|
نظرية في -القلة المندسة-:خطاب سلطوى قديم لا يثير أى دهشة!
نبيل عبد الفتاح
الحوار المتمدن-العدد: 3272 - 2011 / 2 / 9 - 16:46
المحور:
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن
نظرية في "القلة المندسة": خطاب سلطوى قديم لا يثير أى دهشة! بقلم: نبيل عبد الفتاح يبدو أن مصر تعيش لحظة تاريخية تتساقط فيها بعض الوجوه والأفكار والخطابات السياسية والدينية والإيديولوجية التى ظلت ضاغطة على روح الأمة حتى أوشكت على الاختناق، وكادت تلفظ روح العقلانية والرشد السياسى وقيم الحداثة السياسية والاجتماعية لصالح منظومات من الأفكار السلطوية الدينية والسياسية التى تتعايش وتتساند عضوياً على بعضها بعضاً، حتى ولو بدت وكأنها في حالة خلاف، ومنها فزاعة الخطر الإسلامى التى روج لها بعضهم في أجهزة الدولة لإشاعة الرعب وسط الأقباط، وبعض أبناء الطبقة الوسطى المدينية ذات التعليم الأجنبى، وبعض الليبراليين واليساريين والقوميين! ناهيك عن إخافة الغرب! الانتفاضة الجماهيرية الديمقراطية واسعة النطاق التى قامت بها الأجيال الجديدة للطبقة الوسطة المدينية لم يدعو إليها لا الإخوان المسلمين ولا المؤسسات الدينية الرسمية، ولا القوى السلفية، ولا الدعاة الجدد، حتى ولو التحق بها بعض من هؤلاء فيما بعد، ومن ثم حاولوا الاستفادة من زخمها، وهذا طبيعى في العمل السياسى، وحتى في محاولات البعض تغيير جلده أو وجهه وارتداء قناع جديد "ثورى" هذه المرة أو "انتفاضى". الاستثمار السياسى للانتفاضة الجماهيرية الديمقراطية أمر وارد ومعروف في كل الانتفاضات الجماهيرية، أما بمحاولة النظام إعادتها إلى بيت الطاعة السياسية والقمعية كما حدث مع حركة الطلبة الديمقراطية الوطنية في 72/1973، وفى 17، و18 يناير 1977. أو بالاستمرار في نظرية العناد السياسى، وعدم الإنصات إلى الأصوات الوطنية الإصلاحية الداعية للتغيير السلمى في السياسات، وفى إعادة هيكلة وتنظيم وتطوير الأنظمة الدستورية والسياسية والاجتماعية والإعلامية من خلال توسيع وتجديد شباب الصفوة السياسية الحاكمة وإعطاء فرص حقيقية للأجيال الجديدة الشابة كى تتبوأ المواقع القيادية في كافة المجالات كى تأخذ فرصها من الخبرات السياسية والإدارية والقدرة على اتخاذ القرارات في واقع يتسم بالتناقضات، وملبد بالمشكلات الحادة والأزمات الممتدة والطارئة. لم تسمع الصفوة الحاكمة ولم تقرأ ولم تعرف ما الذى يحدث، وكان ثمة ولع غريب ومريب بتصعيد العناصر الأقل كفاءة من "المديوكر"، والمنيوكر – أى عناصر ما دون الحد الأدنى من الكفاءة والذكاء والمهنية والتكوين – كى يشغلوا مواقع سياسية وحزبية وإعلامية ووزارية وعلى قمة أجهزة الدولة. أن هذا الموقف البيروقراطى – لا السياسى – كان يعكس خوف الصفوة الحاكمة والنظام من الأذكياء والأكفاء، ومن الثقافة والمثقفين، خوف "غريزى" لأنهم كانوا يكرهون المعرفة والثقافة، وكل ما يمثلونهم من طلائع المثقفين والمبدعين المصريين. كان بعضهم عند القمة يحاول أن يستخدم الثقافة والمبدعين كجزء من الماكياج السياسى لتجميل الوجه الحقيقى لنظام يكن الكراهية والعداء للمعرفة والثقافة، والخطابات السياسية والاجتماعية والفكرية النقدية صفوة طغيانية حاكمة كانت تستدعى بعض المثقفين والمبدعين الموالين – وآخرين – كجزء من الاستعراضات الشكلية التى تستبعد ما هو حقيقى ليحل محله كل ما هو تجميلى وتمثيلى وشكلانى! كان ثمة تحريض على الثقافة والمبدعين من خلال استخدام قوى دينية رسمية ولا رسمية وتستعدى على الإبداع والمبدعين، وتحولت الروايات والأشعار والقصص إلى هدف لقوى ظلامية ساعية لإشاعة وتوزيع الخوف وترويع الأدباء. تحول الفكر الدينى المصرى الوسطى إلى نمط من الغلو والتطرف الدينى الإيديولوجى الذى يرفع سلاح التكفير وجحد إيمان المثقفين والمبدعين، وتحويل كل الإنتاج الإبداعى