أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر خدام - سياسة كسب الأعداء















المزيد.....

سياسة كسب الأعداء


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 977 - 2004 / 10 / 5 - 07:53
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


إن سياسة كسب الأعداء فن يجيده النظام السوري بامتياز، لأن السياسة لديه هي إما >، وليست بحثا في المصالح الوطنية، وفي خلق أفضل الشروط والظروف لتحقيقها.
يذكرني سلوك النظام السوري في لبنان، تجاه الاستحقاق الرئاسي اللبناني، بل تجاه أغلب الاستحقاقات التي واجهت و تواجه سورية، بحكاية كان قد رواها لي صديق. تقول الحكاية أن مسؤولاً غربياً كان كلما التقى بمسؤول من الكتلة الشرقية على طاولة المباحثات، يلاحظ أن المسؤول الشرقي يجلس مباشرة على الكرسي المخصص له دون أن ينظر إليه، في حين هو ذاته كان لا يستطيع الجلوس على الكرسي المخصص له قبل أن يعاينه، ويحاول تسويته، أو ينفض الغبار عنه، حتى ولو كان الكرسي مستوياً ونظيفاً. وفي إحدى اللقاءات طلب من منظمي اللقاء وضع دبوس صغير على كرسي المسؤول الشرقي، فجلس المسؤول الشرقي على الكرسي دون أن تظهر عليه أية علامة من علامات التأثر، أو الانزعاج، في حين هو ذاته لم يستطع الجلوس قبل تفحص الكرسي الذي سيجلس عليه. وفي لقاء آخر طلب أيضا من منظمي اللقاء وضع بسمار صغير بدلا من الدبوس، فجلس صاحبنا أيضا دون تذمر. وضعوا بسماراً أكبر فأكبر فكان في كل مرة يجلس وكأن شيئا لم يكن. وفي إحدى المرات، التي عقد اللقاء فيها في بلد المسؤول الشرقي، لاحظ المسؤول الغربي، ولأول مرة، أن زميله في المباحثات، نظر إلى الكرسي الذي يجلس عليه، ولما لم يجد عليه أي بسمار، أخرج من جيبه بسماراً وضعه على الكرسي وجلس، ومن ثم نظر إلى ضيفه، الذي كانت قد انعقدت على سحنته علامات الدهشة والاستغراب، وقال له بكل هدوء: إذا لم تكن لدينا مشكلات، فنحن نخلقها لكي نحلها لاحقاً!.
هذا هو حال سورية، تراكمت فيها المشكلات من كل نوع ، لكنها لم تحلها، بل أصبح الحديث عن حلها بالقوى، والأساليب، والأدوات التي خلقتها وراكمتها، فيه ضرب من العبث، فهي أصبحت من التداخل والتراكب والتناسل بحيث يستحيل حلها عبر طريق الإصلاح الذي تطرحه السلطة. أليس لافتا أن يصدر أكثر من مائتي مرسوم وقانون خلال السنوات الأربع من عمر العهد الجديد ولم تجد طريقها إلى التنفيذ كما يجب، حتى أصبح الجمهور السوري يتندر واصفا العهد الجديد بعهد المراسيم والقوانين!.
ومن أخر المشكلات التي افتعلها النظام السوري، وليس آخرها بكل تأكيد، ما جرى في لبنان بمناسبة الاستحقاق الرئاسي اللبناني. غير أن هذه المشكلة، التي أخذت أبعادا دولية، سوف يكون ثمنها باهظا للنظام أولا ولسورية ثانياً.
لا يختلف اثنان، سواء في الطبقة السياسية اللبنانية، الموالي منها أو المعارض، أو في أوساط المشتغلين في الحقل السياسي في سورية، على أن النظام السوري يستطيع بالتعاون مع حلفائه في الطبقة السياسية اللبنانية، فرض الرئيس الذي يريده، مع احترام قواعد اللعبة اللبنانية، بما فيها الجوانب الدستورية، دون اللجوء إلى إجراءات دستورية استثنائية، كما حصل مع تمديد رئاسة أميل لحود. بل هناك إقرار عربي، ودولي، بالنفوذ السوري في لبنان، نفوذ قائم، من حيث الأساس، على المصالح السورية الكثيرة والمتشعبة، وعلى الروابط التاريخية، والجغرافية، والبشرية، بحيث أصبح الداخل اللبناني شأن داخلي سوري بامتياز، لا يستطيع أي سياسي سوري تجاهله، سواء كان في موقع السلطة أو في موقع المعارضة. وهناك كثيرون في سوريا يتمنون أن يكون الشأن الداخلي السوري شأن داخلي لبناني، ليس بدافع توازن العلاقة بين البلدين فقط، وليس لأن للبنان مصالح كثيرة ومتشعبة أيضا في الداخل السوري، بل لأننا كسوريين بحاجة لمثل هكذا تدخل، فخبرات أخوتنا في لبنان، في المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، مفيدة لنا في سورية، على الرغم من التشوهات الكثيرة التي لحقت بها. غير أن هكذا تدخل متبادل و مرغوب، يتطلب قبل كل شيء أن يكون الشعب في كلا البلدين حرا وديمقراطيا، متحررا من أية وصاية، وهو احتمال سوف يظل محجوزا إلى أجل غير مسمى من قبل النظام السوري أولا، والطبقة السياسية اللبنانية ثانيا، دون أن نتجاهل دور القوى الدولية المؤثرة في الوضع الإقليمي ثالثا.
ماذا جنى النظام السوري من تدخله في الاستحقاق الدستوري اللبناني؟ سؤال يتردد في أوساط النخب السياسية السورية مصحوب بشيء من الاستغراب للسهولة التي وقع فيها في المصيدة التي صُليت له، وكانت قد أعدت منذ بعض الوقت.
