات الإضطهادية البطريكية و تحدّيها . و إتُّخذت إجراءات لتحرير النساء من مهام رعاية الأطفال و الطبخ و التنظيف . و وقع تركيز مطاعم و حضانات جماعية على مقربة من المصانع الكبرى و فيها . حوالي 1920-1921 كان 12 مليون شخص فى المدن و أكثر من 80 بالمائة من سكان بتروغراد و 93 بالمائة من سكان موسكو يتناولون أكلهم معا فى المطاعم المشتركة . و كان الأطفال يغذون مجانا. فى سوفياتات آسيا الوسطى حيث كان يعيش عديد المسلمين شجعت المنظمات النسائية الثورية النساء على نبذ الخمار و النهوض بأدوار إقتصادية و إجتماعية جديدة . و فى 1927 ، أثناء إحتفالات اليوم العالمي للمرأة فى بوخارا ، مزّقت 100 ألف إمرأة الخمار و حرقته ...و فى ردّ فعل معاد للثورة هوجمت آلاف النساء و قتلت العديد منهن على أيدى أزواجهن و آبائهن. و نتيجة للمشركة ، توفّرت فرص جديدة للنساء للإشتغال بأعمال لم يسبق أبدا أن سُمح لهن من قبل بالإشتغال بها . و نهضت النساء بمسؤوليات سياسية و إدارية فى تسيير المزارع الإشتراكية . و فى المنزل جرى تحدّى السلطة البطريركية للآباء و الأزواج. و مثلت الحملة ضد الأمّية فى الريف جزءا هاما من تحرير النساء . و فى بداية الثلاثينات ، كان أقل من 40 بالمائة من نساء الريف قادرات على القراءة . و مع نهاية العقد ، أضحت 70 بالمائة منهن قادرات على القراءة . الصين من 1949 إلى 1976 : قاد ماو تسى تونغ الشعب الصيني إلى الإنتصار الثوري فى 1949 و قال :" لقد نهض الشعب الصيني!" و رفعت النساء رؤوسهن . فى 1950، وضع قانون زواج جديد نهاية للزواج المدبّر و لزواج الأطفال و أعطي النساء حق الطلاق . و ناضلت منظمات النساء ضد الرجال و أفراد عائلة آخرين كانوا ينتظرون من المرأة أن تضطلع بكافة أعباء المنزل و رعاية الأطفال و ما عاد ضرب الرجل زوجته يُعدّ "مسألة خاصة " فشكلت النساء تنظيمات لتواجه المعتدين على النساء بالضرب و تتخذ إجراءات حازمة ضدّهم . و جرى صراع مع الرجال لتقاسم أعباء المنزل . و فى نفس الوقت ، كانت مشركة أمور مثل الطبخ و رعاية الأطفال جزءا هاما من تحرير النساء و بناء مجتمع جديد حيث يعمل الناس و يعيشون فى تعاونيات و بطريقة مشتركة . و فى بداية الخمسينات ، تم تركيز شبكة تسهيلات رعاية أطفال فى الجوار فى المدن و فى القرى الريفية و تمّت إدارتها من قبل منظمات و مصانع و معاهد و تعاونيات فلاحية مجاورة فى الريف . و مثّلت القفزة الكبرى إلى الأمام فى 1958-1959 التى أطلقها ماو حركة جماهيرية عظمى . فقد كانت خطوة كبرى إلى الأمام فى تطوير الإقتصاد لا سيما فى الريف حيث وقعت تعبئة الفلاحين ليطوّروا الفلاحة و الصناعات الصغرى و المحلية و تحدّت التقاليد و الأفكار الإقطاعية و الإضطهادية . و تطوّرت أشكال فلاحة جماعية فى الريف و تركّزت الكمونات أين كان يعيش آلاف الفلاحين و يعملون بصورة مشتركة . و ساعدت العناية المشتركة بالأطفال فى تحرير ملايين النساء لتشارك فى بناء الإشتراكية . و مع سنة 1952 تضاعف عدد مراكز رعاية الأطفال فى المصانع و المناجم و المنظمات الحكومية و المعاهد ب22 مرّة نسبة إلى ما كان عليه فى 1949 . و إستمر هذا التيار خلال الخمسينات و خاصة خلال القفزة الكبرى إلى الأمام. و مع حلول 1959 ، جرى تقدير أن فى المناطق الريفية هنالك تقريبا 5 ملايين مركز رعاية أطفال و حضانات و أكثر من 3.5 مليون مطعم عمومي . و أرست بعض المدن مشروع " مطاعم على العجلات " لتقديم خدمات للذين كانوا مرضى أو كان عليهم البقاء بالمنزل لرعاية الأطفال المرضى . و إنسجمت جداول عمل مراكز رعاية الأطفال مع جداول عمل المصانع و رُكّزت أقرب ما أمكن إلى مكان عمل النساء. فى 1966 ، أطلق ماو الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التى كانت تهدف إلى الإطاحة بالقادة الموجودين بالضبط داخل الحزب الشيوعي و الذين كانوا يعملون على إعادة تركيز الرأسمالية . فجرى إستنهاض ملايين الناس عبر المجتمع ليناقشوا و يناضلوا بصدد مسألة إستمرار الصين فى بناء الإشتراكية أو إعادة تركيز كابوس الرأسمالية . فوجهت الثورة الثقافية ضربة فى الصميم لكافة التقاليد و الممارسات المتخلفة للمجتمع الطبقي. و كان النضال ضد إضطهاد النساء جزءا هاما من هذه " الثورة داخل الثورة ". و أطلق العنان للحملات الجماهيرية لنقد التفكير الكنفيشيوسي و الرأسمالي الذى يسند الإنقسامات الإجتماعية الإضطهادية و غير العادلة مثل التقسيم بين العمل الفكري و العمل اليدوي و بين المدينة و الريف و بين الرجال و النساء . و أنجزت مسرحيات و باليهات و أوبيرا جديدة تصوّر النساء كشخصيات محورية قوية و تم نشرها فى صفوف الشعب و عرضت عبر البلاد بما فى ذلك فى المناطق الريفية البعيدة . و ساهمت النساء الشابات بالملايين فى الحرس الأحمر الذى إنتشر عبر البلاد متحديا البيروقراطيين المتحصنين و قادة الحزب السائرين فى الطريق الرأسمالي . فى الصين الماوية "النساء نصف السماء " فى بناء المجتمع الإشتراكي الجديد . إن هذه الإختراقات التاريخية فى تحرير المرأة فى ظل الإشتراكية – فى الإتحاد السوفياتي من 1917 إلى 1956 و فى الصين من 1949 إلى 1976- عظيمة و ذهبت أشواطا أبعد من أي إختراق آخر سبق تحقيقه أو من الممكن تحقيقه فى ظل الرأسمالية . و اليوم كلا البلدان ما عادا إشتراكيين إذ هزمت الثورة المضادة سلطة الدولة البروليتارية و أعيد تركيز الرأسمالية . و إلى جانب المظاهر الأخرى للمجتمع الإستغلالي الرأسمالي ، عاد إضطهاد المراة بقوّته التامة . /.
=========================================================================================
الفصل الثالث ========================================================================================= "الإشتراكية أفضل من الرأسمالية و الشيوعية ستكون أفضل حتى !" ---------------------------------------------------------------------------------------------------------
مقدمة 1- الإشتراكية و الشيوعية . 2- الثورة التى هزت العالم بأسره هزا . 3- تجربة أولى فى بناء الإشتراكية . 4- الثورة الصينية تنجز إختراقا آخر . 5- القطع مع النموذج السوفياتي . 6- الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى صراع بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي . 7- هزيمة الصين الإشتراكية و الدروس المستخلصة للمستقبل . 8- البناء على أساس الموجة الأولى من الثورات الإشتراكية . يتضاعف عدد المنشغلين بالوضع العالمي و بمستقبل الإنسانية. هل من الطبيعي أن تحدث الأشياء كما تحدث ؟ من البديهي أن الإجابة هي لا. و بالفعل هنالك بديل للعالم الذى نعيش فيه و هذا البديل هو المشروع الشيوعي. إن البرجوازية لا توفّر أبدا فرصة إلا و كرّرت على مسامعنا أن الإشتراكية قد فشلت و أن الرأسمالية تظلّ الأفضل فى العالم . و نشأ جيل جديد تماما لم يسمع تقريبا شيئا آخر عن الإشتراكية سوى أنها كابوس مريع . و أثرت إعادة قراءة التاريخ هذه من وجهة نظر رأسمالية كذلك على عدد هام من المثقفين بما فيهم حتى الأكثر تقدمية. [ و نضيف أن التأثير بلغ مناضلين و مناضلات شيوعيين فعمّ لدى الكثيرين التشّوش الإيديولوجي و السياسي و أخذوا فى التنازل تلو التنازل منحرفين عن الهدف الشيوعي ]. و بغاية المساهمة فى خوض صراع ضد الهجوم البرجوازي و الرجعي عموما المناهض للشيوعية نقترح عليكم هذا المقال المتضمّن لإجابات و ردود على الكذب الذى نشر حول الشيوعية و الثورة البلشفية و الصينية و ماو و الثورة الثقافية إلخ . مقدمة : مما لا شك فيه أن فى صفوفكم الكثيرين الذين يودّون بديلا عن النظام السائد فى العالم حاليا . إنكم تتمنّون القيام بشيئ ما له دلالته بالنسبة للإنسانية . و تعتقدون أنه من الممكن تجاوز مرحلة الإستغلال و التقسيم الإجتماعي للعمل و أنه بإمكان الإنسانية أن تتجه صوب مجتمع خال من الطبقات و عالم فيه يجتمع البشر بحرية ، بإختصار عالم شيوعي . هذا بالضبط ما ترنو الثورة البروليتارية إلى تحقيقه و قد أنجزت الخطوات الأولى فى هذا الإتجاه فى القرن الماضي مع الثورتين الروسية و الصينية . و قد منيت هاتين الثورتين بالهزيمة لكنها غنيّة بالدروس و الإلهام .حينما ننظر إليها عن كثب ، يصبح واضحا أن الشيوعية فعّالة أكثر من أي وقت مضى! ما سنتحدث عنه سيثير جدالا. نعيش مرحلة حيث يعلن خلود الرأسمالية إذ يقولون لنا أن الحكم الذى صدر فى نهاية القرن العشرين وهو نهائي و لا رجعة فيه هو فشلت التجربة الإشتراكية وهو مآلها المحتوم . يطلقون علينا قنابل مفادها أنه ليس ثمة بديل و أن الرأسمالية أمر طبيعي و أنه يمكن أن نقبل بأن الرأسمالية تؤدى إلى بعض المشاكل لكنهم يسرعون إلى الإضافة بان محاولات التخلص منها مهما كانت ستزيد الأوضاع سوءا كما لو أننا وضعنا عنوانا تحذيريا على أية وجهة نظر تتطلّع إلى التأثير على مستقبل الإنسانية . خطر! كل فكرة تضع الرأسمالية موضع السؤال هي فى أفضل الأحوال حكم ضبابي و فى أتعسها يوتوبيا غير قابلة للتطبيق لن تستطيع فرضها إلا بطريقة سلطوية و لن تنتهى إلا إلى كابوس . إنتبهوا ! مشروع القيام بالثورة و تشييد إقتصاد و مجتمع يشجعان على الرفاه الجماعي و يخدمانه ضد الطبيعة الإنسانية و ضد المنطق الإقتصادي و حتى ضد مسيرة التاريخ. و تذكير : بلغنا نهاية التاريخ ! إذ يمثل المجتمع الغربي قمّة ثورة الإنسانية و نهايتها. بألف طريقة و طريقة – بعض هذا كذب صريح و بعضه أكثر حبكة- الرسالة التى يردّدونها هي أن القرن العشرين هو قرن مصيبة و فضائع الثورة الإشتراكية و إنتصار الرأسمالية و الديمقراطية البرجوازية . و هذه الرسالة نقرأها و نشاهدها و نسمعها فى كافة وسائل الإعلام . و نعثر على الرسالة ذاتها فى بحوث واسعة الإنتشار . و يدرسونها فى المدارس و المعاهد و الجامعات و نجدها كذلك فى خطاب المثقفين . إلا أنه ثمة مشكل صغير مع كل هذا هو أن " الحكمة الشعبية المتعلقة بالشيوعية ليست أقل من كونها خاطئة . فهي قائمة على قلب تام للحقيقة التاريخية للثورة الإشتراكية . يطلقون علينا بلا إنقطاع الأكاذيب و التشويهات إلى درجة تمريرها على أنها الحقيقة فى حدّ ذاتها . و علينا أن نعترف بأننا عادة ما نتعجب من كمية ما يجعلوننا نبتلعه بما فى ذلك و للأسف ما يبتلعه بعض الناس الذين يدعون الشرف و الإستقامة و الإنضباط الفكريين . تأويلات مغرضة و إحصائيات تقريبية و طرق تقييم لا يأخذها أحد مأخذ الجد إذا ما طبّقها على نشاطه هو و ثقة عمياء فى مؤلفات ذاتية جدا كتبها أشخاص يعملون وفق أجندا سياسية محدّدة ، كل هذا يتحوّل فجأة إلى شيئ مقبول تماما كلّما تعلّق الأمر بالشيوعية . و مثال ذلك السيرة الجديدة المعنونة "ماو: الحكاية غير المعروفة " التى وضعها جونغ تشانغ و إيوان هوليداي ، و التى تحضى الآن بعناية غير قليلة . إنها هجوم مسعور مناهض للشيوعية هستيري حقا! فبإمكاننا أن نقرأ فيها الجمل التالية : " لا وجود لمدرسة واحدة فى الصين حيث لم ترتكب فظاعات ". ما هو مصدر هذا الإدعاء؟ لا يذكر المؤلفان أي مصدر ، فقط يكتفيان بتأكيد ذلك . لن تثقوا بلا شك فى مثل هذه الجمل إن تعلقت بأية موضوع آخر لكن بما أنها تخص الثورة الثقافية فإن الذهنية النقدية تبدو فى عطلة ... كم مرّة سمعتم قول إن ماو كان "ضد التعليم" ؟ مع أن الحقيقة هي أن الصين الماوية شهدت مرور نسبة التمدرس من حوالي 15 بالمائة فى 1949 إلى ما يناهز ال80 بالمائة فى 1976 . و مثل هذه الوقائع يتم تجاهلها ببساطة و إخفاؤها تحت ركام التشويهات . و مع ذلك عليكم أن تعلموا أن أمل الحياة فى الصين حين إنتصرت الثورة الصينية فى 1949 كان 32 سنة و أنه فى 1975 تضاعف تماما إذ صار 65 سنة ! علينا أن نقول الأشياء بصراحة و أن نعلي الحقيقة. نهدف من العرض التالي دحض كافة التشويهات المتعلقة ب"الموجة الأولي" من الثورات الإشتراكية . و نشير هنا بوجه خاص إلى تجربة الجماهير الشعبية فى الإتحاد السوفياتي حينما كان بلدا إشتراكيا حقيقيا أي من 1917 إلى 1956 و كذلك إلى الصين سنوات 1949 إلى 1976 . و كانت هذه المحاولات الأولى و الأكثر إلهاما فى التاريخ المعاصر محاولات تشييد مجتمعات حرّة من كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد . سنتطرق لأسباب هذه الثورات و إلى ما شرعت الجماهير فى إنجازه و التغييرات المذهلة التى تمخضت عن ذلك و سنتحدث كذلك عن الصعوبات التى واجهتها . و سنخوض أيضا فى ما نسميه " قوس التعلم " من الثورة الشيوعية أي كيف تعلم ماو من تجربة الثورة البلشفية و لخّص أخطاءها و نواقصها و فتح آفاقا جديدة للمضي أبعد و إنجاز ما هو أفضل بمواصلة الثورة . و الآن نشهد بداية مرحلة جديدة من الثورة البرولياتارية ... بالنسبة للشيوعيين لا تشكل الحقيقة مشكلا. فنحن نستطيع مواجهة الواقع ومن واجبنا أن نواجهه و أن نفهمه. و بالفعل ، بهذه الطريقة و هذه الطريقة وحدها بإمكان نظرة فى آن معا أشمل و أدقّ أن تبرز بالإستناد إلى ما يمكن و من الضروري واقعيا إنجازه فى هذه المرحلة من تاريخ الإنسانية . بالتأكيد ، وجدت مشاكل فى هذه "الموجة الأولى " من الثورات الإشتراكية . و لا يجب أن نخشى مواجهتها لكن علينا أن نبحث على أن نخرج بمفهوم يكون وفيا للحقيقة. و هذه الحقائق التي تدفعنا أحيانا إلى أن نحار يمكن كذلك أن تصبح دافعا قويا للقيام بما هو أفضل. و بالعكس ، من مصلحة الذين يمسكون العالم بين أيديهم الآن أن يلجؤوا إلى الكذب ... سواء تعلق الأمر بالشيوعية أم بأسلحة الدمار الشامل ! لماذا إذا من الأهمية بمكان أن نكشف حقيقة الثورات الروسية و الصينية ؟ ببساطة لأن مستقبل الإنسانية فى موقع القلب من هذا الجدال : - نحن نعيش فى عالم فيه يموت كل يوم 35 ألف طفل بسبب نقص الغذاء أو الأمراض الممكن معالجتها . - نعيش ضمن نظام عالمي فيه الثلاث الأمريكان الأغنى يسيطرون على رساميل تفوق الناتج الداخلي الخام ل40 بلدا الأكثر فقرا معا - نعيش على كوكب فيه النظام البيئي مهدّد جراء السير الأعمى لنظام إقتصادي يعتبر الربح فى آن معا مقياس التطوّر و محرّكه. - نعيش فى [عالم ] أحد مجتمعاته فيه رجل أسود فى سن العشرين من ثمانية رجال سود مودع فى السجن [ فى الولايات المتحدة الأمريكية ]. و يثار السؤال التالي : هل نحن مجبرون على الحياة هكذا ؟ هل من الممكن حقا تغيير الأشياء راديكاليا؟ بصورة ملحّة ينبغى الشروع فى نقاش حيوي واسع بصدد هذه المسائل و بصدد الرهانات المطروحة. --------------------------------------------------------- (1) الإشتراكية و الشيوعية : ---------------------------------- تصوّروا مجتمعا فيه يتعلم الناس تغيير العالم على نحو واع ... فيه لن نكون مكبلين بالعادات و الجهل ...فيه يتعاون الناس لإنتاج ضرورات الحياة و يتشاركون بسعادة فى كافة المجالات الأخرى الفنية و الثقافية و العلمية ...مجتمعا فيه يغذى العلم و الخيال بعضهما البعض ... فيه يوجد سويّة تضامن و تنوّع و نقاشات عميقة و صراع إيديولوجي مستمر لتحديد الإتجاه الذى ينبغى السير فيه ...مجتمعا تكون فيه علاقات الناس متميزة بالإحترام المتبادل و التعاون الحقيقي من أجل مستقبل الإنسانية ...