والبحثى والثقافى إلى محاكم تفتيش في الضمائر والأفكار، ومطاردة القصائد والروايات والمسرحيات والأبحاث الأكاديمية بدعوى أن بعض رجال الدين أو دعاتهم يمتلكون المعايير والحقائق الدينية المطلقة، وأنهم حراس بوابات الإيمان الإسلامى، لم يقتصر الأمر على سلطات التكفير المدعاة باسم الإسلام الحنيف والعادل إسلام الحرية والمساواة والتسامح وحرية التدين والاعتقاد والضمير إلى إسلام على هوى بعضهم من سدنة معبد التسلطية الدينية حليف طغاة التسلطية السياسية، والقمع باسم الأمن والدين. شاركت عناصر غلابة داخل السلطة الدينية المسيحية المحافظة في محاولة محمومة لوضع المصريين المسيحيين في معتقلات الضمير والعقيدة، بعيداً عن الأخوة الوطنية في مسعى لكسر وحدة الأمة رأسياً. عديد الأطراف شاركوا في مسعاهم للحياة فوق بقايا جسد الدولة / الأمة الحديثة غالب الصفوة السياسية الحاكمة – والاستثناءات محدودة – ورجال دين رسميون وبعض قوى الإسلام السياسى، وعناصر سلفية وعناصر أخرى لعبت دور المعارضين في تمثيلية سياسية أقرب إلى الملهاة السياسية، حيث لا سند ولا ركائز اجتماعية تدعم هذه المعارضات الهامشية أو تؤيدها. وبرز بعض هؤلاء كمحاورين للنظام في استراتيجيته لإعادة ترميم نفسه مجدداً واحتواء الانتفاضة الشعبية الوطنية الديمقراطية. عاشت الصفوة السياسية الحاكمة وغالب القوى الدينية – على اختلافها - تتساند وتتكامل وتدعم بعضها بعضاً، وصمت أذانها وأغمضت عيونها عن أصوات وكتابات نقدية وإصلاحية طالبت بالتغيير وتطوير الدولة وتحويل النظام من التسلطية إلى الديمقراطية ودولة القانون الحديث. كانت الشيخوخة السياسية والجيلية تستمر وتتمدد وتتجمد على مقاعدها المخملية الوثيرة، كاشفة عن أنانية جيلية، ومعاندة سياسية وغياب للمسئولية السياسية والأخلاقية إزاء الأمة والدولة والأجيال الجديدة الشابة ومستقبلها. عاش بعضهم في ظل غيبوبة سياسية لا ترى واقع جديد يتخلق من بين أصلاب الخلايا الضامرة للشيخوخة الجيلية والسياسية التى تضرب نسيج الصفوة الحاكمة والمعارضة وهياكل الدولة والنظام القديم والأخطر شرعيته التى كانت تتآكل وتتداعى، ولا تجد بعض الإصلاحيين أو العقلاء داخل النظام من ينبه ويشير وينصح إلى خطورة الشروخ والتآكل والتهدم في نظام "الشرعية السياسية" و"الدستورية" على خطورة ما كان يحدث حتى انتفاضة شباب الطبقة الوسطى المدينية يوم 25 يناير الماضى وتنامى البيئة الحاضنة لأبنائهم وأخوتهم المنتفضين. في ظل بيئة الجمود السياسى والفكرى، والركود الجيلى باسم الاستقرار تشكلت القوى الشابة الجديدة على الواقع الافتراضى هروباً من القيود القمعية الأمنية والسياسية والقانونية والإدارية على الواقع الفعلى، وعلى المجال العام السياسى الذى تم تأميمه وتديينه بتواطؤ مع بعض أجهزة الدولة والصفوة الحاكمة. عالم من الأكاذيب السياسية والإعلامية والفقاعات اللفظية عاشت فيها وداخلها الصفوات المصرية السياسية والمعارضة والأكاديمية، على نحو أدى إلى شيوع إحساس باللا جدوى من إمكانيات الإصلاح، أو تجديد الدولة والحكم والمعارضة أو التصدى للفساد الهيكلى والنخبوى، أو إشاعة الشفافية وروح ومعايير المساءلة القانونية والسياسية والأخلاقية للمسئولين عن إشاعة الفساد والقمع وترويع وتخويف المصريين لاسيما النشطاء والمثقفين. من أبرز الفقاعات اللفظية نظرية القلة المندسة، والقوى الغامضة التى تلعب وتعبث في الظلام وهو ما ينتمى إلى نمط من النظام اللغوى الشعاراتى الفارغ من المضمون والدلالة والمعنى، ألا وهو بعض النظريات الأمنية التى تنتمى تاريخياً إلى نظام يوليو 1952 التسلطى، وهو الولع الوحشى بنظرية المؤامرة التى شارك فيها بعض القوميون العرب، وغالب الإسلاميين السياسيين والرسميين والدعاة - والاستثناءات محدودة بينهم – هذا التصور المؤسس على أننا نحن من دون "خلق