|
في:الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لعراق مطلع القرن الماضي
عقيل الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 977 - 2004 / 10 / 5 - 07:57
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
{ فكما إن المجتمع ينتج الإنسان كإنسان.. كذلك فإن الإنسان هو الذي ينتج المجتمع } كارل ماركس/ المخطوطات الفلسفية {الانسان مقياس وجود الموجود ومقياس لا وجود اللاموجود فيها } بروتاغوروس لا تكون طبيعة العراق الجغرافية وحدة جيولوجية خالصة. إذ تتكون من ثلاث مناطق مختلفة: الجبال في الشمال و الشمال الشرقي التي تمتد شرقاً إلى إيران وشمالاً إلى تركيا؛ وبادية الغرب القاحلة التي تمتد لتندغم بسوريا الكبرى غرباً والجزيرة العربية جنوباً؛ ووادي الرافدين الذي ينداح إلى المحيط الهندي. لقد اشتهرت أرض " ما بين النهرين تاريخيا باسم ميسوبوتاميا Mesopotomia ، وهي تسمية إغريقية قديمة لبلاد وادي النهرين وتعتبر هذه البلاد مربض أعظم مرحلتين للتقدم الحضاري والبشري، تمثلت الأولى في ممارسة الزراعة ودجن الحيوانات... والثانية هي تطوير الحياة المدنية والنظام الاجتماعي [1] ". إذ تشكلت فيها زمنياً, حضارة القرى ومن ثم حضارة المدن, والتي ظهرت بصورة تدريجية.. من الشكل القروي البسيط إلى الشكل معقد من التنظيمات السياسية/ الاجتماعية في المدن.. تبعاً لقاعدة المجتمع, حيث كانت في الأولى تقةم على قاعدة قرابة الدم التي تم اسنبدالها على اساس الطبقة/ المهنة الاجتماعية والدور في الانتاج الاجتماعي في الاخيرة- المدن. وشُيدت على قاعدة ثرواتها المادية ونطاقها الجغرافي " حضارات عديدة، نشأت فيها كيانات سياسية ودول مختلفة، كان يمتدد نفوذها غالباً إلى أبعد من هذه المناطق وينحصر أحياناً في إطار هذه الأراضي وحتى البعض منها. وتعددت الأسماء التي أُطلق عليها، حتى الاسم الواحد، عبر أحياناً عن مضامين مختلفة تبعاً للأغراض السياسية، ولم يكن هناك دائماً، اتفاق لدى المؤرخين على الحدود السياسية للكيانات التي نشأت عليها، إذ كانت هذه الحدود تمتد أو تنكمش تبعاً للقوة التي كانت تمتلكها الدولة القائمة عليها، وقد تباينت هذه التحديدات حتى في العصر الحديث[2] ". أن ظاهرة تحرك الحدود السياسية للدول، هي إحدى السمات العامة للعلاقات الدولية السابقة والمعاصرة. وقد سبق وأن تعرضت لها، ولا تزال، كثير من الدول وخاصة بلدان العالم الثالث. على ضوء ذلك تعرضت تاريخيا، خريطة العراق السياسية لتغيرات عديدة منذ ظهور الدولة فيه، ووصلت إلى حدود بعيدة أيام العباسيين، قبيل انكماش وسقوط إمبراطوريتهم في عام 1258 على يد المغول، ومن ثم تقزمت منذ بدء الاحتلال العثماني عام 1534، نتيجة الحروب الطاحنة بين الدولتين الفارسية والعثمانية التي استمرت لغاية 1638، حيث بدأت الهيمنة والتبعية المطلقتين للدولة العثمانية لغاية انتهاء الحرب العالمية الأولى 1918. وتأسيساً على ذلك، لم يكن العراق الحالي قط وحدة سياسية منفصلة قبل عام 1879. لقد " كان قطر العراق في الأيام القديمة يؤلف الولاية العباسية من العراق وجزء من الجزيرة... وفي القرون الثلاثة الأخيرة من الحكم التركي، اتحدت في ولاية واحدة هي إيالة (ولاية) بغداد، وهي واحدة من أعظم ولايات الإمبراطورية التركية [3] ". وكانت الولاية، كما هي الحال بالنسبة للولايات العربية وغير العربية التي كانت تحت الاحتلال التركي، مقسمة إلى 17 متصرفية[4] (محافظة- سنجق بالتركية) لغاية ولاية مدحت باشا(1869 –1871) الذي أعاد تنظيم الولاية لأسباب إدارية/ تنظيمية، انطلقت من رؤيته الإصلاحية لتطبيق مبدأ اللامركزية في الإدارة. لذا استقلت الموصل( إدارياً) عام 1879، والبصرة عام 1884. في الوقت نفسه احتفظت ولاية بغداد، على الدوام، بفضل شهرتها القديمة وموقعها الاستراتيحي ونطاقها الحالي بالسيادة الهينة، ومن ثم ألغي أمر الاستقلال الإداري عملياً منذ عام 1910، في عهد الوالي ناظم باشا الذي عُهد إليه بشؤون الولايات الثلاثة. وكان والي بغداد يعتبر على مستوى واسع حو كبير الولاة الثلاثة.[5]. علماً بأن السوق الاقتصادية للعراق (ولاية بغداد) الموحدة، بدأت بالتكوين التدريجي منذ عام 1830. لقد انبثقت الدولة الجديدة كصيرورة ظهور " دول متعددة إلى الوجود بعد الحرب العالمية الولى, وحتى دول أكثر منذ عام 1989. وهب تضم بلداناً عديدة لن تكن لها قط في التاريخ مكانة الدولة المستقلة بالمعنى الحديث, أو كانت لها مثل هذه المكانة لفترة وجيزة- لعام أو عامين, لعقد أو عقدين- ثم فقدتها, رغم أن بعضها استردها منذ ذلك الحين: دول البلطيق الثلاث الصغيرة(استونيا ولاتفيا ولتوانيا- ع.ن), بيلاروسيا, اوكرانيا, سلوفاكيا, مولدوفا, سلوفينيا, كرواتيا, مقدونيا, دون المضي أبعد باتجاه الشرق. بعضها ولد ومات في زمن حياتي مثل يوغسلافيا وتشيكوسلةفاكيا [6]" والاتحاد السوفيتي وغيرها. لقد تعاملت الامبراطورية العثمانية مع راعاياها من اتراك وغيرهم بوصفهم " موجودات مكرسة لخدمة مصلحة الحكام فقط [7]" حسب تعبير فيليب آيرلند, خاصةً بعد دخولها في أزمتها العضوية وتعمقها وبداية تحللها التاريخي الشامل.. وتجلت هذه في السمات الأرأسية لنظام الحكم والتي تمثلت بالمركزية المطلقة وبالاستبداد والتعسف بحق رعاياها وخاصةً غير الاتراك, ذات الصفة الاوليغاركية والنظرة الدينية الضيقة التي تلحفت ب " ثوب الدفاع عن الشريعة والخلافة " على رأي سليمان البستاني.[8] لقد أفرزت سنوات الهيمنة العثمانية وتعسفها " فترة مظلمة من الناحية الحضارية " كما شخصها عالم الاجتماع د. علي الوردي، حتى امسى العراق " واحداً من أكثر مقاطعات الامبراطورية العثمانية تخلفا [9] ", إذ كانت الحكومة لا يهمها سوى سلب الفائض الاقتصادي المتحقق على قلته، عن طريق جباية الضرائب والإتاوات، وتركت إدارة المجتمع إلى الولاة المحليين والقوى الاجتماعية التقليدية " فشاعت بينهم المعارك القبلية والغزو والنهب وقطع الطرق والثأر، واضطر السكان إلى التمسك بالعصبية والقيم البدوية لكي يحافظوا على أرواحهم وأموالهم. ولم يقتصر هذا الأمر على العشائر فقط بل شمل أهل المدن كذلك[10] ", مما أثرت وبدرجة كبيرة على واقع التطور الاجتماعي، وتخلف أنماطه الاقتصادية وتركيبته السياسية بحيث دفعت العراق إلى أعماق هوة التخلف, بالمفهومين المطلق والنسبي, مقارنة بما كان سائداً قبيل سقوط بغداد عام 1534, حيث مثلت آنذاك أحد أهم المراكز الحضارية العالمية، وكانت مستويات التطور المادي مرتفعة لدرجة بلغ عدد النفوس، حسب ما تشير بعض المصادر التاريخية، في حدود 30 مليون نسمة، ثم انخفضت عام 1867 إلى حدود مليون ومائتين وثمانين ألف نسمة.