و عالما يأخذ بعين النظر البيئة و يعتنى بها : هذا ما سيكونه المجتمع الشيوعي ! الشيوعية مجتمع علمي فيه يكون قد تم تجاوز الطبقات و الإختلافات الطبقية و فيه يكون قد تم القضاء على علاقات الإستغلال و المؤسسات الإضطهادية و العلاقات الإجتماعية غير العادلة ،على غرار الميز العنصري و الهيمنة الذكورية و فيه يكون قد تم مسح الأفكار و القيم المتخلفة من على وجه الكوكب. و الشيوعية تفترض كذلك مجتمع وفرة و تملك جماعي لجميع الموارد. و حين نتحدث عن الشيوعية نشير عادة إلى الإيديولوجيا الشيوعية. و عندما يسمع الناس كلمة " إيديولوجيا " يفكرون عامة فى جملة من الأفكار المرتبطة بأجندا سياسية محدّدة عليها تنبنى النظرة إلى العالم . ب" إيديولوجيا شيوعية " نحيل فى الواقع إلى مفهوم للعالم و إلى منهج علمي بروليتاريين بفضلهما بإمكاننا فهم القوى المحّركة للمجتمع و للطبيعة . تبين لنا الإيديولوجيا الشيوعية الدرب الذى ينبغى أن نسلكه حتى تتمكّن الإنسانية من تحقيق تقدّم جديد فى قدرتها على فهم هذه القوى الإجتماعية و الطبيعية و تغييرها . إنها تحدد نوعا من الأخلاق تتناسب مع القفزة الكبرى التى شرعت بعدُ فى إحداثها الإنسانية. و الشيوعية ليست مجرد حلم ضبابي أو يوتوبيا و الإنسانية على عتبة تحوّل تاريخي. فى الواقع ، تطوّرت قوى الإنتاج التى تتضمن ليس الآلات و التجهيزات و التكنولوجيا فحسب و إنما أيضا البشر و معارفهم إلى مستوى يسمح للإنسانية بتجاوز المجاعات و تلبية الحاجيات الأساسية للجميع و إنتاج فائض وفير يمكن أن يخصّص للتطوّر الإجتماعي المستقبلي. قوى الإنتاج إجتماعية إلى درجة كبيرة فإنتاج كل ما يستعمله المجتمع الإنساني يقتضى عمل الآلاف بل ملايين الناس معا . بالإضافة إلى ذلك ، هذه القوى الإنتاجية الإجتماعية مندمجة على مستوى عالمي فالمواد الأولية و الآلات و الأدوات ولإنتاج الراديو فى منطقة من العالم تدخل فى سيرورة الإنتاج منطقة أخرى. ومع ذلك رغم هذه الصبغة الجماعية المتقدمة تظل قوى الإنتاج تحت سيطرة طبقة الرأسماليين الذين يستولون على ثمرة عملية الإنتاج . هذا هو المشكل الأساسي للعالم الذى نعيش فيه اليوم و هذا هو التناقض الذى تسعى الثورة البروليتارية إلى معالجته. و البروليتاريا طبقة ظهرت ضمن المجتمع الرأسمالي على أساس الطابع الجماعي لقوى الإنتاج . وهي تمثل الجهود و العمل التعاونيين المتناسبين مع هذه الظاهرة و تمثل القاعدة المادية التى ستسمح بتنظيم الإنتاج بطريقة مغايرة راديكاليا و كذلك بتنظيم المجتمع بأسره. و الآن ، ماذا نقصد بالإشتراكية ؟ على عكس ما يعتقد البعض ليست الإشتراكية دولة عناية إلاهية عظمى و لا تعنى أيضا دولنة الإقتصاد الرأسمالي. فالإشتراكية مرحلة المرور من الرأسمالية إلى الشيوعية أي إلى مجتمع خال من الطبقات. الإشتراكية هي مرحلة التحويل الذى تنجزه البروليتاريا و حلفاؤها – الذين يمثلون الغالبية الساحقة فى المجتمع – للهياكل الإقتصادية و العلاقات الإجتماعية و الأفكار التى تهدف إلى تأبيد الإنقسامات الإجتماعية و الإنقسامات الطبقية . و تسمح الإشتراكية بتحرير القدرة الخلاقة و المبادرة لدى الذين تبقى عليهم الرأسمالية في قاع المجتمع. و ستؤسس الثورة الإشتراكية نظاما سياسيا جديدا تماما هو دكتاتورية البروليتاريا . و هذا النظام سيضع الطبقات الإستغلالية القديمة و الأشخاص الذين يعملون بنشاط على قلب النظام الجديد تحت مراقبة شديدة . أما بالنسبة للجماهير فستوفّر دكتاتورية البروليتاريا الحق و القدرة على تغيير العالم و المساهمة فى جميع المجالات الإجتماعية و على التحول إلى سادة المجتمع.. و ستركز الثورة الإشتراكية إقتصادا جديدا مخطّطا ، قائما على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج و سيتعاون الناس لضمان تلبية حاجيات الجميع. وفضلا عن ذلك سيجرى تحديد أولويات إقتصادية و إجتماعية جديدة . و ستمارس البروليتاريا دكتاتوريتها على الرأسماليين و ستحلّ محلهم نظاما يشجع على القضاء على الرأسمالية. و على الجماهير و نواتها القيادية أن تدافع بضراوة عن سلطتها الجديدة و لكن هذا لن يكون غاية في حدّ ذاته إذ يتعين أن تستعمل السلطة الجديدة لفائدة الإنسانية جمعاء و من أجل إيجاد ظروف توفّر إمكانية ظهور المجتمع الشيوعي. هذه هي المبادئ التى قادت لينين فى المعركة التى أفضت إلى أول ثورة بروليتارية فى1917. --------------------------------------------------- ( 2 ) الثورة التى هزّت العالم بأسره هزّا : ------------------------------------------------ فى فيفري ،إجتاحت موجة الإضرابات و المظاهرات العمالية الجماهيرية ما يسمى اليوم بيتسبورغ ، فأطاحت بالقيصر. وسرعان ما أظهرت حكومة التحالف الليبرالي التى خلفته عدم قدرة على تلبية الحاجيات الأساسية و الطموحات الجماهيرية و حافظت على مشاركة روسيا فى الحرب العالمية الأولى فكانت التبعات كارثية . و بعد بضعة أشهر ، فى أكتوبر ، خطّط البلاشفة و قادوا إنتفاضة مسلّحة كنست نهائيا النظام القديم . لقد وصف الصحفي الأمريكي جون ريد بجوارحه كل البطولة و الحماس اللّذان ميّزا ثورة أكتوبر : تنظيم عمال السكك الحديدية و الإجتماعات المنعقدة فى ظلّ الضغط الكبير فى المصانع و عديد التصريحات و الإعدادات للإنتفاضة و البحارة و فيالق العمال المسلحين فى كرونشتاد الذين كانوا رأس حربة الهجوم الأخير على مراكز قيادة الحكومة ... و تشكّلت حكومة ثورية جديدة أصدرت على الفور مرسومين مدهشين حقا حيث وضع المرسوم الأول حدّا لمشاركة روسيا فى الحرب العالمية الأولى بينما سمح الثاني للفلاحين و الفلاحات بإفتكاك الأراضى الشاسعة التى كانت فى حوزة القيصر و النبلاء و الكنيسة. فمثلت هذه الإجراءات تغييرا إجتماعيا و سياسيا عظيما بالنسبة للجماهير . و قد عَنيا أن ساعة الجماهير قد أزفت . و عقب أيام عدّة حينما شنّت بقايا الحكومة المطاح بها هجوما فى محاولة أخيرة لإستعادة السلطة ، هبّت الآلاف المؤلفة من العمال و العاملات من المصانع و الأحياء البروليتارية للذود عن الثورة. إفتراء من عديد الإفتراءات التى نسمعها فى غالب الأحيان بصدد ثورة أكتوبر – إلى حد تحوّله لازمة فى الأدب المناهض للشيوعية – هو أنها كانت أساسا نتيجة إنقلاب و مؤامرة من البلاشفة. و هذا عموما ما يلوكه التاريخ الرسمي : فراغ سياسي أوجده تداعي النظام القديم ، يستغلّه لينين فيستحوذ على السلطة بصورة غير قانونية و مع ذلك بفضل المغالطة و السياسات السلطوية نجح فى الحفاظ على موقعه فى الحكم. جوهريا ، ثمة على الأقل عيبان إثنان فى هذه القراءة للتاريخ. هنالك أولا أمر أنها تغطّى و تغضّ الطرف عن الظروف الخانقة للغاية ،هذه الظروف التى دفعت ملايين الناس إلى الإنتفاضة. علم من أعلام البرجوازية ، ريتشارد بيبس ، كتب التالي فى إحدى أعماله الرئيسية : " إن الذين عاشوا الثورة الروسية لم يعرفوا أبدا العودة إلى الحياة العادية. فقد كانت الثورة بداية عذابهم لا غير ." كما لو أن الأشياء كانت على ما يرام قبلا و أن الجماهير لم تكن تشعر بأي "عذاب " فى تلك الفترة ! بالمناسبة لنلق شيئا من الضوء على الوضع قبل الثورة. ففي الريف حيث كانت غالبية الناس تعيش ، كانت العربات الخشبية منتشرة الإستعمال و كان الدين و الخرافات يلعبان دورا جوهريا في الحياة اليومية. و كانت عملية الزراعة محدّدة بأيام مقدّسة . و كان العنف الأسري مرضا ضارب الجذور. و فى المدن ، كانت الأمراض الوبائية تحصد حياة الناس حصدا و الحياة الإجتماعية منقادة للأرستقراطية و خاضعة لها بصورة مطلقة إعتمادا على شبكة واسعة من البوليس و السجون و المراقبة. وكانت لغات و ثقافة الأقليات القومية ممنوعة. هذه هي إذا "الحياة العادية" السائدة قبل الثورة ! هذه هي حياة البؤس التى صارت لا تحتمل حتى أكثر حين قررت روسيا الدخول فى الحرب إذ تم تجنيد الفلاحين بالقوّة فى الجيش القيصري و تحوّل العمال إلى كبش فداء . سيناريو الإنقلاب الذى حاكه لينين يحجب كذلك أن الثورة صنعتها بعمق حركة العمال و الفلاحين و تطلعاتهما الجماعية . لقد تطوّرت فى إطار من الإحتقان الإجتماعي الشديد و المقاومة الجماهيرية و الغليان الفكري الكبير. إذا ماذا عن لينين و الحزب الطليعي الذى كان يقوده ؟ لقد كان هذا الحزب مستعدّا للتحرّك و النهوض بدور قيادي أكثر من أية قوة أخرى فى المجتمع الروسي . فقد كانت للحزب البلشفي جذورا عميقة فى القاعدة و فى لجان المصانع و فى صفوف قوات الجيش و فى السوفياتات (الجمعيات أو " المجالس " غير القانونية ، المعارضة للحكومة و التى كانت تجمع فى صفوفها العاملات و العمال المناضلين من أجل السلطة فى المدن الكبرى ). و كان للبرنامج و للآفاق التى يدافع عنها البلاشفة صدى فى المجتمع بأسره . وفقدت المُثل العليا للنظام القديم و مؤسساته مصداقيتها إلى حد كبير . أما السلطة البروليتارية الجديدة فسمحت بظهورمُثل إجتماعية جديدة و علاقات جديدة إقتصادية و إجتماعية ثورية . لقد عَنوَن جون ريد عرضه الذائع الصيت لثورة أكتوبر ب : "عشرة أيام هزّت العالم" وهو فى هذا لا يبالغ . فعبر أوروبا التى دمّرتها الحرب ، كان الجنود و البحارة و العمال المتعبين فى البلدان المتحاربة تلقوا خبر أن بلدا إنتصرت فيه الإشتراكية ينادى بإيقاف المجازر و تحقيق السلم – سلم دون إلحاق فوق ذلك . و تمّت الإستجابة للنداء بشكل واسع . فى كيال و همبورغ ، إنتفض متمردو البحرية الألمانية عندما أمروا بمواصلة الحرب و رفعوا الراية الحمراء و شكلوا " مجالسهم الخاصة " ، على غرار السوفياتات الروسية راجين أن يجروا البلاد قاطبة على هذا الطريق. و فى نفس الوقت تقريبا ، فى الجزء الآخر من العالم ، فى سياتل ، إنتفض العمال لمدة تجاوزت خمسة أيام ، أثناء إضراب 1919. فعمّ الفزع الطبقة الحاكمة المحلية التى إعتقدت أن ذلك يمثّل بداية إنتفاضة و أن سياتل ستتحول إلى بيتسبورغ أخرى! و رغم أن هذا الإضراب كان جدّ بعيد عن مثل تلك النهاية فإنه من الصحيح أن تأثير نموذج الثورة الروسية كان حاضرا إلى حد كبير فى أذهان المضربين. و فى السنة نفسها ، لمّا أرادت حكومة الولايات المتحدة أن تبعث بذخيرة إلى سيبيريا كإعانة للثورة المضادة هناك رفض ببساطة عمال رصيف سياتل شحنها بالباخرة... عندما إندلعت الثورة الروسية ، و إتخذت منعرجا راديكاليا فى أكتوبر ( أي حين أكد الشيوعيون و ليس فقط البرجوازيون الديمقراطيون " المحدثون" قدرتهم على قيادة المجتمع كافة ) إرتجّ العالم بأسره . عادت المعارك القديمة للظهور فجأة تحت ضوء جديد. فقد شعر المضطهٍدون بالفزع بينما رأي المضطهًدون فى ذلك بريقا جديدا من الأمل . و قد قرّر عاملات و عمال حتى تعلم القراءة لا لشيئ إلا للحصول على أخبار ما كان يحدث هناك و قد شرع الآلاف فى الإجتماع فى مجموعات صغيرة ، إثر العمل ، لتفكيك محتوى الجرائد و لا سيما لتعلّم معنى كل تلك المفردات الغريبة التى كانوا يسمعونها لأوّل مرة : سوفياتات ، إشتراكية إلخ دون الحديث عن أسماء كانت غريبة بالنسبة لهم : لينين و ماركس و ستالين . فى ما بعد ، أشار ماو تسي تونغ إلى أن طلقات مدافع ثورة أكتوبر البلشفية جلبت الماركسية إلى الصين. لعلّكم تتساءلون إلى أي درجة مثّلت ثورة أكتوبر زلزالا؟ لنستمع لما صرّح به ونستون تشرشل فى 1949 ، عقب ثلاثين سنة من إفتكاك البلاشفة للسلطة : " لعدم قدرتنا على خنق البلشفية فى المهد و على دفع روسيا المنهكة ،بوسيلة أو أخري، إلى داخل نظامنا الديمقراطي الواسع ، وزن ثقيل اليوم ." و قدّم المؤرخ إيريك هوبسباوم ملاحظة غاية فى الأهمية بهذا المضمار . لقد ذكر بأنه إذا كانت الحرب الأهلية الأمريكية أكبر حرب حدثت بين 1815 و 1914 و أنها تبقى فى الدرجة الأولى من الأهمية فى تاريخ الولايات المتحدة ، فإنه لم تكن لها سوى تداعيات محدودة على خارج البلاد. مقارنة بالثورة البلشفية ، فإن هذه الأخيرة ظلّت ظاهرة عبرت الحقبات التاريخية و تداعياتها طالت أرجاء العالم لما عنته بالنسبة لشعوب روسيا و شعوب العالم و الطبقات المهيمٍنة و الرجعيين فى كل مكان و كذلك لما كان لها من تأثير على الأحداث العالمية . من هنا فصاعدا ، لم يستطع العالم الرأسمالي أن يتطوّر كما كان يتطوّر قبلئذ. سُدُس العالم سُحب الآن من دائرة الإستغلال الإمبريالي . و قلق الإمبرياليون فى الحال من "العدوى الإيديولوجية " التى ستترتب عن الثورة البلشفية . وهو ما مثل عاملا هاما فى تقديم بعض الإمتيازات للعمال و العاملات بغية كسب السلم الإجتماعية فى البلدان الرأسمالية الغربية لقد قام الإمبرياليون بكل ما فى وسعهم لسحق الثورة السوفياتية و سعوا لخنقها فى المهد. و لم يكفوا أبدا فى ما بعد عن مهاجمتها. و فرضوا عليها ضغوطات إقتصادية مستمرة – خاصة أول حصار على البترول فى التاريخ. و قد هدّدوها عسكريا . و قمعوا بعنف القوى الثورية المجاورة فى أوروبا الوسطى و الشرقية . وقد شجّعوا تطوّر قوى المعارضة داخل الإتحاد السوفياتي . كان هذا ردّ فعل الإمبرياليين تجاه الثورة البلشفية . ثورة إجتماعية بقيادة البروليتاريا : من 1917 إلى بدايات الخمسينات ، لم يكف الإتحاد السوفياتي أبدا عن أن يكون فى حالة حرب . ولم تعاني أية دولة أخرى مثل هذا النوع من الإمتحان بطريقة مستمرّة كهذه. مما أثّر على تطوّر الثورة و الخيارات السياسية التى توخّتها القيادة و الصراعات التى دارت فى المجتمع ككلّ و كذلك فى صفوف الحزب . مثاليا ، نودّ أن نشيد مجتمعا جديدا فى ظروف مثالية . غير أن المضطهَدين شأنهم فى ذلك شأن الذين يقودون الثورة لا يختارون الظروف التى تحدث فيها . و قد كانت روسيا بلدا متأخرا بالكاد خرج من العبودية قبل جيل. و كانت الثورة الروسية ظاهرة جماهيرية حصلت على مساندة قوية من الفلاحين و الفلاحات. و مع ذلك كانت قبل كل شيئ من فعل الجماهير المدينية فى بلد رغم ذلك ذي أغلبية ريفية . و سرعان ما واجهت الثورة الروسية ضرورة كسب الفلاحات و الفلاحين و التوسع إلى الريف. و كان عليها أيضا أن تتعامل مع قطاعات أكثر تخلفا. و لم يكن الأمر قطعا مأدبة عشاء . فقد خرّبت الحرب المجتمع الروسي و بالإضافة إلى ذلك أخذت الثورة تنجز تغييرات لم يكن لها نظير قبلئذ. و منذ 1918 ، شجعت قوى سياسية و عسكرية رجعية ثورة مضادة بغاية إعادة تركيز النظام القديم . و شكّل 17 بلدا بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ( التى نشرت فيالقها فى سبيريا ) جيش تدخّل مهمته مساندة الثورة المضادة . و قد ورثوا إقتصاد حرب على حافة الإنهيار ، إستطاع البلاشفة مع ذلك أن يقودوا الجماهير للدفاع عن الثورة و التقدم بها. و قد ظفرت الثورة فى النهاية عقب حرب أهلية صعبة . لكن الإنتصار كلّف الكثير إنسانيا و إقتصاديا . و قد كان على الدولة البروليتارية الجديدة و الثورة الإجتماعية التى شُرع فيها أن يصارعا من أجل البقاء . لم يكف المؤرخون المناهضون للشيوعية عن تشويه الثورة البلشفية و عن قول إن أنصارها كانوا مهووسون بالسلطة. و الكلمة المحورية التى يستعملونها لوصفهم هي الكليانية. يروون أن الهدف الوحيد للشيوعيين كان تركيز سيطرة مطلقة على سكان وديعين قدر الإمكان . ما هي إذا إنجازات النظام البروليتاري الجديد؟ تحرير المرأة : إستعملت دكتاتورية البروليتاريا لإلحاق الهزيمة بإضطهاد المرأة . ففي 1918 ، صدر قانون جديد يؤسس للزواج المدني ذلك أنه فى المجتمع القديم ، كان على الزواج أن يتم برعاية الكنيسة . و تم كذلك تيسير الحصول على الطلاق . ووقع إلغاء السلطة القانونية للرجال على زوجاتهن و أولادهن. ووقع تجريم الخيانة الزوجية. و صارت النساء تتمتّع بالمساواة في الأجور. و أُقرت مجانية العلاج بالنسبة للولادات و العناية بالمرأة. ثم في 1920، صار الإتحاد السوفياتي أول بلد أوروبي يقنّن الإجهاض . و في الجرائد و المدارس ، شُجّعت النقاشات حول الزواج و العائلة و الأدوار التقليدية للرجال و النساء. و صيغت مؤلفات نشر فيها تصوير لنماذج جديدة من العلاقات الإجتماعية . و جرى نقد العادات البطريكية القديمة ووضعت موضع السؤال بشكل نظامي . وفى الجمهوريات الجديدة بآسيا الوسطى، شُجّعت النساء على نزع الخمار الذى كانت مجبرة على إرتدائه لأجيال متتالية. عوض الإستمرار فى وضع دوني تتسبب فيه العائلة و الكنيسة و الدولة، تم حثّ النساء من هنا فصاعدا على النضال من أجل تحررهن. فكّروا فى كل ما يعنيه هذا فى تلك الحقبة حيث لم يكن أي مجتمع بذلك التقدّم فى تغيير العلاقات بين الرجال و النساء.
