أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - حركات التحرر المواطني...















المزيد.....

حركات التحرر المواطني...


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3272 - 2011 / 2 / 9 - 01:41
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أيا تكن المسارات التي ستسلكها الانتفاضة المصرية في الأيام القادمة، فقد أجهزت على شيئين: حكم الرئيس البلدَ مدى الحياة، ثم توريث حكمها للابن أو من في حكمه. علما أن الحكم الأبدي والتوريث هما الشيء نفسه. هذا المكسب الذي غدا مضمونا الآن، بل تجاوزته الأحداث، كان قبل شهر واحد فقط يبدو أشبه بقدر تسير نحوه مصر، وربما تونس، كأنما في نومهما. المبدأ ذاته يبدو قد سقط ثقافيا وأخلاقيا، وربما يتكرس ذلك دستوريا وقانونيا في مقبلات الأيام في البلدين وغيرهما. ولقد كانت أولى الثمار أن سارع الرئيس اليمني إلى إعلان أنه لن يجدد لنفسه. بل إن فكرة الحكم الرئاسي ذاتها تغدو موضع جدال بعد التغيير التونسي، ويجري تفضيل الحكم البرلماني عليها (هذا تفضيل حمة الهمامي، زعيم حزب العمال الشيوعي التونسي).
الإنجاز الثاني للانتفاضتين التونسية والمصرية هو الاحتجاج الشعبي الواسع بحد ذاته. لقد تحدى سكان البلدين نظامين يبدوان راسخين، فأحدثا تغييرا كبيرا في أولهما، قد يتجذر أكثر مع الأيام، وهزا الثاني هزا عميقا، يرجح أن تكون له أصداء مدوية في العالم العربي، والعالم ككل، إن استكمل بانهيار النظام. وأن يبدو هذا واردا جدا، لهو، بحد ذاته، مؤشر دال على الحركية العالية لسير الأحداث في مصر. ولا ريب أنه سيحصن التغيير التونسي ويثبته ويضعف احتمالات الالتفاف عليه.
ينال أحد الإنجازين من "النظام"، هذا الذي قال المحتجون المصريون، بفصحى فظة، إن الشعب يريد إسقاطه، فيما يحيل الإنجاز الثاني إلى "الشعب"، هذا الذي يظهر ويحتج و"يريد"، ويتصرف طيفه الناشط، الواسع والمتنوع، بصورة أرفع، وطنيا وإنسانيا، من "النظام" بما لا يقاس. طوال عقود، كان "النظام"، أراد إسقاط "الشعب"، ولقد تحقق له ما أراد، وإن ليس دون كفاح جبار دؤوب، بما فيه قتل الناس، وبما فيه سياسة "فرق تسد"، وبما فيه شراء الضمائر.
ولعل نسب فوز رؤساء الجمهوريات في الاستفتاءات الرئاسية تصلح مقياسا لمدى نجاح النظام في إسقاط الشعب. يفوز الرئيس بما يقارب 99% من الأصوات. من التطورات الدالة التي سجلت في العقد الأخير أن النسبة انخفضت إلى 98% و97%، بل إلى 94%، النسبة التي فاز بها زين العابدين بن علي عام 2007، أو حتى 89%، النسبة التي نالها حسني مبارك في انتخابات 2004 الرئاسية. لكن صدام حسين نال مع ذلك 100% من أصوات العراقيين عام 2002. هذا يعني أن وزن الشعب العراقي كان صفرا. أما في غير العراق فيتراوح وزن الشعب بين 1 أو 2 أو.. 11%. وقد يمكن القول منذ الآن إن نسبة 11% هذه فتحت ثغرة في جدار نظام مبارك التسلطي، مهدت للانتفاضة الشعبية الراهنة.
اليوم يريد "الشعب" نسبة 50%. أن يكون شريكا معترفا به في وطنه.
والشعب هذا ليس حزبا ولا "هوية" ولا "قوما". إنه مواطنون أفراد، متعلمون، نساء ورجال، مستقلون الضمير، يرفضون أن يعتبروا كما مهملا، ويريدون أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم. وإنما لذلك قد يمكن وصف ثورتي مصر وتونس بأنهما ثورتا التحرر المواطني. أو ثورتا الكرامة، كرامة المواطنين الأفراد، وليس كرامة القوم أو الوطن. تقرير المصير الفردي وليس القومي.
كان بعض بلداننا عرفت ثورات وطنية، أبرزها الثورة الجزائرية، من أجل الكرامة الوطنية. لكن انتهى الأمر بتفريغ هذه من محتواها، على نحو تسجل مصر بالذات، تجليه الأقصى والأقسى، عبر عزل المواطنين وترهيبهم، والحجر السياسي على الشعب. الثورتان المصرية والتونسية تدشنان عهد التحرر المواطني، هذا الذي يمتنع أن تبقى البلدان العربية بمنأى عنه. أيا تكن المسارات المتعرجة لهاتين الثورتين، وأيا تكن تعثراتهما وأطوارهما، فقد فتحتا الطريق أمام تحول أساسي في العلاقة بين "الشعب" و"النظام" في بلداننا. لا يتحتم أن تتحول العلاقة بصورة ثورية، لكن يجازف كل"نظام" لا يستوعب هذا الدرس بجلب السقوط على نفسه. هذا لأن التحرر المواطني إنساني وتقدمي، متفوق بصورة قطعية على الأوضاع اللاإنسانية القائمة في مجمل بلداننا اليوم. زمن ال99% ينتهي. وكذلك ال90%. ومعه الحكم المؤبد. والتوريث. ومجمل الآليات اللاإنسانية لحكم البلدان ونزع كرامة البشر فيها.