[11] يمكننا أن نضيف عامل أخر مهم ، حسب اعتقادنا على الأقل، يكمن في أنه لا الحكومة المركزية في إسطنبول ولا الولاة في بغداد كانت لديهم الرغبة في تطوير البلد، إلا الندرة النادرة منهم. وحسب تعبير الكاتب إيرلاند، فإن " العراق كان بالنسبة للدولة العثمانية سيبيريا تركيا " ومنفى للولاة والقادة من جهة.. ومستودع لجباية الضرائب من جهة ثانية، مما دفع الولاة التركيز على الجباية وزيادتها، بغية كسب رضى الحكومة المركزية من أجل نقلهم لمناطق أفضل. تميزت الإدارة العثمانية بالضعف والفساد والتدمير المستمر للقوى المنتجة[12]، على ترديها وضعفها، و تنطلق فكرتهم الأساسية في حل إشكاليات الحياة العامة، من اعتمادهم على القوة كوسيلة سريعة وسهلة، مما فاقم جملة التناقضات الاجتماعية/الاقتصادية وزادها حدة النهب المستمر للفائض الاقتصادي من قبل الإدارة العثمانية ومن تغلغل الرأسمال الأوربي والبريطاني على وجه الخصوص. لذا بقى طابع الحياة هو ذاتها، طابع العصور القديمة وكانت درجة التغيير فيها شبه معدومة. هذه الوضعية فاقمت بدورها من كبح الإصلاحات العامة التي حاول بعض الولاة تطبيقها في عراق القرن التاسع عشر. ومع ذلك كان سير التطور ضعيفاً جداً بسبب: الاضطهاد المزمن، كنتيجة وسبب؛ الإدارة السيئة؛ والنوعية الرديئة للموظفين– عديمي الكفاءة؛ فقدان الاستقرار والأمن؛ وما رافقهما من تدمير وانتشار الأمراض والأوبئة؛ انعدام البنية التحتية اللازمة لعملية التطور؛ قلة رؤوس الأموال وانعدام الاستثمار، الحكومي والخاص، بسبب تصدير الفائض الاقتصادي للخارج...الخ من العوامل التي المعرقلة والكابحة، كما " أن ضعف الجهاز الإداري، والذي يضع رفاهيته ومصلحته فوق الكفاءة، يعني أن الحكومة تعتمد في واقع الأمر على الزعامة المحلية التقليدية للحفاظ على بنيتها الأساسية [13] ". وعلى النطاق الاجتماعي يمكن تقسيم سكان العراق في الفترة الاخيرة من المرحلة العثمانية, إلى ثلاثة مجاميع هي: - العشائر الرحل– البدو؛ - العشائر المستوطنة- الفلاحين؛ - سكان الحضر- المدن. وقدر عدد السكان في بداية القرن العشرين بحوالي مليونين وربع[14]. وكانت نسبة القبائل الرحل 17% تقريباً عام 1905( كانت35% عام 1867) والعشائر المستوطنة في حدود 59%( مقابل41% في ذات العام) أي كانت نسبة سكان الارياف والبادية هو 76%. في حين حافظت نسبة سكان المدن على حالها تقريبا وكانت في حدود 24% من مجموع السكان لغاية الحرب العالمية الأولى. كانت القبائل تمثل وحدة الأساس الاجتماعي. وكانت تفصلها هوة واسعة عن المدن، إذ كانا عالمين منفصلين. وكانت كل قبيلة تمثل وحدة اجتماعية/ سياسية شبه مستقلة منغلقة على ذاتها اقتصادياً، لها شرائعها وأعرافها الخاصة التي تنظم العلاقات فيما بين أفرادها. إن جوهر القبيلة هو عبارة عن اتحاد محلي للعون المتبادل في حفظ النظام الداخلي والدفاع عنها خارجياً وكانت الأرض تمثل وحدة الإنتاج المادي الأساسية ملك للقبيلة من غير سندات تملك ولا حدود مرسومة ثابتة. وتقوم كيانات القبيلة على نوع من الروابط الاجتماعية تدور حول رابطة الدم أو/و العصبية التي يحلل جوهرها د. عبد بالجليل الطاهر بالقول: " تتصف العصبية يأنها موحدة و شاملة وذات قوة الزامية قهرية زجرية تمارس سيطرة على ضمائر افراد القبيلة. وفي ظل العصبية تكون الحقوق والواجبات ملك العصبية وحدها ويتجلى ذلك في الزواج والثأر والغزو والدخالة والحشم وغيرها من مظاهر المجتمع العشائري. وفي العصبية يدخل الافراد في صلب ضمائرهم الشعور بالمسؤولية أو الوازع الخلقي نحو العصبة، ويستنكفون عن القيام بما يخالف العصبة. إذن العصبة مصدر للمسؤولية المشتركة وأساس لكل فعالية موحدة ومتضامنة وجماعية, وتتجلى العصبية في مظاهر اجتماعية متعددة منها عصبية الاقارب، وذوي الارحام، وعصبية القبيلة، وعصبية التحالف القبلي، وعصبية الولاء، وغصبية الجوار [15]". لقد حددت شرائع القبيلة الموروثة الرئاسة فيها والمطوقة بواجبات مسؤوليات حفظ القبيلة. وعلى أساس قوة أعرافها تشكلت نمطية سلوكية تكاد أن تكون واحدة، ويعاقب بعنف شديد (مادي أو معنوي) كل من يخرج عنها. بمعنى يتولد عن منظومة الأعراف هذه، شيوع الوعي الجمعي القبلي: الكل لأجل الكل ضمن الحدود الاجتماعية/ الجغرافية للعشيرة، وضمن آلية التضامن والعصبية كمصدر للمسؤولية المشتركة. أن ما يميز السلوكية العشائرية هو اعتمادها على القوة في حل إشكاليات الحياة، ضمن أو خارج أطر مؤسسة العشيرة. كذلك تتميز بالحدية المناقض للمرونة وبالتطرف، والتي تعبر عنها مقولة كل شيء أو لاشي.[16] في هذا المجتمع سادت " القيم البدوية بكلا جانبيها السلبي والإيجابي حيث نرى فيه استفحال قيم العصبية والغزو والنهب والإتاوة والثأر من جانب وقيم الضيافة والنخوة والدخالة والتسيار من جانب أخر[17] ". يلاحظ من الناحية الثقافية السيسيولوجية، تخلف في ذهنية القبلي، الذي هو نتاج معيشته في بيئة اجتماعية معزولة تعتمد من حيث النشاط الاقتصادي على الرعي في ادامة مقومات حياتها الاجتماعية. كما أنعكس هذا التخلف في حبه الشديد والطاغي للأسطورة. و يكون إحساسه بالزمان والمكان مبهماً ومشحوناً بالتوتر والتأزم. لكن " هيمنة الماضي لا تعني بالضرورة صورة للجمود الاجتماعي, لانها تنسجم مع النظرة الدورية إلى التغيير التاريخي وتنسجم بكل تأكيد مع الارتداد والكارثة (أي الفشل في إعادة إنتاج الماضي), ما لا تنسجم معه هو فكرة التقدم المتواصل [18] ". وطالما أن الغزو والنهب، باعتبارهما " من المركبات الأساسية في الثقافة الاجتماعية البدوية [19] "، تمثلان أحد أهم مصادر معيشته، فالشجاعة والإقدام وقيم الرجولة وما يستنبط منها تكون شاخصة بقوة في سلوكه الاجتماعي.. وغالبا ما يصاغ منها منظومة قيم اجتماعية وأنماط ثقافية وفنية تعبر عن ذات بيئته وتتسم بنمطية متشابه. كما أن ممارسات البدوي للطقوس الدينية غالباً ما تكون بسيطة وخالية من التعقيد. في الوقت نفسه أنه يكره بصورة دائمة المهن والحرف اليدوية التي يعتبرها محطةٍ لرجولته وكرامته. ويرصد د. علي الوردي حالة سيكولوجية/ سيسيولوجية يقول فيها: " لعلني لا اغالي إذا قلت أن البدو أكثر أمم العالم اندفاعاً في سبيل التنازع والتباغض والقتال. إنهم أشد في ذلك من جميع القوام البدائية والمتحضرة وليس هذا بالأمر المستغرب [20] "، وهذا ناجم، حسب راينا, عن طبيعة الاساس المادي في كيفية الحصول على موارد العيش, بإعتباره أحد العوامل الأرأسية في تبلور القيم الاجتماعية العامة والمركب النفسي لللشخصية الفردية. ولما كان البدوي يعتمد على الرعي, وكذلك على الغزو والنهب .. ذوات النتائج الاجتماعية المتباينة عن طرق الحصول على موارد العيش الاخرى كالصيد والعمل في الزراعة والصناعة والتجارة, فستتبلور قيم مستنبطة من هذا التشاط الاجتماعي وتتوائم مع معطياتها وعواقبها. تدخل هذه السلوكية الاجتماعية/النفسية، الفردية والجمعية، في تناقض مع تكوين وعي وطني عام وتمنع تبلوره ليخرج من نطاق مؤسسة القبيلة، كواقع ومصالح إلى هوية وطنية موحدة قائمة على صفات مشتركة جامعة