تخطّى إضطهاد الأقليات القومية : إستُخدمت السلطة البروليتارية الجديدة للقضاء على إضطهاد الأقليات القومية . و بالفعل ، أوجدت الثورة البلشفية أول دولة متعدّدة القوميات فى العالم معتمدة على المساواة بين هذه القوميات. فإعترفت الدولة الإشتراكية الجديدة تماما بحق تقرير المصير للقوميات التى كانت قبل ذلك مضطهَدة ضمن الإمبراطورية القيصرية القديمة. وفى قانون نشر سنة 1917 ، إعتُرف لجميع الأقليات القومية بحق التعلّم باللغة الأم فى المدارس و الكليات . و كان النظام مصمّما أيما تصميم على معالجة هذا المشكل و على إتخاذ إجراءات ملموسة لمواجهته. و هكذا ، تم تسهيل تطوير الألفباء بالنسبة للأقليات التى لم تكن تملك سوى لغة شفاهية. و خصّصت الدولة موارد هامة لإنتاج الكتب و المجلات و الجرائد و الأفلام و الموسيقى الفلكلورية و المتاحف فى المناطق أين كانت الأقليات القومية متجمعة. و فُرضت تسمية قائدات و قادة من السكان الأصليين بدلا من المسؤولين الروس. و هكذا جرى تكوين أناس بشكل نظامي لقيادة الحزب و الحكومة و المدارس و المصانع . قبلا و لمدة طويلة كان الروس الأمة المسيطرة و مذاك فصاعدا قُدّم جزء من الأرض الروسية للجمهوريات غير الروسية و بالإضافة إلى ذلك دُعي الروس إلى توسيع آفاقهم و تعلم لغات أخرى. ووضع النظام حدّا لإضطهاد اليهود. فطبع هذا التوجه المساواتي الإتحاد السوفياتي منذ نشأته إلى درجة التحوّل إلى طبيعة أساسية للمجتمع الجديد و الدولة الحديثة التشكّل . و وقع كذلك إطلاق حملات واسعة للتعليم و للصحة. ففى الفترة الممتدّة بين الحربين ، لم ينجز أي بلد أفضل ممّا أنجز الإتحاد السوفياتي بصدد رفع عدد الأطباء نسبة إلى مجموع السكان. و فى 1939 ، بلغت نسبة التمدرس أكثر من 80 بالمائة مقارنة مع 30 بالمائة قبل الثورة . هل حدث هذا فى بلد آخر فى تلك الحقبة ؟ أبدا لم يحدث فى أي بلد آخر. بالعكس ، نتذكر جيّدا الوضع السائد حينها فى الولايات المتحدة الأمريكية مثلا. حين زار جول روبسون الممثل و المغنى الكبير الأفروأمريكي ،الإتحاد السوفياتي لأوّل مرّة، قال إنه إنبهر بعمق بالجهود المبذولة للنضال ضد العنصرية و التمييز العنصري إذ لم يكن أي أحد يتعرض للإعدام العسفي فى الإتحاد السوفياتي عكس ما كان عليه الحال بالنسبة للسود فى جنوب الولايات المتحدة . فى الواقع الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد السوفياتي كانا يمثّلان عالمين مختلفين كليا. ----------------------------------------------- (3) تجربة أولى فى بناء الإشتراكية : -------------------------------------- على إثر وفاة لينين فى 1924 ، إضطلع ستالين بقيادة الحزب الشيوعي للإتحاد السوفياتي و كان يثار حينها سؤال: هل من الممكن حقا بناء الإشتراكية فى بلد متخلف مثل ذلك و دون أي يقين بأن الثورة ستنتصر فى أماكن أخرى ؟ بالنسبة لستالين ، بإمكان الإتحاد السوفياتي و من واجبه أن يتّبع طريق الإشتراكية و إلا لن يستمر الإتحاد السوفياتي قيد الحياة و لن يستطيع أن يساند الحركة الثورية فى البلدان الأخرى. و إنطلاقا من هذا التوجه العام، شرع ستالين إذا فى الصراعات الحادّة و المعقدة لا سيما بهف مشركة الملكية الصناعية و مشركة الفلاحة. كيف كان الوضع الإقتصادي فى السوفياتي ؟ كان الإنتاج الفلاحي بعدُ غير كاف بصفة واسعة حتى يلبى الحاجيات الأساسية للسكان . أما بالنسبة للإنتاج الصناعي فكان ضعيفا بحيث لا توفّر الآلات الضرورية لتعصير الإقتصاد. قبل الثورة ، كانت روسيا مجتمعا غير متعلّم ،لا يشكل فيه المثقفون إلا جزءا يسيرا من السكان . زيادة على ذلك ، كانت البلاد تواجه تهديدا مستمرا بهجوم إمبريالي . هذه هي التناقضات الإقتصادية و الإجتماعية الواقعية التى كان أمام أناس ليسوا أقل واقعية لكن مصمّمون على تغيير العالم و مواجهته... التخطيط الإقتصادي : فى ظلّ الإشتراكية ، لم تعد وسائل الإنتاج ملكية خاصة لأقلية بل صارت موضوعة تحت قيادة جماعية للمجتمع كما يعبر عن ذلك عن طريق الدولة البروليتارية . و لم تعد مختلف الموارد تستخدم فى توفير الربح للرأسمال بل صارت مستعملة لتلبية حاجيات الجماهير و خدمة الثورة العالمية. و لم يعد الإنتاج يتطوّر بطريقة فوضوية و غير متوقعة و إنما إنطلاقا من أهداف محدّدة بوعي و بطريقة متناسقة . فى الإتحاد السوفياتي،أرسى المخطط الخماسي فى 1928 .حينها تقرّر التأكيد على إنتاج الحديد و الفولاذ. فوقع إنشاء مركبات صناعية جديدة من الصفر . و أعطيت الأولوية الكبرى لبناء مصانع الجرارات التى كانت تتكشّف ضرورية للغاية. وإضافة إلى ذلك فى حالة حرب ستستطيع هذه المصانع أن تتحوّل بسرعة إلى إنتاج المدرّعات الهجومية. و بسرعة تم الترفيع فى إنتاج الآلات – الأدوات حتى لا يكون الإقتصاد مرتبطا بحجم توريد كبير. كان شعار المخطط الخماسي الأول : " لنشيّد عالما جديدا ". و جرت تعبئة ملايين العمال و العاملين و الفلاحات و الفلاحين بهذه الذهنية. فى المصانع و القرى،وقع حث الناس على النقاش و على الإدراك الجيد للتغييرات التى سيؤدى إليها تطبيقها، عمليا بالنسبة لهم و بالنسبة للشعوب الأخرى. و عبّرت القواعد عن توقعاتها و ناقشت ما يتعيّن القيام به لتحقيقها. و صيغت مخططات محلية ووضعت بين أيدى وكالات التخطيط المركزية ليجري تنسيقها مع المخطط الوطني قبل أن تعاد إلى القواعد . و فى المصانع، نظمت الندوات كيما يقدر العمال و العاملات أن يناقشوا إعادة تنظيم سيرورة الإنتاج. و تطوّع البعض ليساعدوا على بناء سكك حديدية فى الأماكن الأكثر تخلفا. وإختار آخرون عن طواعية إطالة ساعات عملهم لأجل المساعدة على المصلحة العامة. و لم يسبق أبدا أن شاهدنا مثل هذه التعبئة الشعبية قصد تحقيق الأهداف الإقتصادية و الإجتماعية المخطّط لها جماعيا و عن وعي . هذه الحيوية و هذه الحماسة مختلفان للغاية عمّا كان يحدث فى أي مكان آخر. فى بداية الثلاثينات ، كان الإقتصاد الرأسمالي العالمي يتخبط فى أزمة كبيرة إذ كانت نسب البطالة تبلغ أكثر من 20 بالمائة و أحيانا حتى 50 بالمائة. و فى الوقت نفسه ، قضى الإتحاد السوفياتي على البطالة الواسعة. و فى الواقع، وجد حتى نقص فى اليد العاملة ...و كان الإنتاج الصناعي يتصاعد بمعدل 20 بالمائة سنويا إلى درجة أن مساهمة الإتحاد السوفياتي فى الإنتاجية الشاملة للصناعة إرتفعت من 2 بالمائة فى 1921 إلى أكثر من 10 بالمائة فى 1939. مشركة الفلاحة : فى 1929 ، أطلق الحزب الشيوعي حملة واسعة لتشجيع مشركة الفلاحة. و يسجّل التاريخ الرسمي المناهض للشيوعية من هذه المرحلة أنها حالة بديهية من " الشمولية الستالينية ". يقولون لنا إن ستالين كان يودّ أن يوطّد سلطته المطلقة و لذلك كان عليه أن يسحق الفلاحين و يجوّعهم. بيد أن هذا تشويه مغرض ! الحقيقة هي أن المشركة كانت تجيب على التناقضات الإجتماعية و الإقتصادية القائمة فى الأرياف و عن الحاجيات الملحة للثورة . و فعلا ، القصة الحقيقية وراء كل هذا هي أن المشركة كانت الشرارة التى ولّدت نهوضا لجماهير الفلاحات و الفلاحين التى كان تقليديا يكبّلها الفقر و العلاقات الإجتماعية العبودية . حين ظهرت هذه الفكرة ، كان الإتحاد السوفياتي يعرف مشكلا جديا فى التزويد نظرا من جهة إلى تطوّر الصناعة و إلى الإرتفاع السريع لسكان المدن. فضلا عن ذلك ، تطوّرت المشاكل الإقتصادية و الإجتماعية الهامة فى الأرياف. فبعد الثورة وقعت إعادة تقسيم الأرض على الفلاحين و الفلاحات لكن الفلاحين الأغنياء الذين كانوا يسمّون أيضا الكولاك قد وجدوا أنفسهم أقوياء ضمن إقتصاد مطبوع بالإنتاج الفلاحي الخاص الصغير. و كانت القطع المملوكة للكولاك أكبر. كانوا يملكون بصورة خاصة مطاحن القمح و يسيطرون على الجزء الأكبر من سوق الحبوب. و كان العديد منهم ينشطون كمرابين. كل هذا كان يساهم فى جعل الإستقطاب الطبقي فى الأرياف يحتدّ. ثمة إذا خطر حقيقي أن توجد الفلاحة فى ظروف ما قبل الحرب العالمية الأولى. و ينبغى أن نقول إن الكولاك لم يكونوا مجرّد أبرياء. فالعديد منهم أنشأوا مجموعات و ميليشيات كانوا بها ينشرون الرعب. و قد مثّلوا قوّة منظمة ضد النظام السوفياتي و كانوا يسعون إلى تجميع قوى أخرى معهم. فكانت المشركة بمثابة إجابة قدمتها القيادة الثورية على هذا الواقع . حُولت الأراضى و الآلات الفلاحية إلى ملكية جماعية. و بين 1930 و 1933 توحّدت ليس أقل من 14 مليون ملكية صغيرة ريفية غير ذات فاعلية فى ما يقارب 200 ألف مزرعة كبرى ذات ملكية جماعية ووفرت لها الدولة الجرارات و الآلات. و بالمقابل، كانت المزارع تضع إنتاجها بين أيدي الدولة. هذه هي العلاقة السلعية الأساسية التى ربطتهما. و كانت ردات الفعل على المشركة متباينة. فقد قابلها الفلاحون الفقراء عموما بالترحيب. و لم تُرد قطاعات أخرى الإلتحاق بها. فتوجّب عندئذ إستعمال طرق قسرية لإجبارها على ذلك . إجمالا، كانت المشركة حركة إجتماعية هائلة. توجه عاملات و عمال من المدن إلى الجبهة. و إضطر البعض إلى لعب دور هام فى إدارة المزارع الجديدة. و فى أماكن عدّة، إنتفض العمال الفلاحيون و الفلاحون الفقراء الذين كانوا فى السابق يرتعدون خوفا من الكولاك ليستولوا على الأراضى ذلك أن الدولة الآن تسندهم. و وجدت النساء اللاتى كنّ إلى حينها تحدّد حياتهم التقاليد الأبوية نفسهن فجأة تقود الجرارات. و أرسلت مكتبات متنّقلة إلى كل فريق عمل. و فى بعض المزارع تم بعث فرق مسرحية. ووقع وضع الدين والتقاليد ... موضع السؤال . جوهريا، إستطاع الذين كانوا فى السابق فى قاع السُلّم الإجتماعي أخيرا رفع الرأس و المشاركة فى المجتمع ،لا سيما عند نقاش المخططات و الأحداث الوطنية. و من البديهي القول إن الكولاك قاوموا بشراسة هذه التغييرات. و التاريخ كما يرويه أعداء الإشتراكية يذهب دائما فى إتجاه واحد. حسب هؤلاء كان الكولاك أساسا "ضحايا". لكن الكولاك لم يتردّدوا فى قتل الشيوعيين و قد نظّموا هجمات ضد المزارع الممشركة و خرّبوا المحاصيل و أطلقوا جماعاتهم التى قامت بإبتزازات عديدة مغتصبة النساء و مرتكبة مجازرا فى حق الفلاحين الفقراء. و فى النهاية لحقت الهزيمة بالكولاك و تم إيقاف الكثير منهم و أبعد عدد آخر خارج البلاد ووقع القضاء على عدد هام منهم. و لكن هذا ليس نتيجة " قسوة " ستالين أو " الستالينية ". فقد وضعت المشركة موضع السؤال مستقبل الأرياف فى الإتحاد السوفياتي : هل سيتواصل التصنيع و تتواصل التغييرات الإجتماعية أم هل أن الرأسمالية ستكسب المعركة ؟ لقد كانت المشركة محور صراع حاد كان هدفه سلطة الدولة . فى الواقع ، تمثل مشركة الفلاحة عنصرا هاما فى بناء الإقتصاد الإشتراكي. و فى النهاية سينقد ماو مع ذلك بحدّة كبيرة الطريقة التى توخاها ستالين فى المشركة. فقد نقد بخاصة كونها حدثت قبل أن يحصل الفلاحون على تجربة دنيا من التعاون، على مستوى تنظيم العمل و تقاسم أدواته. إضافة إلى ذلك ، لم يُقم ستالين المشركة بما فيه الكفاية على إلتزام سياسي و إيديولوجي صلب للفلاحين الذين كان من اللازم تعبئتهم بوعي لتحقيق الملكية الجماعية. و كان من رأي ماو كذلك أن الدولة إقتطعت كمّية أكبر من اللازم من المحاصيل ممّا أثّر على العلاقات بين المدن و الأرياف. و إنطلاقا من هذه التجربة ، كان على الصين الماوية أن تتعاطى مع المشركة بطريقة مختلفة جدا كما سنرى ذلك بعد قليل . مع ذلك ، تبقى مشركة الفلاحة فى الإتحاد السوفياتي محاولة قوية حالمة و تجديدية لإيجاد طريقة للخروج من النظام القديم للفلاحة الخاصة الصغيرة و التوجه نحو بناء الإشتراكية . فقد زرعت الأمل لدى الفلاحين الفقراء و دونها لم يكن الإتحاد السوفياتي ليستطيع مقاتلة النازيين بنجاح مثلما فعل فى النهاية. الحرب العالمية الثانية و نتائجها : أواسط ثلاثينات القرن العشرين، كانت سحب الحرب السوداء تظهر فى الأفق. بعدُ فى 1931 ، كانت اليابان قد غزت منشوريا – منطقة صينية واقعة على حدود الإتحاد السوفياتي . و فى 1934 ، بعد سحق الحزب الشيوعي، أنهى هتلر وضع يده على السلطة و طفق يعسكر الإقتصاد الألماني. هكذا بلغت الثورة السوفياتية لحظة حرجة إذ صار خطر حرب إمبريالية ملموسا أكثر فأكثر. كيف إستعد له الإتحاد السوفياتي على النطاق الإقتصادي و العسكري و السياسي و الإجتماعي؟ رأى ستالين و غالبية القادة السوفيات أن الوقت قد حان لتعزيز المكاسب السياسية و الإجتماعية للثورة. و كانت الدولة البروليتارية تواجه الظروف الموضوعية الصعبة و غير المسبوقة. فكان يتعين بالتأكيد إتخاذ عديد التعديلات. لكن حصلت أخطاء فى الطريقة التى تمّ بها التعاطى مع ذلك. حين تمّ تحويل نظام الملكية، وقع التشجيع على مزيد الإنضباط من أجل الترفيع فى الإنتاج فى المصانع. من هنا ، توصل إلى إعتبار ان تطوير قوى الإنتاج ضمان لتحقيق الإشتراكية. و أمست قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي أقل فأقل إعتمادا على التعبئة الواعية لمبادرة الجماهير. ووقع كبح التجريب الإجتماعي و الثقافي الراديكالي الذى طبع عشرينات و ثلاثينات القرن العشرين. و إجمالا ، كان للطريقة التى أنجز بها هذا أن وطّدت العلاقات التقليدية. و من البديهي أنه كان من الواجب الدفاع عن الإشتراكية بيد أن قيادة الحزب إتجهت نحو الخلط بين الدفاع عن الإتحاد السوفياتي و مصالح الثورة العالمية و شيئا فشيئا تقدمت الوطنية القومية على الأممية البروليتارية. " التطهيرات الستالينية الكبرى" : تَصاعُد خطر الحرب بين الدول الإمبريالية و إمكانية هجوم إمبريالي ضد الإتحاد السوفياتي أعدّا أرضية ما أسماه المثقفون الغربيون ب " التطهيرات الكبرى" فى صلب الحزب الشيوعي السوفياتي. قليلة هي مواضيع التاريخ المعاصر التى كانت عرضة لمثل هذا الكمّ الهائل من التشويهات. و يؤكد التاريخ البرجوازي أن ستالين، و قد بات منتشيا بالسلطة ، أراد الحصول على السلطة المطلقة بالقضاء على الذين كانوا على خلاف معه. لكن الواقع هو أن الثورة فى تلك الحقبة كانت تواجه ضغوطات و تحديات جديدة. فى هذا الإطار يجب أن نضع إشتداد حدّة الصراعات السياسية داخل الحزب و الدولة. و كانت هذه الصراعات تتعلّق بكل من المسائل السياسية الداخلية و المسائل العالمية الكبرى كمسألة التحالفات والرهان كان مسألة قيادة الثورة و كان يثار سؤال حتى إذا ما كانت الثورة ستقدر على الصمود. يًقال لنا إن ستالين كان مهووسا. بيد أن الثورة كانت تواجه أعداءا حقيقيين لحما و دما ! و كانت تنشط بالإتحاد السوفياتي حركات هدامة. و ثمة أيضا حركات إجتماعية كانت تودّ إرجاع المجتمع إلى الخلف. و التهديد الألماني الذى كان يتعرض له الإتحاد السوفياتي كان أكثر من واقعي. و فى 1934 ، وقع حتى إغتيال رقم الإثنين فى الحزب ، الذى كان وثيق الإرتباط بستالين. هذا هو إذا الجوّ السائد فى تلك الحقبة. و فى ما يخص التطهيرات ، علينا أن نقول إنه ينبغى بصراحة إجراء بحوث أوفر لمعرفة ما حدث حقا فى صفوف الحزب الشيوعي السوفياتي خلال الثلاثينات غير أنه ما يبدو لنا مع ذلك بديهيا هو أنه فى الوقت الذى كانت فيه التوترات العالمية تحتدّ، كان لستالين و القادة من حوله أسباب وجيهة لينشغلوا بحالة الحزب و الجيش. و فى الوقت الذى كانت فيه البلاد تتجه مباشرة نحو حرب من المعلوم أنها ستكون فى منتهى الصرامة، كانت للقادة المركزيين أسباب وجيهة للشك فى ولاء بعض كوادر الحزب الجهوية. و لهم الحق أيضا فى التساؤل حول الثقة فى القيادة العليا للجيش. فبعد الحرب العالمية الأولى، عقدت ألمانيا و الإتحاد السوفياتي إتفاقيات تعاون عسكري. و كانت هذه الإتفاقيات تقضى بالتدريب المشترك لبعض الضباط و تبادل للأسلحة. و يتعين التفكير فى أن بعض عناصر العاملين السامين بالجيش السوفياتي يمكن أن يكونوا قد طوّروا علاقات وطيدة مع نظرائهم الألمان . هل كان من الممكن التعويل عليهم حقا فى حال نشوب حرب ضد الإمبريالية الألمانية ؟ هذه بعض الظروف التى حفّت بالتطهيرات الشهيرة صلب قيادة الحزب و الجيش. و قد قاتل ستالين للدفاع عن الثورة و لم يكن بالتأكيد ليسمح بأن يعود الإتحاد السوفياتي إلى حضيرة الرأسمالية أو أن تسحقه الإمبريالية. و على أصعدة عدة ، مع ذلك ، كان فهم ستالين لتناقضات المجتمع الإشتراكي و صراعاته يشكو هنات حيث كان فهمه مطبوعا بالمادية الميكانيكية و ليس الديالكتيكية. و الطرق التى لجأ إليها لمعالجة الوضع أدت إلى مشاكل جدية و فى النهاية كانت لها إنعكاسات مضادة للأهداف المرجوة. عوض إستنهاض الجماهير و تعبئتها كي تمسك بناصية المسائل السياسية و الإيديولوجية الكبرى المرتبطة بالتوجه الذى يجب أن ينتهجه الإتحاد السوفياتي ، إختار ستالين التعويل على التطهير و الطرق البوليسية لمعالجة المشاكل. و كان على ماو لاحقا ان ينقد مقاربته مشدّدا على أن ستالين كان يتجه نحو عدم التفرقة بين نوعين كبيرين من التناقضات هما التناقض بين الشعب و العدو من جهة و التناقضات فى صلب الشعب من جهة ثانية. و القمع الذى ما كان يجب أن يمارس إلا ضد أعداء الشعب، إستعمل ضد أناس يمكن أن نصفهم على النحو التالي : البعض قد إقترف ببساطة أخطاء بينما لم يفعل الآخرون سوى التعبير عن إختلاف مع سياسة الحكومة . البطولة السوفياتية و هزيمة النازيين : فى جوان 1941 ، غزى أخيرا النازيون الإتحاد السوفياتي و إختاروا بعث الجيش الأكثر عصرية فى العالم و الجزء الأعظم من فيالقهم ضد السوفيات. و شرح هتلر بجلاء لفيالقه أنه يتوقع منها أن تضع جانبا المبادئ الإنسانية مهما كانت فى ما يبدو حقا حرب إبادة . و قاتل السوفيات بجسارة تقريبا لا يمكن تصورها، منزلا منزلا فى ستالينغراد و فى المعارك البطولية فى المناطق التى هجرت بسبب البرد الشديد المخيم عليها. و عندما غزاه الألمان ، تمكن الإتحاد السوفياتي من تفكيك و إعادة تركيب ليس أقل من 1500 مصنع كبير و من نقلها إلى مناطق آمنة ، غرب البلاد فى بالكاد أسابيع . مثل هذا العمل الباهر لم يكن ليغدو ممكنا إلا بالنظر إلى الطابع المخطط للإقتصاد . إجمالا ،فَقَدَ عشرون مليون سوفياتي حياتهم أثناء الحرب العالمية الثانية ،أي حوالي مواطن عن كل عشرة مواطنين. و رغم كل ما يروى عن اليوم المعين و إنزال الفيالق الأمريكية و البريطانية فى نرمنديا فإن معركة ستالينغراد مثلت المنعرج الحقيقي فى الحرب العالمية الثانية. فكان السوفيات القوة الرئيسية و المحدّدة فى هزيمة هتلر. و هذه الخاتمة لم تكن لتكون ممكنة دون التصميم الهائل و التضحيات الجسيمة للشعب السوفياتي فى ظلّ قيادة ستالين للإتحاد السوفياتي. و تعتبر هذه المرحلة البطولية إحدى أعظم إنجازات الثورة السوفياتية . و خرج الإتحاد السوفياتي مظفرا من الحرب العالمية الثانية عسكريا. غير أن الثورة خسرت من قوتها إيديولوجيا و سياسيا. فقد تعزّزت القوى و التيارات المحافظة صلب الحزب و الحكومة و كذلك صلب المجتمع ككل. و فى 1953 ، إثر وفاة ستالين تحرّكت القوى البرجوازية الجديدة التى ظهرت فى صفوف الحزب لتفتك السلطة و فى 1956 لما خلفه فى النهاية خروتشوف ، عززت الطبقة الرأسمالية الجديدة سلطتها و قامت بإعادة هيكلة صارمة للإتحاد السوفياتي ضامنة إنتصار رأسمالية الدولة. و هكذا سجلت نهاية أول دولة بروليتارية فى التاريخ. لابدّ من وضع الأمور فى إطارها : من وجهة نظر تاريخية ، يمكن أن نعتبر الثورة السوفياتية إختراقا أوّليا