|
حدود الليبرالية
فاخر السلطان
الحوار المتمدن-العدد: 3270 - 2011 / 2 / 7 - 14:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من يتهم الليبرالية في محدودية مساحة الحرية التي تملكها، لا يستطيع أن يعي حجم تلك المساحة، ولا يمكن أن يؤشر إلى نقطة مهمة جدا، وهي أنها الانتاج البشري الفريد من نوعه في المجال والمدى المتعلق بالحقوق والحريات. تعيش الليبرالية في إطار دائرة فكرية مستندة إلى محورية الإنسان الفرد، حيث تضع إصبعها على عنوان "حقوق" الإنسان. وهذه الدائرة تعتبر الدائرة الفكرية الأكبر والأوسع والأشمل عبر التاريخ في مساعي التحرك من أجل ضمان نيل الإنسان المزيد من الحقوق والحريات، إذ تسعى الليبرالية - ضمن أهدافها الكثيرة - إلى الدفاع عن حق الإنسان في العيش بصورة كريمة بعيدة عن كل صنوف القهر، وترحب وتستوعب وتدافع عن حق الجميع في التعبير عن الآراء المختلفة والمغايرة وغير المنتهية، خاصة إذا ما قارنّا ذلك بالترحيب الضيق والاستيعاب المحدود عند جميع المدارس الفكرية الراهنة الأخرى أو التي ظهرت عبر التاريخ. والسؤال هو: لماذا تدافع الليبرالية عن "حق الإنسان"؟ في تقديري إن اختيار الليبرالية لمحور "حق الإنسان"، هو الذي يجعلها تتبنى ذلك الدفاع، فيما المدارس الأخرى لم تستند على هذا المحور الكبير والشامل والواسع. وهذا لا يعني عدم إمكانية توسيع المحور الليبرالي بين فترة وأخرى أو في المستقبل حسب تطور الحياة وتغيرها. فالليبرالية، دون غيرها، تدافع - على سبيل المثال - عن أولية الإنسان في التعبير عن رأيه انطلاقا من حق الإنسان في ذلك وليس إنطلاقا من مصلحة معينة أو ترف خاص. وهذه الدائرة الواسعة والكبيرة والشاملة قد تشمل كل ما يرتبط بالحقوق الإنسانية وضماناتها الواقعية والحديثة. وفي داخل هذه الدائرة الليبرالية الكبيرة، لابد من وجود دوائر أصغر تتنفس في إطار الدائرة الكبيرة، حتى لو كان هناك اختلاف بين تلك الدوائر في وجهات النظر حول المواضيع، أو اختلاف في التفسير حول مفهوم الليبرالية. فهناك مدارس فكرية خرجت من رحم الليبرالية، وهناك من تختلف فكريا مع الليبرالية، لكن على جميعها، وفق ما تسعى إليه الليبرالية، أن تعيش في إطار نفس الدائرة، بل لا يمكن لليبرالية إلا أن تقبل بوجودها وأن تعترف بحقها في التنفس الفكري، ولا خروج من هذه الدائرة الكبيرة إلا لمن ينفي الليبرالية ويلغي محورية "حق الإنسان". فمن "يقبل" بمحورية "حق الإنسان" سوف يبقى في إطار الدائرة الكبيرة، ومن "يختلف" في فهم معنى تلك المحورية سيبقى في الدوائر الأصغر المنتمية إلى الدائرة الكبيرة، ومن "ينفي" الليبرالية ويرفض محورية "حق الإنسان" سوف يخرج من الدائرة. إن أي اختلاف في وجهات النظر في مسألة الدفاع عن محورية "حق الإنسان" هو نزول من الدائرة الكبيرة إلى الدوائر الأصغر، في حين أن أي إلغاء للمحورية هو إلغاء لفكرة الليبرالية برمتها. فقد يكون الإنسان غير ليبرالي في إطار الدائرة الليبرالية الكبيرة، لكن ذلك لا يلغي وجود هذا الإنسان في الدائرة، إنما يؤكد انتماءه إلى الدوائر الأصغر التي هي دوائر غير ليبرالية. على هذا الأساس، يتوضح معنى التعددية الفكرية والمعرفية المتبناة داخل الليبرالية، وهذا