تتميز بها مثل : اللغة، التاريخ، الأرض، المصالح الجمعية العامة، الثقافة، المشاعر والأحاسيس المشتركة. هذا التناقض منبثق بالاساس من رؤية القبيلة لدور الدولة التي تنافسها في إدارة الشؤون العامة بشمولية بعيدا عن العصبوية القبلية ومحيطقها الضيق، لأن القبائل كانت تشكل، إلى حدٍ بعيد، جملة مجتمعات متمايزة، إنجاز التعبير، ومنغلقة على ذاتها رغم وجود بعض السمات مشتركة فيما بينها. هذه الحالة ولدت تناقضاً أخر بين مؤسسات القبلية عامةً وبينها وبين العشائر المكونة لها، بسبب عائدية الأرض وحدودها والمياه وتوزيعها، ناهيك عن التصادم مع مراكز المدن والحواضر، في أساليب الإنتاج المادي، والحياة الاجتماعية والثقافية والروحية ومحركها. لقد جرت آنذاك، محاولات للقضاء على الملكية المشاعية لأرض القبيلة، وجعلها ملكية الدولة، التي أخذت توزعها على رؤساء العشائر وربطهم بمؤسسات الدولة وجعل منصب شيخ العشيرة وراثياً، وهذا ينسجم مع الموروث الاجتماعي/الديني. لذا " جاءت إجراءات التمليك التي بدأ بتطبيقها مدحت باشا [21] بشان مسألة الملكية لتضفي تعقيدات كثيرة كانت حصيلتها أن تميز ملاك الأرض من شيوخ القبائل وغيرهم من وجهاء المدن أو السادة الذين تملكوا الأراضي الزراعية، عن الفلاحين الذين لم ينالوا سوى حق المزارعة في الديرة السابقة طبقاً للأعراف القبلية [22] ". كان هدف الوالي مدحت باشا من تنفيذ هذا القانون هو: " تحطيم التنظيمات القبلية وتحويل ابناء العشائر إلى مزارعين يملكون حق الانتفاع بأراضيهم بصيغة محددة قانونياً، فضلا عن انهاء المنازعات على الأراضي بين ابناء العشائر واحلال سلطة الدولة المركزية محل سلطة الشيوخ ناهيك عن زيادة الواردات العامة وزيادة المساحة المزروعة[23]" وعليه يعتبر نهاية القرن التاسع عشر، تأريخ لبدء تفكك الاقتصاد العشائري المعتمد على اقتصاد الكفاف والاكتفاء الذاتي، وأخذ يتحول تدريجياً وببطأ إلى اقتصاد السوق والعلاقات السلعية النقدية، بفضل جملة من العوامل منها: ما له علاقة بنزعة السلطة العثمانية لإخضاع القبائل بالقوة لقرارها المركزي؛ وتطبيق قانون الأرض العثماني لسنة 1858 الذي سنته[24]؛ وما نجم عنه من تحول حقوقي لملكية الأرض إلى رؤساء العشائر وأغنياء المدن ( الملاك الغائبون) ؛ وكذلك للتحسن في طرق المواصلات والنقل النهري؛ وتوسع التجارة الخارجية وزيادة الطلب على الإنتاج الزراعي. ويمكن أن نضيف عامل تفكك أخر يتعلق بذات القبيلة، كتكوين وقيم، وما يلازمها من تنازع دائم، إذ " نجد القبيلة البدوية لا تكاد تكبر حتى تنقسم وكثيراً ما تقوم الحروب الشعواء بين أفخاذ القبيلة، ويصبح كل فخذ منها كتلة مستقلة معادية لبقية الأفخاذ [25] " من خلال ما أطلق عليه د.علي الوردي بـ (الاستحواذ المسلح للأرض[26] )- أي أن العشيرة القوية تستحوذ على أراضي العشيرة الأضعف بقوة سلاحها. هذا العامل الداخلي أضعف انغلاق القبيلة الذاتي وأدى إلى تزايد ارتباطها بالمدينة وبالسلطة المركزية وتحول اقتصادها إلى اقتصاد سلعي– نقدي.[27] كانت الدولة العثمانية تشجع هذا التوجه بغية زيادة (نهب الفائض الاقتصادي) وتحويله إلى المركز. وتطلبت هذه الصيرورة الاقتصادية زمناً طويلاً نسبياً، أخذت بالتسرع بعد الانقلاب العثماني واعلان الدستور عام 1908 وتبنت الحكومة سياسة استهدفت القضاء النظام القبلي من خلال تهديم قاعدنه المادية . كما اشتدت وتيرتها بعد تكوين الدولة الوطنية عام 1921. والتي مثلت في الوقت نفسه حلقة مهمة في تكوين وتوحيد السوق الوطنية العراقية. وعلى ضوء هذه التحولات في المجتمع العراقي بدأت العشائر الرحل بالاستقرار وامتهان الزراعة كحرفة لهم فيها الكثير من وسائل الاستقرار والامن الغذائي مقارتةً بالرعي والنهب اللذان كانا مصدر عيشهم السابق. وعليه أخذت نسبتهم إلى مجموع السكان بالتقلص التدريجي وبصورة بطيئة. تسارعت خطى هذه العملية أكثر فأكثر بعد قيام الدولة العراقية. شكل في المقابل, سكان المدن حوالي 24 % من السكان. وكانت الحياة فيها ذات طبيعة سكونية في حراكها الاجتماعي ومتخلفة في أساسياتها الضرورية لا تختلف عما كانت عليه منذ عدة قرون " فلا طرق ولا مدارس أو مشافي. لقد ظلت بغداد تستقي الماء من دجلة مباشرةً بواسطة السقاة حتى أنشئت أول مضخة لنقل الماء وتوزيعه على الدور المحيطة بسرايا الحكومة عام 1907...[28]". ولم يشق فيها إلا شارعاً واحداً طيلة الاحتلال العثماني هو شارع الرشيد في تموز 1916. لم تول الإدارة العثمانية، المركزية والمحلية أي اهتمام لتطوير الحياة العامة في الأصقاع النائية ومنها العراق الذي " ما هو إلا مصدر خراج في الأوقات العادية. وطالما وردت الضرائب فلا حاجة للعمل[29] ". وعندما حلت الحرب الأولى " لجأت دوائر الإعاشة في الجيش إلى مصادرة كل شيء، ولم تقتصر مصادراتها على المواد الضرورية للجيش، بل أخذت تصادر أشياء من قبيل الجوارب الحريرية وأحذية الأطفال ومكائن الطباعة... ذلك هو مبدأ النهب الذي تمشت عليه الحكومة التركية[30] " في ذات تركيا فما بالك في الأمصار النائية !؟ حيث كان نصيب العراق من الويلات أكبر من نصيب البلاد الأخرى كما تشير العديد من المصادر. لقد أخذت صورة المدينة بالتغيير البطيء والتدريجي، منذ بداية الاحتلال البريطاني، حسب ما اقتضته ضرورات الحرب، وبعد توسع العلاقات السلعية النقدية وزيادة التبادل نتيجة لزيادة الطلب على السلع والخدمات من قبل قوات الاحتلال، مما ترتب عليها زيادة وتيرة التبادل بين المدينة والقرية، وانكفاء عمليات غزو المدينة أو التهديد به من الأرياف المحيطة، والتي كانت إحدى سمات الأزمنة السابقة لنشوء الدولة العراقية، التي مثلت فعلاً بداية الزمن الحضري[31]. ويمكن من الناحية السيسيولجية اعتبار " تشكل الدولة الحديثة في العراق، بوصفه تعبيراً عن الانتقال من المركزية الزراعية إلى المركزية الحديثة...إن المركزية الزراعية تقوم على علاقات خارجية بين المراكز والجماعات Communities التي تتألف منها الدولة أو الرقعة الخاضعة للمركز والتي غالباً ما تكون حدودها مطاطة. إن الجماعات الزراعية– هي كيانات اجتماعية اقتصادية- عسكرية، مكتفية ذاتيا ًوتنظيماتها مستقلة، كالقبائل والعشائر التي تعيش على العرف القبلي وتشكل وحدة قائمة على رابطة الدم.أو الأحياء( المحلات) في المدن المنظمة في كيان صغير، مغلق قائم على المهنة (الأصناف-الحرفيين) أو المذهب (شيعي– سني) أو الدين (حي النصارى، حي اليهود) أو على الجماعات القرابية المهاجرة من الأرياف(حي التكارتة في بغداد). وفي الريف نجد القرى منحدرة من عشيرة واحد ة أو عشائر متعددة. تقوم علاقة الدولة بهذه الجماعات على أخذ الضريبة بالقسر ما فوق الاقتصادي. خضوع المدن وتمرد القبائل والإحتراب الدائم سمة مميزة للعهد الزراعي بل إن استمرار المركز يتغذى من حالة الإحتراب الدائم للجماعات وانشطارها وتشظيها المستديم...