مزلزلا فى النضال العظيم من أجل تحرير الإنسانية المضطهَدة. و على عكس ما كان منتظرا ، أنجزت الجماهير أشياءا مدهشة تماما و شرعت فى تشييد عالم جديد. و قد ألهمت هذه الثورة المضطهًدين عبر العالم. بإستثناء كمونة باريس (قصيرة العمر زمنيا) ، جسّدت الثورة السوفياتية الخطوات الأولى على الطريق الطويل للتحرّر، نحو عالم يكون فيه الإضطهاد و الإستغلال قد إضمحلا. و ظلّ هذا المشروع التحرّري يتطوّر. ففرض قادة ثوريون جدد يملكون نظرة علمية أنفسهم و إستخلصوا الدروس من هذه التجربة الأولى ليطوّروا مفاهيما جديدة أكثر تقدما و ليصيغوا حلولا جديدة لرفع تحدّى بناء مجتمع خال من الطبقات . و من هؤلاء سيكون ماو تسى تونغ بالتأكيد هو الذى سينجح فى المضي قدما بالمشروع الشيوعي إلى أبعد حدّ ممكن. ------------------------------------------------------ (4 ) الثورة الصينية تنجز إختراقا آخر : ----------------------------------------- فى أكتوبر 1949، توجه ماوتسى تونغ بخطاب إلى ملايين الصينيين المجتمعين بساحة تيان آن مان ، فى بيكين. و موجها كلامه إلى الجماهير الغفيرة و للعالم بأسره صرح :" ... بات الشعب الصيني واقفا! " و صدح الحاضرون بصيحات الفرح. و لكن مع مشاطرتهم الإحساس بالإنتصار العظيم الذى يحرّكهم ، شدّد ماو تسى تونغ على وضع الأمور فى آفاقها قائلا : " الثورة الصينية بعدً ثورة كبرى و لكن الجزء الأعظم من الطريق لا يزال أمامنا والأصعب يظلّ أمامنا." ذلك أنه بالنسبة إلى ماو لا ينبغى للثورة أن تقف عند هذا الحد. كان لزاما المرور إلى مرحلة جديدة حيث ينبغى أن نضمن التحويل الإشتراكي للإقتصاد و إيجاد مؤسسات سياسية جديدة و صياغة قيم جماعية جديدة بغاية التوصل فى النهاية إلى الشيوعية و المجتمع الخالي من الطبقات على النطاق العالمي. بيد انه وجد آخرون ضمن قيادة الحزب ينظرون للأشياء بصورة مغايرة ! فبالنسبة لهم ، مثّل إفتكاك السلطة نهاية الثورة و المهمة المركزية هي الآن جعل الصين قوّة عصرية. إضافة إلى ذلك ، لم يكن الملاكون العقاريون الكبار و الرأسماليون الذين تمّت الإطاحة بهم ليقبلوا عن رضا مصيرهم . و كذلك كان موقف الإمبرياليين الذين هيمنوا على الصين فى السابق . و فى أقل من سنة بعد ذلك ، شنت الولايات المتحدة حرب كوريا التى بلغت الحدود الصينية و هدّدت بالهجوم عليها بالسلاح النووي. فقدمت الصين مساعدة عسكرية و بعثت بمتطوعين إلى كوريا قبل أن تنجح فى النهاية فى إيقاف تقدم الجيش الأمريكي. لكنها مع ذلك قد فقدت 200 ألف رجل و إمرأة و جرح 900 ألف آخرون. لمواجهة الصين ، نشرت الولايات المتحدة سلسلة تامة من القواعد العسكرية فى تيوان و كوريا الجنوبية و اليابان. و خلال عشرين سنة منعت الصين من التجارة مع عديد البلدان نتيجة للحصار الإقتصادي الذى كرّسته الولايات المتحدة الأمريكية و بلدان غربية أخرى . أسباب الثورة : قبل الثورة ، كانت الغالبية العظمى من الشعب الصيني متكوّنة من الفلاحات و الفلاحين و أكثريتهم لا يملكون أية قطعة أرض خاصة. كانوا يعيشون تحت هيمنة الملاكين الذين كانوا يسيطرون على الإقتصاد المحلي و حياة الناس. و كان الفلاحون يناضلون بياس للبقاء على قيد الحياة. و فى أتعس السنوات، كان على البعض أن يتغذوا بأوراق الشجر و غلافها و إضطرّ آخرون إلى بيع أطفالهم. و كانت الفلاحة فى دائرة لا تنتهى من الجفاف و الفياضانات. فعانت الصين من معدّل مجاعة كبرى سنويا و لقي مئات الآلاف من الناس حتفهم فى 1921 و 1943. و بالنسبة إلى النساء، كانت الحياة جهنّما حقيقية إذ كان أزواجهن يضربونهن و تعرّضت العديد منهن إلى العادات البربرية للأرجل الموثقة و الزواج المدبر. و إضطر عدد كبير من النساء الشابات إلى أن تصبح سًرية الملاكين العقاريين و أمراء الحرب. و كان تطوّر الإقتصاد منعدما تقريبا. و هكذا فى مدينة نانكين، من جملة سكان يعدّون 700 ألف كان لا أقل من 200 ألف شخص يعملون فى المنازل و خدم و عاهرات أو يقودون جرارت نقل أشخاص. و فى نفس الوقت ، كانت المدينة تعد أقل من 16 ألف عامل صناعي . فى شنغاي ، فى مصانع النسيج ، كانت العاملات الشابا تُّوصد عليها الأبواب ليلا. و كان الناس يعيشون مكدسين فى أكواخ بئيسة من غرفة واحدة و إلا فى الشوارع. و كانت مجموعات الصحة العمومية تجمّع معدّل أكثر من 25 ألف جثة سنويا ! وفى نفس الوقت، كانت الأحياء المخصّصة للأجانب مجهزة و بها نزل و علب ليلية غاية فى الأناقة . و بالرغم من أن الطب التقليدي كان منتشرا، لم تكن الصين ما قبل الثورة تعدّ أكثر من 12 ألف طبيب نسبة إلى سكان يعدّون 500 مليون نسمة. و كان 4 ملايين من الناس يموتون سنويا بسبب أمراض معدية و طفيلية. و كان أكثر من 90 مليون مدمنين على المخدرات. لهذا إلتحق الشعب بالثورة و إفتك السلطة ! بالضبط فى ظلّ قيادة ماو و الحزب الشيوعي بذلت الثورة الصينية جهدها لتغيير الوضع . تغيير حيوي : عندما سيطر الجيش الأحمر على المدن الكبرى ، إفتك أولا البنوك و المصانع و المؤسسات الكبرى من أجل إعادة تنظيم الإنتاج خدمة للإقتصاد الجديد. فقاد الحزب تعبئة الجماهير لتساهم فى سيرورة التغيير الثوري. ووقع القضاء على عمل الأطفال و قلّصت ساعات العمل اليومي من 12 أو 16 ساعة قبل الثورة إلى 8 ساعات. لمّا هزم الجيش الثوري جيوش تشانكاي تشاك و الملاكين العقاريين، جرى قلب النظام الإقطاعي بسرعة. و بالفعل بدأت السيرورة بعدُ فى المناطق المحررة أثناء الحرب الثورية حيث دخلت مجموعات عمل يقودها الحزب الشيوعي الأرياف لتنجز نشاطات تربية سياسية و تعقد إجتماعات مع الفلاحين و الفلاحات. و شجعوهم على النهوض و التنظّم و إفتكاك الأراضي . عقب الإنتصار ، صارت الثورة الزراعية قانونا و إنتشرت عبر الصين كافة. فتقاسم الفلاحون و الفلاحات الأرض و الأدوات و الحيوانات. فى بلاد حيث لم تعامل النساء أبدا بمساواة ، حصلن على حصة عادلة من تقسيم الأرض. فى 1950، جاء قانون جديد ليضع حدا للزواج كرها. و ضَمِن هذا القانون أيضا حق الطلاق للنساء و الرجال معا. لكن بالنسبة لماو ، الثورة أكثر من إصدار قوانين جديدة . إذ ينبغى تغيير طريقة تفكير الناس و كان يلزم تحطيم العلاقات الإجتماعية القديمة المرهقة و مكافحة الأفكار و القيم المتخلفة. يقول مؤلفو السيرة المعادية لماو الهستيريين مثل يونغ تشانغ و ييون هليداي إن ماو كان منتشيا بالسلطة لكن فى الواقع، يعارض هؤلاء أن تكون الثورة قلبت سلطة الملاكين العقاريين و الرأسماليين الكبار الكمبرادوريين و القوى الأجنبية و أن تكون أرست شكلا من دكتاتورية البروليتاريا. لقد خولت الثورة للعمال و الفلاحين الشروع فى قيادة المجتمع و إلغاء المستغِلين القدماء منهم و الجدد. يقولون لنا إن ماو قتل ملايين الناس بينما فى الواقع حرّرت الثورة مئات ملايين الناس و أنقذت عددا لا يحصى بفضل النظام الإقتصادي و الإجتماعي الجديد الذى أنشأته الثورة الماوية. ------------------------------------------------ (5) القطع مع النموذج السوفياتي : ----------------------------------------- إثر انتصار الثورة، كان هدف ماو إيجاد إقتصاد إشتراكي جديد مرتكز على التعاون و الملكية الإشتراكيين : + يلبى الحاجيات المادية و الإجتماعية للسكان ، + يعالج مشكل المجاعة المزمنة و سوء التغذية اللذان ميزا تاريخ الصين، + يحثّ على العلاقات المتبادلة بين الصناعة و الفلاحة عوض ضخّ موارد الفلاحة نحو الصناعة ، + يعمل على تقليص و فى النهاية تجاوز البون بين المدن و الأرياف و اللامساواة الجهوية ، + يشجّع و يساند التحكم الجماهيري فى سيرورة الإنتاج ، + يكون قادرا على مواجهة هجوم إمبريالي. و من البديهي أن بناء إقتصاد جديد من هذا النوع لا يمكن أن يعتمد على إعانة أو قروض من الإمبريالية و أنه لا يمكن ببساطة أن يعوّل على متطلبات السوق الرأسمالية العالمية . وقد عملت الثورة الماوية إذا فى سبيل تطوير نظام تعليمي جديد يهدف إلى تلبية الحاجيات الجوهرية للسكان و إلى المساهمة فى تثوير المجتمع برمته. و تم أيضا تشجيع تطوير ثقافة جديدة مع النضال ضد طرق التفكير القديمة. و أرسوا هذا النظام واضعين نصب أعينهم الهدف النهائي ألا وهو الشيوعية أي إيجاد مجتمع خال من الطبقات و حرّ من كل ضروب الإضطهاد . بالإستناد إلى التحالف بين العمال و الفلاحين، سمحت الدولة الجديدة بالقيام بخطوات حيوية فى تغيير الظروف الفظيعة التى كانت سائدة سابقا. فقضي على آفة الإدمان على المخدّرات بالمعالجة و التربية الجماهيريين. و شُنّت حملات كبرى لتنظيف المدن. و قضي على الكوليرا و الأمراض الوبائية الأخرى أو وقعت السيطرة عليها. و أنشأت مصانع جديدة و مساكن جديدة لأجل العمال و العاملات. و شيّدت مستشفيات و معاهد طب. و هكذا، فى 1965، كوّنت الصين الثورية لا أقل من 200 ألف طبيب جديد. و أرسي نظام تعليم جديد و شُنّت حملات محو الأمية و بالنتيجة فى أواخر 1950، حصلت غالبية الفلاحات و الفلاحين على معارف أساسية فى القراءة. قطيعة ضرورية : يتعلق الأمر بإنجازات قيّمة بالتاكيد. بيد أن صراعا هاما بدأ فى البروز فى صفوف الحزب الشيوعي بشأن الطريق التى ينبغى سلوكها. و أحد المشاكل الكبرى التى كانت محلّ رهان كانت مشاكل معرفة كيف يجب تطوير الإقتصاد و تعصيره . كان البعض يرتئى برنامج تصنيع سريع. و كانت مقاربتهم ترمى إلى تركيز الموارد فى المصانع العصرية الكبرى التى تتمتع بتقنية عالية التطوّر. كانوا يودّون تطوير مناطق مدينية فى المصاف الأول. و بالنسبة لهم ، سيعود هذا التطوّر بالفائدة على المناطق الريفية. و كان هؤلاء يدّعون أنه من الضروري لقيادة الإقتصاد أن نملك جهازا هائلا للتخطيط المركزي و أنه يجب تشكيل جيوش من الأخصائيين و المختصين لتأطير الإقتصاد الجديد و تسيير الأجهزة الإدارية. و كانوا يقولون أيضا إن أفضل طريقة لحث العاملين فى المؤسسات هي المحافظة على أجور متباعدة و إستعمال الحوافز المالية. فكان هذا البرنامج يعكس تأثير الإتحاد السوفياتي، هذا التأثير الذى ظلّ كبيرا فى الصين خلال الخمسينات من القرن العشرين.غير أن ماو وجد النموذج السوفياتي إشكاليا فى كل من الطريقة التى طبق بها فى الإتحاد السوفياتي و فى طريقة إرادة نسخه فى الصين. لقد رفع الطريق السوفياتي التقنية و الإختصاص أعلى من مبادرة الجماهير و تعبئتها تعبئة واعية. رفض ماو أن يربط الفلاحة بتطوّر الصناعة و المدينة. فى سبيل أن تقدر الصين على التصدي لهجوم محتمل و لغزو إمبريالي، كان يجب حسب رأيه عدم مركزة الإنتاج و تجنّب تركيز التطوّر الصناعي فى المدن و فى المناطق الساحلية الأكثر عرضة إلى الخطر. فى الحقيقة ، ما كان ماو يحاول صياغته هو نهج جديد مختلف فى رؤية التطوّر الإقتصادي و الإجتماعي. و يمكن أن نلخص المسألة فى التالي : إثر إنتصار الثورة فى 1949، كان على ماو أن يناضل ضد مشكلتين إثنتين . أولا كان من اللازم النضال ضد الضغط و التأثير المستمرين للرأسمالية و الإمبريالية الغربية و ثانيا ، كان من اللازم القطع مع الإرث السوفياتي فى ما يخص التطوّر. فى هذا الإطار ، طوّر ماو مفهوما تعرض لكثير من التشويه ألا وهو" القفزة الكبرى إلى الأمام " . القفزة الكبرى إلى الأمام : كانت القفزة الكبرى إلى الأمام فى 1958-1959 أوّل خطوة جريئة قام بها ماو لفتح الطريق أمام التطوّر الإجتماعي و الإقتصادي الإشتراكيين فى الصين. و كان تشكيل الكمونات الشعبية يحتلّ موقع القلب من هذه السيرورة فكانت هذه الكمونات تعتنى معا بالنشاطات الإقتصادية و الإدارية و الإجتماعية و كذلك بالمليشيا و صارت قواعد إرتكاز بالنسبة للسلطة البروليتارية فى الأرياف. ظهرت حركة الكمونات الشعبية فى ختام سيرورة من الصراع الإجتماعي و الإقتصادي المعقدين و الديناميكيين و قد نضجت مع تعبئة الجماهير لتغيير المجتمع الصيني. فمنذ بداية الثورة، شكّل الفلاحون و الفلاحات بمساندة الحزب فرق تعاون للبذور و الحصاد. و إثر التحرير، تشكّلت تعاونيات و مع أنها كانت جماعية إلا أن الإنتاج كان يوزّع آخذين بعين الإعتبار كمية الأرض و الأدوات و الحيوانات و العمل المقدّمين من طرف العائلة . و حوالي أواسط الخمسينات، طفق الفلاحون و الفلاحات عفويا فى تطوير الطابع الجماعي للإنتاج. و العديدون كانوا يتمنون حتى التخلّص من ملكيتهم الخاصة لفائدة التعاونية بما أنهم تعوّدوا على فلاحة الأرض و تقاسم الأدوات و الحيوانات جماعيا. غير أن هذه الظاهرة كانت تتطوّر بصورة لامتكافئة إذ إلتحق بعض الفلاحين بالحركة إلى درجة أنه وجدت حتى قوائم فلاحين إختاروا أن يضعوا فعلا أراضيهم و عملهم فى خدمة التعاونية و هكذا غيّروا وجه الإنتاج الفلاحي. و سمح هذا للفلاحين الذين لم يشاهدوا أبدا عربة حديدية إلى حينها بإستعمال الجرارات و الآليات الأحدث. هذه هي الحركة التى مثّلت قاعدة القفزة الكبرى إلى الأمام. ولادة الكمونات : إنطلقت حركة الكمونات الشعبية عفويا. و فى 1957، فى محافظة هونان ، قرّر عدد من التعاونيات الفلاحية توحيد جهودها بغاية إنجاز مشروع ضخم لإيصال المياه عبر سلسلة من الجبال لأجل ري الأراضي الأكثر جفافا. و هكذا قرّر الفلاحون و الفلاحات أن يدمجوا تعاونياتهم و يوجدوا شكلا جديدا من التنظيم الإقتصادي و السياسي فى إطاره إستطاع عشرات الآلاف من الصينيين إرساء حياة جماعية. و توفرت لماو فرصة زيارة المنطقة و فى ما بعد إستعمل كلمة "كمونة " ليصف ما كان يحدث هناك. تهاجم القفزة الكبرى إلى الأمام عادة على أنها تجربة مثالية و غير معقولة بيد أن هذا المشروع بالعكس كان فى منتهى المعقولية إقتصاديا و سياسيا و من وجهة نظر تحرير جماهير الفلاحين و الترفيع فى قدراتها الإنتاجية . سمحت الكمونات بتعبئة و تنظيم المخزون الهائل من اليد العاملة الذى كانت تتمتع به الصين . و بفضل ذلك ، بات من الممكن تخطيط و تنسيق أشغال على نطاق واسع للري و السيطرة على الفياضانات و بناء الطرقات و إعادة التشجير و إعادة إستغلال الأراضي و مشاريع أخرى على هذه الشاكلة. و أرست مصانع صغيرة لإنتاج الطاقة الكهربائية. كما سمحت الكمونات لفرق من التقنيين و التقنيات والفلاحين و الفلاحات بالشروع فى أعمال تجريبية علمية و أعمال بحوث جيولوجية . فضلا عن ذلك ، مكّنت القفزة الكبرى إلى الأمام النساء من الخروج من منازلهن و الإلتحاق بكل هذا الحراك الكبير الذى كان يجرى فى المجتمع بأكمله. و فتحت الكمونات مطاعم جماعية و حضانات و أقامت خدمات إصلاح و عناية منزليين و خدمات أخرى تلبي مختلف الحاجيات الإجتماعية. و ساهمت النساء فى بعث مصانع جديدة و مشاريع ري مثل مشروع قنال الراية الحمراء الذى به إلتحقت المجموعة الشهيرة المعروفة بإسم " فيلق النساء الحديدي". ووُضعت القيم و العادات القديمة موضع سؤال. و جرى التشديد على الصراع الإيديولوجي ضد المعتقدات الباطلة و الأفكار المسبقة و القدرية و العادات الإقطاعية التى إستمرت فى الوجود، كالزواج المدّبر. و ركّزت الكمونات سلسلة من المدارس الإبتدائية و الثانوية و كذلك سلسلة من المصحات. لقد شدّدت القفزة الكبرى إلى الأمام على المناطق الريفية بغرض ردم الهوة بين المدن و الأرياف و بين العمال و الفلاحين تدريجيا. و أنشأت صناعات خفيفة فى الأرياف و شرع الفلاحون و الفلاحات فى تملك ناصية التكنولوجيا و إنتشرت المعارف العلمية. و كانت المقاربة المتميزة خلال القفزة الكبرى إلى الأمام بالفعل بديلا تحرريا لسيرورة الإنحلال الريفي و النزوح الضخم نحو المدن الذين شهدتهما بلدان ما يسمى بالعالم الثالث التى تهيمن عليها الإمبريالية . و إقتصاد مكتف ذاتيا يوسع طاقاته الصناعية و التقنية فى المناطق الريفية هو كذلك أفضل تجهيز لمواجهة هجوم محتمل أو غزو إمبريالي و لمعاضدة الثورة العالمية . التشويهات الخبيثة : فى كتابهمها الشهير المعنون " ماو : الحكاية غير المعروفة " يونغ تشانغ و ييون هاليداي يدّعيان أن القفزة الكبرى إلى الأمام و الكمونات لم تكونا سوى واجهة لإخفاء العبودية و يزعمان كذلك أن أكثر من 30 مليون شخص ماتوا بسبب السياسات الماوية. كل هذا يحتاج وضع النقاط على الحروف. بداية مثلما سبق و أن أشرنا، بعيدا عن أن تكون القفزة الكبرى إلى الأمام مشروعا غير منطقي ، كانت بالعكس مشروعا تقوده أهداف سياسية مترابطة منطقيا و دفع حماس جماهير الفلاحين . هل وجدت بعض المشاكل ؟ نعم وجدت غير أن الصعوبات التى واجهها الصينيون خلال السنوات 1958 و 1959 مرجعها ظواهر أعقد من تلك التى يدّعيها هذان الكاتبان. فالصين عرفت إنخفاضا شديدا فى الإنتاج الغذائي فى 1959. و شهدت البلاد عندئذ أتعس ظروف مناخية طوال القرن كانت نتائجها مأساوية. و شملت الفياضانات من جهة و الجفاف من جهة ثانية بصورة خاصة نصف الأراضي الفلاحية . و فى نفس الوقت، كان الصراع الإيديولوجي بين الصين الثورية و الإتحاد السوفياتي يحتدّ. إذ شرع ماو فى نقد تحريفية القادة السوفيات حيث إعتبر أنهم تخلّوا عن الطريق الإشتراكي و باعوا مصالح الثورة العالمية للإمبريالية الأمريكية . للردّ ، إختاروا أن يعاقبوا الصين بإيقاف برامج الإعانات و إسترجاع كافة المستشارين الذين عادوا إلى الإتحاد السوفياتي حتى بالمخططات و كشوفات مشاريع صناعية شرعوا فى إنجازها لكنها لم تكتمل بعدُ. حينها كان على الصين أن تدفع أموالا طائلة للإتحاد السوفياتي ممّا ضاعف الضغوطات على إقتصاد البلاد. و من البديهي أن الماويين قد إرتكبوا كذلك أخطاءا ففى الكثير من المناطق، إضطر الفلاحون و الفلاحات إلى تمضية وقت أكثر من اللازم فى العمل بالمشاريع الملحقة، غير المرتبطة مباشرة بالإنتاج الفلاحي بما أثر على إنتاج الغذاء. و أفضت الروح الحماسية نوعا ما التى كانت سائدة حينها ببعض المسؤولين المحليين إلى النفخ إصطناعيا فى النتائج المحققة. ورهنت هذه الظاهرة بعد ذلك جهود التخطيط. يؤكد تشانغ و هاليداي أن ماو لم يعر إنتباها للصعوبات و الآلام التى كان يعانيها الشعب الصيني و أنه عاند منكرا أن الناس فقدوا حياتهم. مع ذلك ، فى الواقع ، أقيمت بحوث و أجريت تعديلات و قلّص حجم الكمونات و تم تخفيض حصص الحبوب للدولة. و أعيدت بعض المشاريع غير الفلاحية إلى أحجام جعلت الناس يقضون مزيدا من الوقت فى إنتاج الغذاء. ووزّعت حصص الحبوب على النطاق الوطني و ضُمن أن الإعانات الإستعجالية بعثت إلى المناطق المنكوبة. أما فى ما يتصل بالتهم الخاصة بال30 مليون وفاة فهي عبثية و خيالية. فهذا التقييم يعتمد على إحصائيات غير موثوق بها و على حسابات غير معقولة، تقارن مستوى السكان نسبة إلى العدد الحقيقي للسكان. بكلمات أخرى ، يضاف عدد أناس لم يولدوا إلى العدد الجملي من الوفايات ... بإختصار، المسألة الرئيسية هي التالية : فى 1970، لأول مرة فى تاريخها ، نجحت الصين فى معالجة مشكل المجاعة ومنذ تلك السنة ، إستطاعت الصين الإشتراكية أن تضمن تغذية كافة السكان. و هذه النتيجة المذهلة مرتبطة بالقفزة الكبرى إلى الأمام و تشكيل الكمونات و مرتبطة أيضا بالتعبئة الجماعية لجماهير الفلاحين التى أنجزت أعمالا ضخمة للري و للحماية ضد الفياضانات و الذين زحفوا على الأراضي البور و حسنوا إنتاج الفلاحة و تملكوا تقنيات فلاحية جديدة و أنشأوا صناعات صغيرة فى الريف. و هذه النتيجة المحقّقة نجمت عن كون الثورة الإشتراكية عرفت كيف تشجّع روح العمل من أجل المصالح العامة.