الله جميعاً" – أمم ودول وشعوب العالم كله – المستهدفين بالمؤامرات، حيناً لأن الإسلام مستهدف، وحينا آخر لدورنا القيادى في العالم العربى! وكأن القيادة أرث سياسى تتوارثه الشعوب والأمم والدول جيلاً بعد آخر، ونظاماً بعد آخر، إلى آخر هذا اللغو السياسى، والثرثرة اللفظية الفارغة! نظريات تأمر الآخرين ضدنا تتناسل وتغير من أقنعتها وألوانها مع الوقت وجوهرها لا يزال كما هو لم يتغير، ولم يقل لنا أحد يوما ما، ما هى هذه المؤامرة، وكيف تم تخطيطها وما هى أطرافها والفاعلين على مسرحها، وما هى أهدافها إلى آخر هذه الأسئلة البسيطة والدالة لكى يقنعنا بعض رجال النظام التسلطى بهذه المؤامرات التى سينساها النظام وجهاز دعايته الإيديولوجى بعد أن تستقر الأمور كما حدث دائماً! كان الرئيس السادات يتحدث دائماً عن انتفاضات واحتجاجات جيل السبعينيات، ويصفنا بأننا قلة مغرر بهم من أبناءه، واستمرت نظرية التغرير السياسى، والقلة المندسة، بالإضافة إلى نظرية أخرى هى "القلة الحاقدة" – التى أطلقها ومعه نظام سلفه - على كل من يطالب بالعدالة والحرية والمساءلة والتصدى للفساد والعصب الفاسدة الجانحة! ها هو الخطاب القديم المستهلك يستعاد ويكرر حول المؤامرات والقلة المندسة، والشباب النقى / البرئ، وذلك دون أى صدى أو مصداقية. لو كان هذا الجيل الشاب نقياً وبريئاً لاستمر خانعاً ومطيعاً لأن النقاء والبراءة البلهاء هما سمت السذج والجهلاء وغير الواعين بمصالحهم ومصالح بلادهم! هذا النمط من خطاب المؤامرة والبراءة والنقاء والقلة المندسة هو محاولة للتغطية على حقائق ما يحدث على أرض الواقع، وأهداف مطالب الأجيال الجديدة التى تتسع لما هو أكبر من مجرد تغيير في رأس النظام التسلطى إلى تغييرات هيكلية شاملة. أنها محاولة لكسر تماسك قوى الانتفاضة الشعبية الديمقراطية، وتحريض بعض الجماهير البسيطة ولاسيما سكان العشوائيات والبروليتاريا المدينية الرثة، وكأن شباب الانتفاضة يقفون ضد مصالحهم، وتأليب القوى الاجتماعية الميسورة، والأقباط ضد الشباب الجديد بدعوى فتح الطريق أمام فزاعة ثبت أنها تعدو مع آخرين وراء الانتفاضة، وذلك لمحاولة اللحاق بروح مصر الجديدة الشابة المدنية الساعية للحرية والعدالة وحقوق الإنسان العالمية والدولة الديمقراطية الدستورية الحديثة. من الشيق ملاحظة أن نظرية المؤامرة والقلة المندسة تحولت إلى جزء من طقس السخرية والنزعة المشهدية السياسية والكرنفالية في تظاهرات، واحتجاجات الشباب، والنكات اليومية التى يبدعها الناس على هكذا خطاب بائس وعقيم لا يثير سوى السخرية والضحك.
#نبيل_عبد_الفتاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دروس الحالة التونسية:البحث عن سياسة الأمل
المزيد.....
-
وزارة الصحة اللبنانية: مقتل 13 شخصًا جراء غارات إسرائيلية ال
...
-
زيلينسكي يتوقع الحصول على مقترحات ترامب بشأن السلام في يناير
...
-
مصر تتطلع لتعزيز تعاونها مع تجمع -الميركوسور-
-
زالوجني: الناتو ليس مستعدا لخوض -حرب استنزاف- مع روسيا
-
أكبر الأحزاب في سويسرا يطالب بتشديد قواعد اللجوء للأوكرانيين
...
-
استطلاع جديد يوضح بالأرقام مدى تدهور شعبية شولتس وحزبه
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
هل تشعر بالتوتر؟ قد يساعدك إعداد قائمة بالمهام في التخفيف من
...
-
النيابة العامة تحسم الجدل حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد
...
-
نتنياهو: التسريبات الأخيرة استهدفت سمعتي وعرّضت أمن إسرائيل
...
المزيد.....
-
مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 2/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
الفساد السياسي والأداء الإداري : دراسة في جدلية العلاقة
/ سالم سليمان
-
تحليل عددى عن الحوار المتمدن في عامه الثاني
/ عصام البغدادي
المزيد.....
|