نتكلم على البلدان العربية لأنه يظهر، بعد كل شيء ورغم كل شيء، أنها تشكل بيئة متفاعلة ومتبادلة التأثير، بدرجة كان يصعب تقديرها قبل التحولات التونسية والمصرية. وتفاعل البيئة هذه مركب بصورة ظاهرة. أو لنقل إنها تتوزع هي ذاتها بين قطبي "الشعب" و"النظام". ليس فقط أن لا أحدا من عناصر القطب الأخير مبتهج بانتفاضتي تونس ومصر، بل إن الفوارق بين العناصر هنا، أي "الأنظمة"، لم تبدُ يوما أقرب إلى الانعدام مما هي اليوم حيال الانتفاضتين. هذا يقول الكثير عن الشعارات واليافطات والعناوين الإيديولوجية التي تفضل الأنظمة انتحالها لنفسها. في العلاقة بين "النظام" و"الشعب" لا فرق بين الجميع. أو لنقل إن انقسام "النظام العربي" مغاير هنا تماما لانقساماته الظاهرية المعتادة التي تقف عندها وتحولها إلى حقائق نهائية منابر إيديولوجية وإعلامية متنازعة، متماثلة في النهاية. الانقسام هنا يضع عناصر قطب "النظام" في مقابل عناصر قطب "الشعب". الأولون أكثر تقاربا بكثير من الأخيرين، رغم كل مظاهر الخصومة.
وبقدر ما يمكن الاستدلال عليه، ظهر تفاعل قطب "الشعب" إيجابيا حيال تونس ومصر، ويبلغ حد التماهي. لكنه ليس تماهيا "قوميا"، وإنما هو مواطني، يتصل بتجارب متماثلة ومطالب متماثلة، تسهل اللغة العربية تداولها بين البلدان. ولذلك فالتماهي هذا أقوى في بلدان تقارب بنيتها الاجتماعية ومستوى الدخل فيها ونمط ممارسة السلطة نظيراتها في تونس ومصر منه في بلدان أخرى.
على أية حال، من المبكر الحسم في هذا الشأن وفي شؤون أخرى فكرية وسياسية أخرى كثيرة تثيرها التفجرات الاجتماعية الجارية. لكن هناك سؤال يفرض نفسه: هل من الوارد أن يتمكن قطب "النظام" من هزيمة قطب "الشعب"، وإحباط مطالبه المواطنية؟ كل شيء مرهون بمصير الانتفاضة المصرية التي يُكتب هذا المقال بينما "النظام" يستنفر غرائزه المظلمة كلها ضدها. الصراع هناك، في "ميدان التحرير". ومحصلته ستحدد أشياء كثيرة في العالم العربي، وفي العالم.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورات الكرامة
- من يتضرر من الثورة التونسية؟
- مغتسلا بالنار، المغمورُ بطلا
- في تونس ثورة... مفتوحة الآفاق
- من نزاعات الهوية إلى الاحتجاج الاجتماعي
- مناقشة لكتاب -السلفي اليتيم- لحازم الأمين
- الماهية والكراهية: الأديب الفصيح ضد -الرعاعة الأمة-
- خاووس
- يتغير السودان، المهم ألا يتغير النظام
- المرض بالإسلام...
- عرض نقدي لكتاب جلبير الأشقر: العرب والمحرقة النازية، حرب الم ...
- ويكيليكس والدول
- الحلول بخير في مصر، والمشكلات أيضا!
- في الكاريزما وصناعتها وأطوارها وتوابعها الإيديولوجية
- هذا الفصام الكردي المستمر...
- عدمية فيض المعنى: نظرات في أصول العنف الإسلامي
- من العداء للغرب (والتمركز حوله) إلى إصلاح العالم
- إيران وتركيا وتحولاتهما الامبراطورية
- حوار هادئ في قضايا راهنة
- الطائفية كمحصلة لأزمة الهيمنة الوطنية


المزيد.....




- ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه ...
- هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
- مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي ...
- مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
- متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
- الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
- -القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من ...
- كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
- شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
- -أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - حركات التحرر المواطني...