[32] " . وضمن مثل هذه الأوضاع لم تكن سلطة الحكومة المحلية لتمتد إلى أبعد من حدود المدن. ما عدا ذلك فكانت السلطة للعشائر بالدرجة الأساس. هذه الوضعية أفرزت حالة اجتماعية يمكن أن نطلق عليها [ الخصومة والتنافر] وانسجت حالة من التطرف في المواقف الحياتية عمقها مادياً التباينات في ظروف الإنتاج الاجتماعي وظروفها المناخية ثم التعددية الاثنية والدينية وأخيراً المؤثرات الخارجية الدولية، نتيجة موقع وجغرافية العراق. كما أفرزت هذه الظروف إنعدام الركائز الاقتصادية والاجتماعية لتبلور منظومة قيم ومناهج سياسية تعتمد الديمقراطية كآلية لادارة الحكم. كانت تركيبة الهرم الاجتماعي في المدن العراقية الكبيرةً أيام العثمانيين تتألف من عدة مستويات، تقف في قمته: الإدارة التركية (الوالي والموظفين الإداريين الكبار) وكبار الضباط في الجيش والشرطة أتراكاً أو مستتركين، تليها مجموعة من الشرائح الاجتماعية المحلية من قبيل: الأشراف والعائلات الأرستقراطية القديمة وكبار التجار والملاكين، وكبار رجال المؤسسة الدينية، والسنية على الأخص . أما قاعدة الهرم الاجتماعي وهم الغلبة، فتتكون من جمهرة واسعة من الفئات الفقيرة والكادحة. وتوسط هذين المستويين الفئات الوسطى، من صغار التجار والحرفيين وأصحاب المهن الحرة وصغار الضباط وضباط الصف وطلبة المدارس والعاملين في الحقول الثقافية. كان الدين/الطائفة ورابطة الدم، هما العاملان الرئيسيان في التعاضد والتكافل الاجتماعيين، كما كانا من أكثر العوامل المحركة لتجليات الوعي الاجتماعي: السياسية والحقوقية والفلسفية والجمالية والدينية. لقد تميزت فئات قمة الهرم الاجتماعي بكونها محافظة جداً وكانت تعارض أي تغيير خوفاً من زعزعة مصادر قوتها وبالتالي مكانتها الاجتماعية وتحكمها بالقرارين الاقتصادي والسياسي. كما تمتعت الفئات الدينية بعناصر قوة وسلطة سياسية وسطوة روحية، وبالتالي اجتماعية، مستنبطة من نسب القربى (سواءً أكان صحيحاً أم لا) بالرسول محمد أو أحد الأئمة والأولياء. لقد تغيرت القاعدة الاجتماعية للحكم خلال مرحلتي الاحتلال والانتداب البريطاني، إذ أمست بعد ثورة العشرين، وبعد أن حسمت سلطة الاحتلال الكيفية التي ستدير بواسطتها الدولة الوليدة، عن طريق الحكم غير المباشر. إذ أصبحت تتكون بعد دمج عناصرها الأرأسية في كل موحد " لتمثل قاعدة الحكم الجديد المنطلق نحو مركزة ذاته، رغم التناقضات الكامنة بين مفردات كل عنصر من هذه العناصر من جهة، وبين هذه العناصر كلل من جهة ثانية، للمحدودية التاريخية لأفق تطور بعض هذه العناصر من جهة ثالثة، ولاختلاف وأهمية دور كل عنصر في سياق توطيد الحكم وإعادة إنتاج قاعدته الاجتماعية وفقاً لمنطوق تطوره الداخلي من جهة رابعة، وطموح كل عنصر منها فراداً لتوطيد مكانته على حساب العناصر الأخرى من جهة خامسة.. وهذه العناصر هي : 1- قوى الاحتلال الأجنبي والكادر الإداري المرافق له؛ 2- القوى الاجتماعية المحلية المتكونة من : 1.2 المدينية وتتمثل بالأشراف والعوائل الأرستقراطية القديمة والتجار والملاكين الكبار؛ 2.2 الريفية وتتمثل بمجموعة القبائل والعشائر وخاصةً الكبيرة منها[33]؛ 3.2 الدينية وخاصةً الإسلامية ( السنية) واليهودية ؛ 3- الإرث المعنوي للملك المعين ومجموعة الضباط العراقيين في الجيش العثماني...[34] ". لكن هذه القاعدة دامت خلال الفترة 1918- 1932 ويمكن أن نطلق عليها مرحلة التكوين وقد طرأ عليها تغيير بعد نيل العراق (الاستقلال الاسمي) واشتد أزر السلطة المركزية وتنفيذ قرارها واطمأنت بريطانيا إلى رسوخ مواقعها ومصالحها.. حتى انسحبت من قاعدة الحكم بعد أن رسمت حدود العلاقة بينها وبين السلطة الملكية وفقاً لاتفاقية 1930، وتبؤ شيوخ العشائر والإقطاعيين دوراً أكبر مما سبق، وتعاضدت النخبة السياسية من ذوي الأصول العسكرية بحيث مثلت عصب النخبة الحاكمة، وازداد دور العرش في الحكم والذي كرسه التعديل الدستوري لعام 1943بحيث منح الملك صلاحيات تفوق دوره باعتباره (مصون غير مسؤول). في الوقت نفسه تقلص دور المؤسسة التقليدية، وخاصةً الدينية والأرستقراطية القديمة. كما كان من عواقب السيطرة العثمانية الطويلة محدودية التعليم وانعدام الحديث منه في عموم المجتمع العراقي بصورة شبه مطلقة، لغاية الانقلاب الدستوري العثماني عام 1908[35]. حيث بدأت بذور حركة فكرية محدود الابعاد تجلت في التطورالكمي والنوعي البطيء. إذ عندما " انطوت صفحة الحرب العالمية الأولى، لم يزد عدد المتعلمين في العراق على 1% من مجموع السكان، إذ لم يكن الأتراك جادين في تعليم رعاياهم العرب[36] " . كان "العدد الإجمالي للطلاب كان قليلاً ويتألف سنة 1914 من 7378 من البنين، 600 من البنات، في المدارس الرسمية، و8020 من البنين و2163 من البنات في المدارس الأهلية والدينية والأجنبية. ومجموع الطلاب من البنين هو 15398 طالباً. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام المستخلصة من الوثائق الرسمية التركية، إنما هي أرقام نظرية أكثر مما هي حقيقية، فعدد الطلاب المسجلين فعلاً والذين يحضرون المدارس أقل بكثير من الأرقام الرسمية ... وكان هناك مدرستان لتخريج المعلمين وقد افتتحتا في أوائل القرن العشرين، ومدرسة الحقوق التي افتتحت سنة 1908...[37] ". كما كان هناك سوء توزيع مقصود لهذه المدارس حيث حُرمت مناطق باكملها منها وتركزت في بعض المناطق لاسباب طائفة وعنصرية. فعلى سبيل المثال . كان عدد المدارس الابتدائية عام 1922" في العراق(90) مدرسة. ومن هذه المدارس (23) مدرسة في مدينة الموصل وحدها والبقية في أنحاء العراق ", في حين كان عددها في بغداد 7 فقط . اما ما يختص بالبنات بين هذه المدارس: فكان واحدة فقط في بغداد و9 في الموصل, كما يشير الحصري في مذكراته [38]. إن توسع التعليم وتطوره يعني الابتعاد عن المؤسسة التقليدية ومنظومة قيمها الاجتماعية ويضع المجتمع في مواجهة السلطة العثمانية الاستبدادية التي لم تكن تريد أن يعرف الناس الحقائق، وهذا يمثل أحد خصائص الاستبداد السياسي، لأن معرفة الحقائق يحرر الناس من تسلط الأوهام والأساطير ويحرر الفرد من الخوف والجبن والاستلاب وبالتالي التحرر من التبعية والطغيان.. وهذا ما كانت تخشاه السلطة الثيوقراطية العثمانية. كان التعليم آنذاك على نوعين هما: 1-المدارس الدينية وخاصة الإسلامية التي وجدت في كافة أنحاء العراق، وتواجدت بكثافة في المدن ذات الطابع الديني [ النجف، كربلاء، سامراء والكاظمية ] وفي بغداد بالقرب من المناطق الدينية فيها. وكانت تابعة لمساجد الطائفتين السنية و الشيعية وقد عرفت باسم الكتاتيب أو التكية أو الملا. وكانت مواضيع الدراسة فيها تنصب على العلوم الدينية واللغة العربية، وكانت بمثابة التهيئة للدراسة التخصصية اللاحقة. لقد " كان للطالب الخيار في مرحلة مبكرة الانتقال من الكتاتيب إلى المدارس الحكومية (وهي الصنف الأخر من المعاهد المتوفرة آنذاك) ومن ضمنها المدارس العسكرية والحقوق والطب والهندسة. أما الطلبة الشيعة والدارسين في الملا فلم يسمح لهم دخول المدارس الحكومية أو أية معاهد حكومية أخرى [39] ". لأن السلطة المركزية " للإمبراطورية العثمانية لم تكن تسمح للشيعة، بعد إدخالها لنظام التعليم في البلاد وإجراء الإصلاحات أن تفتح على نظم التربية الحديثة كما سنحت للسنة العرب[40] ". كما كانت هناك مدارس دينية قليلة العدد خاصة بالمسيحيين واليهود في بعض المدن الكبرى. وكانت تشرف على بعضها البعثات التبشيرية. فبالنسبة للمدارس اليهودية، كانت لها " شبكة من المدارس وقد تركت لهم الحكومة العراقية الحرية التامة في تعليم العبرية التوراتية واللغات الأجنبية شرط أن تكون الأولوية لمتابعة البرنامج الدراسي الذي تسطره وزارة المعارف[41] ". وكان يشرف على بعض هذه المدارس (الأليانس) المحفل الإسرائيلي العالمي الذي أسسه اليهود الفرنسيون. 