بداية لقد ظهر النظام السوري على حقيقته الفجة في علاقته بالشأن اللبناني، ففي هذه المرة يكاد يكون قد أملى على حلفائه التجديد لأميل لحود، وهو بذلك قد أحرج العديد منهم، أولئك الذين كانوا قد أعلنوا مرارا أنهم لا يوافقون على تعديل الدستور اللبناني. لقد أظهر النظام السوري هذه المرة ضعفا كبيرا في الحساب، فبدا في جانب من سلوكه، وكأنه لا يقيم أي وزن للدستور اللبناني، في حين ظهر المتدخلون الآخرون في الشأن اللبناني، وكأنهم حريصون عليه.
النتيجة المباشرة لهذا السلوك تفرق حلفاء سورية، فخرج وليد جنبلات عن صمته، وشن هجوما لافتا، في توتره، وعلو نبرته، على سورية. بل أعاد التذكير بمقتل والده في دلالة لا تخفى على أحد.
بدوره الحريري اللاعب القوي في الساحة اللبنانية، لا يمكنه أن يصمت لفترة طويلة على حالة التناقض التي أجبر عليها، فهو كان قد أعلن مراراً أنه لن يقبل تعديل الدستور من أجل التجديد للرئيس أميل لحود، وفجأة يغير موقفه. وإذا صحت بعض الأخبار التي تداولتها أوساط إعلامية وسياسية، أن قوى عربية معينة تربطها بالحريري صلات قوية تدخلت لديه لصالح سورية. وتتساءل هذه الأوساط عن الثمن الذي حصل عليه الحريري لقاء تغيير مواقفه بهذه الصورة الدراماتيكية، فمن يعرفه، حسب هذه الأوساط، لا يمكنه أن يقبل أن "يحرق" بهذه البساطة بدون ثمن مقابل. ولعلى الثمن المعروض عليه، هو إطلاق يده في الداخل اللبناني.
وثانيا، استجر الموقف السوري تدخلا دوليا، تمثل في صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559، وهو موجه بالأساس إلى سورية، وإن لم يذكرها بالاسم صراحة، وهو قرار موجب للمتابعة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وبالتالي فهو قد فتح بابا للتصعيد واتخاذ إجراءات أخرى. والمفارقة في هذا المجال أن الأصدقاء الأوربيين نصحوا القيادة السورية بضرورة تفويت الفرصة على الولايات المتحدة للإيقاع بسورية، وكان أخر من نصحهم وزير خارجية ألمانيا أوسكا فيشر باسم أوربا كلها، إلا أن حكام سورية أصموا آذانهم. وهكذا يكون حكامنا قد نجحوا في دفع فرنسا ومن ورائها أوربا إلى اتخاذ مواقف معادية من سورية، وخلقوا ظروفا مواتية للابتزاز الأمريكي.
إن الحصيلة الأولية للورطة التي أوقع حكامنا أنفسهم فيها بصدور قرار مجلس الأمن رقم1559،من جهة، قبول المطالب الأمريكية المتعلقة بمراقبة ثلاثية أمريكية عراقية سورية للحدود السورية العراقية، دون أن يذكروا فيما إذا كانت عمليات المراقبة المشتركة سوف تجري على الأراضي السورية، أم على الأراضي العراقية، أو كل في أراضيه بالاشتراك مع الأمريكيين.
ومن جهة ثانية، القيام بعملية إعادة انتشار، يصفها المراقبون بأنها الأوسع من نوعها منذ بدأت القوات السورية تعيد انتشارها. ومن الواضح أن عملية إعادة انتشار القوات السورية الجارية، قد تمت تحت ضغط الولايات المتحدة الأمريكية مستغلة المناخ السياسي الذي خلقه قرار مجلس الأمن رقم1559، وبالتالي لم تسمح للسلطات السورية بإخراج عملية الانسحاب على طريقتها، كما كانت تجري في العادة.
من الواضح أن وجود القوات السورية في لبنان أصبح عبئا ثقيلا على السياسة السورية، وتفعل السلطات السورية خيرا إذ تسحبها جميعها من لبنان، ففي ذلك خير لسوريا وللبنان وللعلاقات المشتركة بين البلدين الشقيقين.
ومن جهة ثالثة، قبلت سورية، كما تشير إلى ذلك وسائل الإعلام العالمية والعربية، إدراج مسألة أسلحة الدمار الشامل في اتفاق الشراكة السورية الأوربية، وهو كما نعلم مطلب أمريكي إسرائيلي بامتياز.
يجب أن لا يتوهم أحد أن المطالب الأمريكية سوف تقف عند هذا الحد، فهدفها واضح ومعلن، يتمثل في إعادة ترتيب المنطقة في ضوء مصالحها،وفي مقدمة الدول المستهدفة تقف سورية، ولذلك فإن الآتي أعظم. وفي هذه المرة سوف تفتح كل الجبهات على النظام السوري بدءا من وضع الجالية السورية الكبيرة في لبنان، إلى حزب الله، إلى تشديد الحصار الاقتصادي، إلى تنشيط ودعم المجموعات السورية المتأمركة سواء في الخارج أو في الداخل..الخ. ولا سبيل لتلافي جميع هذه المخاطر، التي سوف تصيب بكل تأكيد سورية، والشعب السوري، بأضرار جسيمة، أو الحد من مخاطرها، إلا بفتح المجال للخيارات الوطنية الديمقراطية للشعب السوري، ونخبه الثقافية والسياسية، بدءاً بتصحيح العلاقة مع الشعب السوري ، بمنحه حريته، فهو في البداية والنهاية القوة الأعظم في الدفاع عن مصالح الوطن. وثانيا، لا بد من تصحيح العلاقات اللبنانية السورية، بحيث يتم إبراز الجوانب الأخوية والندية فيها، مع احترام خيارات كل بلد في نهاية المطاف، بذلك تكسب سورية شعباً وليس إقطاعا سياسياً طائفيا. وثالثا لا بد من تغيير الخطاب السياسي السوري، الذي لا يزال بحكم العطالة ينتمي إلى مناخات الحرب الباردة، دون أن يعني ذلك التخلي عن مصالحنا الوطنية.