(6 ) الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى صراع بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي : ---------------------------------------------------------------------------------------------- نظرا للأزمة الغذائية و التقلبات التى حصلت فى غضون السنوات الصعبة للقفزة الكبرى و بينما كان السوفيات قد قرّروا قطع الإعانة التى كانوا يقدمونها للصين، أمسى ضروريا إنجاز تعديلات إقتصادية و تنظيمية. و فتح هذا الباب للقوي المحافظة داخل الحزب الشيوعي التى كانت دائما معارضة للقفزة الكبرى إلى الأمام. فى مطلع الستينات من القرن العشرين، كسبت هذه القوى قوّة و أخذت تتجمع. و كانت تودّ أن تحدّد الأولويات بشأن الإستثمار حسب ربح المشاريع المختلفة. و كانت تعمل لأجل تعزيز الطابع الفئوي للنظام التعليمي و يجب أن نعلم أن التعليم العالي، فى الصين ما بعد 1949 ، تأثر إلى حد كبير بالنموذج السوفياتي التراتبي القائم على الأخصائيين و الإنتقائي. فضلا عن ذلك ، كانت القوى المحافظة ضاربة جذورها بقوّة فى المجال الثقافي. شعبية للغاية ، ظلّت الأوبيرا تحت سيطرة المواضيع القديمة و الشخصيات الإقطاعية. وكانت القوى المحافظة تضغط لتركيز الموارد الصحّية فى المدن على حساب الأرياف. و كانت تقول للعمال و الفلاحين أن ينسوا النقاشات السياسية الكبرى و إنه يجب ترك ذلك للقادة "الخبراء" فى الحزب و عدم الإعتناء إلا بالكسب المادي المباشر. كان لهذه القوى برنامجا متناسقا و أواسط الستينات، أخذت فى التآمر بجلاء للإستيلاء على السلطة . عن بعض الأكاذيب المتصلة بالثورة الثقافية البروليتارية الكبرى : أحد الأكاذيب التى تروى لنا عادة حول الثورة الثقافية هو أنها لم تكن إلا فرصة لتطهير متعصب أجراه ماو ضد أعدائه السياسيين. هذا ما يدعيه ضمن آخرين مؤلفا الكتاب الرجعي الحامل لعنوان " ماو : الحكاية غير المعروفة " اللذان يقولان إن ماو أراد بالخصوص أن ينتقم من قادة الحزب الذين تجرؤوا على معارضته. لنوضح قبل كل شيئ أن ماو لم يكن ليخترع بعض الأعداء مهما كانوا . كانت قوى برجوازية قوية تنتظم بالفعل من أجل الإستيلاء على السلطة و تركيز نظام رأسمالية الدولة . إذا إعتقدتم أننا نبالغ أو أن ماو هستيري فإن نظرة بسيطة على الصين الحالية ستقنعكم بنقيض ذلك فتلك هي بالضبط القوى البرجوازية التى صيّرت الصين جنّة المعامل ذات الظروف السيئة فى خدمة الرأسماليين . لقد كانت الثورة الثقافية شيئا آخر مختلفا عن تطهير كبير . لقد لاحظ ماو بعدُ أن تطهيرات ستالين لم تحل دون إنتصار الثورة المضادة فى الإتحاد السوفياتي و أن الجماهير أجبرت على الموقف السلبي. فالتعويل على الإجراءات الإدارية من هذا الرهط لا يخول للجماهير أن تطور قدرتها على التفريق بين البرامج و المفاهيم التى يمكن أن تدفع إلى الأمام بالمجتمع صوب الشيوعية و البرامج و السياسات التى من شأنها أن تعيد المجتمع نحو الرأسمالية. و بالنسبة لماو، كان التحدى هو تحرير الطاقة الثورية للجماهير حتى تستطيع أن تنهض بدورها بوعي فى الصراع من أجل التقدم بالمجتمع نحو الشيوعية. كان ماو يبحث عن معالجة مشكل مواصلة الثورة و الحيلولة دون الثورة المضادة. و بعد قليل فى 1967 ، كان عليه ان يشرح : " فى الماضي ، خضنا صراعات فى الأرياف و فى المصانع و على الجبهة الثقافية و أنجزنا حركة التربية الإشتراكية. لكن كل هذا لم يعالج المشكل لأننا لم نجد بعدُ طريقة و وسيلة لدفع الجماهير الواسعة من القاعدة إلى فضح الجوانب السوداء لمجتمعنا." و كان هكذا يتطرق لمشكل تاريخي واجه الثورة الشيوعية . و يتلخص هذا المشكل فى كيف نتعامل مع محاولات الإطاحة بدكتاتورية البروليتاريا التى تتفاقم حتما مع تطوّر و تركيز مؤسسات الأشكال الملموسة التى تأهل الجماهير لممارسة السلطة فبقدر ما تتعزز الدولة البروليتارية بقدرما ينبغى أن تظهر الدولة مغايرة نوعيا لكافة أشكال الدولة التى عرفت فى السابق. بكلمات أخرى، يتعلق الأمر بتحديد كيفية التصدّى للثورة المضادة بطريقة تتماشى ووسائل و أهداف الثورة الشيوعية . قبل نقاش تفاصيل أكثر عن الثورة الثقافية يتعيّن أن نعود إلى بعض المسائل النظرية التى تطرحها مواصلة الثورة فى الفترة الإشتراكية. شدّد ماو تسي تونغ على أهمية النظرية و ردّد عادة أن الخط الإيديوبلوجي و السياسي محدّد فى كل شيئ و بالخط الإيديولوجي و السياسي كان ماو يقصد مفهومنا عن العالم و لا سيما ما ينبغى القيام به لتغييره : فهم نظري للقوانين التى تحكم الحركة و التطوّر الحقيقيين للعالم و المجتمع و الخط السياسي المنجر عن ذلك . طوّر قادة الحزب الذين كانوا يودّون أن تنخرط الصين فى الطريق الرأسمالي نظرية للدفاع عن برنامجهم. و عارض ماو ذلك و عرف كيف يجمّع و يقود العناصر الثورية صلب المجتمع الصيني مقدّما هكذا مساهمة تاريخية للفهم الديناميكي للإشتراكية. و مثلت هذه المواجهة بين الأفقين النظريين المتعارضين كليا عنصرا أساسيا فى الصراع الطبقي فى الصين. تناقضات المجتمع الإشتراكي : بالقيام بتحليل طبقات المجتمع الإشتراكي و إستخلاص أن الصراع الطبقي بين البروليتاريا التى صارت الطبقة المهيمِنة و البرجوازية يتواصل على طول هذه الحقبة ، أنجز ماو إختراقا هاما فى ميدان النظرية الماركسية. تكشّف الصراع ضد البرجوازية فى ظل الإشتراكية معقدا للغاية. هنا لا يتعلق الأمر بالرأسماليين التقليديين الذين يستعرضون وثائق ملكيتهم و بطاقات و أسهمهم ، بالتأكيد ستظل "بقايا" البرجوازية القديمة موجودة فى السنوات التالية لسقوطها. و سيحاول سياسيوها القدماء بلا أدنى شك أن ينظموا صفوفهم لقلب النظام الجديد و لكن بقدر ما تتقدم الثورة و يتوطّد الإقتصاد الإشتراكي نواجه طبقة برجوازية جديدة ستتطوّر أساسا فى العلاقات السياسية و الإقتصادية و الإيديولوجية التى تسود فى البناء الفوقي للمجتمع الإشتراكي. سياسيا ، هي معركة فى منتهى التعقيد و كان الأمر ليكون هيّنا إن تقدم هؤلاء البرجوازيون الجدد للتلفزة و توجهوا صراحة للجماهير و قالوا لها أشياء مثل : " إننا نريد قلب النظام من أجل التمكن من إستغلالكم مجددا "! إلا أن البرجوازية الجديدة تنتظم و تبرز مصالحها و برنامجها فى إطار المؤسسات الإشتراكية متبنية خطابا ماركسيا زائفا. اللامساواة فى المجتمع الإشتراكي : تمثّل الإشتراكية قفزة كبرى إلى الأمام. و قد أشرنا أعلاه إلى بعض التغييرات الكبرى التى تحققها الإشتراكية غير أن الإشتراكية هي كذلك مجتمع إنتقالي يحمل الآثار الإقتصادية و الإجتماعية و الإيديولوجية للمجتمع القديم. فى ظل الإشتراكية تظل موجودة بعدُ إختلافات إجتماعية هامة بين الصناعة و الفلاحة ، و بين المدن و الأرياف ، و بين الجهات. و كذلك سيبقى هذا التقسيم الكبير ذو التبعات الهامة جدا بين العمل الفكري و العمل اليدوي ، ،بين الذين سيكونون ملتزمين خاصة بالعمل فى النشاطات الفكرية و الإدارية و الترفيهية و الذين سيعملون بعدُ بالأساس بأيديهم . و سيوجد أيضا ، فى ظل الإشتراكية ، إختلافات فى مداخيل الأفراد. و ستستمر النقود و الأسعار فى لعب دور له دلالته على المستوى الإقتصادي . لبلوغ الشيوعية، ينبغى أوّلا تقليص الإختلافات و اللامساواة الإجتماعية التى تنطوى عليها و كذلك المبادلات السلعية و هذا قصد القدرة فى النهاية على تجاوزها. والتأثير الذى يكون لهذا الموروث على قيم ووعي الناس ينبغى أن يكون موضوع صراع إيديولوجي مستمر لو أردنا فى النهاية بلوغ الشيوعية. و يتطلب كل هذا إذا سيرورة معقدة و مديدة من الصراعات و التغييرات الثورية. بالنسبة لماو ، تمثل هذه الخلافات الإجتماعية و إستمرار العلاقات السلعية الأرضية التى تنطلق منها الشرائح الجديدة ذات الإمتيازات و فى النهاية تتطوّر على وجه الحتم برجوازية جديدة فى ظل الإشتراكية. وذهب ماو أبعد حتى مبيّنا ان نواة هذه البرجوازية الجديدة يقع صلب الحزب الشيوعي ذاته ، بما فى ذلك أعلى مراتبه. الحزب الطليعي نقطة إلتقاء كافة التناقضات : يجد الحزب الشيوعي نفسه المؤسسة السياسية الرئيسية فى ظل الإشتراكية وهو أيضا القوة الرئيسية التى تقود المجتمع. فالجماهير تحتاج إلى قيادة صلبة قصد النضال فى سبيل تثوير الإشتراكية و مثل هذه القيادة و الدولة البروليتارية ضروريتان كي تستطيع الجماهير أن تقود المجتمع و تنسق الإقتصاد لأجل مصلحتها و مصلحة الثورة العالمية. يجب أن توجد دولة بروليتارية تكون قوية حتى تواجه الإمبرياليين الذين سيسعون إلى الإطاحة بالنظام الشعبي لكن هنا بالضبط يوجد بيت القصيد : بوجه الحتم ستوجد قوى داخل الحزب و جهاز الدولة ذاته و حتى فى أعلى مراتبه تدفع نحو إنتصار الخط البرجوازي. بخط برجوازي نقصد أفقا و سياسات معينة تهدف إلى توطيد نوع اللامساواة التى ذكرنا أعلاه . نقصد أفقا و سياسات تبحث عن تقليص مبادرة الجماهير. و تعمل هذه القوى ضمن القيادة العليا لتحتل المواقع الإستراتيجية بغاية التمكّن من وضع برنامجها موضع التطبيق و تجسّد شيئا فشيئا سياساتها و تسعى لإعادة هيكلة العلاقات الإقتصادية و الإجتماعية فى إتجاه الرأسمالية. " أتباع الطريق الرأسمالي " مثلما سمّاهم ماو تسى تونغ فى الصين يوجدون فى مواقع منها يقدرون على تجميع و تحريك بعض القوى الإجتماعية حول برنامج رأسمالي جديد . سيقول البعض :" لماذا إذا لا نتخلص من المشكل بالتخلص ببساطة من الدولة و الحزب الطليعي ؟ " غيرأنه مع ذلك لن يكون المشكل قد عولج ! لأن ذلك لن يقضي على التناقضات التى تقف وراء ظهور طبقة برجوازية جديدة. بالعكس سيحرمنا ذلك من وسائل هامة تخوّل لنا أن نواجه الطبقة البرجوازية الجديدة. على الحزب الطليعي أن يناضل بإستمرار لأجل دفع السيرورة الثورية إلى الأمام. و فى نفس الوقت ، يجد نفسه مركز جميع التناقضات الكبرى التى تشق المجتمع الإشتراكي . و هكذا يمثّل الصراع صلب الحزب بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي نقطة إلتقاء الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية . و هذا الإكتشاف الذى قام به ماو فى خضم الثورة الصينية يعدّ إختراقا نظريا عظيم الأبعاد. و لم يكتف ماو بملاحظة هذه الظاهرة و إنما صاغ أيضا طريقة لحلّ هذا التناقض بتعبئة أوسع الجماهير قاعديا ليسحق سياسيا مركز القيادة العامة للبرجوازية صلب الحزب و لتثوير الحزب و المؤسسات الإجتماعية و الإقتصادية و بخوض الصراع الإيديولوجي لتغيير مفهومها عن العالم. و بذلك تتوفر إمكانية أن تقتلع من الجذور ما يفرز إعادة إنتاج الرأسمالية ذاتها. الثورة الثقافية هزّة بركانية : فى 18 أوت 1966 ببيكين ، وقف ماو تسى تونغ فى نفس المكان الذى خطب فيه فى الجماهير فى 1949 غداة انتصار الثورة. وقف هذه المرّة يستعرض التجمع العام الأول للشباب الثوري. و كان حاضرا أكثر من مليون من الذين سيسمّون بالحرس الأحمر. قبل أسبوعين ، كتب ماو دازيباو ( " جريدة حائطية ذات حروف كبيرة " نشر كمعلقة ) مدوى حمل من العناوين عنوان " أطلقوا النار على مركز القيادة ! ". لم يسبق أبدا أن تجرأ قائد ثوري على تأكيد شيئ كهذا ، بعد إفتكاك السلطة. بهذا الدازيباو ، كان ماو يدعو الجماهير الشعبية إلى معارضة الهياكل الإضطهادية السائدة و إلى الإنتفاض و قلب المسؤولين فى الحزب و الدولة الذين يعملون على دفع الصين على الطريق الرأسمالي. و كان يدعو الجماهير الواسعة قاعديا ، إلى إسترجاع كافة أجزاء السلطة و الإقتصاد و الثقافة و النظام التعليمي التى لم تكن بين أيديها و التى كانت تحت سيطرة أنصار الرأسمالية. وهو يقوم بذلك أطلق ماو ما سيتكشّف أنه ثورة حقيقية داخل الثورة . الحرس الأحمر: المحفٍّزون : أمام الحشود الهائلة المجتمعة فى ساحة تيان آن مان ، وضع ماو شارة حمراء وهي رمز الحرس الأحمر. و كان يودّ هكذا أن يعلن بوضوح مآزرته و تشجيعه للشباب الثوري. و كان يودّ أن تمسي الروح النقدية و الثورية للحرس الأحمر مدرسة. و من هنا فصاعدا سيلعب الحرس الأحمر دورا مفتاحا فى سيرورة الثورة الثقافية. من المهم إدراك كيف كان الوضع فى الصين حينئذ فضمن مسؤولي الحزب و الإدارة العامة ، كان الكثيرون يبدون ثابتين فى أماكنهم و يشجعون على سياسة برجوازية و إن كانت مقنعة بطلاء ماركسي. و كانت غالبية العمال و الفلاحين يعتبرون من التحصيل الحاصل أن القادة على صواب دوما بما أنهم " شيوعيون ". و قد أراد ماو أن يحدث شرخا فى هذا التوجه إلى الرضا بالوضع السائد. و أراد كسر تبجّح أتباع الطريق الرأسمالي. و فى عديد الوحدات الإنتاجية (الصناعية و الفلاحية ) كان الناس فعلا يخافون نقد القيادة. حينها صعد الحرس الأحمر إلى الركح. و أحدث الحرس الأحمر زلزالا حقيقيا داخل المجتمع الصيني. فقد نظم مظاهرات و إجتماعات من كل لون و شرعوا فى نقد بعض المسؤولين الكبار و الصغار. و دعا الحرس الأحمر إلى طرد مديري مدارس كانوا يتصرفون كطغاة . إلتحق الجيل القديم بالثورة فى ثلاثينات و أربعينات القرن العشرين ، زمن مقاومة اليابان و قوى تشانكاي تشاك المدعومين من طرف الولايات المتحدة. و مذاك إلتحق جيل جديد تماما بالثورة . فسمحت الحكومة للشباب الثوري بالسفر بحرية و مجانا عبر القطارات. و إنتشر الحرس الأحمر فى الأرياف و فى كافة المناطق متنقلا عبر العربات العسكرية. فقد زاروا آلاف القرى ليلتقوا بالفلاحات و الفلاحين الذين طالما بقوا عنهم مقطوعين و علموهم قبلا أن ينتظروا إليهم من فوق. لذا كان الحرس الأحمر بمثابة محفٍّزين فقد حثّوا الجماهير على رفع رأسها و على أخذ الكلمة. و إليكم ملخصا عن وصول الحرس الأحمر و ما فعلوه فى قرية كما رواه فلاح : " كان الحرس الأحمر غاية فى التنظيم. كانوا يقسمون أنفسهم إلى فرق صغيرة لمقابلة كل العائلات. و كانوا يقرؤون علينا مقتطفات من أقوال ماوتسى تونغ و يحدثوننا عما يحدث فى بيكين و شنغاي. لم يسبق لنا أن رأينا غرباء بهذه الكثافة فى القرية ! و كانوا يسألوننا عن ظروف حياتنا و يسعون للحصول على أوفر معلومات ممكنة من لقاءاتهم بنا. و حاولا التعرف على كيفية تنظيم فرق عملنا. ثم شرعوا فى النقاشات مع الكوادر الرئيسية لفرق عملنا. و سألوهم عن نظام التوزيع حسب العمل . و هكذا تحصلت على نسخة من الكتاب الأحمر الصغير الذى كان الحرس الأحمر يوزعونه بيتا بيتا. و فى النهاية، صار عند الجميع نسخا منه وكان للحرس الأحمر أهمية كبرى لدينا. و عقب مغادرتهم ، واصلنا قراءة مقتطفات من أقوال ماو تسى تونغ مثلما علمونا ذلك. كنا نقرأ و كنا نقارن محتوياتها بما كان يجرى عندنا و توصلنا عندئذ إلى إستخلاص أن هنالك بعدُ أشياء عديدة تحتاج التغيير". ( ييان ميردال و غون كاسل : الصين : الثورة المستمرة ، نيويورك ، فنتاج ، 1972 ص 106-107) . التوجه الذى عنه دافع ماو تسى تونغ : يكره الإيديولوجيون البرجوازيون الثورة الثقافية فهم يتحدثون عنها قائلين إنها كانت نوعا من العملية الكبرى من الدعاية " للسيطرة على تفكير" الناس. إنهم يصوّرون الحرس الأحمر كزمرة من الشباب الطائش قامت بالإعتداء على الممتلكات. و يغمروننا بدراسات و بحوث تتحدث عن الثورة الثقافية كمرحلة عنف و إنتقام. و لكن كل هذا لا يعكس مطلقا الواقع الجوهري لما كانت فعلا . لنؤكد أولا أن الثورة الثقافية كانت أبعد ما يكون عن التميّز بالعنف و الخصومات التى لا تنتهى. ذلك أنه منذ البداية ، أصدرت القيادة الماوية توجيهات واضحة تحدد أهداف الثورة و طريقة القيام بها. و إحدى الوثائق الرئيسية بهذا المضمار يتعين على كافة الذين يعتنون بالمسألة أن يطلعوا عليها هي " قرار ال16 نقطة " الشهير الذى تبنته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني فى 8 أوت 1966. و هذه مقتطفات منها : " • فلتربى الجماهير نفسها فى هذه الحركة الثورية الكبرى و لتتعلم تمييز الحق من الباطل و أساليب العمل الصحيحة من الخاطئة. • ركزوا كل القوى لضرب الحفنة من اليمينيين البرجوازيين الرجعيين المتطرفين و من التحريفيين المعادين للثورة . .. إن الهدف الرئيسي من الحركة الراهنة هو أولئك الذين فى داخل الحزب و يتبوّأون السلطة و يسيرون فى الطريق الرأسمالي • يجب التمييز بدقة بين النوعين المختلفين من التناقضات : التناقضات بين الشعب و التناقضات بين أنفسنا و العدو. لا يجوز تحويل التناقضات بين الشعب إلى تناقضات بين أنفسنا و العدو.