2-المدارس الحكومية التي تشمل على الدراسة الابتدائية والثانوية، وكانت تدرس فيها العلوم الطبيعية والاجتماعية. وكانت المدارس الابتدائية مجانية " ومنظمة تنظيماً جيداً على الورق ليس إلا. كانت موجودة في معظم المدن، في حين وجدت بعض المدارس الثانوية أيضاً في المدن التي تعد أوسع من غيرها، كذلك نشأت مدارس صناعية في كل من بغداد والبصرة وأصبح التعليم الديني العالي متوفراً في حين كان نظام التعليم العسكري مميزاً. فقد كان أبناء الأشراف من المدنيين وكبار الموظفين يذهبون لاسطنبول لإكمال تعليمهم التركي، في حين كانت تذهب قلة من أبناء الشيوخ إلى الكلية العشائرية وكانت حرفة التعليم سيئة السمعة وممقوتة وطرائقها بدائية...[42] ". هناك علاقة سببية بين التخلف, بالمفهوم العام,والمستوى الفكري والثقافي التعليمي. ومن هذا المنظور لم يشهد عراق المرحلة العثمانية أية حركة فكرية، كالتي حصلت في اقطار المشرق العربي, دينية كانت أم علمانية, لأن الأولى والسنية على وجه الخصوص, عبرت عن اتجاه فكري محافظ متماهي ومندمج عضوياً بالدولة العثمانية, وفي الوقت نفسه انعدام المقومات المادية لظهور حركة علمانية, لتجيب على تساؤلات الحياة وتحولاتها الجذرية وتتحرى أبعاد هذا التخلف المزمن وتشخص مقومات الضعف ومكامنه وانتشار الامية وأخطارها ومسؤولية النظام السياسي وطبيعته الاستبدادية. وكانت الثقافة الموروثة المهيمنة تنسجم مع طبيعة البنى السياسية التقليدية السائدة ودرجة التطور الاجتماعي, وقد تلاقحت مع بنية السلطة المطلقة الممركزة فأوجدت ثقافة تتسم بالخنوع للسلطة السياسية والمورث الثقافي المتناقض لروح العصر ومتطلباته وعدم قدرته على التلائم مع افرازات الحضارة الانسانية. هذا التلاقح أفرز وعي اجتماعي مزيف مغرق بطوفان من الغرائز الفطرية التي اضفى عليها هالات من القدسية والتجريد.. فتحول الحاكم/الخليفة إلى حالة تسلب الفرد من كل مقومات حقوقه الطبيعية والمكتسبة بل وحتى مصالحه, ناهيك عن مطالبيه السياسية.. واصبحت مؤسسة الحكم, بغض النظر على مرتكزها الايديولوجي,وحدها مالكةً حق تفويض نفسها للتعبير عن الكل. يعتبر التعليم أحد أهم عناصر النهضة والتقدم في البلد. بينما نجد في عراق الدولة العثمانية أن ما يخصص لمجال التعليم تافة جداً مقارنةً بالمطلوب تحقيقه. فمثلاً " قبيل الحرب العالمية الأولى لم تكن ميزانية معارف ولاية بغداد لتزيد عن 34000 ليرة عثمانية تصرف منها 9000 ليرة على مدرسة الحقوق والمدرسة الاعدادية وهي مخصصة من الميزانية العامة و 24000 ليرة, فضلاً عن حصة المعارف من الواردات المحلية, كانت تصرف على المدارس الأخرى جميعاً... [43]". لكن رغم الانخفاض الكمي لعدد المتعلمين في المدارس الحديثة والذين لم تزد نسبتهم عن 1% من مجموع السكان قبيل الحرب الاولى، الذين كانوا يلعبون دوراً في إيقاظ الشعور السياسي في العراق آنذاك مع بعض الضباط المسيسين منهم. أخذ هذا الكم بالازدياد المطرد مع نهاية الحرب العالمية الأولى، تحت ضغط الحاجة الاجتماعية والتغيير في أسس النظام السياسي وتكوين الدولة العراقية وما تتطلبه من كوادر إدارية، خاصة بعد رحيل العدد الكبير من الإداريين الأتراك. لقد برز من بين هؤلاء المتعلمين الرواد الأوائل من الإصلاحيين والاشتراكيين، ومنهم تكونت لاحقاً فئة الإنتلجنسيا العراقية، الذين بشروا بالفكرة الوطنية والهوية العراقية، جنينية النشوء آنذاك. وكان الدين، في تلك الفترة, في بعض تجالياته يمثل بالأساس القوة المحركة للفعل السياسي المقاوم ضد سياسة التتريك ومن ثم مقاومة الاحتلال البريطاني للعراق. وكذلك كمصدر أراس بالنسبة لتكون الوعي الاجتماعي العام وما يشتق منه من تجليات فكرية وفلسفية وحضارية. لعبت التطورات في مركز الدولة العثمانية في29 تموز/ يوليو 1908 حول الدستور والحد من السلطة المطلقة للسلطان عبد الحميد، دوراً نسبياً في إيقاظ الوعي الاجتماعي في تجليه السياسي لدى فئة المثقفين والمتعلمين العراقيين الذين رحبوا بهذه التطورات والتي يمكن اعتبارها بمثابة " المنطلق لبلورة الوعي الديمقراطي لما له من علاقة بالسلطة الرسمية وتطوراتها التاريخية [44] " لكن الفئات الاجتماعية التقليدية والدينية [45] والملاك والتجار الكبار ومؤسسة العشيرة وأغلبية العوام، كانوا يناهضون هذه التغييرات الدستورية وتوجهاتها إما لعدم فهمهم لمضامينها وهم الاغلبية، أو لتعارضها مع مصالحهم ومراكزهم الاجتماعية. كانت القوى المحافظة " تتمتع بنفوذ أوسع لإسناد الاستبداد. وقد مثله عالمان كبيران، سني في بغداد وهو السيد عبد الرحمن النقيب، وشيعي في النجف هو السيد كاظم اليزدي. غير أن الطابع العام للنشاط السياسي الذي يتزعمه شيوخ الإسلام كان إلى جانب السلطان دون تحفظ. ومن المفارقات أن تقابل الحملة الدستورية وكتابات المفكرين الإسلاميين الكبار في تونس ومصر والشام بحملة دعائية في العراق لتدعيم موقف عبد الحميد تحت غطاء ديني محرَْف يستند إلى مبدأ إطاعة أولي الأمر... وبحماس واسع نحو تعبئة شعبية تستهدف استبعاد الأفكار الدستورية والتحررية عن الرأي العام العراقي[46] ". كان كثرة من رجال الدين (المعممين) بمثابة الجسر الذي يعبر عليه المستبدون من الحكام وأصحاب النفوذ والقوة والسلطة السياسية لإنشاء الاستبداد الديني. إن بعض المراوغين منهم يستغلون حاجة الإنسان النفسية إلى الدين " ليسيروا مصالحهم عبر إحداثهم فجوة في النفس البشرية عند البسطاء. إن الإله يملك المعرفة كما يملك القوة.. قوة أن يحيل الكائن إلى عدم، بل هو المعرفة والقوة. وتمثلا بالإله يحاول المستبد تجهيل الناس ليبدو هو العارف الوحيد، مستعينا على ذلك بزبانيته المؤدلجين، ويسلب القوة ليبقى وحده مسلحا بجيش من المرتزقة، ليمكنه بعد ذلك أن يدعي الألوهية. فالاستبداد السياسي تسبقه إيديولوجيا متلبسة بالدين، تمهد له.. فيحل الحاكم محل الإله ويصبح هو