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المياه العربية: الأزمة، المشكلات، والحلول
- أربع سنوات من عمر العهد الجديد: ما لها وما عليها
- نحو نقد للمعارضة لا يخدم الاستبداد
- أثر الاستبداد في الحياة السياسية السورية
- أنا سوري ما نيالي
- (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) د-منطق التاريخ والبديل الديمقراط ...
- د(بمثابة موضوعات لحزب سياسي) منطق التاريخ والحياة السياسية ف ...
- د (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) الوضع الداخلي والمهام المطلوبة ...
- د - (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) الوضع الداخلي والمهام المطلو ...
- ج- بمثابة موضوعات لحزب سياسي- الوضع العربي والمهام المطلوبة
- ب - (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) طبيعة العصر والمهام المطلوبة ...
- أ - بمثابة موضوعات لحزب سياسي
- كيف ينظر بعض السوريين لما حدث في مساء 27/4 في دمشق
- حول - الإرهاب يدخل إلى سورية -
- تنمية الموارد المائية ف سورية وترشيد استعمالاتها
- الدولة والسلطة في سورية
- منظمة التجارة العالمية-الفلسفة والأهداف
- منظمة التجارة العالمية -المخاض الصعب
- بمثابة بيان من أجل الديمقراطية
- الديمقراطية في ميزان القوى الاجتماعية


المزيد.....




- الحكومة الإسرائيلية تقر بالإجماع فرض عقوبات على صحيفة -هآرتس ...
- الإمارات تكشف هوية المتورطين في مقتل الحاخام الإسرائيلي-المو ...
- غوتيريش يدين استخدام الألغام المضادة للأفراد في نزاع أوكراني ...
- انتظرته والدته لعام وشهرين ووصل إليها جثة هامدة
- خمسة معتقدات خاطئة عن كسور العظام
- عشرات الآلاف من أنصار عمران خان يقتربون من إسلام أباد التي أ ...
- روسيا تضرب تجمعات أوكرانية وتدمر معدات عسكرية في 141 موقعًا ...
- عاصفة -بيرت- تخلّف قتلى ودمارا في بريطانيا (فيديو)
- مصر.. أرملة ملحن مشهور تتحدث بعد مشاجرة أثناء دفنه واتهامات ...
- السجن لشاب كوري تعمّد زيادة وزنه ليتهرب من الخدمة العسكرية! ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر خدام - سياسة كسب الأعداء