كما لا يجوز إعتبار التناقضات بين أنفسنا و العدو على أنها تناقضات بين الشعب. إنه أمر سليم أن تعتنق الجماهير آراء مختلفة ...الطريقة التى ينبغى إتباعها فى المناظرات هي عرض الوقائع و محاكمة الأمور بالمنطق و الإقناع من خلال المحاكمة العقلية. و لا يجوز إستعمال الإكراه لإخضاع أقلية تحمل آراء مخالفة . " هذا هو إذن التوجه الذى عنه دافع الذين شنّوا الثورة الثقافية. يبقى هل حدثت إضطرابات ؟ دون شك حدثت. هل وجدت تجاوزات و عنف ضروريين ؟ طبعا بما أن الأمر يتعلق بثورة فعلا و حقا. بيد أنه طوال هذه الفترة المضطربة ، سعى الثوريون الماويون بإستمرار إلى صيانة الحركة و توجيهها فى الإتجاه الصائب بتشجيع النقاش و النقد و التعبئة السياسية الجماهيرية. و تبين جيدا حلقة من أشهر حلقات الثورة الثقافية الدور الذى نهض به الماويون . فى جامعة تسنغهوا ،حدثت مواجهات جدية بين مختلف الكتل فى صفوف الطلبة و الطالبات و تفاقم عنف هذه المواجهات شيئا فشيئا. للتصدى لذلك بعثت القيادة الماوية بفرقة خاصة متكوّنة من عاملات و عمال غير مسلحين لتساعد الطالبات و الطلبة على معالجة الخلافات و تسويتها. الثورة الثقافية صراع معقد و تحرري: أحد أبرزالتشويهات التى يلحقونها بالثورة الثقافية هو أن ماو تلاعب و دبّر ما حدث. يقال إن ماو كان المسؤول عن كل عمل و صراع حدث. و يعتبر ماو مسؤولا عن أي و كل حالات العنف. و هنالك مفهوم أن كل شيئ منبعه سلطة واحدة و صانع قرا ر هو ماو . شاركت قوى طبقية و إجتماعية متباينة فى الثورة الثقافية. ثمة ماويون حقيقيون فى الحزب و المنظمات الجماهيرية و ثمة مجموعات مناهضة للماوية داخل الحزب الذى نظم الطلبة و العمال و الفلاحين. و ثمة قوى عسكرية محافظة و مجموعات يسارية متطرفة وإنقسمت منظمات جماهيرية إلى كتل ثائرين و محافظين و عناصر مجرمة و غيرها. كانت مصالح إجتماعية و دوافع متنوعة محور الصراع . و إستعمل بعض الناس الثورة الثقافية لتصفية حسابات شخصية. و عموما كان أعداء ماو داخل الحزب هم الذين يستهدفهم الهجوم السياسي فيلجأون إلى تكتيك إدعاء الدفاع على ماو تسى تونغ و يحثون على الكتلوية و العنف بإسم الثورة الثقافية. إنهم يقومون بهذا بهدف حرف الصراع عن تصويبه نحوهم هم و بهدف إشاعة الريبة حول الحركة الثورية. و الحقيقة هي أن الثورة الثقافية صراع معقد محوره أي طبقة ستحكم المجتمع البروليتاريا و حلفاؤها الذين يمثلون الغالبية الساحقة للمجتمع و تواصل الثورة لتغيير المجتمع أم الطبقة البرجوازية الجديدة. بعدُ ، فى خضم هذا الصرع ،كان ماو و القادة الثوريون قادرون على قيادته فى إتجاه معين مركزين على الصراع السياسي ضد أتباع الطريق الرأسمالي ذوى المراتب السامية و على مزيد تثوير المجتمع ووضع السلطة بيد الجماهير. فكروا فى ما كان سيحدث. كان ماو يطلق مئات الملايين لجدال و نقاش توجه المجتمع و ليضطلعوا بمسؤولية مصير المجتمع . لم يحدث مثل هذا أبدا فى السابق تاريخيا . فى الولايات المتحدة الأمريكية و ديمقراطيات برجوازية أخرى تحدد الإنتخابات الحياة السياسية و مرة كل أربع سنوات يساهم الناس فى طقوس تعزز الوضع القائم و تبقيهم سلبيين. و هنا فى الصين الثورية هنالك جيشان و نهوض لا يصدقان وهو أمر جلل فى المجتمع. و فى هذا الوضع إنطلقت الأمور فى جميع الإتجاهات. وجد حرس أحمر إنحرفوا فى حماسهم لتخليص المجتمع من التأثيرات البرجوازية و قاموا بتجاوزات. فى هذا الجوّ ، كان على ماو و القادة الثوريون أن يقودوا الجماهير لمعالجة الأمور و تلخيص دروس الصراع و طرقه و توطيد المكاسب. كان الصراع الطبقي فى المجتمع –إستمرار الصين على الطريق الإشتراكي أم العودة إلى الرأسمالية – مرتكز فى أعلي مراتب الحزب و الدولة. وهو يعالج هذا ، لم يكن ماو يحاول إفتكاك السلطة لمصلحته الخاصة كما يقال لنا عادة. كان بمقدوره ببساطة أن يوقف كافة معارضيه. لكن مثلما أشرنا فى ما مرّ بنا أعلاه ، لم يقم بذلك لأن ذلك لم يكن ليحل مشكل الحيلولة دون قلب الثورة. كان ماو يرمى إلى المجازفة بكل شيئ معوّلا على الجماهير و تعبئتها سياسيا لتمسك بأمهات المشاكل التى تواجه المجتمع. و قد أشار ماو إلى أن الثورة الثقافية كانت صراعا للإطاحة بأتباع الطريق الرأسمالي لكن فى مستوى أعمق ، تعلقت الثورة الثقافية بمسألة النظرة للعالم و تمكين الجماهير من الفهم الواعي و تغيير العالم و نفسها .
حركة جماهيرية لم يسبق لها مثيل : ------------------------------------ شهدت الثورة الثقافية نقاشات و مساءلات جمّة. و حدثت المسيرات السياسية و المظاهرات الإحتجاجية و التجمعات السياسية الجماهيرية. و تم نشر الجرائد الصغيرة ففى بيكين وحدها وجدت أكثر من 900 جريدة. و تم إصدار عدد لا يحصى من الصحف الجدارية ووفرت الدولة الأدوات و التسهيلات لهذه النشاطات مجانا بما فيها الورق و الحبر و الفرشات و المعلقات و الطابعات و قاعات الإجتماعات و أجهزة صوت. و ساعد الحرس الأحمر فى إيصال الحركة إلى البروليتاريا. وببلوغ الثورة الثقافية صفوف العمال شهدت منعرجا جديدا. ففى 1967-1968 شارك 40 مليون عامل فى صراعات جماهيرية حادة و معقدة و إنتفاضات لإفتكاك السلطة من أيدى إدارات المسؤولين المتمترسين فى الحزب و فى البلدية و المدينة التى كانت أوكارا للمحافظين . و عبر التجربة و النقاش و التلخيص و بقيادة ماوية ، شكلت الجماهير أجهزة جديدة من السلطة السياسية البروليتارية . بهذا المدى و هذه الحدة ، لم يشهد التاريخ الإنساني مثيلا للثورة الثقافية . لقد تم العصف بروتين الحياة اليومية و شارك فى النقاش الواسع أناس من كافة المستويات الإجتماعية. فكان الفلاحون يناقشون النهج و القيم الكنفيشيوسية القديمة و الرجعية التى ما إنفكت تأثر فى حياتهم . و كان العمال فى مصانع شنغاي يجربون أشكالا جديدة من المساهمة فى الإدارة. و ما كان من شيئ أو أحد فوق النقد. و تمت مناقشة و محاسبة السلط السياسية و الإدارية و التعليمية التى باتت بعيدة عن الناس. و ما عاد الموظفون منقطعين فى المكاتب و لا يفعلون غير إصدار التوجيهات. و كان عليهم أن يخرجوا و يساهموا فى العمل إلى جانب العمال و الفلاحين. و دفعت الثورة الثقافية عميقا على التقييم الذاتي الإيديولوجي. و أكد ماو أنه لن توجد ثورة لو لم تغير التقاليد و العادات و طرق التفكير. على الثورة أن توجد أخلاقا جديدة و طريقة جديدة فى علاقات الناس. "خدمة الشعب" كان شعارا منتشرا خلال الثورة الثقافية وهو يختلف عن الفكرة البرجوازية للأعمال الخيرية تجاه الفقراء إنما يتعلق الأمر بخدمة حاجيات غالبية المجتمع و قضية الشيوعية عالميا و بتحدى الذهنية البرجوازية " أنا أولا" . ما كان يشدد عليه ماو هو أنه بإمكانكم الحصول على إقتصاد إشتراكي إلا أنه لو لم يجرى تشجيع روح العمل للصالح الإجتماعي الأعم فإن الملكية الإشتراكية ستكون شكلا خاويا . التأثير العالمي : لا نستطيع أن نؤكد بما فيه الكفاية على تأثير الثورة الثقافية على الناس خارج الصين زمن النهوض الراديكالي و الثوري عبر العالم. و فى حين بات الإتحاد السوفياتي قوة معارضة من جميع الوجوه للثورة البروليتارية كان ماو يتقدم بنظرة شاملة للثورة الشيوعية. الثورة الثقافية فى ميداني التعليم و الثقافة : أهم رواية تقود أكثر الدراسات الغربية المعاصرة للثورة الثقافية و التى هي تقريبا " التاريخ الرسمي " الذى نشره النظام المعادي لماو فى الصين هي أن الثورة الثقافية دشنت " عصر الظلمات ". و بصورة منظمة يقع تشويه مكاسب الثورة الثقافية. و لكن الواقع يشهد بأن ما أنجز خارق للعادة.
التعليم :التوسيع و التجديد : -------------------------- يمكن أن نشرع بالحديث عن التعليم بقول إن من التهم الرائجة أن ماو كان مناهضا للتعليم. يونغ تشانغ و ييوان هاليداي فى "ماو : الحكاية غير المعروفة " ذهبا بعيدا إلى حد إدعاء أن مقاربة ماو للتعليم هي حجز غالبية السكان فى مصير "عمال عبيد جهلة أو شبه جهلة ". و مرة أخرى يقلبون تماما الحقيقة رأسا على عقب . •1- إنتشرت الموارد التعليمية على نحو واسع فى المناطق الريفية. بين 1965 و 1976 ، إرتفعت نسبة التسجيل بالمدارس الإبتدائية من 115 مليون إلى 150 مليون و إرتفع عدد المسجلين بالثانويات من 15 مليون إلى 58 مليون – تضاعف بما يناهز الأربعة مرات. و كان الفلاحون يتمتعون بشبكة من أنظمة المدارس القروية و ثانويات قروية مشتركة و معاهد عليا مشتركة. و فى المناطق الجبلية ، وجدت أقسام متنقلة. سنة 1973 ، 90 بالمائة من الأطفال فى عمر الدراسة مسجّلون بالمدارس. و إرتفع تسجيل العمال و الفلاحين فى الجامعات، فى السبعينات. • 2- مهاجمة الفئوية فى التعليم العالي. قبل الثورة الثقافية ، كانت الجامعات حكرا على أبناء و بنات أعضاء الحزب و الطبقات ذات الإمتيازات. و كان الشباب يتنافسون فى إمتحانات للدخول إلى مدارس و معاهد تحضيرية متصاعدة الإنتقائية . و كان للصين تاريخ طويل من النظام التعليمي الإقطاعي الكنفيشيوسي الذى ولد فئة صغيرة ذات إمتيازات ،مطلّقة عن عامة الناس و العمل المنتج فى المجتمع. فقضت الثورة الثقافية على هذا النظام الباحث عن الفئوية و الإمتحانات التنافسية. و عند إتمام الدراسة العليا كان الطلبة يعيشون و يعملون فى مناطق ريفية أو يشتغلون فى المصانع . و إثر سنتين أو ثلاث كان بإمكان الطلبة من مختلف الخلفيات الإجتماعية أن يسجلوا فى المعاهد. و جزء من سيرورة القبول بالمعاهد تتطلب تقييما و توصيات من وحدات عمل الشباب. و تم وضع البيان بسيرة الشخص جانبا كجزء من القطع مع الفئوية ,و مزجت الدراسة و العمل المنتج . و أمسك الناس بالنظرية و السياسات الثورية. و جرى نقد طرق التدريس القديمة للطلبة الذين كانوا مستهلكين سلبيين للمعرفة ونُقد الأساتذة و المعلمون الذين كانوا معتبرين سلطة مطلقة. و تحدت الثورة الثقافية فكرة الفئوية البرجوازية أن التعليم سُّلم ل"صعود" الأشخاص أو وسيلة لإستعمال قدراتهم و المعرفة للحصول على موقع ذى إمتيازات نسبة للآخرين. ليس هذا مناهضة للفكر و إنما هو بالأحرى مسألة وضع المعرفة فى خدمة المجتمع الذى يولد لامساواة إجتماعية . •3- البحوث" المفتوحة الأبواب ". أحد الإختراقات المثيرة التى حققتها الثورة الثقافية هو إختراق ما صار يسمى البحوث "المفتوحة الأبواب". ففى الريف ، أنشأت مراكز علمية قريبة من الحقول. و كان الفلاحون إلى جانب المختصين من المدن يجرون تجاربا على الحبوب الهجينة و الدراسات الموجهة لدورات حياة الحشرات و مظاهر أخرى من العلم الخاص بالميدان الفلاحي. و ساعد هذا الجماهير على التوصل إلى فهم القضايا العلمية و المنهج العلمي و ساعد العاملين بالمجال العلمي على كسب فهم أفضل للظروف الإجتماعية بما فى ذلك ظروف الريف. و فى المدن ، طورت مؤسسات تعليمية و مؤسسات بحث ريادية علاقات مع المصانع و اللجان القريبة و منظمات أخرى. و كان الناس يذهبون للمخابر و كانت المخابر تذهب إلى الناس. و حصلت ترتيبات مجددة مثل إنتاج نساء مصانع مجاورة أجزاء للحواسيب المتقدمة- ليس كالعمل الإستغلالي حاليا فى ما يسمى بالعالم الثالث- لكن ضمن علاقة تعاون مع مخبر أو معهد و علاقة تحصيل المعارف العلمية ككل. الأخصائيون يقصدون الريف : أثناء الثورة الثقافية دُعي الفنانون و الأطباء و العاملون فى مجال التقنية و العلم و كافة أنواع العاملين إلى التوجه إلى العمال و الفلاحين لوضع قدراتهم فى خدمة حاجيات المجتمع و لمشاركتهم حياة الشعب الكادح و لتبادل المعارف و التعلم من القاعديين. يقال لنا إن الذهاب إلى الريف كان شكلا من أشكال العقاب للأخصائيين. حسنا ، هل ينطبق ذلك على الفلاحين ؟ من سأل الفلاحين إن كانوا يودّون الحياة فى الريف ؟ الواقع هو أن سياسة بعث الأخصائيين للريف كانت جزءا من المحاولة الواعية للقطع مع التفاوت داخل المجتمع و لتقليص البون الثقافي و فى الموارد بين المدينة و الريف . كيف طُبّقت هذه السياسة ؟ بالحديد و النار؟ لا . أولا ، وجه نداء من أجل مصالح الشعب العليا و طموحات خدمة المجتمع . و ثانيا ، خيض صراع إيديولوجي. فبات قضية جماهيرية : ما هو أهم أن يكون لطبيب متمرس "الحق" فى حياة ذات إمتيازات فى المدينة أم أن تتوفر الرعاية الصحية على نحو واسع؟ و ثالثا ، وجد عديد الناس الذين عانقوا هذا التوجه بحماس و إلتزام و أمسوا نماذج لغيرهم . و فى الأخير ، وجدت درجة من القسر. باتت سياسة بعث الناس إلى الريف سياسة مؤسساتية . غير أنه ليس كل شيئ سيئ . مثلا ، هل من الخاطئ أن تصدر قانون إبطال التفرقة العنصرية فى المعاهد ،حتى و إن عارضها البعض؟ الآن مثلما قلنا ، إستجاب عديد الأخصائيين و الشباب بحماس فياض لهذا النداء للتوجه إلى الريف. وأود أن ننصح بإلقاء نظرة على كتاب حديث "البعض منا " ( نيو برونسويك : صحافة جامعة روتجارس 2001) . ففى طياته مقالات عديدة كتبتها نساء صينيات ، تعشن الآن فى الغرب و قد شاركن فى الثورة الثقافية . إنهن تتحدث عن كيف أن تجربة التوجه للريف هذه كانت إيجابية و مغيّرة للحياة : و كيف تعلمن من الفلاحين و قمن بالأشياء التى لم تفكر فى أنها قادرة على القيام بها و كسبن معنى قوتهن كنساء و كيف شجعت الثورة الثقافية روح التفكير النقدي. الثقافة : لنمر الآن إلى الثقافة . يقال لنا إن الثورة الثقافية أفضت إلى أرض قاحلة ثقافيا. بيد أن هذا يجانب الحقيقة تماما. فقد حصل إنفجار فى النشاط الفني ضمن العمال و الفلاحين ،شعرا و رسما و موسيقى و قصصا قصيرة و حتى أفلاما. و إنتشرت عروض الفن الجماهيري و إنجازات من نوع جديد شعبي و فني تعاوني بما فى ذلك فى الأرياف و المناطق البعيدة. و بلغت أعمال نحت جماعي نطاقا واسعا مثل مجموعة رانت لوجه الساحة التى بلغت مستوى عال من التعبير الفني و المضمون الثوري. و أنتجت الثورة الثقافية ما سميت "نماذج أعمال ثورية ". كانت نماذج إستطاع الناس عبر الصين كافة أن يحتذوا بها فى تطويرهم أعمالا فنية شتى. ووضعت نماذج الأوبيرا و الباليه الجماهير على ركح المسرح و فى موضع القلب منه. و قد عرضت حياة الجماهير و دورها فى المجتمع و التاريخ . و كانت تلك الأعمال النموذجية من مستوى عال بصورة خارقة للعادة ، مازجة الأشكال الصينية التقليدية مع الوسائل و التقنيات الغربية. بصورة دالة تم تصوير النساء بوجه بارز قويات فى الأوبيرا الثورية. و تجولت مختلف فرق أوبيرا بيكين فى الأرياف مساعدة المجموعات الثقافية المحلية على التطور و متعلمة من العروض المحلية. دعونا نقرأ مقتطفا مما رواه أحدهم متحدثا عن كيف أثرت الأعمال الثورية النموذجية و الإنتشار العام للثقافة الثورية فى قريته. قال: " لقد كنت شاهدا على نهوض غير مسبوق للنشاطات الثقافية و الرياضية فى قريتنا مسقط رأسي ، قرية غاو. نظمت القرى الريفية لأول مرة فرقا مسرحية عروضا مزجت مضامين و أشكال من الثماني نماذج من أوبيرا بيكين مع اللغة و الموسيقى المحلية. و لم يسلى القرويون أنفسهم فحسب بل تعلموا أيضا كيفية القراءة و الكتابة