المنوط بوضع الشرائع. ومن هنا يأتي تغليب السلطة على الشريعة ويدخل المستبد في طور مشاركة الله في الجبروت[47] ". وعلى ضوء ذلك مَلَكَ هؤلاء الزعماء الدينيون " سطوة لكنها ليست سطوة دينية، وإنما هي سيطرة تستخدم الدين، كما تستخدم الحكم لتحقيق نزوات شخصية بحتة وسريعة " وعن هذا الطريق ساهموا في خلق وعي اجتماعي زائف ووهمي ذات طابع ميثولوجي/ ديني مملوء بالخرافة ويتناظر مع طبيعة المرحلة الاجتماعية. لأن الدين، في تلك الفترة, وفي بعض تجالياته يمثل بالأساس القوة المحركة للمارسة الحياتية وكمصدر أراس بالنسبة لتكون الوعي الاجتماعي العام وما يشتق منه من تجليات فكرية وفلسفية وحضارية وسياسية, حتى أنه كان المقاوم ضد سياسة التتريك ومن ثم مقاومة الاحتلال البريطاني للعراق. لم يكتف (المعممون) بذلك بل أصبحت " الممارسة الدينية لا تفرض على الشعوب مناهج ومواقف حسب, بل كذلك وإلى حدٍ ما، مأكلها وملبسها, انها تضبط الجماهير وتعودها على نظام معين بما لها من تأثير دائم لا محسوس وقد ادركت الحكومات في جميع الأزمنة والعصور قيمة هذا (الشرطي)[48] ".ومن هنا فليس مستغرباً أن نرى "ما من مستبد سياسي إلا واتخذ له صفة قدسية يشارك فيها الله, أو تربطه برباط مع الله ولا أقل من أن يتخذ بطانة من أهل الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله [49]". وبعد تأسيس الدولة، ولضرورات حاجة مؤسساتها إلى كوادر إدارية، خاصةً بعد هروب الإداريين الأتراك إلى تركيا، فقد أخذت ترتفع ميزانية وزارة المعارف سنة بعد أخرى، لكنها لم تتعدى في أحسن الأحوال10-12% من الميزانية العامة. وتبعاً لذلك فقد أرتفع عدد المدارس والطلبة بحيث أزدادت المدارس الابتدائية من 160 مدرسة تضم 6000 طالب عام 1913، إلى 184 مدرسة تضم 6737 طالباً عام 1920، وتصل إلى 291 مدرسة تضم حوالي 31000 طالب من كلا الجنسين عام 1931. هذا التطور شمل بنسب أقل ما له علاقة بالتعليم الثانوي وبأقل أكثر بالنسبة للتعليم الجامعي. أما الجانب النوعي فيه فقد كان متخلفاً بصورة ملحوظة ولم يأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات النوعية للأنشطة الاقتصادية المختلفة، إذ ركزت سياسة التعليم على إعداد متعلمين مكتبيين. ولم تتوسع لتشمل كافة الطبقات الاجتماعية، بل اقتصرت الاستفادة على أبناء العوائل الثرية والمالكة وأبناء الفئات الوسطى في المدن والكبيرة خاصةً منها[50]. كما أنها تميزت بعدم الغوص في الإرث الثقافي العربي/ الإسلامي ولم تعكس التنوع المعرفي لمكونات المجتمع العراقي وبعيدة عن تاريخه العام. كانت السياسة التربوية، التي أرساها ساطع الحصري، ذات طبيعة سلطوية تركز على الفردية والقوة ، تحلت عملياً بالكثير من مفردات السياسة الطائفية والتي تشبعت بـ " موقف عدائي تجاه العناصر غير العربية سواء أكانت هذه العناصر متواجدة داخل البيئة العربية أو خارجها وتضعف هذه الحصرية التي رأيناها داخل العراق، الكيان العراقي نفسه منذ أن بدأت تحتقر الأكراد بنوع من الكره... إذ قامت سياسة الحصري الثقافية وطريقة التفكير الحصرية ، التي استعارت أساساً الأفكار الشعبية الألمانية، كما قامت بتثبيت المذهبية السياسية في العراق[51] ". في أعقاب الحرب العالمية الأولى كانت فئة المتعلمين والمثقفين تتمركز في المدن الكبيرة والدينية، التي أصبحت مراكز لاستقطابها السياسي ولعبت هذه الفئة الدور الذي قدر لها أن تلعبه وبما هو مسموح به من قبل السلطات وضمن موازين القوى من جهة، وعلى الطبيعة السياسية للموضوعة المثارة من جهة ثانية ودرجة الالتفاف حولها من قبل القوى الاجتماعية من جهة ثالثة. وتأسيسا على ما ذكر، يمكننا أن نعد بداية القرن العشرين " فترة من أخصب فترات التطور الفكري في العراق، تلك الأعوام الحبلى بالآراء والأفكار التي وضع خلالها الأساس للفكر السياسي /الاجتماعي في العراق الحديث. وبالنسبة للباحث في تطور العراق الفكري يجد أن هذه الفترة التكوينية Fornativ Period التي تقدم مصادر وأصول أغلب الأفكار التي ذاعت وانتشرت في الأعوام التالية[52] ". وعلى ضوء ما ذكر يمكننا القول إن هناك تماثل نسبي بين تاريخ العراق وعموم تاريخ البلدان المتخلفة في القرن المنصرم حيث هو تاريح محاولة اللحاق بركب العالم الأكثر تطوراً من خلال محاكاته, سواءً في اوربا الشرقية و الوسطى أو اليابان .. وتلك الدول المنسلخة من الامبراطورية العثمانية ضمن الشروط التاريخية لظهورها وماهية النموذج الاستعماري المسيطر.
[1] د. عبد الوهاب حميد رشيد ، العراق المعاصر، ص. 69، دار المدى ، دمشق 2002 [2] عزيز سباهي، عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي،ج.1، ص. 19، منشورات الثقافة الجديدة، دمشق 2002 [3] راجع للمزيد لونكريك ستيفنسن، العراق الحديث من 1900 إلى 1950 ن ترجمة سليم طه التكريتي، ص. 19، الجزء الأول، دار الفجر للنشر والتوزيع، بغداد 1988 [4] قسمت الدولة العثمانية إدارياُ إلى متصرفيات (محافظات) التي تتكون من عدة اقضية، والقضاء يحتوي على عدة نواحي. للمزيد راجع د. غسان العطية، العراق – نشأة الدولة ، ترجمة عطا عبد الوهاب، دار لام لندن، 1988. [5] للمزيد راجع د. محمد سلمان حسن ، التطور الاقتصادي في العراق ، التجارة الخارجية والتطور الاقتصادي 1864 – 1958، ج.1، ص.51 وما بعدها، المكتبة العصرية ، بيروت 1965. [6] هوبزبوم أ.ج., , ص. 16, مصدر سابق. [7] مستل من د. عامر حسن فياض, جذور الفكر الديمقراطي, ص. 238, مصدر سابق. [8] مستل من المصدر السابق, ص. 238 [9] مستل من المصدر السابق, ص. 182 [10] د. علي الوردي، لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ص.401، ج. 4. ط. 2. دار كوفان ، لندن 1992 [11] الرقم مستل من د. عبد الوهاب رشيد ، مصدر سابق ص. 71 والرقم الثاني من د. محمد سلمان حسن ، مصدر سابق، ص. 53. وبصدد الأرقام التي نشرتها الحكومة العثمانية ف " ليس المستطاع إعطاء تقدير يوثق به سواء الآن أو فيما بعد لسكان الولايات الثلاثة ، ذلك لأن إحصاء النفوس في العهد التركي كان يتم بشكل واه، حيث تنعدم الكفاية الواسعة للقيام به وكان يقتصر على المدن وعلى أغراض الكتابة ليس إلا... وقد يعتبر معدل مجموع السكان ما بين مليونين ومليون ونصف المليون من التقديرات الصائبة " لونكريك ، مصدر سابق، ص.27. [12] لقد عمقت الكوارث الطبيعية والصراعات القبلية من حدة تفاقم ظاهرة التخلف، إذ تعرضت، على سبيل المثال مدينة بغداد أبان القرن التسع عشر إلى جملة من الكوارث منها: 1802-1803 وباء وفناء معظم سكان العراق؛ 1822، وباء– فيضان؛ 1831، وباء- فيضان – حصار– مجاعة وهبط سكان بغداد من 80 ألف نسمة إلى 27 ألف؛ 1877-1878 وباء ، مجاعة؛ 1892 فيضان؛ 1895 فيضان... الخ. راجع بطاطو، مصدر سابق، ج1 ،ص.34. [13] د. غسان العطية، العراق, نشأة الدولة 1908-1921، ترجمة عطا عبد الوهاب، ص. 35، دار