المعنى يتسمى بمسميات مختلفة. فالانتماء إلى دوائر أصغر هو سعي لاستيعاب التعددية في فهم وتفسير الحياة، وعلى الليبرالية أن تعترف بحق المنتمين إلى الدوائر الأصغر في تفسير الحياة من دون أي شرط لتبني أحد تلك التفسيرات. في الليبرالية، لا يملك أحد صلاحية إدخال أو إخراج شخص من إطار الليبرالية الواسع والشامل من الناحية المعرفية والاخلاقية، بل جل ما يستطيع أن يقوم به هو تحديد انتمائه إلى الدائرة الكبيرة أو إلى الدوائر الأصغر. بالتالي، من شأن الليبرالية أن تستوعب الجميع، تستوعب حتى الآخرين الذين يختلفون معها. لذا، لابد أن تدافع الليبرالية عن حق الآخرين - الذين يختلفون معها - في تفسير معنى الحياة في إطار محورية "حق الإنسان". ولا يستطيع الليبرالي أن يصف زميله الليبرالي - زميله المنتمي إلى نفس المدرسة والدائرة الكبيرة - بأنه غير ليبرالي لمجرد أنه اختلف معه في وجهات النظر. بمعنى أنه لا يستطيع إلا أن يجعله منتميا إلى الدائرة الفكرية الكبيرة في ظل اختلاف وجهات النظر في الموضوعات الفرعية، كذلك قد يجعله منتميا إلى دوائر أصغر إذا اختلف معه في تفسير أصل محورية "حق الإنسان". ولو اختلف ليبراليان في موقف معين بناء على اختلاف مفهوم حقوق الإنسان بينهما، كأن يقول الأول أن منع التجمع مقبول بالنظر إلى سيادة القانون والمصلحة العامة، ويقول الآخر بحق التجمع استنادا إلى الحق في التعبير، في هذه الحالة لا يحق لأحدهما إخراج الثاني من إطار الليبرالية الواسع والشامل والكبير، ولا يحق أيضا أن يجعله منتميا إلى الدوائر الأصغر، لأن المسألة هنا فنية وليست خلافا حول مبدأ، أما إذا اعتبرت خلافا حول المبدأ، فلابد أن نعي بأن المحور يحتضن المبادئ بشكل واضح وصريح. لذلك، لا توجد تفسيرات نهائية في الليبرالية، إنما توجد تفاسير نسبية مختلفة تعيش جميعها في إطار محورية الإنسان وحقوقه. أي يوجد محور شامل هو محور "حق الإنسان" الذي في تقديري هو المحور الذي توفرت من خلاله قاعدة التعددية الفكرية والدفاع عن حقوق الإنسان بما لم تصل إلى ذلك المستوى من الشمولية والتوسع أي مدرسة فكرية أخرى. هذا المقال هو إعادة ترتيب لنص مرتبط بنقاش فكري ومستند إلى أسئلة حول الليبرالية، جرى بيني وبين أحد الأخوة من رجال الدين الشيعة.
#فاخر_السلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسؤولية رجال الدين الشيعة
-
العقلانية.. والمواجهة مع التراث الديني المقدس؟
-
-ثورة الياسمين- التونسية درس للعرب
-
جوهر.. والاستجواب.. والأزمة الشيعية
-
حقوق الملتحين العسكريين
-
الكويت.. وسؤال الديموقراطية مجددا
-
تنوير.. والإسلاميون.. وأولية الإنسان
-
الخطاب الخوارقي
-
النظرة الدينية للأخلاق
-
التزوير الديني
-
لماذا يخشون من العلمانية؟
-
هل أكرموها؟
-
إشكالية الاستلهام من الماضي
-
التعايش مع الطائفية
-
المقدّسات.. وواقع الحرية العالمي
-
مأساة- صافيناز كاظم
-
سلطة رجال الدين
-
آليات الخطاب الديني وفق أبوزيد
-
المنطلقات الفكرية في الخطاب الديني وفق ابوزيد
-
الحق المطلق.. والباطل المطلق
المزيد.....
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب
...
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|