بالتوغل فى المسرحيات و نظموا لقاءات رياضية و مقابلات بين القرى. ووفرت هذه النشاطات جميعها للقرويين فرصة الإلتقاء و التواصل و التحابب. و ووّعتهم هذه النشاطات بمعنى الإنضباط و التنظيم و خلقت مجالا عاما حيث ذهبت التجمعات و الإتصالات أبعد من العائلة و القرية. و لم يحصل ذلك أبدا من قبل و لم يحصل بعدئذ." ( موبو غاو "نقاش الثورة الثقافية " بحوث آسيا النقدية ، 34:3 (2002 ) ص 427-428). الثورة الثقافية : الرعاية الصحية و التغيير الإقتصادي : ----------------------------------------------------- لنلقى نظرة على الرعاية الصحية أثناء الثورة الثقافية و دعونا نعرض المسألة بكلمات بسيطة . تمكّنت الصين الماوية التى لم تكن بلدا غنيا على إيجاد ما لم تستطع أن تقترب منه الولايات المتحدة الأمريكية أي نظام رعاية صحية عمومي شامل. و قد وفرت الخدمات الصحية مجانا أو بثمن رمزي و كان نظام الرعاية الصحية منقادا بمبادئ التعاون و المساواة. فى الصين الماوية ،كان يتم التشديد على الوقاية و النظافة و إجراءات صحية جماهيرية عمومية. و خلال الثورة الثقافية ، تحول التركيز على توسيع و منح الموارد إلى الريف ، مع التحسين العام للرعاية الصحية فى المدن و حتى فى مناطق الريف البعيدة ، توفرت بعض الخدمات الطبية. فى الريف، كان لكل كمونة شبكتها الصحية المتضمنة لمصحة أو مستشفى كبير و محطات صحية ومستوصفات فى مستوى القرية. و كان معدل الكلفة السنوي للخدمات الصحية للفلاحين دولارا أو دولارين. و أحد أهم التطورات المثيرة التى أحدثتها الثورة الثقافية هي حركة " الأطباء ذوى الأقدام الحافية ". كان هؤلاء فلاحون شباب و شباب مديني بعث إلى الريف فكانوا يدرّبون بسرعة على الرعاية الصحية الأساسية و المعدات الطبية لتلبية الحاجيات المحلية و الذين كانوا قادرين على معالجة أكثر الأمراض شيوعا. و كان الأطباء من المدن يقصدون المناطق الريفية ففى كل فترة كان ثلث الأطباء المدينيين يقضون مدة فى الريف. و تحسنت الرعاية الصحية فى المدن أيضا. ففى بداية السبعينات ، كانت نسبة وفايات الأطفال اقل من النسبة المسجلة فى مدينة نيويورك حينها. و مثلما قلنا فى مفتتح كلامنا تضاعف أمل الحياة فى ظل ماو من 32 سنة سنة 1949 إلى 65 سنة فى 1976. تسمعون عن كافة التهم حول عدد الموتى الذين كان ماو مسؤولا عنهم. لكن الواقع هو أن عشرات ملايين الأشخاص إنقذتهم فعلا الثورة الإشتراكية . لنجمع كافة الوفايات قبل الأوان و الممكن تجنبها بسبب سوء التغذية و الفقر و نقص الرعاية الصحية الأساسية و نقص الإستعداد و القدرة المؤسساتية على مواجهة الآفات . لا مقارنة . تشير آمارتيا سان ، صاحبة جائزة نوبل ، إلى أن سنة 1949 كانت الصين و الهند متشابهة بصورة تجلب الأنظار فى تطورهما الإجتماعي و الإقتصادي . و تستطرد سان قائلة إنه فى العقود الثلاث التالية :" ثمة شك قليل فى ما يتعلق بالأمراض و الوفايات و أمل الحياة ، فى أن الصين تقدمت بشكل كبير و حاسم نسبة للهند". و بالنتيجة ، تقدّر سان أنه كان بالإمكان ألا يموت بالهند ما يناهز الأربعة ملايين شخص فى 1986 إذا كانت الهند إتبعت نظام الرعاية الصحية و شبكة توزيع الغذاء الماويين . وهنالك البحث المعادي للشيوعية المسمى ب " الكتاب الأسود للشيوعية " الذى يتحدث عن ما يدعى أنه "الفشل الذريع" للشيوعية و يتهمها بالتسبب فى وفاة 100 مليون إنسان . حسنا حتى و إن كان ذلك الرقم صحيحا وهو غير صحيح فإن نعوم تشومسكى الذى قام بعملية حسابية مهمة مستعملا الأرقام التى قدمتها سان ذكر : فى الهند ،" تجربة "الرأسمالية الديمقراطية منذ 1947 تسببت فى عدد أكبر من الوفايات منه فى تاريخ كل"التجربة الشيوعية التى يقال أنها فشلت "فشلا ذريعا" فى كافة البلدان منذ 1917 أي أكثر من مائة مليون وفاة سنة 1979 و عشرات الملايين مذاك فى الهند فحسب." التغيير الإقتصادي: فى ما يخص الإقتصاد، سجلت الصين الماوية نجاحات مثيرة فقد بلغت تطورا سريعا فى الفلاحة و الصناعة و النقل و البناء. و قد نمت الصناعة بنسبة معدل سنوي من 10 بالمائة خلال الثورة الثقافية وهي نسبة عالية حتى بالمقاييس الرأسمالية. لقد شيّدت الصين قاعدة صناعية عصرية ، مازجة الصناعة الثقيلة و الخفيفة و دون التعويل على قروض أو إستثمارات أجنبية. و نمت الفلاحة بحوالي 3 بالمائة سنويا متماشيا مع النمو السكني. و ضاق البون بين المدينة و الريف و تحسنت المعيشة العامة للفلاحين. و مثلما قلنا سابقا ، سنة 1970 إستطاعت الصين ان تنتج و توزع الغذاء اللازم للحيلولة دون الجوع و سوء التغذية. و تم هذا عبر نظام تخطيط مركزي جرى وفقه توجيه الصناعة نحو خدمة الفلاحة ، و نظام فلاحة جماعي شجع على جوهرية تعبئة الغذاء و مراقبته ،و إستثمار مستمر فى البنية التحتية الريفية و توزيع متساو للغذاء للفلاحين و توزيع حصص الغذاء الأساسي حتى يتم ضمان الحاجيات الدنيا للجميع. فكان هذا بمثابة قطيعة راديكالية مع ماضى الصين. فى عالم حيث يشكو بليون إنسان سوء التغذية و الجوع هذه دروس عميقة جدا. و قد إتبعت الصين الماوية نهجا فذّا فى التطور الإقتصادي فلم تكن سيرورة التصنيع سيرورة تشييد مدن فوضوية غير مخطط لها. و بذلت جهودا واعية لتقليص نمو المدن و حجمها و تطوير المدن الصغيرة و المتوسطة . و جرت عملية عدم مركزة الصناعة لتجاوز الإختلافات الجهوية . ووجهت الموارد إلى المناطق الأفقر و وقع التشديد على الجرارات و الآلات التقنية المناسبة للظروف الريفية . و كل هذا يمثل دروسا هامة لعالم اليوم . تُنقد الإشتراكية على أنها تنتج أنظمة تخطيط عالية البيروقراطية. و نعم هذا خطر ينبغى الإعتراف به و تحديده. لكن فى الصين الماوية كرست المقاربة الأوفر مرونة لتخطيط قادر على المزج بين التنسيق الممركز و المبادرة و المراقبة المحليين. و تعاونت المؤسسات الصناعية و الفلاحية. و كانت الصحة و البيئة و سلامة العمل من مشاغل التخطيط المحلي. و حين ضربت أفات طبيعية ضربتها حشدت الدولة البروليتارية الموارد و عبئت الجماهير للعمل بصورة مشتركة و إنجاز مخططات منسجمة. و إعتمد التطور الإقتصادي فى الصين الماوية أولا و قبل كل شيئ على الجماهير المسلحة بالفهم السياسي لأهداف الثورة الإشتراكية و تناقضاتها و بمعنى دورها الحاسم فى إعادة تشكيل المجتمع. ويمثل نظام التخطيط المركزي الذى تقوده المبادئ الإشتراكية عالما آخر بعيدا كل البعد عن الإقتصاد الرأسمالي. فى ظل الرأسمالية ما ينتج و كيفية القيام بذلك يخضعان إلى الربح إذ تتنافس وحدات رأس المال خاصة كل منها متبعة مصالحها الخاصة و تتنافس على نطاق واسع الواحدة مع الأخرى. فى هذا النظام الفوضوي ،لا يوجد و لا يمكن أن يوجد تخطيط عقلاني على مستوى المجتمع بأسره للحاجيات الإجتماعية. ولننظر إلى ما يفرزه العالم الرأسمالي. أنظروا إلى الفجوة بين الغني و الفقير و إلى مدن ما يسمى العالم الثالث الضخمة للغاية ذات الأحزمة من مدن الصفيح البائسة و أنظروا إلى مناطق الإستغلال المستحدثة خدمة للشركات العالمية و إلى السلعنة اللامتناهية للطبيعة – من الشركات المتحكمة فى البذور و أدوية الأعشاب الطبيعية إلى خوصصة الماء فى بلدان أفريقية قاحلة . كانت الصين الماوية تتجه فى طريق مختلف كليا.
(7 ) هزيمة الإشتراكية فى الصين و الدروس المستخلصة للمستقبل: ----------------------------------------------------------------------- الصين لم تعد بلدا إشتراكيا : ------------------------ لم تعد الصين المجتمع الذى وصفنا ، لم تعد بلدا إشتراكيا. ففى 1976 ، قاد دنك سياو بيتغ إنقلابا أطاح بالحكم البروليتاري. وتمكن أتباع الطريق الرأسمالي الذين كان ماو يقود الصراع ضدهم من الإنتصار . و أدت سياسات هذه الطبقة البرجوازية الجديدة إلى منتهى الإستقطاب الإقتصادي و الإجتماعي. و تحولت الصين إلى أرض لليد العاملة البخسة تستفيد منها المؤسسات العالمية. نعم ، غدى البعض أغنياء جدا و بسرعة تتسع الطبقة الوسطى الجديدة بيد أن هذا كله مثّل التالي للجماهير الشعبية بإقتضاب : • تخضع المصانع فى مناطق صناعية خاصة العمال إلى ساعات عمل طويلة لا تطاق و غذاء أقل من اللازم و أماكن نوم مكتضة و إساءة الإداريين للعمال . • يخضع الفلاحون إلى آداءات مفرطة و عدم دفع الدولة لمقابل للمحاصيل. و الحكام المحليون فى إرتباط بالمقاولين و يشتركون معهم فى الإستيلاء على أراضى شاسعة مما تسبب فى موجات من إحتجاجات الفلاحين. • يتجول 200 مليون عامل فلاحة جائبين الريف و منتهين فى المدن بحثا عن العمل و دون أي ضمان للعمل أو السكن. • بين 1995 و 2000 فقط ، طُرد 48 مليون عامل من مؤسسات الدولة. • و تنتشر العاهرات فى المدن. و بالصين توجد الآن سوق عالمية مزدهرة لأطفال إناث غير مرغوب فيهن. • قاد حلّ الكمونات فى الريف إلى تداعي نظام الرعاية الصحية العمومي. فكان هذا عاملا كبيرا فى إنتشار طاعون السارس فى 2003 . وتجارة الجنس المزدهرة و تفاقم إستعمال مخدرات عن طريق الإبر و كون الفلاحين اليائسين يبيعون الآن دمهم للبقاء على قيد الحياة ، كل هذا ساهم فى أزمة مرض فقد المناعة / آيدس. • إدخال ممارسات السوق الحرة فى الريف كان يعنى أن المدارس الريفية تموّل الآن برسومات التعليم والأسعار المطلوبة الأخرى. و النتيجة هي أن عديد القرويين الفقراء ما عادوا قادرين على توفير لوازم إرسال أطفالهم إلى المدارس. • و التلوث يخنق المدن و الفضلات الصناعية تصب فى الأنهار و يستنزف إحتياطي الغابات- هذا هو الثمن البيئي لإقتصاد الطاغوت اللامبالي فى الصين و الذى تشيد به الحكومات فى الغرب . حين رفع ماو شعار "خدمة الشعب " رفع دنك شعار " أن نكون أغنياء أمر عظيم " لقد أعيد تركيز الرأسمالية فى الصين . --------------------------------------------------------- (8 ) البناء على أساس الموجة الأولى من الثورات الإشتراكية : ----------------------------------------------------------------- سجلت هزيمة الثورة الصينية فى 1976 نهاية مرحلة. بلغت المرحلة الأولى من الثورات البروليتارية نهايتها. مثلت الثورة البلشفية لسنة 1917 أول إختراق فى إفتكاك السلطة و إستعمالها لأجل بناء مجتمع جديد. و مثلت الثورة الصينية قفزة نسبة للتجربة السوفياتية . كان ماو تسي تونغ يبحث عن طريقة ووسيلة للحيلولة دون مسك الطبقة البرجوازية الجديدة بالسلطة. و قد إكتشف نهجا جديدا فى محاولة معالجة هذا المشكل و صاغ طريقا للتغيير الثوري كان تحرريا أكثر فأكثر تناسقا مع وسائل الثورة الشيوعية و أهدافها من التجربة فى الإتحاد السوفياتي لما كان بلدا إشتراكيا بين 1917و 1956. و مع ذلك منيت البروليتاريا فى الصين بالهزيمة. و اليوم لا وجود لدول إشتراكية فى العالم و نحن فى نقطة تطور إجتماعي حيث على الإنسانية أن تتجاوز الرأسمالية. الرأسمالية ليست نهاية التاريخ بل هي فى الحقيقة أهم حاجز أمام تحقيق إمكانية عالم مغاير. لذا علينا ان نتعلم من الموجة الأولى من الثورات الإشتراكية. علينا أن نبني على أساس أفضل مظاهر التجارب السوفياتية و بخاصة الصينية غير أنه علينا أن ننقد الأشياء التى تقف فى الطريق المؤدى للشيوعية. نحتاج إلى تلخيص و فهم ماركسي- لينيني- ماوي جديد. و هذه المهمة بالضبط هي التى نهض بها بوب آفاكيان،رئيس الحزب الشيوعي الثوري،الولايات التحدة الأمريكية وننصح و نشدّد على أن تكتشفوا مؤلفاته مثل "نهاية مرحلة و بداية أخرى" ، "الدكتاتورية والديمقراطية و الإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعية"و"تجاوز القمتين الكبيرتين" و المؤلف المنشور فى الفترة الأخيرة "ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ،و العلم و الفلسفة". خاتمة : طوّر بوب آفاكيان نموذجا جديدا من المجتمع الإشتراكي: إن دكتاتورية البروليتاريا هي شكل سلطة الدولة و الحكم الطبقي الذى يخول للبروليتاريا و حلفائها المسك بناصية المجتمع ...و تغييره... و دفعه قدما صوب الشيوعية ، مجتمع من الأحرار المتعاونين. و نحتاج إلى قيادة صلبة و حالمة لتوجيه الصراعات المعقدة و الباعثة على التحدى لبلوغ هدف المجتمع الخالي من الطبقات. و نحتاج إلى مسك السلطة و لا نودّ أن نسمح للرأسماليين بإعادة إفتكاكها. لكن كما يقول بوب آفاكيان ينبغى أن تكون السلطة الجديدة جديرة بالدفاع عنها. و على الإشتراكية أن تكون مجتمعا ينبض حياة و إثارة أين يبغى الناس العيش ... و أن تبسط الطريق نحو الشيوعية. و قد تطرق الشيوعيون الماويون إلى مختلف أوجه هذا التحدى بطرق وسعت آفاق الماركسية. و هنا نود أن نلقي الضوء على نظرة الشيوعيين الماويين إلى الحيوية و المعارضة الفكرية فى المجتمع الإشتراكي. أهمية الحيوية الفكرية : فى ظل الإشتراكية ، تطلق الجماهير الشعبية لتسيّر المجتمع و تغيره نحو الغاية الشيوعية. فى هذا المجتمع الإشتراكي نودّ و نحتاج التوحد مع و قيادة قطاعات عريضة من الشعب لتضع بين أعينها هدف إيجاد عالم جديد. فى هذا المضمار ، وجه الشيوعيون الماويون الإنتباه إلى أهمية المجالات الفكرية و الفنية و العلمية فى المجتمع الإشتراكي و الدورالخاص الذى يمكن أن يضطلع به المثقفون فى المجتمع الإشتراكي. يمكن للمثقفين و الحيوية الفكرية أن يساهموا فى الديناميكية و روح الجدال التى يجب أن تميز المجتمع الإشتراكي. أحد المظاهر الأكثر إيجابية للحياة الثقافية هو الإتجاه نحو النظر إلى الأشياء بطرق جديدة و من نواحي جديدة لتحدى الوضع القائم والتفكير الضيق الأفق. و يحتاج هذا لأن يكون أكثر هو الحال السائد فى ظل الإشتراكية. إن الحيوية الفكرية و العلمية أساسيين للبحث عن الحقيقة و للناس لمعرفة العالم بشكل أعمق كي يستطيعوا تغييره بصورة أشمل. تاريخيا ، كان الناس أسفل السلم الإجتماعي مبعدين عن خضم " الخوض فى الأفكار". يحدث المجتمع البرجوازي جزرا و جيوبا حيث بإمكان أقلية أن تخوض فى خضم الأفكار بينما تكون الغالبية الساحقة من الإنسانية مستغلة و ممنوعة من مواصلة النشاط الفكري. و على المجتمع الإشتراكي أن يغير هذا الوضع و أن يضع حدا للإستغلال و يأهل الجماهير الشعبية للخوض فى الأفكار و أن تفهم كافة أنواع الأسئلة و أن تشارك فى جميع المجالات الإجتماعية. و هذا شأن عالجته الثورة الثقافية بقوّة . و فى نفس الوقت ، أشار آفاكيان إلى أن المجتمع الإشتراكي يحتاج إلى تقديم فرصة و مجال للمثقفين و الفنانين و العلماء. لا نريد أن نحافظ على و أن نعيد إنتاج قلاع عاجية كتلك الموجودة فى المجتمعات الرأسمالية و لا أن نخنق و نلجم المثقفين أيضا. نود أن نتحد معهم و أن نقودهم. و هنا يتعين قول إنه وجد مشكل فى المجتمعات الإشتراكية السابقة. فقد ظهر توجه نحو النظر إلى النشاط الفكري الذى لا يخدم مباشرة أو ليس مرتبطا بأجندا الدولة الإشتراكية فى أي زمن معين على أنه غير ذى أهمية أو أنه يخل بهذه الأجندا. الآن و قد قدموا هذا الفهم و أشاروا إلى هذه الهنات ، يعيد آفاكيان رسم تجربة الثورة البروليتارية فى المجالات الثقافية و العلمية . دروس مسألة ليسنكو : ------------------------ مسألة ليسنكو شهيرة. كان ليسنكو عالم بعلم الزراعة. سوفياتي فى الثلاثينات ذو جذور بروليتارية. و قد دافع عن النظرية القائلة بأن الميزات المكتسبة يمكن أن تورث. و كانت هذه النظرية غير متناسقة مع البيولوجيا و علم الأجنة المعاصرين غير أنها كانت جذابة لأنها أعطت وعدا بالتوسع السريع لإنتاج الحبوب. و مثلما شددنا فى السابق حين ناقشنا التجربة السوفياتية ، وجدت حاجة حقيقية لمعالجة المشاكل الإقتصادية الكبرى. و شجع ستالين ليسنكو و أفكاره بشدة. و كان عديد العلماء الذين نقدوا ليسنكو من الحراس القدماء للأكاديمية و كان بعضهم رجعيا سياسيا فمُنع نقدهم و المشكل هو أنهم كانوا على صواب فى ما يخص العلم و كان ليسنكو مخطأ. يرى الشيوعيون الماوين هذا مشكلا علامة فى الحركة الشيوعية العالمية إذ وجدت توجهات للتفكير بأن الماركسيين فحسب هم الذين يمسكون بالحقيقة. وجدت توجهات لإفتراض أن الشخص إذا كان رجعيا سياسيا فبالتالي يعنى ذلك أن الأفكار العلمية و الثقافية يجب أن تكون محل شك أو خاطئة. و لكن هذه ليست مقاربة ماركسية للحقيقة. فالحقيقة هي الحقيقة ، لا يهم منبعها. و يمكن أن يمسك الرجعيون بجزء من الحقيقة. ليست الخلفية البروليتارية و لا الإلتزام بالماركسية و التغيير الثوري ضامنا للمسك بالحقيقة. و بالتالي علينا الحكم على النظريات على أساس علمي. من الضروري أن تلج الماركسية مختلف مجالات البحث و تصل إليها و تطبق فيها بشكل خلاق لأن الماركسية هي الإنعكاس الأكثر صرامة و علمية للواقع المادي فى كل تبدلاته. و الماركسية تسمح بتلخيص الأشياء خدمة لمصلحة جماهير الشعب فى تغيير العالم. إلا أن الماركسية لا تعوض الجوانب الخصوصية للمجالات المعينة للمعرفة و الممارسة العلمية. و ليس الماركسيون على صواب دوما. و عادة يملك آخرون الحقيقة. لذا علينا أن نبحث عن ديناميكية فى المجتمع الإشتراكي حيث يوجد هذا الصراع من أجل الحقيقة بكل غناه و تفاعلاته و حيث تشجع الماركسية و تطبق بشكل خلاق. علينا أن نتبع الحقيقة مهما كان الموقع الذى تؤدى إليه. و هذا جوهري كي نبلغ الشيوعية. المخالفة فى الرأي و حقوق الشعب : فى تجديد الرؤية الإشتراكية ، ما إنفك بوب آفاكيان يشدد على دور المخالفة فى الرأي فى المجتمع الإشتراكي . لقد قال إن الآراء المخالفة لا ينبغى السماح بها فحسب بل ينبغى تشجيعها بنشاط و هذا يشمل الأفكار المخالفة للحكومة . و هذا أمر جديد تماما فى فهم الشيوعيين. لماذا نولى هذه الأهمية للأفكار المخالفة ؟ لأنها تكشف نواقص المجتمع الجديد و مشاكله...لأنها تساهم فى الفكر النقدي الفني الذى ينبغى أن يتخلل المجتمع الإشتراكي و يدفع البحث عن الحقيقة إلى الأمام ...و لأن الأفكار المخالفة يمكن أن تساهم فى الصراعات لأجل تعميق تغيير المجتمع. لن نبلغ الشيوعية دون هذا النوع من الزلزال . الآن ما نناقشه هو فعلا مظهر من مظاهر الديمقراطية فى ظل دكتاتورية البروليتاريا. مع أنه لا يمكن أن نسمح للناس بأن تتنظم للإطاحة بالنظام ، فإننا لا نرغب فى وضع حيث يخشى الناس الكلام بصوت عال ضد النظام و يتعرضون للقمع مثلما حدث فى الإتحاد السوفياتي فى ظل ستالين. يجب أن يشعر الناس بأن لديهم مجالا للإختلاف مع الذين فى السلطة. و على المجتمع الإشتراكي أن يوفر اللوازم و المنافذ حتى يستطيع الناس التعبير عن هذه الآراء . ينظم المجتمع الإشتراكي لأجل بلوغ القضاء على كافة الطبقات و الإختلافات الطبقية و تجاوز كافة الأنظمة و العلاقات الإستغلالية ،و تخطى جميع المؤسسات و العلاقات الإجتماعية كإستغلال النساء ، و تمكين الشعب من نبذ كافة الأفكار و القيم الإضطهادية و الإستعبادية. و يسجل هذا الهدف فى دستور المجتمع الإشتراكي. و سيقنن الدستور أيضا حق الغالبية الغالبة من المجتمع فى التعبير و المعارضة و الإحتجاج و ما إلى ذلك. لكن الطبقة الحاكمة المطاح بها و ممثلوها السياسيون و العمليون لن يتمتعوا بهذه الحقوق. و الذين يعملون بنشاط للإطاحة بالنظام الإشتراكي لن يتمتعوا بحقوقهم هذه أو سيضيق عليهم وفقا لجرائمهم فى المجتمع القديم أو فى المجتمع الإشتراكي الجديد. و هذه الأمور لا يمكن تقريرها إعتباطيا فى المجتمع الإشتراكي بل سيجرى التعاطى معها و تقريرها عبر إجراءات و سيرورات دستورية قائمة و مفعلة. و لن تقمع وجهات النظر الرجعية السياسية و الإيديولوجية بما فى ذلك تلك التى تعارض النظام الإشتراكي و سياسات الحكومة إلا إذا شاركت أو كونت جزءا مباشرا من محاولات فعلية لتنظيم الإطاحة بالنظام الإشتراكي. كتب آفاكيان أنه سيكون من المفيد السماح حتى للرجعيين بنشر بعض الكتب و الإجهار بالرأي فى المجتمع الإشتراكي فهذا سيساهم فى السيرورة التى ستتوصل من خلالها جماهير الشعب إلى معرفة العالم بصورة أشمل و القدرة على أن تفرز على نحو أشمل ما يتناسب و ما لا يتناسب مع الواقع و ما يتناسب و ما لا يتناسب مع مصالحها الجوهرية فى إلغاء الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة الإجتماعية. هذه طريقة هامة ستأهل الجماهير بشكل أفضل للمشاركة فى تسيير المجتمع و العالم بأسره نحو الغاية الشيوعية.
رفع التحدى : ---------------- و إختصر هذا النمط من المجتمع الإشتراكي فى ما أسماه بوب آفاكيان " لب صلب مع كثير من المرونة "حيث يجب التمسك بالسلطة و التقدم بالمجتمع على الطريق المؤدى للشيوعية ، لا أن يعيد تركيز الرأسمالية. هذا هو اللب الصلب. و فى إطار مجتمع يتخطى كافة أشكال الإستغلال و الإضطهاد و اللامساواة ، يجب ان تتوفر مرونة أي نقاش واسع و حيوية و تجريب و زلزلة و أناس مندفعين فى كافة أنواع الإتجاهات الخلاقة و المتنوعة. ما إنفك بوب آفاكيان يتفحصون تجربة الثورة الإشتراكية بهذه الطريقة النقدية و الباعثة على التحدى و يقومون بذلك من منظور تمكين الإنسانية من بلوغ الشيوعية. و قد أنتج جملة من الأعمال نشجع على الإبحار فيها. و نعتقد أنكم ستستفزون و ستفاجأون و ستستلهمون منها الكثير عند مطالعتها. و نختم . بدأنا بالحديث عن الوضع الملح لهذه اللحظة من تاريخ العالم. هل ينبغى أن يحكم على الإنسانية بالعيش ضمن النظام القائم القاسي ؟ أم هل أن عالما آخر ممكن ؟ عالم مختلف راديكاليا، رائع ؟ نعم هذا العالم الرائع ممكن. و ما علاقة تجربة الثورة البروليتارية للقرن العشرين بكل هذا ؟ لها علاقة وطيدة للغاية ذلك أن هذه الموجة الأولى من الثورة سجلت بداية ، بداية تاريخية. حققت مكاسب عظيمة بيد أنه علينا أن نحقق ما أفضل. و علينا أن نمضي أبعد و أن نقوم بما هو أفضل . /. -------------------------------------------------
خاتمة عامة : --------------
هدف الماركسية هو الشيوعية ================ نحن الشيوعيين لا نخفى آراءنا السياسية أبدا . ان منهاجنا للمستقبل أو منهاجنا الأقصى هو نقل الصين و التقدم بها الى المجتمع الاشتراكى و الشيوعي ، و هذا أمر مؤكد لا يتطرق اليه أدنى شك . و اسم حزبنا ذاته و نظرتنا الماركسية الى العالم يشيران بكل جلاء الى هذا المثل الأعلى للمستقبل ، الذى هو غاية فى الاشراق و الروعة. – ماو تسى تونغ-
لقد تعرضت الشيوعية و لا تزال منذ اكثر من عشرية لهجوم مركز أيما تركيز لم يهدف الى التنافس معها أو محاصرتها و انما الى القضاء عليها نهائيا مستغلا ما آلت اليه التجارب البروليتارية والانحسارالعالمى للموجة الأولى من الثورة و بناء الاشتراكية . بيد أن الشيوعيين عبر العالم لم يقفوا مكتوفى الأيدى بل تصدوا لمهمة مقارعة البرجوازية و أذنابها و خاضوا نضالات ضارية دفاعا عن علم الثورة البروليتاري و انتقلوا فى بلدان معينة الى الهجوم المضاد مبينين عمليا من جهة هشاشة ركائز الهجوم البرجوازى الامبريالى أي نظريات " موت الشيوعية "و " نهاية التاريخ " و" صراع الحضارات " و من جهة أخرى متانة المبادىء الثورية للشيوعية التى لا تزال حيوية كل الحيوية ومؤهلة لرفع التحدّيات و تفسير العالم وتغيير ثوريا و ممهدين بذلك السبيل أمام موجة جديدة من الثورة البروليتارية العالمية . و ما يلفت انتباه متتبع الحركة الماركسية فى القطر و عربيا يلاحظ دون عناء أن غالبية ان لم نقل كافة مكوناتها لم تخض كما ينبغى و جماهيريا هذه المعركة العالمية و لم تساهم فى الدفاع المستميت عن المبادىء الجوهرية و الثورية للشيوعية نحو تطويرها انطلاقا من نقد التجارب نقدا علميا بناءا من وجهة نظر البروليتاريا و التقدم صوب الشيوعية عالميا نظريا و عمليا و على الأصعدة كافة . فكان ذلك سببا هاما من جملة أسباب انحسار التأثير الشيوعي فى الصراع الطبقي و تقوقع عديد المجموعات و انحلالها حتى بشكل أو آخر فى علاقة بالهدف الشيوعي. الأهداف و المبادئ والمنهج الشيوعيين فى مهب الريح : نظرة بسيطة و سريعة ( لأن المجال لا يسمح و الموضوع يستحق دراسة متأنية و عميقة ) تسمح برؤية مسار التنازلات و فقدان مجموعات ماركسية عديدة لأهدافها و مبادئها و منهجها الشيوعيين و لا أدل على ذلك من الأمثلة المنتشرة فى الكثير من البلدان العربية على التخلى النسبي أو الكلى عن الهدف الاستراتيجي : الشيوعية. و كم يهول الانسان/الانسانة الشيوعي/الشيوعية القناعات ما يصل أذنيه و تراه عينيه من ضحالة المستوى النظري فى خطاب العديد ممن يدعون الماركسية . كلامهم ينضح بمفاهيم و تحاليل غريبة أقرب ما تكون الى مفاهيم و تحاليل البرجوازية بمختلف أصنافها ومن المؤكد كذلك أن عددا لا بأس به من المناضلين و المناضلات ما عاد يجتهد فى التكوين النظري و التثقيف الفردى و الجماعي فنكاد نجزم أن نسبة مائوية عالية لا تطالع الكتب و لا تدرس المراجع الكلاسيكية ناهيك عن متابعة الانتاجات الفكرية للحركة الشيوعية العالمية. و عملية النقد و النقد الذاتي فكرا و ممارسة للمجموعات كما للأفراد لا تؤخذ مأخذ الجد بل يتهاون فيها الى حدود الليبرالية السافرة. و بارتباط بهذا الانحطاط فى المستوى الثقافى و النظرى و الممارسات الليبرالية الذى قدم صورة مقرفة عن الشيوعيين جعلت أناسا كثيرين يتحرزون منهم ان لم يديروا لهم ظهورهم أو يحاربوهم، تركن نسبة هامة من المناضلين و المناضلات الى الكسل الفكرى فيعولون كل التعويل على الارتجالية و الخطاب الشفاهي و لا يسعون بجد الى الاعتماد على الكتابة بل يتهربون منها لكونها قد تفضح ضحالة فكرهم زيادة على أخطائهم المنهجية و العلمية و المعرفية ...و من دلائل ذلك عقم أو قلة الإنتاج الفكري للبعض . و ينسى هذا و ذاك و هذه و تلك ان مبدأ من مبادئ الماركسية هو أن الطبقة العاملة طبقة عالمية واحدة و أنّ علم الثورة البروليتارية العالمية واحد و عالمي منه تتغذى حركة البروليتاريا فى كل بلد و فيه تصب تجاربها اذا نهضت على أساس الأممية البروليتارية و " يا عمال العالم و شعوبه المضطهدة اتحدوا" . و الانحراف عن الأممية البروليتارية يؤدى عمليا الى السير تحت راية البرجوازية و الشوفينية و الى تجزئة حركة الطبقة العاملة وكذلك الى عدم الاستفادة من أرقى ما وصل اليه علم الثورة و إنعدام المآزرة المتبادلة على المستويات كافة . و من هنا فى عالم اليوم حيث الأسس المادية للأممية راسخة أكثر من أي وقت مضى لا مستقبل للمتقوقعين و انما لهم التخلف النظرى و العملى و التحول فى الأخير الى النقيض أي الى تيارات غير بروليتارية هذا اذا اعتبرت الآن بروليتارية. فالشيوعي أممى أو لا يكون و الشيوعية أممية أو لا تكون. و تأسيسا على ما تقدّم يغدو ملحّا غاية الإلحاح خوض نضال صارم على الجبهة النظرية من أجل"صحّة الخط الإيديولوجي و السياسي المحدّد فى كلّ شيئ "وللفرز بين الماركسية الحقيقية و التحريفية و معالجة التنلقضلت بطريقة صحيحة للتطوّر وإنارة سبيل الممارسة الثورية و تعبيد طريق إيجاد حزب بروليتاري ثوري م-ل-م و حركة ثورية و شعب ثوري و إنجاز الثورة البروليتارية العالمية و هدفها و غايتها الأسمى بلوغ الشيوعية عالميا. هدف الماركسية ليس الحركة من أجل الحركة و إنما تفسّر الماركسية العالم لأجل تغييره ثوريا نحو المجتمع الخالي من الطبقات و جميع ألوان الإضطهاد و الإستغلال .هدف الماركسية هو الشيوعية، العالم الأفضل الضروري و الممكن. مقتطفات من أقوال شهيرة لمعلمى البروليتاريا العالمية حول أهمية النضال النظرى : لينين : "ما العمل؟" : 1- كتب ماركس الى زعماء الحزب : اذا كانت هنالك من حاجة الى الاتحاد ، فاعقدوا معاهدات بغية بلوغ أهداف عملية تقتضيها الحركة ، و لكن اياكم و المساومة بالمبادىء , اياكم و "التنازل" النظري. 2- ان انجلس لا يعترف بشكلين اثنين فى نضال الاشتراكية –الديمقراطية[الشيوعية] العظيم (سياسي و اقتصادي) ...بل يعترف بثلاثة أشكال واضعا فى مصاف الشكلين المذكورين النضال النظرى . 3-...و سيكون واجب القادة على وجه الخصوص أن يثقفوا أنفسهم أكثر فأكثر فى جميع المسائل النظرية و أن يتخلصوا أكثر فأكثر من تأثير العبارات التقليدية المستعارة من المفهوم القديم عن العالم و أن يأخذوا أبدا بعين الاعتبار أن الاشتراكية ، مذ غدت علما ، تتطلب أن تعامل كما يعامل العلم ، أي تتطلب أن تدرس .و الوعي الذى يكتسب بهذا الشكل و يزداد وضوحا ، ينبغى أن ينشر بين جماهير العمال بهمة مضاعفة أبدا...( انجلز . ذكره لينين فى "ما العمل؟") ستالين : "أسس اللينينية" : 4-...ميل المناضلين العمليين الى عدم الاهتمام بالنظرية يخالف بصورة مطلقة روح اللينينية و يحمل أخطارا عظيمة على القضية. ان النظرية هي تجربة حركة العمال فى كل البلدان ، هي هذه التجربة مأخوذة بشكلها العام . و من الواضح أن النظرية تصبح دون غاية ، اذا لم تكن مرتبطة بالنشاط العملي الثوري ، كذلك تماما شأن النشاط العملي الذى يصبح أعمى اذا لم تنر النظرية الثورية طريقه . الا أن النظرية يمكن أن تصبح قوة عظيمة لحركة العمال اذا هي تكونت فى صلة لا تنفصم بالنشاط العملى الثورى ، فهي ، وهي وحدها ، تستطيع أن تعطي الحركة الثقة و قوة التوجه و إدراك الصلة الداخلية للحوادث الجارية ، وهي ، وهي وحدها ، تستطيع أن تساعد النشاط العملى على أن يفهم ليس فقط فى أي اتجاه و كيف تتحرك الطبقات فى اللحظة الحاضرة ، بل كذلك فى أي اتجاه و كيف ينبغى أن تتحرك فى المستقبل القريب. ان لينين نفسه قال و كرر مرات عديدة هذه الفكرة المعروفة القائلة: بدون نظرية ثورية ، لا حركة ثورية./ " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسي تونغ": 5- يستحيل على حزب سياسي يقود حركة ثورية كبرى أن يحقق النصر إذا لم يكن مسلحا بالنظرية الثورية و لا ملما بمعرفة التاريخ و لم يكن لديه فهم عميق للظروف الفعلية للحركة . 6- إن الجمود العقائدى و التحريفية كلاهما يتناقضان مع الماركسية . و الماركسية لا بد أن تتقدم ، و لا بد أن تتطور مع تطور التطبيق العملى و لا يمكنها أن تكف عن التقدم .فاذا توقفت عن التقدم و ظلت كما هي فى مكانها جامدة لا تتطور فقدت حياتها ، إلا أن المبادئ الأساسية للماركسية لا يجوز أن تنقض أبدا ، و ان نقضت فسترتكب أخطاء . إن النظر الى الماركسية من وجهة النظر الميتافيزيقة و اعتبارها شيئا جامدا ، هو جمود عقائدي ، بينما إنكار المبادئ الأساسية للماركسية و إنكار حقيقتها العامة هو تحريفية . و التحريفية هي شكل من أشكال الايديولوجية البرجوازية . إن المحرفين ينكرون الفرق بين الاشتراكية و الرأسمالية و الفرق بين دكتاتورية البروليتاريا و دكتاتورية البرجوازية . و الذى يدعون اليه ليس بالخط الاشتراكي فى الواقع بل هو الخط الرأسمالي . و التحريفية فى الظروف الراهنة أكثر ضررا من الجمود العقائدي . و أحد واجباتنا المهمة فى الجبهة الايدبولوجية فى الوقت الحاضر هو دحض التحريفية./ -------------------------------------------------------------------------إنتهى/ 2008-----------------------------
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الماوية : نظرية و ممارسة 4 - الثورة الماوية فى الصين : حقائق
...
-
الماوية: نظرية و ممارسة 3 - لندرس الثورة الماوية فى النيبال
...
-
خرافات حول الماوية
-
الماوية : نظرية و ممارسة 1 - علم الثورة البروليتارية العالمي
...
-
حقيقة ماو تسي تونغ والثورة الشيوعية في الصين
-
الثورة الماوية فى الهند
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|