لام لندن 1988 [14] الأرقام مستقاة، من د. محمد سلمان حسن، مصدر سابق، ص. 53و من د. غسان العطية، مصدر سابق، ص. 49. ربما مجموع السكان مبالغ فيه وعلى كل حال فهو رقم تقديري يفسر الاتجاه العام للظاهرة .. [15] مستل من د. عامر حسن فياض، جذور الفكر الديمقراطي في العراق الحديث 1914-1939، هامش ص. 73، وزارة الثقافة بفداد 2002 [16] د. بلقيس محمد جواد، أفغانستان دراسة في سيسيولوجية المجتمع، مخطوطة، ص.3 جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية، 2002. [17] د. علي الوردي ، لمحات اجتماعية، الجزء 4، ص. 401، مصدر سابق. [18] هوبزبوم, دراسات, ص.34, مصدر سابق. [19] د. علي الوردي ، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ، ص. 54، مصدر سابق [20] المصدر السابق ص. 53 . [21] استندت خطة مدحت باشا لتوزيع الأراضي، على أساس نظام التملك ( الطابو). وقد ادخلها حيز التنفيذ عام 1864. للمزيد راجع د. غسان العطية، مصدر سابق، الفصل الأول . [22] عزيز سباهي ، عقود من تاريخ ، مصدر سابق، ص. 34 [23] د. عامر حسون فياض، جذور الفكر الديمقراطي، ص. 76، مصدر سابق . [24] قسم القانون الأراضي إلى الانواع التالية: " أ- الأرض المملوكة التي يتمتع صاحبها بملكيتها المطلقة أي حق الرقبة والتصرف معاً. ب-الأرض الاميرية: أي ارض الدولة وهي قسمين: الأول انيطت ملكيته المطلقة بالدولة وتسمى أرضاً أميرية مطلقة، والثاني: تحتفظ الدولة بحق الرقبة وتتنازل عن الانتفاع بها للأفراد لقاء أثمان مناسبة تدفع بأقساط قليلة سهلة الدفع لمدة طويلة.ج- الأرض الموقوفة المخصصة للوقفيات الخاصة والدينية. د- الأرض المتروكة: وهي الأرض العمومية التي احتفظت بها الدولة لأغراض النفع العام في المستقبل. ه- الأرض الموات وهي الأرض الخربة غير المستعملة أو غير المحياة " مستل من المصدر السابق،ص.74 [25] د. علي الوردي، مهزلة العقل البشري، ص. 116 [26] د. علي الوردي ن لمحات اجتماعية، مصدر سابق، ج. 5، القسم الثاني ص 288. [27] من الصعوبة بمكان الاتفاق مع د. كمال أحمد مظهر فيما أطلق على العلاقات الزراعية التي كانت قائمة آنذاك بالعلاقات الاقطاعية.. وحتى بعد الاستحواذ والاستيلاء الكبيرين وطرد الفلاحين من اراضيهم والتي قننتها حكومات العهد الملكي.. فلا يمكننا أن نطلق عليها مفهوم " العلاقات الاقطاعية" أو " النظام الاقطاعي".. إن الاستخدام المجازي لهذين المفهومين في الادب السياسي، يجب عدم خلطه بالاستخدام العلمي إذ كانت اجنة العلاقات السلعية النقدية تمثل إحدى حلقات النظام ولذا فإن القول بكونها علاقات شبه اقطاعية هو الاقرب إلى الماهية الحقيقة لمثل هذه العلاقات خاصةً ما يتعلق بملكية الأرض وسعتها؛ العلاقة الاجتماعية بين الفلاح والمالك ( شيخ العشيرة أو الملاك الغائب)، الحرية المقيدة للفلاح بترك العمل ...الخ . لم يتكون قط في الاقتصاد العراقي هذا الشكل الصافي من اسلوب الانتاج الاقطاعي حسب النمط الاوربي في أي مرحلة من تاريخ العراق ، نظرا للاختلاف الكبير بين التطبيقات الاوربية عن تلك الاسيوية. راجع ، صفحات من تاريخ العراق المعاصر، ص. 18 وما بعدها. مكتبة البدليسي، بغداد1987 . [28] عزيز سباهي ، مصدر سابق، ص. 22 [29] د. غسان العطية ، مصدر سابق، ص. 35 [30] د. علي الوردي، لمحات اجتماعية، ج. 4، ص. 8، مصدر سابق. [31] لقد بدء الزمن الحضري على وجه التقريب، منذ تشكل الدولة الحديثة.. لكنه لم يجسد ذاته إلا بعد ثلاثة عقود من هذا التاريخ. أي منذ منتصف الخمسينيات، حيث بدأت المدن الكبرى وخاصةً بغداد، تلعب الدور الأرأس حتى " أصبح تاريخ العراق من الآن فصاعداً وإلى حدٍ كبير هو تاريخ بغداد " كما يؤرخه الباحث حنا بطاطو، نظراً لما تمثله من ثقل نوعي في مركزية الدولة وتواجد الممثلين الكبار لقاعدة الحكم فيها وبالتالي التمركز والتركز السياسي، والأهم هو انتقال المعارضة السياسية بكل ثقلها إلى بغداد وبدرجة اقل في المدن الكبرى الأخرى، بعد أن كانت متمركزة في المناطق الزراعية الريفية. هذا يمثل من جانب أخر تغيير في أهمية دور الفئات والطبقات الاجتماعية الجديدة التي بدأت بالتبلور النسبي، مثل الطبقة البرجوازية، والفئات الوسطى والطبقة العاملة.. التي أخذ بعضها يدافع عن مطالب الفئات الاجتماعية الفقيرة ومنهم الفلاحين بعد تجريدهم من ملكيةالارض الجماعية (العشيرة), إزاء اضطهاد شيوخهم السابقين. لقد ازداد دور المدن وبوتائر عالية بعد ثورة14 تموز. حيث بدأت بالتوسع الكبير وأحياءها تقوم على روابط جديدة كالمهنة الحديثة وليس الحرفة، مثلاً: ( حي المعلمين، الاطباء، المهندسين، الاعلامين، الصحفيين) بعض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو المناطقية. [32] فالح عبد الجبار، الدولة والمجتمع المدني والتحول الديمقراطي في العراق، ص.53 ،مركز ابن خلدون ودار الأمين القاهرة 1995 [33] قامت بريطانيا عام 1919 " بتغيير شكل القبائل حيث أن الحكومة البريطانية قد فتحت الباب على مصراعيه للعداوات بين قادة القبائل المتنافسة، بتعينها بعض الشيوخ لجمع الضرائب. وكتبت ماريون فاروق سلجليت حول دوافع سلطات الاحتلال البريطاني قائلة: ولم توفر الحكومة البريطانية بهذه الطريقة فقط تشكيل جهاز إداري ولكنها نجحت أيضاً في إثارة رغبة شيوخ القبائل المتعاونين معها في إبقاء السلطة البريطانية على البلاد وذلك بإشراكهم معها في تحصيل المبالغ في البداية " فرهاد إبراهيم، الطائفية السياسية في العالم العربي، نموذج شيعة العراق، ص. 95، مكتبة مدبولي، القاهرة 1996. ولهذا " فقد وزع الانكليز على ألف شيخ من زعماء العشائر 90بالمائة من الأراضي" حسب دراسة د. عزيز الحاج في كتابه، القضية الكردية في العشرينات، ص.64، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت 1980. كما استهدف هذا العمل البريطاني أيضاً تكوين قاعدة اجتماعية للسلطة التي بدأت بتكوينها من جهة، لكنها بهذا العمل أثارت القبائل الصغرى غير المتعاونة مع بريطانيا، بسبب عدم تحول شيوخها إلى ملاك وعدم تسجيل اراضي العشيرة كملكية خاصة، كما هي الحال في مناطق الفرات الاوسط والتي أصبحت مادة أساسية لثورة العشرين لاحقاً.. والتي أدمجت بالسلطة الجديدة بعد فشل الثورة، بالتهديد أو/و بالترغيب، وبعد أن استقامت الدولة الجديدة. وأخذت ملامحها الطبقية بالبروز، ومن ثم أخذ التناقض في العشيرة يتمحور بين قيادتها (الإقطاعيين) الجدد والفلاحين المعدمين، وصيغت العلاقة تشريعياً بقانون( دعاوى العشائر) الذي فرق بين سكان المدينة والريف مما أثر في تلاحم الهوية العراقية ووحدتها الوطنية. من زاوية ثانية عززت السلطة الملكية مكانة هؤلاء الاقطاعيين الجدد والملاكين المدينيين وذلك عنددما أصدرت حكومة نوري السعيد الثالثة قانون اطفاء الضرائب المتبقية بذمتهم على الأراضي التي امتلكوها. للمزيد راجع: زكي خيري , تقرير عن مسائل في الاصلاح الزراعي, بغداد 1960, ص. 7. [34] عقيل الناصري، الجيش والسلطة، ص. 30-31 ، مصدر سابق. [35] بعد اعلان الدستور استبشرت الشعوب العربية واعتبرته فاتحة لعهد جديد حيث " عمت الفرحة سائر ارجاء السلطنة واندفعت جموع الشعب في الشوارع تحركها موجة من الاستبشار والغبطة ويهتفون للحرية والعدالة والمساواة والأخاء ، ولم يكن العرب أقل من غيرهم ترحيباً واستبشاراً من غيرهم بهذا الحدث السعيد " مقتبس من د. عبد الرزاق مطلك الفهد، بداية الفكر الاشتراكي في العراق 1917-1936، ص. 7ـ بغداد 2002، طبع في مكتب أحمد الدباغ. [36] هاشم جواد، مقدمة في كيان العراق اجتماعي، مستل من فؤاد الوكيل ،مصدر سابق، ص. 51. [37] عبد الرزاق الهلالي، تاريخ التعليم في العراق في زمن العثمانيين، ص. 248، بغداد 1959، مستل من د. غسان العطية ، مصدر سابق، ص. 134. في الوقت الذي يشير فيه ساطع الحصري أستناداً للوثائق التركية الرسمية إلى أنه: وكان عدد المدارس الابتدائية الرسمية قبيل الحرب العالمية الأولى في الولايات الثلاثة التي تألف منها العراق الحالي, 160 مدرسة منها 78 في ولاية بغداد و51 في ولاية الموصل و31 في ولاية البصرة. وكان 13 من هذه المدارس خاصة في البنات موزعة في هذه الولايات كالاتي: 7 منها في بغداد و4 في الموصل و2 في البصرة . اما المدارس الثانوية فكان عددها 4 موزعة في بغداد وكركوك والموصل والبصرة. أما عدد دور المعلمين فكان عددها 3 موجودة في مراكز الولايات فقط. كما كانت آننذاك 5 مدارس ثانوية أهلية وأجنبية, 3 في بغداد ( الترقي الجعفري, اللاتين والآليانس الاسرائيلية) وللاميريكية في الصرة والدومينيكان في الموصل. للمزيد راجع ساطع الحصري , مذكراتي في العراق ,ج.1, 1921-1927, ص. 115-117 وما بعدها, دار الطليعة بيروت 1967 [38] الارقام مستلة من ساطع الحصري . المصدر السابق, ص. 126 [39] د. خالد التميمي، محمد جعفر أبو التمن- دراسة في الزعامة السياسية العراقية،، ص. 26، دار الوراق للدراسات والنشر، دمشق 1996، والكتاب بالأصل أطروحة دكتواره في التاريخ من مدرسة الدراسات الشرقية في لندن.. [40] د. فرهاد إبراهيم، الطائفية السياسية ، مصدر سابق، ص. 14. وللحقيقة فإن بعض علماء الشيعة و حتى غير الشيعة لم يرسلوا أبناءهم إلى المدارس الحديثة التي هي حسب رأيهم (مُفسدة للدين) . [41] نعيم قطان، وداعاً بابل رواية، ترجمة آدم فتحي، دار الجمل، ألمانيا 1999.المؤلف روائي عراقي مقيم في كندا. [42] لونكريك ، العراق الحديث، ح.1، ص. 71, مصدر سابق. وتأسست الكلية العشائرية في اسطنبول وكان ابناء العشائر هم المفضلون في الالتحاق بها. وكان عبد المحسن السعدون من بين الذين التحقوا بهذه الكلية وتخرج منها. [43] مستل من د. عامر حسن فياض, جذور الفكر الديمقراطي, ص. 136, مصدر سابق. [44] عبد الغني الملاح, تاريخ الحركة الديمقراطية في العراق, ص. 7, وزارة الاعلام، كتاب الجماهير,(13) بغداد 1975. [45] لابد من الإشارة إلى الموقف الإيجابي لبعض علماء الشيعة العراقيين تجاه ثورة تركيا الفتاة. إذ كان بعض مجتهد يهم، أول من أسس الفرع العربي لهذه الحركة (الاتحاد والترقي) في النجف. لكن رغم ذلك فإن السلطة العثمانية لم تغيير موقفها اتجاههم. وظلوا الجماعة العرقية الدينية الوحيدة التي أُبعدت بصورة مقصودة من البرلمان العثماني ولم تمثلهم السلطات فيه، ومثلت بدلاً عن مناطق تواجدهم أشخاص لا يمتون بصلة لهم ولا بمناطقهم . للمزيد راجع، فرهاد إبراهيم، مصدر سابق، ص.29-69. كذلك حسن العلوي، التأثيرات التركية في المشروع القومي العربي في العراق، دار الزوراء ، لندن 1988. ويشير كامل الجادرجي في اوراقه إلى هذا الحدث بالقول: " كان اعلان الدستور مبعثاً للتشاط الواسع في بغداد، فهب نسيم الاصلاح في الإدارة المدرسية..." مستل من د. عبد الرزاق مطلك الفهد مصدر السابق، ص. 10. في الوقت نفسه نرى أنه " منذ بدء التحولات السياسية الاصلاحية في الدولة العثمانية وحتى نهاية القرن التاسع عشر, شهدت اوضاع العلماء والاعيان تبدلات مهمة ومتناقضة شملت نفوذهم السياسي والاجتماعي, حيث واجه العلماء أسوء الظروف بعد قيام ثورة تركيا الفتاة عام 1908. وعلى أثرها قوبلت الحركة الدستورية وكتابات المفكرين الاسلاميين التجديديين في تونس ومصر وبلاد الشام بحملة دعائية مضادة في العراق من أجل تدعيم موقف السلطان عبد الحميد تحت غطاء ديني مستند إلى مبدأ طاعة أولى الأمر " د. عامر حسن فياض, جذور الفكر الديمقراطي, ص. 311, مصدر سابق. [46] حسن العلوي، التأثيرات التركية في المشروع القومي العربي في العراق، ص. 47، دار الزوراء ، لندن 1988. [47] د. محمد جمال طحان، علاقات الاستبداد- دراسة في فكر عبد الرحمن الكواكبي، ص.84، مجلة النهج ،العدد67، صيف 2002، دمشق. [48] المصدر السابق ص.98 [49] د. إمام عبد الفتاح إمام, الطاغية, ص. 89, مصدر سابق. [50] كانت المدن التي تستحق تسميتها (كبيرة) كانت قلبلة جداً, إذ لم يوجد هناك مدينة يزيد عدد سكانها على المائة ألف سوى مدينة بغداد التي قدر عدد سكانها آنذاك بربع مليون نسمة. راجع الحصري,ص. 100 وما بعدها, مصدر سابق . [51] محمود عزمي، جبهة من الشعوب العربية وضرورة خلقها وكيفية تأليفها، مجلة الهلال ، عدد نوفمبر 1938، القاهرة. مستل من فرهاد إبراهيم ، الطائفية السياسية، مصدر سابق، ص. 134. [52] عامر حسن فياض ، جذور الفكر لاشتراكي، مصدر سابقن 51
#عقيل_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الضباط والسياسة في العراق الحديث :مدخل تاريخي
-
عودٌ إلى البدء في أرأسيات التطور: 14 تموز: جدلية الفهم والمو
...
-
البيئة الاجتماعية لبغداد ومحلاتها الشعبية
-
من تاريخية الأنقلابية في العراق الحديث
-
أفكار أولية: عن طبيعة ومهام المؤسسة العسكرية في عراق المستقب
...
-
مدخل نظري: من ملامح المؤسسة العسكرية العراقية
-
الإرهاصات الفكرية للمساواتية الحديثة في العراق الحديث
-
دور الفـرد في التاريـخ - عبد الكريم قاسم نموذجاً
المزيد.....
-
هل يمكن أن يعتقل فعلا؟ غالانت يزور واشنطن بعد إصدار -الجنائي
...
-
هيت .. إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم
-
ما هي حركة -حباد- التي قتل مبعوثها في الإمارات؟
-
محمد صلاح -محبط- بسبب عدم تلقي عرض من ليفربول ويعلن أن -الرح
...
-
إيران تنفي مسؤوليتها عن مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات
-
سيدة من بين 10 نساء تتعرض للعنف في بلجيكا
-
الدوري الإنكليزي: ثنائية محمد صلاح تبعد ليفربول في الصدارة
-
تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية وقتال عنيف
...
-
هل باتت الحكومة الفرنسية على وشك السقوط؟
-
نتنياهو يوافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. هل تصعيد
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|